اسپرطة

اسبرطة

Σπάρτα
القرنعشرة ق.م.–146 ق.م.
Territory of ancient Sparta
العاصمة اسبرطة
اللغات الشائعة اليونانية الدورية
الدين تعدد الآلهة
الحكومة اوليگاركية
الحقبة التاريخية القدم الكلاسيكي
• تأسست
القرنعشرة ق.م.
• Peloponnesian League
546-371 BC
• انحلت
146 ق.م.
Preceded by
Succeeded by
العصور المظلمة اليونانية
الجمهورية الرومانية
الرابطة الأخائية
خريطة اسبرطة
الحدود الحديثة لمدينة اسبرطة ضمن خارطة مدن اليونان

اسبرطة (باليونانية : Σπάρτη بالإنجليزية : Sparta) هي مدينة يونانية تأسست حوالي عام 900 ق.م.، عبر تجمع أربع قرى هي : لمناي، ميسوا، كينوسورا، بيتاني. اشتهرت اسبرطة بشعبها العسكري الذي ينشأ فتيانه على القتال ولا شيء غير القتال.

فسحة لاكدمون. مسقط المنلايون، صرح لهلن ومنلاوس، بُني قديماً في مدينة العصر البرونزي التي كانت قائمة على ربوة ثراپنه على الضفة اليسرى لنهر اوروطس وتطل على المسقط المستقبلي لاسبرطة الدورية. وتظهر عبر الوادي القمم المتتالية لجبل تايگتوس.
نهر اوروطس

ووفقاً للأساطير اليونانية، فمؤسس اسبرطة هولاكديمون، ابن الإله زوس والآلهة تايگتوس، وقد سماها على اسم زوجته ابنة يوروتاس.

توجهت اسبرطة نحوالنظام العسكري بعد حتى اضطرت إلى خوض حروب طويلة مع جيرانها، وعلى رأسهم أثينا، التي خاضت معها حرباً طاحنة استمرت لربع قرن عهدت بالحروب البيلوبونية، غير حتى أثينا واسبرطة سرعان ما اتحدتا عام 481 ق.م.، رغم حروبهما، عندما تقدم الفرس بإتجاه اليونان، واستطاعت أثينا التصدي له في الحملة الأولى، غير حتى الحملة الفارسية الثانية، كانت لتدمر جيش أثينا، لولا حتى الأسبارطيين أمنوا انسحاباً بأقل للخسائر للجيش الأثيني، استبسل فيها 300 من أشجع قادة أسبرطة العسكريين بقيادة ليونيداس ووقفوا بوجه الجيش الفارسي حتى انسحب جيش أثينا الجرار نحومسقط آمن وعرض ذلك فيلم 300.

ثم سقطت معركة سلاميس عام 480 ق.م.، وهي معركة بحرية قاد اليونانيين فيها الاسبرطي أوريبادس، واضطر فيها الفرس بقيادة مردونيوس إلى الانسحاب لشواطئ آسيا الصغرى (هجريا). وفي عام 479 ق . م، سقطت معركة بلاتيا البرية ومعركة رأس ميكالي البحرية، اللتين انتصر فيها اليونانيون على الفرس نهائياً، وساد السلام في اليونان طوال 20 عام لاحقة.

تاريخ

لكونيا

في جنوب أرجوس، وعلى مسافة بعيدة من البحر يشاهد السائح قلل سلاسل جبال البرنون parnon، وهي قلل جميلة المنظر ولكن أجمل منها في العين نهر يوروتاس Eurotas الذي يجري بينها وبين سلسلة تيجتوس في الغرب، وهي أكثر منها ارتفاعاً وأشد قتاماً، وتكلل أعلاها الثلوج. وفي الوادي المعرض لعمل الزلازل يمتد "تجويف لسديمون"، وهوسهل منبسط تحميه التلال من جميع جوانبه بحيث لا بحاجة حاضرته إسبارطة إلى أسوار تحميها. وكانت إسبارطة "المبعثرة" في ذروة مجدها تتكون من خمس قرى منضمة بعضها إلى بعض يعمرها حوالي سبعين ألف نسمة. أما اليوم فهي قرية صغيرة لا يزيد سكانها على أربعة آلاف، ولا يكاد يبقى شيء، حتى في متحفها الصغير، من تلك المدينة التي حكمت فيما مضى بلاد اليونان وكانت سبباً في خرابها.


