عملية قادش

عودة للموسوعة

عملية قادش

إسرائيل تغزوسيناء

العملية قادش، هي عملية عسكرية قامت بها القوات الإسرائيلية بالتعاون مع القوات البريطانية والفرنسية لشن هجوم على القوات المصرية في شبه جزيرة سيناء في اكتوبر 1956، والتي تعتبر بداية للعدوان الثلاثي على مصر.


أحداث العملية

في أكتوبر 1956 شنت القوات الإسرائيلية عملية قادش (الأسم الكودي لعملية الهجوم الإسرائيلية على سيناء أثناء العدوان الثلاثي) بالتعاون مع قوات بريطانية وفرنسية، وهي العملية الوحيدة في تاريخ إسرائيل التي تم تطبيقها بالتعاون مع دول أجنبية.

وفي اللقاء كانت مصر على الجبهة وحدها إذ لم تشارك في هذه الحرب دول عربية أخرى، على الرغم من معاهدات الدفاع المشهجر التي سقطت عليها مع مصر.

في هذا التوقيت لم تكن إسرائيل تملك قوات بحرية بالمعنى المفهوم إذ لم تكن عُدتها تتجاوز بضع من لنشات مسلحة.

وفي ساعة مبكرة من صباح اليوم الثالث لعملية قاديش، سقطت المعركة البحرية المهمة الوحيدة في هذه الحرب حيث تعرضت الفرقاطة المصرية لمجموعة من السفن الفرنسية والانجليزية امام الشواطئ المصرية وكانوا اكبر منها واكثر منها قوة .... وهم بدءوا بالسؤال .... من انت ؟ وهى اشارة معروفة لأهل البحر عند تقابل السفن الحربية مع بعضها لتعلن جميع منها عن جنستها واسمها .... ولكن الوضع هنا لم يكن كذلك .... فالمياة مياهنا وامام شواطئنا ..... فردت عليهم الفرقاطة ابراهيم .... بل من انتم ؟

وتقول الرواية الإسرائيلية التى أوردتها عدة مصادر حتى الفرقاطة المصرية (إبراهيم الأول) أبحرت في ساعة مبكرة من صباحعشرة أكتوبر 1956 في خليج حيفا قادمة من بورسعيد ومزقت صمت الفجر بـ 220 طلقة أستهدفت بها ميناء حيفا ومصفاة النفط القريبة في عملية معدة من قبل على ما يبدو.

خريطة خطة عملية قادش سيناء


تصريحات الرئيس جمال عبد الناصر إلى مجلة آخر ساعة عن العدوان الثلاثي ٥/١٢/..

التحقيق الصحفي الذي أجراه جمال عبدالناصر يومخمسة ديسمبر مع آخر ساعة ،لنري ونقرأ الحقيقة بين سطوره ...



إن العمليات العسكرية التى بدأت في سيناء مساء ٢٩ أكتوبر لها مقدمة صغيرة، أحب حتى أمر بها قبل حتى أدخل إلى الموضوع.. مقدمة صغيرة.. مقدمة سياسية شهدتها مدينة نيويورك - مقر الأمم المتحدة - في مطلع شهر أكتوبر نفسه الذى شهدت الأيام الأخيرة منه عمليات سيناء.

فى أكتوبر درس مجلس الأمن معضلة قناة السويس، وانتهى فيها إلى مبادئ ستة تستهدف الوصول إلى حل سلمى لهذه المشكلة، رأى حتى تدار حولها مفاوضات تكفل للعالم المهتم بالملاحة في قناة السويس جميع ما يدعوه إلى الاطمئنان على حرية هذه الملاحة وعلى كفايتها.

وقبل حتى تنتهى جلسات مجلس الأمن، وبعد حتى انتهت جلسات مجلس الأمن؛ كانت هناك اجتماعات تعقد في مخط "المسيوداج همرشولد" - السكرتير العام للأمم المتحدة - ويشهجر فيها الدكتور محمود فوزى - وزير خارجية مصر- و"المستر سلوين لويد" - وزير خارجية بريطانيا - و"المسيوكريستيان بينو" وزير خارجية فرنسا.

ولم تكن هذه الاجتماعات التى تعقد في مخط السكرتير العام للأمم المتحدة، وبحضوره، هى المفاوضات التى نادى إليها مجلس الأمن، وإنما كانت من غير شك الاتصالات الاستكشافية التى لابد حتى تسبقها. وانتهت اجتماعات نيويورك إلى تفاهم على بعض النقاط، ثم افترق المجتمعون على حتى يلتقوا مرة ثانية قريبة ليواصلوا البحث، ويتموا تنسيق وجهات النظر، وهجروا "للمسيوداج همرشولد" مهمة تحديد موعد الاجتماع المقبل.

ولم تمض أيام حتى تلقت الحكومة المصرية رسالة من السكرتير العام للأمم المتحدة يقترح فيها مكان الاجتماع الجديد وزمانه، وكان المكان هوجنيف، وكان الزمان هويوم الاثنين ٢٩ أكتوبر.

وبعثت مصر من فورها إلى السكرتير العام للأمم المتحدة تخطره بموافقتها على المكان والزمان اللذين اختيرا للاجتماع، هذا بينما تلكأت الحكومة البريطانية، والحكومة الفرنسية معها.

ثم بدأت الأخبار تجىء من لندن وباريس بأن الأمر ينطوى على أكثر من تلكؤ، وبات واضحاً حتى لندن وباريس تحاولان انتحال المعاذير حتى تتهربا من الموعد المضروب يوم ٢٩ أكتوبر. لقد كانت الحكومتان - حكومتا لندن وباريس - قد ارتبطتا بموعد آخر في نفس يوم ٢٩ أكتوبر في صحراء سيناء وليس في جنيف!

ولم يكن الاجتماع مع مصر وإنما كان مع إسرائيل، ولم يكن لإيجاد حل لمشكلة قناة السويس، وإنما كان القصد من الاجتماع الثلاثى الجديد هوتدمير مصر تدميراً كاملاً شاملاً.. أجل تدميراً كاملاً شاملاً.

وتلك هى الحقيقة التى لا تستطيع أطراف المؤامرة الثلاثية الآن إنكارها أوالتنصل من تبعاتها، وهى الحقيقة التى لا يستطيع هؤلاء الأطراف الثلاثة حتى ينتحلوا لها عذراً من إقدام الحكومة المصرية على تأميم قناة السويس.

