محمد عودة

عودة للموسوعة

محمد عودة

محمد عودة (1920 - أغسطس 2006) محرر وصحفي مصري.

من مواليد جهينة,. اشتغل بالصحافة

يطلقون عليه لقب (غاندي الثقافة العربية)، هوالمثقف المصري الوحيد تقريباً الذي ولج سجون الملك فاروق وعبد الناصر والسادات على التوالي مدافعاً عن مبادئه ومعتقداته. عاصر محمد عودة أحداثاً تاريخية هامة خلال اكثر من 60 عاما وبدأ من الشارع حيث نام ذات يوم على (الرصيف) !


المولد والنشأة

ولد محمد عودة في قرية جهينة, محافظة الشرقية عام 1920 لوالد كان من كبار تجار القطن الذين أعربوا إفلاسهم إبان احتدام الأزمة الاقتصادية العالمية في الثلاثينات.. لم يستسلم والدي لأزمته الطاحنة فرحلت أسرتي مع الأب إلى حي الحسين بالقاهرة القديمة حيث تربيت وسط أروقة وأزقة الحي فأحببته وعشقت ترابه في شهور قليلة.. الطريف أنه في أول صباح لي في حي الحسين خرجت مع والدي إلى محل (الحلوجي) لتناول طعام الإفطار من الفول المدمس فكانت المفاجأة حتى صاحب المحل كان يعد صباح جميع يوم طبقاً من الفول المدمس المنزوع القشر ويحمله بنفسه إلى سعد زغلول باشا الذي كنت أسمع أخبار صولاته وجولاته من اصدقاء والدي والأطفال الذين كنت ألعب معهم في القرية. التحقت بمدرسة خليل أغا الابتدائية التي أنشأها كبير الأغوات في عهد الخديوي إسماعيل وقد أحببت الفهم وتفوقت في دراستي الابتدائية لدرجة أنه تم اختياري لإلقاء قصيدة ترحيب بزيارة الملك فؤاد للمدرسة، وسر جلالته سروراً بالغاً بالطفل محمد عودة وأهداني طاقم أدوات مخط من الجلد الفاخر وعدت بالطقم فرحاً إلى بيتي لكن والدي لم يشاركني فرحتي وكاد يطردني من البيت إذ كان والدي وفدياً حتى النخاع!

وبعد حتى أنهيت دراستي الابتدائية التحقت بالمدرسة السعيدية الثانوية حيث كنت من ضمن الطلاب الفقراء الذين حصلوا على مجانية التعليم لتفوقهم الدراسي. المدهش أنني كرهت جميع الإقطاعيين الذين عهدتهم مصر في هذه الفترة والسبب حتى أولاد الأثرياء والموسرين بالسعيدية كانت تأتيهم السندوتشات الجاهزة بينما نحن نهب مسرعين إلى اليمكخانة (قاعة الطعام) لنيل طعامنا كالبتران.

أدمن (الزوغان) من المدرسة إلى حديقة الحيوان مباشرة حتى كان يوم استنادىني فيه الناظر وسألني عن سر غيابي وقلة تحصيلي الدراسي فطلبت منه نقلي إلى فصل آخر بعيداً عن فصل أولاد الذوات بدعوى أنني غير متوافق مع باقي زملائي في الفصل، والحقيقة أنني كرهت التفاوت الطبقي بدرجة عالية بعد حتى تدهورت أوضاع والدي المالية إلى درجة الصفر.. والدي الذي كان يحبني نطق لي: (يا محمد أنت أملنا الوحيد في هذه الدنيا.. لم يعد لنا بعد الله غيرك يا بني) .. تأثرت كثيراً بهذه الحدثات الطاهرة وبدأت أجاهد لأتفوق دراسياً حتى أحقق شيئاً لأسرتي المسكينة. صرت حاد المزاج وإذا بمدرس التاريخ يسألني عن سبب ذلك، وعندما قلت له السبب انفجر في حماسة ونطق لي: (هؤلاء أولاد خونة ولصوص وسفاكي دماء، ولا بد لأمثالك حتى يتفهموا ويتفوقوا حتى يخلصوا البلاد منهم) .. ثم ألقى على رأسي محاضرة عن تاريخ رئيس الوزراء الأسود والد أحد الطلاب الذوات في الفصل ووصفه بالخيانة والديكتاتورية ونصحني بأن أدخر من مصروفي قرشاً لأشتري جريدة (الوفد) وأقرأها بعناية. المصيبة أنني عندما تخرجت من السعيدية والتحقت بكلية الحقوق عهدت حتى ما يفهم داخل هذه الكلية العليا التي نتفهم فيها معنى القانون والحرية السياسية لا علاقة له بأوضاع المجتمع المصري البائسة.. كان البحث عن الذات وعن خلاص مصر وتحررها أمراً يستبد بأبناء جيلي حتى كنت أتسلل إلى كلية الآداب للاستماع إلى محاضرات الدكتور طه حسين في الأدب والدكتور شفيق غبريال في التاريخ وسرعان ما وجدت نفسي في مخطة الجامعة وكانت هناك مفاجأة كبرى في انتظاري.