توسع اسبرطة

ولقد سيطر الدوريون من هذا الحصن الطبيعي المنيع على جنوبي البلوبونيز واستعبدوه. وكان هؤلاء الشماليون ذووالشعر المرسل الطويل، الذين قوّت حياة الجبال أجسامهم وضرستهم الحروب، كان هؤلاء الأقوام يرون حتى الحياة إما فتح أواسترقاق ولا ثالث لهما. وكانت الحرب عملهم المألوف يحصلون بها على رزقهم الشريف في ظنهم، كما كان غير الدوريين من أهل البلاد الذين أضعفهم اشتغالهم بالزراعة وطول عهدهم بالسلم في حاجة ملحة إلى سادة يتولون أمورهم ويسيطرون عليهم. وكان أول ما عمله ملوك إسبارطة، الذين يدعون أنهم من سلالة الهرقليين الذين وفدوا إلى البلاد منذ عام 1104، حتى أخضعوا سكان لكونيا الأصليين ثم هاجموا ميسينيا Messinia. وكانت تلك الأراضي الممتدة في الطرف الجنوبي الغربي من البلوبونيز مستوية وخصبة إذا قيست إلى سائر أجزاء شبه الجزيرة، وتقوم بحرثها قبائل هادئة مسالمة. ويقص علينا بوسنياس كيف من الممكن أن مضى أرستوديموس Aristodemus ملك ميسينيا إلى مهبط الوحي في دلفي ليستشيره في الوسائل التي يستطيع بها حتى يهزم الإسبارطيين، وكيف أمره أبلوحتى يضحي بعذراء يجري في عروقها دمه الملكي، وكيف اغتال ابنته هووخسر الحرب(19) (وربما كان سبب خسرانه أنه كان مخطئاً في اعتقاده أنه اغتال ابنته)، وكيف قاد أرستمينس Aristomenes الشجاع الميسينيين بعد جيلين من ذلك الوقت في ثورة جامعة على حكامهم الفاتحين، وكيف ظلت مدنهم تسع سنين صابرة على الهجوم والحصار ولكن الإسبارطيين ظفروا بهم آخر الأمر، فأخضعوا الميسينيين وفرضوا عليهم جزية سنوية تعادل نصف محصولاتهم، وساقوا نصف عددهم وضموهم إلى أقنان هيلوت Helot.

والصورة التي ترتسم في مخيلتنا للمجتمع اللكوني قبل ليكرجوس تتكون، كما تتكون بعض الصور الملونة القديمة، من ثلاث طبقات، العليا منها السادة الدوريين، ويعيش معظمهم في إسبارطة على منتجات الحقول التي يمتلكونها في الريف والتي يحرثها لهم الهيلوتيون (الأرقاء). وكان بين هاتين الطبقتين من الوجهة الاجتماعية، ويحيط بهما من الوجهة الجغرافية، طبقة البريئيسيين Perioeci (الساكنين حولهم)، وهم قوم أحرار يسكنون في مائة قرية أوعلى تخوم لكونيا، أويشتغلون بالتجارة أوالصناعة في المدن، يؤدون الضرائب ويخدمون في الجيش ولكنهم لا نصيب لهم في حكم البلاد، وليس لهم حق الزواج من الطبقة الحاكمة. وكانت أحط الطبقات وأكثرها عدداً طبقة الهيلوتيين، وقد سموا بهذا الاسم- على حد قول استرابون- نسبة إلى هيلوس، وكان أهلها من أول من استعبدهم الإسبارطيون(20). وقد استطاعت إسبارطة بالغزوالسافر لسكان لكونيا من غير الدوريين أوباستيراد أسرى الحرب حتى تجعل لكونيا بلاداً يعمرها نحو000ر224 من الهيلوتيين، 000ر120 من البريئيسيين، 000ر32 رجل وامرأة وطفل من طبقة المواطنين .