لقد أوضحت المؤامرة - طريقتها، وخطتها، والأطراف المشهجرة في تطبيقها - حتى الأمر لم يكن أمر قناة تمر في مصر، وإنما كان الأمر أمر مصر كلها.. مصر نفسها بكل ما تمثله اليوم، وكل ما تنادى به، وكل ما كرست حياتها من أجله؛ لأنه دورها الذى لامناص لها من القيام به.

إن فرنسا مثلاً لم تحاول حتى تخفى حتى حماستها في قتال مصر كانت دفاعاً عن موقفها اليائس في الجزائر، وبريطانيا مثلاً لم تحاول حتى تخفى حتى في الجذور الدفينة لعملها ضد مصر؛ حتى قوة مصر العسكرية - كما نطق المسئولون الإنجليز في مجلس العموم البريطانى - أصبحت خطراً يهدد بريطانيا.

وإذن فالمؤامرة لم تكن تقصد إيجاد حل لمشكلة قناة السويس، ولوكان ذلك هوالهدف لتم اجتماع جنيف، وإنما كان القصد أبعد من ذلك، وأعمق، وأضم، الأمر أمر بلد يريد حتى يستقل، ولكن هل يرضى له الاستعمار حتى يستقل؟.. وكيف يستقل؟‍ الأمر أمر بلد يريد حتى يصبح قوياً، ولكن هل يرضى له الاستعمار حتى يقوى،يا ترى؟ وكيف يقوى،يا ترى؟ الأمر أمر بلد كسر احتكار السلاح، ولكن هل يرضى له الاستعمار حتى يكسر احتكار السلاح؟.. وكيف يسمح له،يا ترى؟ الأمر أمر بلد يدعوللحرية، يدعوبها لنفسه وللآخرين، ولكن هل يهجره الاستعمار يدعوللحرية؟.. وكيف يهجره؟‍ الأمر أمر بلد يريد حتى يحرر اقتصاده، ولكن هل يرضى الاستعمار حتى يتحرر اقتصاده؟.. وكيف يتحرر؟‍ الأمر أمر القومية العربية التى أصبحت عقيدة منطقة بأسرها، ولكن...

لقد كانت هذه هى الأسباب الحقيقية لاجتماع أطراف المؤامرة الثلاثية في سيناء، كانت تلك تمهيداً للمقدمة للعمليات العسكرية التى بدأت مساء ٢٩ أكتوبر. منذ اللحظة الأولى التى تلقينا فيها التقارير عن الهجوم الإسرائيلى، أدركنا أننا نقابل هجوماً عسكرياً حقيقياً وليس مجرد حادثة من الحوادث التى كثر تكرارها على الجنود. وكانت الأنباء الأولى عن هذا الهجوم تبين حتى اتجاهه كان الطريق الجنوبى مـن سيناء، وهوطريق لم يكن الإسرائيليون يستطيعون منه إلحاق أى خسائر بأفرادنا، هذا إذا كان الأمر مجرد غارة من الغارات التى يشنونها للانتقام؛ ذلك حتى جميع مراكزنا على الطريق الجنوبى خالية تماماً، ليس فيها إلا نقط حدود لمجرد الإنذار والتبليغ.

ولقد كانت أوضاعنا الدفاعية في ذلك اليوم كما يلى:

- قطاع غزة: كان الحرس الوطنى يتحمل مسئولية الدفاع عنه من غير عتاد ثقيل، مع الطلائع الأولى لجيش فلسطين، فقد كنا ندرك دائماً أنه من الناحية العسكرية البحتة يسهل عزل هذا القطاع عن باقى الجبهة.

- خط الحدود المصرية ـ الفلسطينية: وكانت هناك ست كتائب من القوات المسلحة النظامية تتولى الدفاع عنه على النحوالتالى:

١ - رفح: ويتولى الدفاع عنها كتيبتان من المشاة بأسلحتهما.

٢ - العريش: ويتولى الدفاع عنها كتيبتان من المشاة بأسلحتهما المعاونة، ومنها أُرطة من دبابات "الشيرمان" الأمريكية، وكذلك كانت العريش مقر منطقة الشئون الإدارية.

٣ - أبوعجيلة: ويتولى الدفاع عنها كتيبتان من المشاة بأسلحتهما المعاونة.

وكانت جميع قوة الجيش الضاربة تعسكر غرب القناة، وكان تقديرنا العام للموقف الذى بنى على أساسه توزيع قواتنا في الجبهة، هوكما يلى:

- إذا كان هدف إسرائيل هوالقيام بحوادث أوغارات؛ فإن اتجاهها يجب حتىقد يكون إما إلى قطاع غزة، وإما إلى مواقعنا المتقدمة على الحدود؛ فهناك يمكن إلحاق خسائر بنا في الأفراد تخدم الغرض المقصود من القيام بالحوادث والغارات.

- أما إذا كان هدف إسرائيل هوالقيام بهجوم عام على مصر؛ فإن الطريق الذى يجب حتى تأخذه قواتهم هوالطريق الجنوبى؛ حتى تستطيع قواتهم القيام بحركة التفاف حول الطريق الأوسط المؤدى إلى أبوعجيلة. وإذن فيجب حتى تظل قواتنا بعيدة إلى الوراء، حتى تكون في الموقف الذى يسمح لها باختيار الوضع الملائم لها، واختيار مكان المعركة.

كان هذا هوالتقدير العام للموقف، وضع منذ أغسطس سنة ١٩٥٥، وظل سارياً حتى يوم ٢٩ أكتوبر سنة ١٩٥٦، يوم بدأت المؤامرة.

وأهجر الآن قواتنا ومواقعنا، وأنتقل إلى قوات العدوومواقعه، وحين أتحدث الآن عن قوات العدوومواقعه، فأنا لا أعتمد في هذا على الاستنتاج ولا على الظن؛ وإنما أعمل ذلك معتمداً على الحقائق المستمدة من وثائق العدوذاتها.

لقد أسقطت مدفعية الأردن طائرة "الكولونيل إساف سمحونى" الذى كان مكلفاً بقيادة عمليات سيناء، كانت أوراق الضابط الإسرائيلى بقرب جثته مع حطام الطائرة، ومن هذه الأوراق، وعلى أساس ما فيها، مؤيداً بما رأيناه أمامنا عملاً من تحركات وعمليات؛ أبنى كلامى.