مخطة الجامعة؟

تعهدت في مخطة الجامعة على أحد أمنائها.. وجدته منشغلاً بترجمة رواية من الأدب الروسي الحديث عن الإنجليزية ونطق لي إنه يحذوحذوسيدة إنجليزية اسمها (كونستانسي جارنيت) وهبت حياتها لخدمة طلاب قسم الأدب الإنجليزي بكلية الآداب.. ومن هنا بدأت قراءة رواية (الجريمة العقاب) لدستويفسكي و(البعث) لتولستوي.. وذات يوم أعطاني أمين المخطة قصتين لتشيكوف كي أجرب ترجمتهما مؤكداً لي حتى ذلك أفضل للنفاذ إلى أعماق المحرر. أنجزت الروايتين بنجاح حتى سيطر الأدب الروسي على معظم اهتماماتي فعهدت بالمصادفة أستاذاً إنجليزياً شاباً سألني ذات يوم: تقرأ عن تشرشل،يا ترى؟ قلت: نعم! فنطق: نعم.. يا للأسف! واستغربت وصمت، وفجأة نطق: (إنه أسوأ من هتلر) وزاد العجب ولم أرد! حتى أهداني كتاباً عنه في اليوم التالي عنوانه (المحافظون) صدر عن نادي الكتاب اليساري في بريطانيا.. أدركت من خلاله كم الظلم الواقع على مصر والعالم الغربي من جراء هذا الرجل الحديدي فكرهت الاستعمار البريطاني والحكومة العميلة والدنيا بظلمها!!

حلم الأب والأسرة

وهل حقق محمد عودة المحامي بعد تخرجه من الحقوق حلم الأب والأسرة،يا ترى؟ حاولت بعد التخرج الالتحاق بكلية الآداب قسم تاريخ لعلي أعيد كتابة تاريخ مصر كما كنت أتصور آنذاك لكن نطقوا: (مصيرك إيه يا حره) مجرد مدرس (غلبان).. بينما نصحني بعض الأقارب بالالتحاق بمعهد حديث لا تستغرق الدراسة فيه عامين وبعدها أصبح معاون صحة وأجد عملاً وأستطيع المساهمة العملية في نفقات الأسرة لكن أمي رفضت رفضاً شديداً. كانت تتمنى حتى أصبح سفيراً أسوة بأحد الأقارب أوعلى الأقل محامياً لأدافع عن حق والدي في استرداد بترة أرض يتيمة هي آخر ما تظل لنا بعد حتى أنفقنا ثمن تسعة عشر فداناً بعد حتى تعرضت الأسرة كلها للإفلاس! والحقيقة حتى الأسرة هجرت عوضي لله!.. فقد نذرت نفسي مدافعاً عن أوضاع الفلاحين البائسين الذين ظلمهم الإقطاع وأعوانه.. لم أجد من المال شيئاً أعوض به أسرتي عما تكبدته طوال أيام دراستي وكان هذا يؤرقني كثيراً لدرجة أنني انضممت إلى الوفد بين المعارضين للنظام القائم وعهدت أفكار الوفديين من خلال العمل بالمحاماة.. غرقت في أعمق القضايا التي يتعرض فيها المواطن (الغلبان) للظلم من قبل الإقطاعيين. تحولت بين عشية وضحاها إلى محامي أرياف من الطراز الأول.. عدت إلى مسقط رأسي بمركز فاقوس ففرحت أمي فرحاً شديداً.. عقدت العزم على حتى أغير حال الريف بدون صراخ أوندب.. لا أنظر إليه نظرة توفيق الحكيم، وكيل النيابة الفيلسوف، ولن أراه من شرفة الإقطاعي النبيل كما عمل محمود تيمور ولكن من (الميدان) كواحد من أهله.. ومن هنا بدأت حكاية المناضل الريفي محمد عودة المحامي.