وكان الهيلوتيون يستمتعون بجميع الحريات التي يستمتع بها أقنان الإقطاع في العصور الوسطى، فكان للواحد منهم حتى يتزوج كيف من الممكن أن شاء، وأنقد يكون له أبناء لا يهتم بعددهم أوما يفترض أن يؤول إليه أمرهم، ويستغل الأرض بطريقته هو، ويعيش في قريته مع جيرته، لا يقلقه مالك أرضه الغائب عنها، ما دام يؤدي إلى هذا المالك بانتظام إيجارها الذي حددته لها الحكومة. وكان هذا القن مرتبطُاً بالأرض ولكن مالكها لم يكن في مقدوره حتى يبيعه أويبيعها. وكان في بعض الحالات يؤدي خدمات منزلية في المدينة؛ وكان ينتظر منه حتى يقوم على خدمة سيده في الحرب، وأن يحارب دفاعاً عن الدولة إذا ما طلب إليه حتى يحارب من أجلها، فإذا أبلى في الحرب بلاء حسناً فقد ينال حريته. ولم تكن حاله الاقتصادية في الظروف العادية أسوأ من حال المزارعين القرويين في سائر أجزاء اليونان الخارجة عن أتكا، أوالعملة غير المهرة في مدينة من المدن الحديثة. وكان مما يخفف عنه عبء الحياة مسكنه الذي يملكه، وعمله المنوع، وما حوله من حقول وأشجار هادئة تؤنسه وتعينه على عيشه؛ ولكنه كان من الناحية الأخرى معرضاً على الدوام لأن تطبق عليه القوانين العسكرية، وأن تفرض عليه رقابة الشرطة السرية، تقتله في أية لحظة من غير سبب أومحاكمة. وكان الساذج في لكونيا كما كان في غيرها من بلاد العالم يؤدي الجزية إلى الشاطر الماكر. وتلك عادة لها ماض قديم مبجل ومستقبل مبشر بطول البقاء.

وسبب ذلك حتى طيبات الحياة في أكثر الحضارات تأتي بها وتنظم تصريفها عملية البيع والشراء الهادئة السوية: فالشاطر الماكر يحملنا على حتى ندفع في الكماليات التي لا يتيسر مضاعفتها وفي الخدمات التي يؤديها لنا أكثر مما يستطيع الساذج حتى يحصل عليه في نظير ما ينتجه من الضرورات التي يسهل إنتاجها وتعويض ما يستهلك منها. أما في لكونيا فقد توصل بعضهم إلى هجريز الثروة في أيديهم بوسائل بادية للعين منفرة، ملأت قلوب الهيلوتيين غيظاً بلغ من الشدة حداً جعل إسبارطة في جميع عام تقريباً مهددة بالثورات التي تعرض كيان الدولة لأشد الأخطار.


امبراطورية اسبرطة

بسطت إسبارطة الآن سيادتها البحرية على بلاد اليونان، ودامت لها هذه السيادة فترة قصيرة من الزمان مثلت في التاريخ مرة أخرى مأساة من مآسي النجاح يذل صاحبَه الكبرياء. فهي لم تمنح المدن التي كانت من قبل خاضعة لأثينة ما وعدتها به من حرية، بل فرضت عليها بدلاً من هذا جزية سنوية مقدارها ألف وزنة (000ر000ر6 ريال أمريكي)، وأقامت في جميع منها حكماً أرستقراطياً يشرف عليه حاكم لسدموني تؤيده حامية إسبرطية. ولم تكن هذه الحكومات مسئولة إلا أمام الحكام الإسبارطيين البعيدين عنها، فأوغلت في الفساد والظلم إيغالاً لم يلبث حتى أوغر الصدور على الحكومة الجديدة أكثر مما كانت موغرة على الحكومة القديمة.

وفي إسبارطة نفسها كان سيل من المال والهدايا المنهمر من المدائن الخاضعة لاستبدادها والألجركيين الأذلاء سبباً في تقوية العوامل الداخلية التي كانت تدفع المدينة دفعاً إلى الانهيار. فلم يستهل القرن الرابع حتى درست الطبقة الحاكمة كيف من الممكن أن تجمع بين الترف في الحياة الخاصة والبساطة في الحياة العامة، وحتى الحكام أنفسهم لم يعودوا يتأدبون بأدب ليتورغ إلا في المظهر الخارجي دون غيره. وانتقل الكثير من الأراضي عن طريق البائنات والوصايا إلى النساء؛ وهذه الثروة المكدسة جعلت النساء الإسبارطيات - وهن اللائي لم يكنَّ يتحملنَّ عبء تربية الذكور من الأبناء - يحيين حياة مريحة متحللة من القيود الأخلاقية لا توائم الأنوثة بحال من الأحوال. هذا إلى حتى ما تعاقب على بعض الضياع من تقسيم في إثر تقسيم قد أفقر بعض الأسر فقراً عجزت معه عن تقديم نصيبها من الطعام العام، ففقدت بذلك ما كان لها من حقوق المواطنية، على حين حتى تضخم بعض الثروات الأخرى عن طريق الزواج والوصايا قد أوجد لدى العدد القليل من "الأنداد" الباقين ثروات كبيرة مركزة أثارت الغيرة والحسد في القلوب . وفي ذلك يقول أرسطوطاليس: "من الإسبارطيين من يمتلك ضياعاً واسعة، ومنهم من لا يكادون يمتلكون شيئاً على الإطلاق، فالأرض بأجمعها في أيدي عدد قليل منهم"(3). وتكون من الطبقات العليا التي فقدت حقوقها السياسية ومن اليريسيين المحرومين من هذه الحقوق، والهيلوتيين الحانقين، مجموعة من الأهلين يضطرب في نفوسها من القلق والعداء ما لا يسمح للحكومة حتى تقدم على شئ من المغامرات العسكرية الخارجية التي يتطلبها الحكم الإمبراطوري إقداماً يشغلها زمناً طويلاً في أماكن واسعة.