لقد كانت الخطة الإسرائيلية - أوبمعنى أدق دور إسرائيل في المؤامرة الكبرى - كما يلى، طبقاً لنصوص الوثائق، وبينها أوامر العمليات العملية التى كانت مع جثة "إساف سمحونى":

١ ـ اللواء رقم ٢٠٢: ومهمته احتلال منطقة ممر ميتلا، وعملياته لتحقيق هذا الهدف هى:

- تهبط الكتيبة رقم ٨٩٠ بالجوعند سدر الحيطان. - تتحرك قوات اللواء من الكونتيلا، ثم إلى نحل، ثم إلى سدر الحيطان، ثم تتجه إلى ممر ميتلا.

٢ ـ المجموعة رقم ٣٨ المكونة مما يلى: - اللواء السابع المدرع. - اللواء الرابع المشاة. - اللواء السابع والثلاثون مشاة. ومهمتها التقدم رأساً إلى الإسماعيلية، بعد احتلال أبوعجيلة.

٣ ـ المجموعة رقم ٧٧ المكونة مما يلى: - اللواء السابع والعشرون المدرع. - اللواء الأول المشاة. - اللواء الحادى عشر مشاة. - اللواء الثانى عشر مشاة. وكانت مهمتها حتى تحتل رفح والعريش، وبذلك يتم عزل قطاع غـزة، ثم يتم احتلاله.

٤ ـ اللواء التاسع: وكانت مهمته حتى يتحرك من إيلات إلى شرم الشيخ لاحتلالها.

وكان معنى هذه الخطة حتى القوات الإسرائيلية تتحرك على الجبهة الأصلية في ثلاثة محاور:

المحور الأول: لواء من المشاة وكتيبة من الهابطين بالباراشوت على ممر ميتلا. المحور الثانى: لواء مدرع مع لواءين من المشاة على أبوعجيلة ثم الإسماعيلية. المحور الثالث: لواء مدرع مع ثلاثة ألوية من المشاة على رفح والعريش وغزة.

ولم تكن لنا مواقع في لقاءة محور الحركة الإسرائيلى الأول. أما المحور الثانى فلم يكن لنا أمامه إلا كتيبتان في مواقع أبوعجيلة. وفى المحور الثالث كان لنا كتيبتان من المشاة مع الأسلحة المعاونة في رفح، وكتيبتان من المشاة، وأرطة دبابات "شيرمان" مع الأسلحة المعاونة في العريش.

وبدأت العمليات يوم ٢٩ أكتوبر مع غروب الشمس. وكانت الحوادث تجرى بسرعة مساء ٢٩ أكتوبر؛ تحركت القوات الإسرائيلية من إيلات إلى الكونتيلا إلى تمد من غير مقاومة - من طبيعة الحال - لأنه لم تكن لنا قوات فيها؛ حيث حتى وضع أى قوات في هذه المنطقة يعرضها للعزل، وفى نفس الوقت هبطت كتيبة المظلات عند مضيق سدر الحيطان، إنه هجوم عام!

وتتبعنا أخبار العالم نحاول حتى نعهد رد العمل، خصوصاً في لندن وباريس، ومن لندن اتى على لسان المتحدث الرسمى لوزارة الخارجية البريطانية، حتى الحكومة البريطانية لا تنوى استغلال القتال الذى نشب فجأة في سيناء لصالحها.

وإذن فتوضع خطتنا للقاءته موضع التطبيق، وعلى الفور كان هيكل خطتنا هو:

دفاع على الحدود، وحركة في الداخل؛ دفاع على الحدود يشغل العدوويعوق تقدمه، وحركة في الداخل تتجه إلى مراكز حشد تتحرك منها قواتنا الضاربة لتقابل العدوفي المعركة الفاصلة، في المكان والزمان اللذين يلائمانها ويحققان لها أوفر عوامل النصر، وكان تقديرنا حتى يتم ذلك يوم ٥ أو٦ من نوفمبر. إلى غير ذلك في نفس الليلة مساء ٢٩ أكتوبر قامت قواتنا بالتحركات التالية:

- لواء من المشاة يتحرك إلى ممر ميتلا في لقاءة سدر الحيطان؛ ليمنع تحرك قوات العدوغرب سدر الحيطان.

- كتيبة مشاة تتحرك على الطريق الساحلى إلى العريش لتعزيز دفاعها.

- قواتنا الرئيسية الضاربة، مجموعتان كاملتان من المدرعات قوامهما دبابات "ت ٣٤" التشيكية ومدافع "س.ى ١٠٠" الروسية، مع قوات المشاة الرئيسية، وكان اتجاه هذه القوة الرئيسية إلى منطقة بير روض سالم التى اختيرت مكاناً للحشد. وقبل منتصف الليل كانت هذه القوة تعبر قناة السويس إلى الشرق، متجهة بأقصى سرعتها إلى المكان المحدد لها.

وحتى هذا الوقت لم يكن قد وقع قتال بيننا وبين العدو، ولا دارت اشتباكات. وطلع صباح ٣٠ أكتوبر وبدأت الاشتباكات، وكانت مقاتلات سلاح الطيران المصرى طليعة المعركة مع أول ضوء في الفجر، وكان هجريزها الأول على كتيبة المظلات في سدر الحيطان، وعلَى اللواء المتقدم لتعزيزها على الطريق الجنوبى. وقد استطاعت هذه المقاتلات عملاً حتى تعوق تقدم هذا اللواء إلى نخل، التى كانت منتصف طريقه إلى تعزيز جنود المظلات.

أما النشاط الأرضى في ذلك اليوم فكان كله أومعظمه تحركات على الطريق الأوسط إلى منطقة التجمع في بير روض سالم.

وبدأ العدونشاطه في الصباح على القسيّمة، وكانت لنا في القسيمة كتيبة استطلاع تستعمل عربات "الجيب"، وكان عملها الأساسى تأخير تقدم العدو، والانسحاب أمامه لتنضم إلى قواتها الأصلية في أبوعجيلة، وتستعمل في انسحابها طريق الأسفلت بين القسيمة وأبوعجيلة. واستطاعت هذه الكتيبة حتى تشغل العدووتضيع عليه النهار بطوله، فلم يتأهب لهجومه على أبوعجيلة إلا عند الليل، ولم تستطيع هجمات الليل ضد أبوعجيلة حتى تؤثر في مقاومتها. وأعود الآن فأذكر حتى المعركة في أبوعجيلة كانت تدور بين لواء مدرع إسرائيلى ولواء من المشاة، ضد كتيبتين من المشاة مع أسلحة معاونة. ومع ذلك - أعود فأقول ثانية - لم تستطع هذه القوات المهاجمة حتى تتغلب على مقاومة القوات المصرية المدافعة عن أبوعجيلة، التى كان العدويريد حتى يقضى بأسرع ما يمكن على مواقعها الدفاعية، وبهذا يندفع غرباً إلى الإسماعيلية في عملية سريعة خاطفة، ومن هنا يتبين لما حشد العدوضد هذا المسقط الذى يتكون من كتيبتين من المشاة، لواء مدرع ولواءين من المشاة.