مقاومة الإنجليز

وماذا عن (الإرهابي الخطير) محمد عودة وخليته الثلاثية،يا ترى؟ نعم كونت خلية (ثلاثية) ، كانت مهمتها تصفية ثلاثة من أشرس الموظفين البريطانيين وأشدهم دموية وقررنا حتى نرسل لكل منهم حيثيات وأسباب الحكم المباشر بتصفيتهم! أعطينا لكل واحد منهم أسبوعين لكي يستقيلوا أويرحلوا عن بلد لا حق لهم في البقاء فيه وعن شعب ارتكبوا في حقه جميع الفظائع.. تأكدنا من وصول الخطابات إليهم. كنا على علاقة مع السفرجي الذي يعمل لدى أحدهم بواسطة أحد الزملاء النوبيين.. وبالطبع هزئوا وسخروا.. وعهدنا بعدئذ أنه في الليلة المحددة للإنذار أقاموا حفلة صاخبة إمعاناً ولا شك في الزراية بنا لكن في اليوم التالي وفي نهاية الأسبوعين بالضبط تمت تصفية ثلاثتهم مما أحدث فزعاً مدوياً في الإدارة البريطانية التي استماتت في البحث عن هؤلاء الإرهابيين.. للتاريخ كان الدكتور مصطفى مشرفة واحداً من هذه الخلية!!

وهل اكتفيت بدور المحامي الريفي في مسقط رأسك بالشرقية،يا ترى؟ في الواقع جربت حظي في الكتابة بعدد من الصحف والمجلات التي يصدرها هواة مغامرون من عشاق الصحافة وذوي الميول الفكرية والسياسية والإبداعية في الأربعينيات.. من بين هذه المجلات مجلة صغيرة كانت ذائعة الصيت آنذاك وهي (مسامرات الجيب) وعندما تعرضت المجلة للإغلاق من قبل الحكومة آنذاك انتقلت إلى صحيفة (الجمهور المصري) الأسبوعية.. وسط مجموعة من المحررين المشاغبين الذين نجحوا في إثارة المعارك السياسية والاجتماعية والثقافية آنذاك بأسلوب غير مسبوق فيما تميزت الصحيفة عن غيرها بالأخبار الكاشفة لما وراء الستار من أسرار إضافة إلى التحقيقات و(الخبطات) الصحفية المثيرة.. رغم جميع هذا فقد كنت في حالة يرثى لها نظراً لأن الأوضاع السياسية والاجتماعية قائمة على حالها و(زي الزفت) !

محمد عودة مع ثورة يوليو؟

بعد حتى صنعت لنفسي مشواراً صحفياً معروفاً إلى حد ما عملت بعدها مذيعاً ومترجماً في الإذاعة الهندية التي كانت تبث برامجها بالعربية من قلب العاصمة بنيودلهي.. اضطررت إلى العودة إلى مصر بعد عامين أثر اندلاع ثورة يوليو.. عملت صحفياً في صحيفة (الشعب) تحت رئاسة عضومجلس الثورة الصاغ (صلاح سالم) .. الأيام تلاحقت في سعادة غامرة بالحرية التي كنت أتوق لها وانتقلت إلى دار الهلال حتى هجرتها وضقت ذرعاً بالنظام الحديدي الذي يفرضه أصحابها من آل زيدان.. ساقتني قدماي إلى مبنى روز اليوسف المجاورة بشارع عبد الحميد سعيد.. صعدت إلى الدور الأول أفتش عن أصدقائي المحررين فإذا بالفنان عبد الغني يخرج من غرفته وكان سكرتيراً للتحرير آنذاك.. صافحني وطلب لي كوباً من الشاي ثم وضع أمامي رزمة من ورق (الدشت) ونطق لي: أخط لنا شيئاً يا أستاذ عودة تود حتى تراه على صفحات (روز اليوسف) .. هجرته وغادرت إلى صالة التحرير.. ولم تمض أيام حتى بادرت فاطمة روز اليوسف إلى تعييني وأصبحت من كتاب المجلة اللامعين! وشاءت الأقدار حتى أنتقل إلى مجلة (صباح الخير) في مولدها وخطت على صفحاتها منطقات وتحقيقات مزجت بين السياسة والفن والأدب.