وكانت الحرب الأهلية القائمة في بلاد الفرس وقتئذ تشكل مصائر بلاد اليونان؛ فقد ثار قورش الأصغر في عام 401 على أخيه أرتخشتر الثاني، واستعان عليه بإسبارطة، وجند جيشاً من آلاف اليونان وغيرهم من الجنود المرتزقة الذين أصبحوا ولا عمل لهم في آسية على أثر انتهاء حرب البلوبونيز الفجائي. والتقى الأخوان المتقاتلان في كونكسا بين دجلة والفرات وقرب ملتقاهما. وهزم قورش في هذه الواقعة وقُتل وأسر جيشه كله أوأبيد عدا فرقة مؤلفة من اثني عشر ألفاً من اليونان استعانوا بسرعة بديهتهم وإقدامهم على الهرب إلى داخل بلاد بابل. وطاردتهم قوات الملك فاختاروا على طريقتهم الدمقراطية الساذجة ثلاثة قواد يهدونهم سبيل السلامة. وكان من بين هؤلاء القواد أكسانوفون الذي كان في يوم من الأيام تلميذاً لسقراط، والذي كان وقتئذ جندياً شاباً مغامراً، قدر له حتى يُخلَّد اسمه على الأخص بمؤلَّفه المعروف بالأناباسيس Anabasis أوالصعود الذي وصف فيه وصفاً بسيطاً رائعاً "ارتداد العشرة آلاف" الطويل متتبعين مجرى نهر الفرات نحومنبعه وفوق تلال كردستان وأرمينية إلى البحر الأسود. وكان هذا الارتداد من أعظم المغامرات في تاريخ البشر. وإنا لتدهشنا أشد الدهشة بسالة هؤلاء اليونان وهم يشقون طريقهم سيراً على أقدامهم يوماً بعد يوم خمسة شهور كاملة، بتروا في أثنائها ألفي ميل كاملة في بلاد معادية لهم، واجتازوا سهولاً قائظة لا يجدون فيها طعاماً، وطرقاً وعرة خطرة فوق الجبال تتراكم فيها الثلوج إلى عمق ثمان أقدام، يتعرضون فيها لهجمات الجيوش والعصابات المسلحة من خلفهم وأمامهم، وعن أيمانهم وشمائلهم، ولا يهجر أهل البلاد وسيلة إلا اتبعوها لقتلهم أوإضلالهم أوسد الطريق في وجههم. ونحن حين نقرأ هذه السيرة الرائعة، التي شوهها في شبابنا إرغامنا على ترجمتها، ندرك حتى أبرز سلاح تحتاجه الجيوش هوسلاح الطعام، وأن مهارة القائد في تدبير المؤن لجيشه لا تقل أهمية عن مهارته في تدبير الفوز في المعركة. وقد هلك من هؤلاء اليونان من التعرض للعوامل الجوية أكثر ممن هلك منهم في الوقائع الحربية، وإن كانت هذه الوقائع لم تنبتر يوماً واحداً. ولما حتى سقطت عيون الباقين منهم أحياء، وكانت عدتهم 600ر8، على بحر اليوكسين عند تربيزي (طربزون) غمرت قلوبهم موجة من السرور:

"ولم تكد مقدمتهم تصل إلى قمة الجبل حتى علت في الجوصيحة شديدة، سمعها أكسانوفون ومَن في المؤخرة فخيل إليهم حتى أعداء آخرين يهاجمون المقدمة - لأن الأعداء كانوا يقتفون آثارهم من خلفهم...فاستحثوا الخطى إلى الأمام ليساعدوا رفاقهم، وسرعان ما سمعوا الجنود يصيحون "البحر! البحر!" والصيحة تنتقل من صف إلى صف. وحينئذ هرول جنود المؤخرة جميعهم، وأخذت دواب الحمل تتسابق إلى الأمام...ولما صعدوا جميعاً إلى قمة الجبل أخذ جميع منهم يعانق زميله، لا فرق بين الجنود والضباط والقواد، والدموع تترقرق في أعينهم من فرط السرور"(4).