ولم يضع العدووقتاً في سبيل تحقيق غرضه؛ وفى ليلة ٣٠،٣١ بدأ هجوم ليلى ضد أبوعجيلة، ولم يستطع العدوحتى يحقق أى نجاح، وفشل الهجوم. وطلع صباح ٣١ أكتوبر لينسحب العدوبعيداً عن نيران أبوعجيلة، ولكنه انسحب لينظم نفسه ويبدأ هجوماً نهارياً ضد المسقط، مع تمهيد من طيرانه للهجوم بغارات مستمرة ضد مواقعنا في أبوعجيلة. واستطاعت قوات أبوعجيلة حتى تسقط ثمانى طائرات، وفشل هجوم العدوبعد حتى تكبد خسائر كبيرة في الدبابات؛ أربعين دبابة هجرت في أرض المعركة، بالإضافة إلى خسائره الكبيرة في الأفراد.

وانتهى نهار ٣١ بدون حتى يحقق العدوأى نجاح، ولكنه انسحب منهزماً بعد حتى تكبد خسائر فادحة. وكان النشاط على الأرض في نفس اليوم - فيما عدا هذا الذى ذكرته واستطردت فيه عن أبوعجيلة - هو:

- استمرار حشد القوة الضاربة المدرعة في منطقة بير روض سالم؛ تمهيداً ليوم المعركة الفاصلة.

- تقدم طابور مدرع خفيف عبر الصحراء عن طريق وادى المليز، فانقض من الناحية الأخرى على الفرقة الهابطة بالباراشوت؛ حتى يمنع تعزيزها ويشارك في إبادتها واحتلال مسقطها.

وأهجر العمليات العسكرية هنا قليلاً إلى العمليات السياسية التى جرت في نفس اليوم.. يوم ٣٠ أكتوبر. وينبغى هنا حتى أقول على الفور: إذا الإنذار البريطانى كان مفاجأة لنا، كنا نحسب حساب عمل عدائى ضد مصر من بريطانيا وفرنسا، ولكن كنا نستبعد حتى تشهجر بريطانيا مع إسرائيل في هذا العمل. وكان احتمال تدخل الإنجليز في معركة سيناء بشكل أوبآخر قائماً في حسابنا، ولكنه لم يكن الاحتمال الغالب، وكانت نسبته - إذا كان لابد حتى أستعمل الأرقام - هى خمسون في المائة فقط، ولما اتى الإنذار ارتفع احتمال التدخل العسكرى البريطانى ضدنا إلى سبعين في المائة، ولكن - مرة أخرى - لم أكن واثقاً تماماً من حتى هذا الاحتمال سهل الوقوع، وكنت أحاول حتى أقدر الموقف من الناحية البريطانية، بل وكنت أحاول حتى أضع نفسى مكان رئيس وزراء بريطانيا، وأسأل نفسى: إذا كنت مكانه فكيف أتصرف،يا ترى؟

وكان اعتقادى حتى أى عملية عسكرية تقدم عليها بريطانيا ضدنا - وخصوصاً ومن باب أولى إذا كانت تقدم عليها متحالفة مع فرنسا وإسرائيل - لن تكون لها نتيجة بالنسبة لبريطانيا إلا كارثة محققة، بصرف النظر عن النتيجة العسكرية البحتة التى يمكن حتى يسفر عنها القتال.

إن بريطانيا لها مصالح هائلة في الشرق الأوسط، وحماقة عسكرية من هذا النوع ستقضى على هذه المصالح. وليس معنى هذا أنى كنت أعتقد حتى الحديث عن استعمال القوة ضد مصر" تهويش"، وإنما معناه أننى كنت استبعد حتى يلجأ مسئول بريطانى إلى مثل هذه المستوى. وعلى أى حال فلقد ارتفعت نسبة إقدام بريطانيا - كما قلت - على عمل عسكرى ضدنا بعد هذا الإنذار إلى سبعين في المائة.

ومع ذلك - أقولها ثانية - ظلت في تصورى للأمر بقية من شك، كنت أتمثل مصالح بريطانيا في المنطقة؛ البترول، أنابيب البترول، التجارة، الثقافة، النفوذ السياسى، ثم في نهاية القائمة قناة السويس.. الشريان الحيوى لبريطانيا، إنها يفترض أن تتعطل دون شك.

وفوق هذا فإن العمل العسكرى ضد مصر لنقد يكون سهلاً كعمل عسكرى، ولقد رفضنا الإنذار البريطانى، وسبعون في المائة من تصورى أنه مقدمة لعمل عسكرى، ولكن ثلاثين في المائة من تصورى كانت تتخيله حركة سياسة يراد بها تعقيد عما هومعقد عملاً.

تخيلت حتى بريطانيا ترغب منا ألا نحشد جميع قواتنا ضد إسرائيل، وبهذا تستطيع إسرائيل حتى تحصل على نصر رخيص، في الوقت الذى نحجز فيه جزءاً من قواتنا لملاقاة بريطانيا.

وأعود إلى الموقف العسكرى صباح يوم ٣١ أكتوبر: كان سلاح الطيران للمرة الثانية هوالطليعة، كانت قاذفات قنابلنا طوال الليل تهطل على مطارات العدوفي إسرائيل، وكانت هناك عشرون غارة على هذه المطارات، وكانت المقاتلات المصرية من طراز "ميج ١٧" قد فاجأت العدوبظهورها، وأثبتت تفوقها على طائرة "المستير٤" الفرنسية التى كان العدويستعملها ويستعملها معه سلاح الطيران الفرنسى، الذى كان قد ولج المعركة عملاً بجانب الطيران الإسرائيلى.

ولقد تأكدنا من تفوق" الميج١٧" فوق مطار كبريت المصرى؛ فقد اتىت ثمانى طائرات للعدوتضربه، وتصادف عودة ثلاثة من الطائرات المصرية من هذا الطراز من عملياتها فوق الجبهة، وإذ هى تصل إلى مطارها - مطار كبريت - وطائرات العدوفوقه، وتدخلت الطائرات المصرية الثلاث في المعركة من غير انتظار، وانقضت على طائرات العدو، واستطاعت جميع واحدة منها حتى تسقط واحدة من طائرات العدو، بينما لجأت باقى طائراته إلى الهرب. أما النشاط على الأرض فقد كان مازال دائراً حول أبوعجيلة، بدون حتى يحقق العدوأغراضه. وقبل حتى ينتهى اليوم انكشفت حدود المؤامرة، واستبانت خفاياها.