  • هل تذكر أول منطق خطته وفي أي موضوع؟

كان منطقاً سياسياً وفي الحقيقة لا أتذكر موضوعه فقد خطت عدداً كبيراً من الموضوعات السياسية الساخنة وكان ذلك إيذانا بانطلاقي في عالم السياسة.

هل عارضت الأسرة توجهاتك السياسية أم شجعتك؟

الحقيقة، الأسرة لم تعارض إلا حتى والدتي كانت تخشى علي ولا سيما حين كنت أمضى للأماكن التي أصيبت بالملاريا وقد أصبت مرتين بها وكنت ابنها الوحيد مع شقيقتي.

بأي الزعماء السياسيين تأثرت؟

تأثرت جداً بالنحاس باشا ومكرم عبيد، وقد أعجبت بهم كثيراً، وكنت في ذلك الوقت وفدياً إلا أنني اتجهت بعد ذلك لليسار وعندما اتى عبد الناصر بفكره ورؤيته لإنقاذ مصر تحولت إلى الناصرية.

أول كتاب

أول كتاب لي كان عن الصين وهوأول كتاب بالعربية يخط عنها وكان ذلك عام 1952 وقد رفضته الرقابة في بادئ الأمر إلى حتى سقط بين يدي عبد الناصر المخطوط الأصلي له ففوجئت بالرقابة يتصلون بي ليخبروني بموافقة عبد الناصر على نشره كاملاً. إلى أي مدى تجد فروقاً بين الكتابة السياسية في الماضي واليوم،يا ترى؟ الحقيقة حتى التراث السياسي المصري من أرقى الفنون وأعرقها منذ أيام الخديوي إسماعيل إذ كانت هناك في ذلك الوقت حوالي 200 جريدة مصرية بكل اللغات وما زالت مصر مشهورة بالتحليل السياسي وكتابها السياسيين يحظون بسمعة طيبة إلى الآن. هل أتت كتابة الموضوع الصحفي والتحليل السياسي على حساب الكتاب الذي ألفت منه القليل،يا ترى؟ هذا سليم فالصحافة سرقت مني الوقت وأعترف بذلك وإن كان لي خط هامة وإن كانت قليلة منها كتاب عن الصين وآخر عن الهند وثلاثة خط عن مصر وآخر خطي عن الملك فاروق من إصدار الهيئة العامة للكتاب.

عيوب الثورة

كنتَ واحداً من أبناء ثورة يوليوومن أشد المدافعين عنها ومع ذلك لم تسلم من سجن عبد الناصر.. فما تعليقك؟! نصف من أعدمتهم الثورة الفرنسية كانوا من زعماء الثورة وأذكر هنا حدثة للروائي الإنجليزي الشهير برنارد شونطق فيها: (إن أكثر دولة تقتل الشيوعيين هي الاتحاد السوفيتي.. ولا توجد ثورة في التاريخ ليس لها عيوب وخطايا).

دخوله السجن

بعد أحداث 1954 الشهيرة التي سميت آنذاك (بأزمة الديمقراطية) بدا الأمر على الساحة السياسية المصرية كأن هناك انقساماً حاداً وفوضى وأن هناك ما يسمى بانقلاب على الثورة. وكنا مجموعة من السياسيين كانت على قناعة بأن نقد الثورة أول مسببات نجاحها.. لقد كنا متحمسين ولم ندرك الأوضاع الحقيقية داخل مجلس قيادة الثورة.. وخلافنا مع عبد الناصر لم يكن تناقضاً بل كان خلافاً حول الأسلوب، أما الأهداف فكنا على اتفاق تام، وقد كان عبد الناصر يدعوجميع الاتجاهات السياسية والوطنية لتساهم في بناء وطن حديث يراه عبد الناصر نموذجاً لدولة قومية ديمقراطية مستقلة، ونراه نحن كذلك لكن أسلوب التطبيق كان موضع اختلاف بيننا. لم يدم السجن طويلاً وأفرج عنا ولم نتعرض لأي أذى يذكر.. كنا ندرك حتى أيام السجن لن تدوم طويلاً وأن عبد الناصر سيفرج عنا لا محالة. أما بعد توقيع السادات لاتفاقية كامب ديفيد وفي إطار حملة سبتمبر الشهيرة التي قبض فيها السادات على مصر كلها اعتقلنا كصحفيين وكتاب وسياسيين ووطنيين بسبب معارضتنا للاتفاقية التي أفقدت مصر إرادتها وفصلتها عن عروبتها وذاتها.. وقد فهمنا وقتها حتى السادات كان يعد لنا معتقلاً في (وادي النطرون) لأيام طويلة لا يفهم مداها إلا الله لكنه قُتل وأفرج عنا الرئيس مبارك بعد توليه منطقيد السلطة. لهذا أقول: إذا خلافنا مع عبد الناصر كان خلافاً في إطار الهدف الواحد، بينما خلافنا مع السادات كان تناقضاً رئيسياً.