ذلك حتى هذا البحر بحر يوناني وأن مدينة ترابيزي مدينة يونانية، فهاهم أولاء قد وصلوا سالمين، وفي وسعهم حتى يستريحوا ولا يخشوا حتى يفاجئهم الموت في سكون الليل. وترددت أصداء جهودهم المضنية في طول بلاد هلاس القديمة وعرضها، وشجعت فليب بعد مائتي عام من ذلك الوقت على الاعتقاد بأن قوة يونانية حسنة التدريب خليقة بأن يركن إليها في هزيمة جيش فارسي يفوقها في العدد أضعافاً مضاعفة. إلى غير ذلك مهد أكسانوفون على غير فهم منه السبيل إلى الإسكندر.

ولعل أجسلوس الذي اعتلى عرش إسبارطة في عام 399 قد شعر بهذا الأثر. فلقد كان في الاستطاعة إقناع بلاد الفرس حتى تغفر لإسبارطة إقدامها على معونة قورش، لكن هذا الملك، وهوأقدر ملوك إسبارطة على الإطلاق، لم يكن ينظر إلى حرب الفرس أكثر من نظرته إلى مغامرة ممتعة، ولذلك سار على رأس قوة صغيرة ليحرر جميع بلاد آسية اليونانية من حكمهم . ولما فهم أرتخشتر الثاني حتى أجسلوس لم يكن يلقى عناء في تشتيت ضم جميع الجيوش الفارسية التي أوفدت لصده، بعث الرسل يحملون كميات كبيرة من المضى إلى أثينة وطيبة ليرشوا بها هاتين المدينتين كي تعلنا الحرب على إسبارطة(6). وسرعان ما أفلح هؤلاء الرسل في مهمتهم، وتجددت الحرب بين إسبارطة وأثينة بعد حتى دام السلم بينهما تسعة أعوام. واستُدعي أجسلوس من آسية ليقابل جيوش أثينة وطيبة مجتمعة عند كرونيا. واستطاع حتى يهزمها بشق الأنفس؛ ولكن أسطولي أثينة وفارس مجتمعين بقيادة كونون Conon دمرا الأسطول الإسبارطي قرب نيدس بعد شهر واحد من ذلك الوقت وقضيا بذلك على ما كان لإسبارطة من سيادة بحرية قصيرة الأجل. وابتهجت أثينة بهذا النصر المؤزر وأخذت تعمل بجد مستعينة بما أمدتها به فارس من المال لإعادة بناء أسوارها الطويلة. ودافعت إسبارطة عن نفسها بأن أوفدت رسولاً يدعى أنتلسداس Antalcidas إلى الملك العظيم يعرض عليه حتى تسلمه المدن اليونانية في آسية ليحكمها الفرس إذا فرضت فارس على مدن اليونان الأصلية صلحاً يحمي إسبارطة من العدوان. ووافق الملك العظيم على هذا الشرط، وامتنع عن مساعدة أثينة وطيبة بالمال، وأرغم المتنازعين جميعاً على حتى يسقطوا في سرديس (387) "صلح أنتلسداس" أو"صلح الملك"، وأعطيت بمقتضى هذا الصلح لمنوس، وأميروس، وسيروس إلى أثينة، وضمن الاستقلال للدول اليونانية الكبرى؛ ولكنه أعرب حتى جميع المدائن اليونانية في آسية، وجزيرة قبرص، قد أضحت ملكاً للملك العظيم. وسقطت أثينة على شروط الصلح بعد حتى احتجت عليها لفهمها حتى هذه كانت أكثر الحوادث إذلالاً لها في تاريخ اليونان كله. إلى غير ذلك ضاعت ثمار نصر مرثون كلها، وظلت أثينة ضائعة جيلاً كاملاً، وبقيت دول اليونان الأصلية حرة بالاسم، أما في واقع الأمر فقد ابتلعتها قوة الفرس. ونظرت بلاد اليونان بأجمعها إلى إسبارطة نظرتها إلى الخائن الغادر، وأخذت تنتظر على أحر من الجمر حتى تقوم أمة من الأمم تهلكها وتدمرها.