فى السابعة مساءً كنت في بيتى أقابل السفير الإندونيسى، وسمعت صوت صفارات الإنذار، ثم سمعت مباشرة أزيز الطائرات المغيرة، وأدركت على الفور أنها غارة بريطانية، كانت الطائرات المغيرة نفاثة، والطائرات النفاثة الوحيدة في شرقى البحر الأبيض لا يمكن حتى تكون إلا واحدة من نوعين: الـ "اليوشن ٢٨" الذى تملكه مصر، أو"الكانبيرا" البريطانية.

وتيقنت على الفور حتى بريطانيا تدخلت عسكرياً في المعركة، وأردت حتى أتأكد على أى حال، فهجرت السفير الإندونيسى وصعدت إلى سطح المنزل أراقب الغارة، وأسمع صوت الطائرات لأتأكد أنها طائرات بريطانيا. ثم تلقيت بعدها الإعلان البريطانى - الفرنسى عن بدء عمليات حربية ضد مصر. وعلى وهج المصابيح المشتعلة التى كانت الطائرات المغيرة تلقيها على مطار القاهرة الدولى - وكانت الغارة البريطانية الأولى عليه - رأيت المؤامرة كلها، ولم يكن الوهج يكشف منطقة المطار وحدها، وإنما كان هذا الوهج يكشف في أفكارى منطقة الشرق الأوسط بأسرها.

إذن فإن الهجوم الإسرائيلى لم يكن هدفه إلا عودة قواتنا الرئيسية إلى سيناء، ثم إقفالها وبتر الطريق عليها باحتلال منطقة القناة، وبهذا يحقق العدوهدفين:

الهدف الأول: تحطيم قواتنا العسكرية شرقى القناة تحطيماً تاماً، بعد حرمانها من المساعدة الجوية. الهدف الثانى: دخول مصر واحتلالها بدون مقاومة منظمة؛ إذ حتى مصر ستكون بغير جيش يدافع عنها.

وكان واضحاً حتى علينا في هذه اللحظة حتى نراجع جميع خططنا. وخرجت من بيتى إلى مبنى القيادة العامة للقوات المسلحة، وكان هناك اجتماع كبير استقر رأينا فيه على ضرورة الانسحاب السريع من سيناء، وتوحيد نشاطنا العسكرى كله غرب القناة، كان اجتماعنا قد استغرق ساعتين، بدأ في الثامنة وانتهى في العاشرة.

وكان أبرز جزء في خططنا حتى يتم الانسحاب بسرعة قبل حتى يفلت الوقت ويتحقق للعدوما أراد، تنسحب جميع قواتنا من الحدود إلى منطقة القناة، على حتى يتم الانسحاب على ليلتين: ليلة ٣١ أكتوبر و١ نوفمبر، وليلة ١/٢ نوفمبر.

فى الليلة الأولى: ٣١ أكتوبر/١ نوفمبر: يتم انسحاب قوات رفح مستخدمة الطريق الشمالى، يتم انسحاب نصف القوات المتجمعة في منطقة الحشد عند بير روض سالم.

فى الليلة الثانية: يتم انسحاب القوات الرئيسية في العريش، القوات الرئيسية في أبوعجيلة، على حتى تهجر جميع منها جماعات خلفية لتعطيل العدوحتى ظهر ٢ نوفمبر.

ولم يكن في إمكاننا حتى نقدر لإتمام الانسحاب أقل من هذه المدة، بل لقد كانت معجزة حتى يتم الانسحاب في مثل هذه المدة. وكنا في سباق مع الساعات، بل مع الثوانى. وكانت تلك الفترة - مساء ٣١ أكتوبر مع أول نوفمبر- من أخطر الفترات في تاريخنا. وحين صدرت أوامر الانسحاب إلى قوات رفح، كان العدوقد بدأ الهجوم. كان لابد حتى تبدأ قواتنا في رفح بالانسحاب؛ لأنه كان هناك هجوماً مركزاً عليها.

واتصل قائد رفح بقيادته يقول: إنه يستطيع حتى يقاوم هجوم العدوويحتفظ بمواقعه، أما الانسحاب تحت ضغط العدوفسيكون أمراً صعباً للغاية. وتلقى قائد رفح الأوامر بأن عليه الانسحاب قبل أول ضوء، وأن عملية انسحابه متصلة بخطة كبيرة.

وفى نفس الوقت الذى كانت رفح تنسحب فيه، كانت القوة الرئيسية المتجمعة في منطقة الحشد في بير روض سالم قد أعادت نصف قواتها في اتجاه الغرب إلى قناة السويس، ومع حتى أضواء الصباح أدركت هذه القوة قبل اجتياز القناة، وبالتالى أدركتها طائرات العدوالبريطانى - الفرنسى، وراحت تهاجمها؛ إلا حتى انسحابها تم بنجاح، ولكنها تكبدت خسائر معظمها في العربات نتيجة الهجوم الجوى البريطانى - الفرنسى.

ثم عاد العدوإلى هجريز هجومه على أبوعجيلة، التى كان قد فشل مرتين في الاستيلاء عليها من الأمام، ولكنه الآن غير خططه، وبدأ في ليلة ٣١ أكتوبر وأول نوفمبر يهاجمنا مرة ثالثة. وفى هذه المرة كان الهجوم من الأمام والخلف، حرك العدوبعض قواته حول أبوعجيلة وبدأ هجومه من الخلف، بالإضافة إلى الهجوم الأمامى. اصطدمت القوات المهاجمة من الخلف بقوة منفصلة قوامها سرية مشاة عند سد الروافعة، واستطاعت هذه السرية حتى توقف تقدم العدو، لقد كانت مفاجأة للقوات المهاجمة غيرت العدوعن غرضه فاستدار إليها يهاجمها. ولقد تكبدت هذه السرية خسائر كبيرة، ولكنها منعت العدومن تحقيق غرضه، ولم يستطع حتى يكمل عمليته الأصلية بالهجوم على أبوعجيلة.