تفاعل ثورة يوليومع باقي القوى الوطنية

في بداية الثورة التقى عبد الناصر بفؤاد سراج الدين وعقد معه أربعة اجتماعات عرض عليه فيها حتى يحكم حزب الوفد بشرط حتى يوافق على قانون الإصلاح الزراعي الذي أصدرته الثورة وعلى قرار عدم جواز الفصل التعسفي للعمال إلا حتى الزعيم الوفدي رفض العرض مضيعاً فرصة تاريخية كان يمكن حتى تغير من وجه الحياة في مصر. رفض فؤاد سراج الدين هذا تسبب في أضرار فادحة للبلاد إذ ألقى على الثورة بمسؤولية إنشاء تنظيم سياسي للحكم وهي عملية شبه محالة حتى تبني تنظيماً سياسياً وأنت في السلطة وقد ظلت هذه الثغرة هي نقطة الضعف الكبيرة والحقيقية في الثورة وظل عبد الناصر يبحث عن التنظيم الأمثل فتطور من هيئة التحرير الخاوية إلى الاتحاد القومي ذي التناقضات وانتهى إلى الاتحاد الاشتراكي وهي الصنيعة التي ثبت فشلها ليرحل دون حتى يهجر لنا تنظيماً شعبياً قوياً. الإخوان والشيوعيون.

علاقة الثورة بالإخوان المسلمين والشيوعيين

أول عمل قامت به الثورة بعد أيام من قيامها هوحتى قام مجلس قيادة الثورة بكامل هيئته بزيارة قبر حسن البنا بل واعتقلت قاتل حسن البنا وحكمت عليه بالسجن المؤبد فهماً بأن الإخوان كانوا ممن عهدوا بموعد الثورة قبل اندلاعها وكذلك الشيوعيون. وكان عبد الناصر قد فتح التنظيم لكل القوى الوطنية بكافة تياراتها وقامت الثورة بتعيين ثلاثة وزراء من الإخوان إضافة إلى الشيخ الباقوري إلا حتى المرشد العام للإخوان أراد حتى يفرض على الثورة (ولاية الفقيه) التي تطبقها إيران حالياً مما يعني قيام دولة دينية الأمر الذي رفضه عبد الناصر ومجلس قيادة الثورة.. وهنا انقسم الإخوان إلى قسمين الأول مع الثورة وفيهم والد حسن البنا والثاني ناصب الثورة العداء إلى حتى اتىت ذروة الصدام في حادث المنشية حيث حاول الإخوان اغتيال عبد الناصر. أما الشيوعيون فانقسموا إلى قسمين: أحدهما مع الثورة، والآخر رأى حتى عبد الناصر عميل للمخابرات الأمريكية، فالثورة في رأيهم مؤامرة أمريكية للحيلولة دون قيام ثورة حقيقية يقوم بها الشيوعيون لإنقاذ البلاد مما كانت منقسمة فيه.. إلى غير ذلك وجدت الثورة نفسها في موقف قاسي فرضته اللقاءة الحامية مع هذه القوى المناهضة.

مسؤولية عدم اتفاق هذه القوى السياسية مع الثورة

بالبتر عبد الناصر ليس مسؤولاً وهذه التنظيمات هي التي تتحمل المسؤولية كاملة؛ ذلك حتى عبد الناصر سعى إليها إذ مضى للإخوان وعرض عليهم بل عين ثلاثة وزراء كما تجاوز حتى قلت ومنهم الباقوري ومن الشيوعيين مثلهم خالد محيي الدين ومن الوفد كان عبد اللطيف البغدادي ومن ثم فقد كان مجلس قيادة الثورة بمثابة جبهة وطنية لكل التيارات، وهنا أؤكد أنه إذا كانت التنظيمات قد اختلفت مع رؤى عبد الناصر إلا حتى الجماهير بانتماءاتها المتنوعة كانت إلى جانب الثورة وعبد الناصر الأمر الذي تجلى بوضوح في أزمة مارس 1954 حيث انحازت الجماهير للثورة ولوحتى هذه التنظيمات تحالفت مع الثورة لتغير تاريخ مصر للأفضل وربما لما سقطت هزيمة 1967.