عصر اسبرطة المضىي

كانت إسبرطة في هذا الماضي الغامض قبل حتى يأتيها ليكرجوس مدينة كسائر المدن اليونانية ازدهر فيها الفن والأغاني كما لم يزدهرا قط بعد أيامه. وكانت الموسيقى أكثر الفنون انتشاراً فيها، وهي قديمة فيها قدم السكان أنفسهم، ذلك أننا مهما أوغلنا في القدم نجد اليونان يغنون. وإذ كان تاريخ إسبارطة لا تنبتر منه الحروب فإن موسيقاها قد اصطبغت بالصبغة العسكرية- وكان أسلوبها هو"الأسلوب الدوري" البسيط القوي. أما غيره من الأساليب الموسيقية فلم يكن يثبط فحسب، بل كان جميع خروج عن هذا النمط الدوري يعاقب عليه القانون؛ وحتى تربندر نفسه Terpander، وهوالذي أخمد بأغانيه فتنة قامت في المدينة، وقد حكم عليه الإفوريون بغرامة وسمرت قيثارته في جدار لأنه جرؤ على حتى يزيد على أوتارها وتراً جديداً لتنسجم مع صوته؛ ولم يسمح لتيموثيوس Timotheus في عهد آخر من عهودها بأن يشهجر في المباريات الإسبارطية إلا بعد حتى نزع بأمر الإفوريين ما أضافه من الأوتار الشائنة المرذولة على قيثارة تربندر، وكان قد زاد هذه الأوتار من سبعة إلى أحد عشر(23).

وقد عثر في إسبارطة، كما عثر في إنجلترا، مؤلفون عظام في الموسيقى، حين كانت تستورد هؤلاء المؤلفين من خارجها؛ فقد استدعت حوالي عام 670 تربندر من لسبس بأمر الوحي في دلفي، حسب زعمهم، ليعد مباراة في الغناء الجماعي في الاحتفال بعيد كرنيا Carneia. وكذلك استدعى ثاليتاس Thaletas، وألكمان Alcman، وبلمنستوس Polymnestus. وقد وجه هؤلاء معظم جهودهم لوضع ألحان وطنية وتدريب الفرق على إنشادها. وقلما كانت الموسيقى تفهم للأفراد من الإسبارطيين(24)، فقد بلغت الروح الشيوعية فيها، كما بلغت في روسيا الثورية، من القوة درجة جعلت الموسيقى تنزع فيها نزعة جماعية، وكانت الجماعات فيها تتبارى في إقامة حفلات الغناء والرقص الفخمة. وأتاحت هذه الأغاني الجماعية للإسبارطيين فرصة أخرى للتدريب ولتنظيم الجماهير، لأن جميع صوت في الغناء كان خاضعاً للرئيس. ولم يشذ الملوك أنفسهم عن هذا الخضوع، فقد وقع في احتفال الهياكنثيا Hyacinthia حتى غنى الملك أجسلوس في الزمان والمكان اللذين عينهما له رئيس الفرقة. وكان الإسبارطيون على بكرة أبيهم، كبيرهم وصغيرهم، رجالهم ونساؤهم، يشهجرون أثناء الاحتفال بعيد الجمنوبيديا Gymnopedia في تمارين رياضية جماعية ورقص متناسق وغناء. وما من شك في حتى هذه المناسبات كانت باعثاً قوياً للشعور الوطني، ومصرفاً ينصرف فيه ما تتأجج في الصدور من هذا الشعور. وكان تربندر (أي "مطرب الناس") أحد أولئك الشعراء الموسيقيين النابهين الذين بدأ بهم عصر ليسيوس المجيد في الجيل الذي تجاوز سافو. وتعزوإليه الرواية المأثورة اختراع أناشيد الشراب المعروفة باسم اسكوليا scolia وزيادة أوتار القيثارة من أربعة إلى سبعة؛ ولكن القيثارة ذات السبعة الأوتار كانت، كما تجاوز القول، قديمة قدم ميتوس، وأكبر الظن حتى الناس كانوا يتغنون بفضائل الخمر في شباب العالم الذي جر عليه النسيان ذيله. والذي لا ريب فيه حتى تربندر قد ذاع صيته في لسبوس وعهد فيها بأنه مؤلف المقطوعات الغنائية الموسيقية ومغنيها. ولما حتى اغتال رجلاً في مشاجرة، نفي من هذه المدينة ورأى من مصلحته حتى يقبل دعوة اتىته من إسبارطة بالذهاب إليها. ويلوح أنه أقام فيها بقية أيام حياته يفهم الموسيقى ويدرب الفرق الغنائية. وينطق لنا إنه قضي نحبه في مجلس شراب: فبينما هويغني- ولعله كان يغني النغمة التي أضافها في أعلى السلم الموسيقي- قذفه أحد السامعين بتينة، فدخلت في فمه، وفي قصبته الرئوية، فسدت مسالك التنفس، وقضت عليه وهوفي نشوة الغناء(25).