أما الهجوم الأمامى الذى بدأ في الساعة الثالثة بعد منتصف الليل، فقد استطاع حتى ينجح في الاستيلاء على جزء من المواقع. ومع ذلك - وبرغم ذلك - ففى أول ضوء يوم الخميس قامت قوات أبوعجيلة بهجوم مضاد، استعادت فيه المواقع من الإسرائيليين، بعد حتى هجروا في أرض المعركة ٧٠ عربة مصفحة نصف جنزير. وأكثر من ذلك، استمرت قوات أبوعجيلة في التقدم إلى منطقة تجمع العدو، واستطاعت حتى تحتل هذه المنطقة. إلى غير ذلك في صباح الخميس ١ نوفمبر - بعد جميع هذه العمليات - عاد الموقف كما كان يوم ٢٩ أكتوبر، وزاد عليه أنه كان في أرض المعركة ٤٠ دبابة إسرائيلية و٧٠ عربة نصف جنزير. ووصلت طائرات العدو، وبدأت بضرب الدبابات والعربات التى هجرت في أرض المعركة، حتى لا تقع في يد قواتنا. وبعد حتى انتهت من هذا الواجب بدأت في ضرب مواقع أبوعجيلة مرة أخرى. واتى يوم أول نوفمبر، وكان الطيران المصرى هوالطليعة للمرة الثالثة، ففى نفس الوقت الذى كان العدوالبريطانى - الفرنسى يغير علينا وعلى مطاراتنا كلها، كانت قاذفات قنابلنا قد قامت بعشرين غارة ثانية على مطارات إسرائيل. وكانت مقاتلات العدوتحاول عرقلة انسحاب قواتنا الرئيسية.

أما النشاط الأرضى فقد كان كله مركزاً - مرة أخرى - حول أبوعجيلة، وأُخطر قائد أبوعجيلة بأن عليه حتى يحاول الانسحاب بدوره هوالآخر، بعد حتى ينتهى دوره في ستر الانسحاب. ورد قائد أبوعجيلة بأن العدويحاصر مواقعه من جميع ناحية، ولكن مواقعه كلها متماسكة. ومع مجىء الظلام اتصل قائد أبوعجيلة بقيادته يقول: إنه سيأمر بعض قواته حتى تتسلل خارجة من مواقعها، حاملة أسلحتها الخفيفة، حتى تنضم إلى قوة العريش وتنسحب معها، إنه سيدمر جميع ما لديه من سلاح ثقيل حتى لا يقع في يد العدو.

ونفذ قائد أبوعجيلة ما نطقه عملاً، وأخذت قواته تتسلل فرداً فرداً من خلال مواقع العدوالذى كان يحيط بها من جميع ناحية، ولم يبق في أبوعجيلة غير قوة مؤخرة، كان يتعين عليها حتى تقاتل طوال يـوم ٢ نوفمبر، ثم تنسحب بالليل، بعد حتى تكون عملية الانسحاب الكبيرة كلها قد نفذت عملاً.

أما قوة العريش فقد استطاعت حتى تنسحب قبل صباح ٢ نوفمبر، رغم تعرضها لغارات جوية مستمرة دمرت عدداً كبيراً من عرباتها.

ثم اتى يوم ٢ نوفمبر، آخر يوم في خطة الانسحاب. لم يكن نشاط العدوالجوى الذى أقصده هوالعدوالإسرائيلى، وإنما كان العدوفي سيناء في ذلك اليوم هوالعدوالبريطانى، الذى راحت طائراته في هجمات مغيظة محنقة على الانسحاب الذى أفسد المؤامرة، تحاول إلحاق أكبر قدر من الخسائر بالنصف الثانى من القوة الرئيسية العائدة من مركز الحشد في بير روض سالم. وكانت أكبر خسائرنا في العربات؛ فقد كانت طلقات المدافع الرشاشة من طائرات العدوتنفذ إليها وتعطل سيرها.

أما في أبوعجيلة فقد كانت قوة حماية المؤخرة مازالت تقاوم، ولم يكن العدوقد كشف بعد تسلل جزء كبير من قوة أبوعجيلة، ونطق قائدها: إنه سينقل الجرحى أولاً إلى الغردقة بقوارب تعبر البحر الأحمر عند مدخل خليج السويس، ونطق القائد أيضاً: إذا انسحاب قواته قد يحدث متعذراً، وإنه لهذا يؤْثر الدفاع عن مسقطه.

وخرجت القوارب تحمل الجرحى عملاً، وكانت هناك سفينة تدريب صغيرة هى السفينة دمياط، والتقت هذه السفينة الصغيرة بثلاث مدرعات كبيرة من مدرعات الأسطول البريطانى تتقدمها المدرعة "نيوفوندلاند"، وإذ المدرعات الثلاث هجرز نيرانها على سفينة التدريب الصغيرة.

إلى غير ذلك قصد الأسطول البريطانى من البحر إلى شرم الشيخ، بينما تقدم اللواء الإسرائيلى التاسع إلى مهاجمتها من الأرض، وفى الوقت نفسه كان فوقها هجريز كبير بالطيران المعادى خصوصاً من طيران فرنسا. وفى يوم ٦ نوفمبر- بعد أسبوع تام - استطاع العدواحتلال شرم الشيخ.

وأعود إلى عملية الانسحاب مرة أخرى، لقد شعرت على الفور ساعة أخطرت حتى عملية الانسحاب قد تمت كلها، حتى مصر كسبت المعركة حين أحبطت خطة العدو. كانت خطة العدوهى تدمير قواتنا المسلحة كلها تدميراً كاملاً، ومن ثم يصبح من السهل بعدها سحق مصر، وكانت مناورة العدوباستعمال إسرائيل في مؤامراته حتى يستدرج قواتنا المسلحة إلى العراء في سيناء ليعزلها ويقضى عليها. ولوحتى قرار الانسحاب كان قد تأخر أربعاً وعشرون ساعة فقط، لكان الأمر كله الآن قد انتهى.