هزيمة يونيه 1967

الحقيقة حتىخمسة يونيولم تكن هزيمة عسكرية بل حدثت خيانة من بعض قواد الجيش.. عبد الناصر جمع القادة وأبلغهم حتى الرئيس الفرنسي ديجول أبلغه بمعلومات توافرت لدى أجهزة مخابراته بعزم إسرائيل توجيه ضربة قاصمة للطيران المصري يومخمسة يونيه 1967 أثناء موعد إخطار الطيارين المصريين.. فأصدر التعليمات باتخاذ التدابير اللازمة والاستعداد للمعركة إلا حتى القادة وعلى رأسهم عبد الحكيم عامر التف حوله مجموعة من الضباط الخونة الذين معروفة أسماؤهم.. وهم الذين سافروا أوهربوا للخارج وعاشوا هناك حياة اللوردات وحين سقطت الواقعة وحدثت الهزيمة انتحر عامر لإحساسه بأنه هومن ضيع مصر.. وبالعمل يتحمل المسؤولية بالدرجة الأولى كقائد عام للجيش، غير حتى عبد الناصر تحمل المسؤولية كاملة وأعرب قراره بالتنحي فخرجت الجماهير العربية إلى الشوارع من المحيط إلى الخليج تطالبه بالبقاء والاستعداد للمعركة القادمة.. وبالعمل مرت شهور قليلة فكانت حرب الاستنزاف لتسطر أشرف صفحات البطولة ولتثبت للعالم حتى الجيش المصري لم ينكسر.. ومن هنا أطالب بفتح ملفات هزيمة يونيه 1967 لتعهد الأجيال الحالية من خان ومن ظل مرابطاً شريفاً.

هل ما زال للناصرية مكان في مصر في زمن أمريكا؟

الناصرية سيادة وعدل اجتماعي وتنمية اقتصادية؛ ولأن أعمدة التحديث التي نادى بها محمد علي لمصر لا تزال قائمة ممثلة في التعليم والتصنيع والتسليح فإن عبد الناصر كان استمراراً لمحمد علي وإبراهيم ابنه وأحمد عرابي وسعد زغلول ومصطفي النحاس. وقد تسلحت مصر وتفهمت وصنعت مما أكسبها مكانة وثقلاً دولياً حدا بالأمريكان حتى يستعينوا بعبد الناصر لمساعدتهم على الخروج من فيتنام نظراً لما قدمه للثورة هناك وما يحظى به من احترام في قلوب الشعب الفيتنامي، وأعود فأقول: إذا الناصرية القائمة على السيادة والعدل الاجتماعي التي تؤمن بأن الطموح إلى الاستقلال هوالطريق على نهضة الأمة فكرة جامعة فائقة وصالحة لكل زمان.

لا إذعان لأمريكا

انهار نظام عالمي واتى نظام حديث شعاره (الإذعان لأمريكا أوالموت) فماذا عسانا حتى نعمل في رأيك،يا ترى؟

هذا غير سليم على الإطلاق.. فالولايات المتحدة لم تقابل بمقاومة ورفض من قبل الأصدقاء قبل الأعداء كما هي عليه الآن، بل وأكثر من هذا الداخل الأمريكي نفسه منقسم حول إدارة بوش وهوما كشفت عنه الانتخابات الأمريكية التي أظهرت حتى حوالي 47% من الشعب الأمريكي يرفض النهج الأمريكي لإدارة العالم.

نقد الناصرية

باعتباركم واحداً من أبرز المراجع الناصرية، لما لم تنجز مهمة نقد التجربة الناصرية حتى الآن،يا ترى؟

بالعمل خطت كثيراً في نقد التجربة الناصرية عبر منطقات عديدة وإن كنت أحد أبناء ثورة يوليوومن أشد المتحمسين لها والمؤيدين للناصرية إلا أنني لا أنفي وجود أخطاء ارتكبت في ظل التجربة الناصرية ومن عبد الناصر نفسه.. لكن يجب ألا ننسى حتى عبد الناصر كان بطلاً تاريخياً والأبطال التاريخيون لا يحاسبون بالحسابات العادية أوبالموازين الشائعة.. ومع ذلك فإنني بالعمل أقوم بكتابة تحليل نقدي للناصرية لقناعتي اليقينية بأنه بدون هذا النقد ستنتهي الناصرية إلى التراب.