وواصل ترتيوس عمل تربندر في إسبارطة في أثناء الحرب الميسينية الثانية؛ وقد اتىها من أفدنا Aphidna- وقد تكون في لسيدمون، وقد تكون وهوالأرجح في أتكا. والذي لا ريب فيه حتى الأثينيين كانوا يروون فكاهة قديمة عن الإسبارطيين، وهي أنهم حين كانت الدائرة تدور عليهم في الحرب الثانية أنجاهم من الهزيمة الماحقة مفهم أتِكِي أعرج أيقظت أغانيه الإسبارطيين الخاملين وبعثت في قلوبهم الشجاعة فانتصروا بذلك على أعدائهم(26). وجلي أنه كان ينشد أغانيه في المجتمعات العامة بمصاحبة الناي، وهويعمل لتبديل الموت الحربي بالمجد الذي يحسد عليه. وقد اتى في إحدى البتر الباقية من أغانيه: "ما أجمل حتى يموت الرجل الشجاع في الصف الأول من المجاهدين في سبيل أوطانهم؛ ألا فليثبت جميع إنسان في مكانه واقفاً على قدميه لا يتزحزح عن موقفه، وليعض على نواجذه... وليضم جميع إنسان قدم زميله، ولتتلاحق الدروع، ولتختلط الرياش المتماوجة، والخوذ المتلاطمة، وليتقدم المقاتلون متلاصقون كالبنيان المرصوص، تتلاقى في معمعان القتال نصال السيوف وأسنة رماحهم"(27). ويقول ليونيداس ملك إسبارطة إذا ترتيوس "كان رجلاً بارعاً في إثارة حمية الشباب"(28).

وغنى ألكمان لأهل ذلك الجيل نفسه، وكان صديقاً لترتيوس ومنافساً له، ولكن غناءه كان أكثر تنوعاً من غناء صديقه وأقرب منه إلى مطالب هذه الحياة الدنيا. وكان موطنه الأصلي ليديا البعيدة. ويقول بعضهم إنه كان عبداً ولكن اللسديمونيين رحبوا به لأنهم لمقد يكونوا قد تفهموا كراهية الأجنبي التي أصبحت فيما بعد جزءاً من قانون ليكرجوس. ولوأنه قد عاصر الإسبارطيين المتأخرين لرأوا في مدائحه في الحب والطعام وتعداده لأصناف الخمور اللكونية مسبة لهم. وتصفه الرواية التاريخية بأنه أشد الأقدمين شرهاً وشغفاً بالنساء. وهويقول في إحدى أغانيه إنه كان سعيد الحظ لأنه لم يبق في سرايس، وإلا لجبت خصيتاه وأصبح من كهنة سيبيل، بل اتى إلى إسبارطة حيث يستطيع حتى يحب بكامل حريته مجالستراتا Megalostrata ذات الشعر المضىي(29). وبه تبدأ أسرة الشعراء العشاق التي تنتهي بأنكريون، وهوحامل لواء "التسعة شعراء الغنائيين" الذين اختارهم النقاد الإسكندريون ووصفوهم بأنهم أحسن شعراء بلاد اليونان القديمة . ولقد كان في وسعه حتى يخط ترانيم وتهاليل، وخمريات وغزلا؛ وكان أحب شيء إلى الإسبارطيين ما وصفه في هذه الأغاني من حين إلى حين بتراً تكتشف لنا عن قوة الشعور الخيالي التي هي جوهر الشعر وأساسه. "لقد استغرقت في النوم قلل الجبال ومسايلها، وشعابها، وخوانقها، والزواحف التي تخرج من الأرض السوداء، والوحوش التي تتربص على سفوح التلال، وثول النحل، والحيوانات المهولة في قاع البحر الأرجواني، استغرقت كلها في النوم، ومعها أسراب الطيور المجنحة .

