أبوالهندي
أبوالهندي (غالب بن عبد القدوس) (ت. 180هـ/796م) شاعرٌ ماجنٌ اشتهر بمعاقرة الخمر واستهتاره بالمعاصي، وتروى له في ذلك أخبار ونوادر، لم يردعه عذل ولم يوقفه تذكير بنسب وتحذير من جرحه شرفاً أورثه إياه آباؤه، حتى قيل: إذا ما أخمل ذكره سقطد به عن أقرانه من الشعراء بُعده عن بلاد العرب وشغفه بالشراب وفسقه ورقة دينه، لذلك لم يعتن أهل الأدب بشعره، ولم ينوهوا به على الرغم من جودته وافتنانه فيه.
أبوالهندي، غالب بن عبد القدوس ابن شبث الربعي، كذا أورد نسبه صاحب كتاب «الأغاني»، وفي «طبقات ابن المعتز»: (عبد الله بن ربعي بن شبث بن ربعي الرياحي، وقيل: اسمه غالب).
واتفقت المصادر على أنه يعود بنسبه إلى بني رياح بن يربوع بن حنظلة، فهوإذن عربيّ تميمي، هبط خراسان ثم انتقل إلى سجستان من بلاد فارس، وظلّ يتردد إلى أمراء خراسان من وقت لآخر حتى توفي بإحدى قرى مروبخراسان في أوائل الدولة العباسية، وقيل: امتد به العمر قريباً من سنة مئة وثمانين للهجرة، فكان من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية.
وعهد أبوالهندي بظرفه وذكائه وحضور بديهته وسرعة أجوبته المفحمة في المواقف المتنوعة، وبدأبه على حياة اللهووالمجون، والاستغراق في الملذات وطلبها بأي طريقة وأي ثمن. ومع ذلك ظل يذكر نسبه ويفخر به كقوله:
شَبَثّ جَدّي وجدي مُؤْثَـــــرّ
لم ينازعني عُروقَ المُؤْتـَـَـشبْ
من بني شيبان أصلي ثابـــت
وبني يربوع فرسان العــــرب
أتلفَ المال وما جمّــــــعْتُهُ
طلبُ اللّذات من ماء الـعـنـــب
كان أبوالهندي شاعراً مطبوعاً فصيحاً، جيد البديهة، عذب الألفاظ، لطيف المعاني، يحسن التشبيه والتصوير، استغرق شعره في وصف الخمر وأدواتها ومجالسها وندمانها وسقاتها، وما يرافق مجالسها من غناء وموسيقا ورقص وقصف ومجون، وأجاد وصف أثر الخمر في شاربها، وما تهجره من نشوة وفرح في نفسه، وفتور في جسده، واضطراب في حركاته، وتحليق في تخيلاته، فأحيا طريقة الأعشى في خمرياته وزاد عليه، وكان أول من أسرف في وصفها من شعراء الإسلام، فأخذ عنه ذلك جماعة من الشعراء العباسيين كأبي نواس وأبي هفان والخليع وطبقتهم، واقتدروا على وصف الخمر بما وجدوه في شعر أبي الهندي وبما استنبطوا من معاني شعره، وبما احتذوا من أوصافه وتشبيهاته. فقد فتق القول في الخمر، وابتدع معاني جديدة وصورا غريبة، معتمدا على تجربة غنية في هذا الباب، أمدته بكل جوانب حديث الخمر ومواقفها، وساعدته قدرته اللغوية على التعبير الدقيق الواضح عن أدق المعاني وأخفاها.
وقد مال إلى ضرب من القصص في شعره، ولاسيما عندما يروي مغامراته في الحانات ومجالس الخمر بكل تدفق وسلاسة وجمال الأسلوب وتوفر الإيقاع ومتانة السبك، لا يتصنع ولا يتكلف، ولا يجد مشقة في التعبير الشعري عن الموضوع الذي ملك عليه حياته، وقيل إنه كان السبب في موته، فأوصى حتى يخط على قبره، فكُتب:
اجعلي إذا مت يوماً كفنــي
ورق الكرم وقبري مَـــعْصَرَهْ
إنني أرجومن الله غـــدا
بعد استهلك الرّاح حسن المَـغْفِرَهْ
وقد جُمع شعره من مظانه في ديوان، وطُبع، ومن شعره قوله:
إذا صليت خمسا جميع يوم
فإنّ الله يغفرُ لي فسوقـــــي
ولم أشرك برب الناس شيئاً
فقد أمسكت بالحبل الوثـيــق
وجاهدتُ العدوّ ونلت مالاً
يبلغني إلى البيت العتيــــق
فهذا الحقّ ليس به خفـاء
دعوني منُ بنّيّات الطريــق
المصادر
- محمود سالم محمد. "أبوالهندي (غالب بن عبد القدوس)". الموسوعة العربية.
للاستزادة
- ابن قتيبة، الشعر والشعراء (تصوير طبعة ليدن، دار صادر، بيروت، د.ت).
- ابن المعتز، طبقات الشعراء المحدثين، تحقيق عبد الستار فراج (دار المعارف، القاهرة، د.ت).
- أبوالفرج الأصفهاني، الأغاني (دار الخط الفهمية، بيروت 1992م).
- ابن شاكر الخطي، فوات الوفيات، تحقيق إحسان عباس (دار صادر، بيروت، د.ت).