هل تم إخراج العرب من التاريخ؟

أرفض تماماً جميع ما ينطق عن خروج العرب من التاريخ وعن انكسارهم ونهايتهم فهذه (خرافة أمريكية) ذلك حتى المنطقة من أبرز مناطق العالم سياسياً وتاريخياً وثقافياً واقتصادياً غير أنني حقيقة أرى حتى هذا الحديث وما يروج عن وفاة العرب إنما يأتي في سياق حرب نفسية شرسة تشنها القوى الدولية المتربصة بالعرب بأجهزتها المخابراتية منذ أيام محمد علي وابنه إبراهيم باشا وإلى الآن. وهذا العداء الغربي للعرب ينطلق من رؤية تاريخية قديمة إذ انقسم الغرب بشأن موقفه من مشروع محمد علي الحضاري لنهضة مصر إلى قسمين: الأول رأى في هذه النهضة بانفتاح مصر والشرق على الغرب جانب إيجابي خلاق على جميع من الحضارتين العربية والغربية إلا حتى القسم الثاني متمثلاً في القوى الاستعمارية الإمبريالية وعلى رأس هذا الفريق وقف (بالمرستون) رئيس وزراء بريطانيا آنذاك محذراً من حدوث هذه النهضة ليقول في خطاب شهير له: (إن وجود دولة عصرية في مصر هوأكبر خطر يهدد أوروبا) . وقد عملت الولايات المتحدة على احتواء مصر لأنها قوة محورية في المنطقة، هذه هي الخلفية التاريخية لمعركتنا مع أمريكا وإسرائيل. وأشدد نحن كعرب لم نخرج من التاريخ لكن دائماً الصراع بين العرب والغرب صراع غير متكافئ إلا حتى العرب قد حاربوا الصليبيين مائتي سنة وهزموهم في المنصورة وحاربوا الأوروبيين المستعمرين.

الانحياز الأعمى

إذن هي سياسة واحدة من ترومان إلى بوش الابن ،يا ترى؟ بالعمل سياسة واحدة، فمنذ اللحظة الأولى لقيام دولة إسرائيل حتى الآن تتسم السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل بالدعم الكامل، وكما يقولون (من الابرة إلى الصاروخ). وما نطقه (كيري) مرشح الرئاسة الأمريكية وانتقاداته لإدارة بوش كانت أكثر مرارة من أي انتقادات أخرى، والغريب أنه لم يروج لهذه المقولات السياسية حول الهيمنة الأمريكية وضرورة الإذعان لها إلا السماسرة وعملاء الأمريكان وقراصنة الموانئ وبعض المثقفين المرتزقة الذين لا هوية ولا شرف عندهم. والمتابع لما ينشر في وسائل الإعلام الغربية كفيل بتوضيح مدى ما تلقاه السياسات الأمريكية من رفض لاذع.

هل يمكن الحديث عن تيار عربي رافض يمكنه الاحتماء بتيار الرفض العالمي في لقاءة الهيمنة الأمريكية ،يا ترى؟ بالطبع هناك هذا التيار العربي وما تخطه الصحف العربية من منطقات وأفكار وما تزخر به من تحليلات سياسية لكبار الكتاب العرب كلها تحفر مجرى عميقاً لهذا الرفض العربي، وأذكر هنا البيان الذي أصدرته نخبة من أحمل المستويات الثقافية في الولايات المتحدة لتبرئة المثقفين الامريكيين من دم العراقيين وكل ضحايا الغطرسة الأمريكية الذي اتى تحت عنوان (ليس باسمنا) يعلنون فيه أنهم يرفضون سياسات بوش وما يحدث للشعب العراقي، إضافة إلى ما نشرته مجلة (لانسر) عن العدد الحقيقي للقتلى الأمريكان الذي زاد عنعشرة الاف جندي في العراق. وتيار الرفض عاش في بريطانيا على حتى الغضب والرفض العربي لا يقل عنه فهناك في مصر والدول العربية حركة نشطة للمثقفين والمفكرين لتأكيد عدم الإذعان والتبعية لأمريكا وهوما كشفت عنه الصحف العربية ولا سيما صحف المعارضة المصرية والعربية.