ولقد خسرنا خلال عملية الانسحاب.. خسرنا مثلاً ثلاثين دبابة من طراز ٣٤ التشيكى؛ نتيجة للضرب البريطانى من الجو، ولكنى لا أقول إننا خسرنا هذه الدبابات، فإن حسابى يختلف؛ أنا أقول إننا كسبنا ١٧٠ دبابة. لقد كان لنا في منطقة التجميع عند بير روض سالم ٢٠٠ دبابة، ولوكان الانسحاب تأخر، لكنا خسرناها حتى آخرها، ولهذا فأنا أقول إننا كسبنا ١٧٠ دبابة. ولقد كان سهلاً علينا - على أى حال - حتى نستعيض عن الثلاثين دبابة التى فقدناها بثلاثين أخرى من نفس الطراز. والأمر كذلك في العربات المدرعة، لقد خسرنا منها خمسين؛ ولكنى أقول إننا كسبنا مائتين وخمسين؛ فقد كان لنا هناك ثلاثمائة، لوكان الانسحاب تأخر لضاعت كلها. ولقد خسرنا أورطة دبابات "الشيرمان" التى كانت في العريش؛ لأنها لم تستطع تكملة الانسحاب، ولكنا كسبنا دباباتنا من طراز "ستالين"، ودباباتنا من طراز "سنتوريون"، ودباباتنا من طراز" Amx" ، وهذه كلها هى الأعمدة الضخمة التى تستند عليها قواتنا المدرعة، فقد كسبناها كلها، ذلك حتى هذه المدرعات لم تكن قد عبرت القناة إلى الشرق، وكانت - على أى حال - في طريقها إلى هناك عندما صدر قرار الانسحاب، فلما صدر، وقفت كلها مكانها، ونجت جميع واحدة منها. أما ما فقدناه من العربات، فقد عوضناه جميعه من مخازن الجيش البريطانى في قاعدة القناة.

بقى حتى جميع ما فقدناه لم يكسبه العدو.. الدبابات التى خسرناها لم يلحقها العدوإلا وهى محطمة لا تنفع للقتال. والعتاد الذى وجده العدوفي مواقع أبوعجيلة تم نسفه كله، غير سبعة مدافع من طراز ٢٥ رطلاً، وجدها العدوسليمة وبحالة تسمح له باستخدامها. تظل العربات - سواء ما كان منها مدرعاً أوما كان خفيفاً - وقد كان ما خسرناه منها قرب الضفة الشرقية من القناة، عندما اشتد هجريز الضرب من الطائرات على قواتنا المنسحبة عبر القناة.

هذه هى جميع عمليات سيناء، لم تكن هناك إلا معركة حقيقية واحدة هى معركة أبوعجيلة، وكان القصد منها تغطية عملية الانسحاب كلها. ولقد تمت عملية الانسحاب، أقول وأنا واثق مما أقوله إذا هذه العملية تعتبر معجزة في التحركات في الظروف التى تمت فيها، فقد كان سلاحنا الجوى قد خرج من المعركة صباح يوم ١ نوفمبر، وكانت قواتنا تنسحب تحت ضغط سلاح الطيران البريطانى والفرنسى والإسرائيلى.

أما بالنسبة لمسقط أبوعجيلة، فإن العدولم يستطع التغلب على المقاومة فيه إلا بعد حتى كان المسقط قد أدى الغرض من مقاومته، ثم بعد حتى كانت القوة الأساسية في المسقط قد تسللت منه مشياً على الأقدام عبر خطوط العدو، وكان آخر من وصل منهم أمس الأميرالاى سعد متولى قائد قوة أبوعجيلة. لقد أثبتت التجربة العملية حتى قوات إسرائيل الرئيسية عجزت أمام أبوعجيلة من يوم ٣٠ أكتوبر إلى يوم ٢ نوفمبر، ولم تدخل المسقط إلا بعد حتى تم انسحاب القوات التى كانت تحتل أبوعجيلة، وعند غروب شمس ٢ نوفمبر أعربت إسرائيل أنها استطاعت الاستيلاء على أبوعجيلة.


وهناك سؤال: لما لم تقم إسرائيل وحدها بتطبيق المؤامرة،يا ترى؟ ولماذا اشهجرت بريطانيا وفرنسا معها،يا ترى؟

لوكانت إسرائيل تستطيع ذلك وحدها، لكانت بريطانيا وفرنسا هجرتا لها وحدها مهمة الحرب ضد مصر، وقدمتا لها جميع ما بحاجة إليه من مساعدات، من غير ضجة، ومن غير حتى يشعر أحد، وكانت المعركة يومها تبدوأمام العالم وكأنها مصر وإسرائيل، وليست مصر وحدها ضد بريطانيا وفرنسا وإسرائيل.

ولقد أعطتنا التجربة الجديدة معلومات عن جيش إسرائيل، أزالت من خيال الكثيرين الأسطورة الخرافية التى حاولت إسرائيل - على مدى السنوات السبع الماضية - حتى تبثها في القلوب وفى العقول؛ إذا إسرائيل لم تستطع حتى تتقدم أمام قواتنا إلا عندما كانت الأوامر قد صدرت إلى هذه القوات بالانسحاب بعد تدخل بريطانيا وفرنسا، بل إذا اللواء ٢٠٢ الإسرائيلى لم يستطع حتى يتصل طوال يوم ٣٠ بكتيبة المظلات التى أسقطت في "سدر الحيطان"، رغم عدم وجود أية مقاومة أرضية، ولكنه أوقف بعمل الطائرات المصرية التى كبدته خسائر كبيرة، ولم يستطع حتى يصل تمد قبل ليل ٣٠ نوفمبر.

وكذلك لم تستطع إسرائيل احتلال أى بلدة من البلدان التى احتلتها كغزة ورفح والعريش، إلا يوم ٢ نوفمبر، وبعد حتى كانت عملية الانسحاب من سيناء كلها قد انتهت وتمت بنجاح، وأعتقد حتى الدنيا كلها تفهم حتى خطة الانسحاب لم تكن بسبب إسرائيل.

بقى حتى أقدم دليلاً صغيراً مادياً، هودفتر عمليات "الكولونيل إساف سمحونى"؛ الذى قاد عمليات سيناء، الذى وجدت أوراقه بجانب جثته، بعد حتى أسقطت المدفعية الأردنية طائرته وهوعائد إلى تل أبيب بعد انتهاء العمليات. لقد تمت ترجمة المذكرات العبرية التى خطها "سمحونى" بيده قبل حتى يقابل مصرعه؛ لقد خط عن عمليات الطريق الجنوبى التى قام بها اللواء ٢٠٢، يقول ما نصه، نقلاً عن العبرية:

-" اللواء يتقدم إلى تمد ونخل.. اللواء ٢٠٢ يطلب طائرات لإجلاء الجرحى. - القوات معرضة لضرب شديد من الجو. - نشاط العدومستمر طوال اليوم، ولم نستطع نقل الجرحى".