هل معنى ذلك حتى العالم العربي استوعب خطورة الموقف الراهن ،يا ترى؟ أي عالم عربي تقصد ؟!! عالم الشعوب أم عالم الحكام ؟!! فيما يتعلق بالحديث عن رغبة أمريكا في تغيير الأنظمة العربية فأتصور أنهم لا يريدون ذلك ونهاية الأمر حتى أمريكا ترغب تغيير الأطقم أوما يمكن تسميته تعديل الأنظمة.

حدثة أخيرة

أحمد الله كثيراً أنني عبر مسيرتي التي سردتها لك في هذا الحوار لم أتناقض لحظة مع نفسي.. وكانت مسيرة عسيرة وحافلة بالصعاب والنجاحات والاخفاقات.. ورغم ذلك لم ارتكب يوماً ما يناقض عقيدتي السياسية والفكرية وكل ما أعتقد أنه الصواب لصالح وطني ومبادئي.


خطه

  • الصين الشعبية, 1955
  • الباشوات السبعة, عن العرابيين في المنفى
  • سيرة ثورة (جزئين) عن ثورة يوليو
  • فاروق, ملك مصر الأول والأخير
  • الوعي المفقود, ردا على كتاب عودة الوعي لتوفيق الحكيم
  • قلب نهرو
تاريخ النشر: 2020-06-07 22:08:27
التصنيفات: صحفيون مصريون, مواليد 1920, وفيات 2006, أشخاص من محافظة الشرقية, ناصريون

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

عالم أزهري مصري: البراكين والزلازل من علامات الساعة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-07 09:17:29
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 97%

انتشار المتشردين في حي بمراكش يساءل الجهات المعنية

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-07 09:15:17
مستوى الصحة: 34% الأهمية: 43%

تنديد يتعنيف نساء بمراكش قبيل يومين من اليوم العالمي للمراة

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-07 09:15:13
مستوى الصحة: 43% الأهمية: 40%

وزير الدفاع الأمريكي يصل إلى العراق في زيارة غير معلنة (فيديو)

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-07 09:17:25
مستوى الصحة: 86% الأهمية: 99%

سوق الإمارات بنكهة "فكوس فيل" الروسية

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-07 09:17:30
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 98%

سياسي / اهتمامات الصحف البريطانية

المصدر: وكالة الأنباء السعودية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-07 06:28:34
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 65%

مرآة بنزرت التونسية وقهقهة إفريقية في حضرة ماكرون

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-07 09:17:32
مستوى الصحة: 79% الأهمية: 98%

كيف تعوض أوكرانيا خسائرها البشرية العسكرية؟

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-07 09:17:31
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 98%

تعرف على الفطر الذي يمكنك ارتداؤه واستخدامه في البناء

المصدر: BBC News عربي - بريطانيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-07 09:17:03
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 85%

عام / المركز الوطني للأرصاد : أمطار متوسطة على منطقة عسير

المصدر: وكالة الأنباء السعودية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-07 06:28:39
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 69%

فشل عملية إطلاق صاروخ ياباني من الجيل الجديد "اتش 3"

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-07 09:17:16
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 92%

الإدمان على المخدرات: جنةٌ محتجزةٌ كــ"رهينةٍ للهيروين"

المصدر: BBC News عربي - بريطانيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-07 09:17:04
مستوى الصحة: 76% الأهمية: 94%

بيونغ يانغ ستعتبر اعتراض صواريخها "إعلان حرب واضحا"

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-07 09:17:17
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 95%

إنطلاق محاكمة الموثق السباعي بمراكش

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-07 09:15:15
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 44%

رئيس سريلانكا يقول إن الصين وافقت على إعادة هيكلة قروضها للجزيرة

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-07 09:17:15
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 88%

بالفيديو.. جنود إسرائيليون يرقصون مع المستوطنين في حوارة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-07 09:17:26
مستوى الصحة: 77% الأهمية: 89%

عام / "الأرصاد": أمطار خفيفة إلى متوسطة على منطقة جازان

المصدر: وكالة الأنباء السعودية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-07 06:28:35
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 56%

أجواء باردة نسبيا في توقعات طقس الثلاثاء 7 مارس

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-07 09:15:19
مستوى الصحة: 30% الأهمية: 45%

وزير الدفاع الأميركي في بغداد في زيارة غير معلنة

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-07 09:17:14
مستوى الصحة: 76% الأهمية: 89%

تحميل تطبيق المنصة العربية