وكذلك خط "سمحونى" بيده عن عمليات المجموعة ٣٨ التى تولت الهجوم على أبوعجيلة، يقول ما نصه نقلاً عن العبرية:

-" اللواء السابع المدرع يتقدم تجاه أبوعجيلة. - بعد احتلال أبوعجيلة هدفنا سيكون الحسنة. - اللواء السابع المدرع جنوب أبوعجيلة. هذه هى ملاحظاتى عن العملية: ١ ـ لم تكن هناك أوامر ثابتة للعمليات. ٢ ـ لم يكن هناك أى تنسيق مع الرئيس الأعلى. ٣ ـ غرفة العمليات لم تكن تخدم الفروع المتنوعة. ٤ ـ لم يكن القائد ولا أركان حربه في القيادة في بعض الأوقات. ٥ ـ لم تكن هناك اتصالات مستمرة مع الوحدات، ولم تكن هناك تقارير من القواد الكبار. 6 ـ الأوامر كانت تصدر من القائد، ولكن فرع العمليات لم يكن يتولى تنسيق النشاط. 7 ـ ضابط فرع العمليات لم يقم بإدارة العمليات. 8 ـ جميع الضباط في فرع العمليات هجروا أعمالهم، ولم تكن لهم مهمة إلا أنهم أصبحوا مجرد ضباط اتصال. 9 ـ غرفة ضابط العمليات الحربية تأخرت في العمل، ويجب حتى تكون ملاصقة لغرفة الحرب. 10ـ لم تكن هناك فائدة جدية من فرع المخابرات. 11ـ جرت محاولة للسيطرة على الوحدات بواسطة جهاز اتصال، نجح ولكنه لم يواصل وعطب. ملاحظة: لم يكن في الوحدات أى نوع من أنواع الترفيه". هذا هووصف قائد القوات الإسرائيلية في سيناء! إذا صوته من وراء القبر يتحدث ويروى حقيقة جيش إسرائيل. بقيت ملاحظة تبين إلى أى حد نجحت خطة الانسحاب في إفساد المؤامرة؛ لقد كان هدف المجموعة 38 - طبقاً لأوراق "سمحونى" - حتى تصل إلى الإسماعيلية وتلتقى هناك بالقوات الفرنسية - البريطانية، لقد فشل هذا كله، وتبدد كما يتبدد الدخان. لقد كان الله معنا، أنار لنا الطريق، وأعاننا على الأعداء

مقتطف من سطور كتاب " الوجه الآخر للميدالية، حرب السويس 1956 ، أسرار المقاومة السرية في بورسعيد" بقلم يحى الشاعر

الطـبعة الثـانية 2006 ، طبعة موسعة رقم الأيداع 1848 2006 الترقيم الدولى Isbn 977 – 08 – 1245 -خمسة



بدأ القصف في الساعة 3:30 صباحا تقريبا وأستمر لدقائق معدودات قبل ان تبدأ سفينة حربية فرنسية كانت راسية في الميناء في الرد على إطلاق النار بسرعة، لكن (إبراهيم الأول) أستطاعت الإبتعاد بالإتجاه الشمالي الغربي تحت غطاء الظلام نحومجموعة من السفن الأمريكية المحايدة.

وبعد أقل من نصف الساعة بدأت سفينتين بحريتين إسرائيليتين هما (إيلات، يافو) في البحث عن المدمرة المصرية.

وفي الخامسة صباحا تقريبا بدأت المعركة البحرية، وبعد تبادل الطلقات بدأت المدمرة المصرية في الإبتعاد نحوبيروت، ولعدم التكافئ كانت النتيجة معروفة مسبقا فلم يكن معروفا الا المدفعية كسلاح, وعيار مدافع الفرقاطة المصرية لم يكن يزيد عن أربعة بوصه وكانت مدافع العدوتصل الى ضعف ذلك وتزيدتسعة بوصه (اى ان الطفل الصغير يستطيع المرور من داخل ماسورة مدفعهم).

وفي الساعة 6:38 تقريبا تدخلت قوات الجوالإسرائيلية في المعركة وقامت طائرتان إسرائيليتان بقصف المدمرة فتم ضرب نظامها الكهربائي مما عطل أجهزة سيرها وحييد أسلحتها القتالية .. وخرجت المدمرة من المعركة.

وبالتالى بدأت الفرقاطة المصرية في الغرق وأمر قائدها طاقمه بالقفز في الماء لأنقاذ ارواحهم وبقى هووحده.

وفي السابعة وعشر دقائق تقريبا وقبل غرق الفرقاطة تماما قفز اليها رجال من البحرية الانجليزية ولأن السفينه انجليزية الصنع استطاعوا قفل بلوف معينة وتم قطرها إلى الخلف إلى حيفا وتم المحافظة على السفينة عائمة ولكن في حالة يرثى لها.


وتم تسليم السفينة لأسرائيل وأسمتها (حيفا) فكانت تربطها على احد ارصفة الميناء وتحمل عليها الفهم الاسرائيلي في اعلى وتحته الفهم المصري للدلاله انها سفينة اسرت في معركة.

وبعد فترة غرقت الفرقاطة ولم تستطع إسرائيل حتى تبحر بها مرة واحدة بالرغم من جميع الجهد والمصاريف التي صرفتها على ذلك فقد كانت السفينة محطمة تماما .


انظر أيضا

  • العدوان الثلاثي على مصر
  • الصراع العربي الإسرائيلي

المصادر

  1. ^ مسقط المؤرخ


تاريخ النشر: 2020-06-07 19:22:13
التصنيفات: 1956 في مصر, معارك العدوان الثلاثي, الصراع الإسرائيلي العربي

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

فوتسي راسل تضيف 5 شركات سعودية لمؤشراتها

المصدر: أرقام - الإمارات التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-05-21 12:24:56
مستوى الصحة: 32% الأهمية: 43%

الوحدة والخليج.. موقعة تفادي الهبوط

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-21 12:26:09
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 51%

القبض على إثيوبي يروّج الحشيش بالمنطقة الشرقية السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-05-21 12:24:32
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 57%

3 فوائد لاحتساب القيمة المضافة على السيارات المستعملة

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-21 12:25:56
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 64%

كيف استقبلت أول رائدة فضاء سعودية خبر اختيارها للرحلة؟

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-21 12:26:04
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 68%

أسعار المنتجات الورقية تحول «مبكو» للخسارة خلال الربع الأول

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-21 12:26:07
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 62%

السعودية نحو الفضاء.. المملكة تكتب التاريخ (تغطية خاصة)

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-21 12:25:53
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 63%

سعوديان أحدهما سيدة يستعدان للانطلاق إلى محطة الفضاء الدولية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-21 12:26:55
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 56%

سعوديان أحدهما سيدة يستعدان للانطلاق إلى محطة الفضاء الدولية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-21 12:26:51
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 61%

تحميل تطبيق المنصة العربية