ولنا حتى نستنتج من وجود هؤلاء الشعراء حتى الإسبارطيين لمقد يكونوا إسبارطيين على الدوام، وأنهم لمقد يكونوا في القرن السابق لليكورجوس أقل شغفاً بالشعر والفنون الجميلة من سائر اليونان؛ ولقد أضحت الأغاني الجماعية من الخواص الوثيقة الصلة بهم، ولما حتى أراد كتاب المسرحيات الأثينيون حتى يخطوا أغاني جماعية لمسرحياتهم لم يروا بداً من حتى يخطوها باللهجة الدورية، مع أنهم خطوا الحوار باللهجة الأتيكية. وليس من السهل علينا حتى نقول أي الفنون الأخرى قد ازدهرت في لسديمون في تلك الأيام، أيام الهدوء والاطمئنان، لأن الإسبارطيين أنفسهم قد غفلوا عن تاريخ تلك الأيام والاحتفاظ بتاريخها إذا كانوا قد سجلوه؛ ولكنا نستطيع حتى نقول إذا الفخار والبرنز اللكونيين قد اشتهرا في القرن السابع، وإن الفنون الصغرى قد أخرجت كثيراً من الكماليات التي تستمتع بها الأقلية المحظوظة. لكن هذه النهضة القصيرة الأجل قضت عليها الحروب الميسينية. فقد وزعت الأراضي المفتوحة على الإسبارطيين، وكاد عدد الأقنان حتى يتضاعف نتيجة لهذا التوزيع. وكيف يستطيع ألفاً من المواطنين حتى يخضعوا على الدوام أربعة أمثالهم من البرئيسيين وسبعة أمثالهم من الهيلوتيين،يا ترى؟ إنهم لا يستطيعون ذلك إلا إذا نفضوا أيديهم من ممارسة الفنون ومناصرتها، وجعلوا من جميع إسبارطي جندياً شاكي السلاح مستعداً على الدوام لقمع الثورات أوالسير إلى ميدان القتال. ولقد بلغوا هذه الغاية بفضل دستور ليكرجوس، ولكن هذا الدستور نفسه قد أخرج إسبارطة من تاريخ الحضارة بكافة معانيها اللهم إلا معناها السياسي وحده.

ليكورگس

يعود أول ذكر لها في التاريخ إلى العصر الموكيني (Mycènes = باليونانية ) (1600-1200ق.م) Mukenai، ويذكرها هوميروس في حديثه عن هلن Helen زوج منلاوس Menelaos ـ ملك إسبرطة ـ التي اختطفها باريس Paris ابن ملك طروادة، وتسبب في إشعال نار حرب طروادة بين الإغريق والطرواديين. وتشير الدلائل الأثرية والمصادر التاريخية إلى حتى الغزاة الدُوريين Dorians استوطنوا المدينة بدءاً من القرن الحادي عشر قبل الميلاد، ومع أنه لا يعهد شيء كثير عن المدينة حتى القرن الثامن قبل الميلاد فإن من الواضح حتى هؤلاء الغزاة اتبعوا طريقة فريدة في الحكم، طبعت تاريخ إسبرطة طوال العصور التالية بطابعهم.

تاريخ إسبرطة المتأخر

حدود أسبرطة القديمة (وتسمى المنطقة بـ الپلوپونيز

لم تكن إسبرطة ـ بحكم عزلتها السابقة ـ قادرة على حتى تتبوأ مركز الزعامة في العالم الإغريقي، فكانت تضطر أحياناً إلى الاعتماد على دعم الامبراطورية الفارسية مما أثار النقمة عليها داخل بلاد اليونان وخارجها، وأدت النزاعات والتحالفات الجديدة إلى بروز مدينة طيبة Thebes قوةً عسكريةً تمكنت سنة 371 ق.م. من كسب ود معظم الناقمين، وهزيمة إسبرطة في مسقطة ليوكترا، وأتبعت طيبة نصرها باكتساح البلوبونيز وتحرير الميسينيين أرقاء إسبرطة التي تدهورت مكانتها السياسية والعسكرية منذ ذلك الوقت.

وعندما رغب المقدونيون في توحيد بلاد اليونان لم تشارك إسبرطة في أي جهد عسكري للقاءة فيليب الثاني المقدوني، كما لم تقبل الدخول في الحلف الكورنثي بزعامة فيليب لمتابعة مقاومة الفرس، وإن التحق عدد من رجالها بالخدمة في جيوش ذلك العصر مرتزقةً، وهوأمر اضطر ما تظل فيها من سكان ـ نحو700 رجل مع أسرهم ـ إلى إقامة أسوار تحمي المدينة لأول مرة في تاريخها. وقد حاولت المدينة في عهد كليومينس Kleomenes الثالث (229 - 222ق.م) حتى تنهض من كبوتها، ونجحت في استعادة بعض نفوذها في البلوبونيز بعد حتى منحت المواطنة ستة آلاف من الهلوت المقيمين فيها. ولكن هذا النفوذ سرعان ما قضت عليه مقدونية وتابعته رومة التي ساءها مساعدة بعض المدن اليونانية أنطيوخوس الثالث ملك سورية عند غزوه أوربة.

وفي القرنين الثاني والثالث الميلاديين استغلت إسبرطة أريحية بعض أباطرة رومة وكرمهم فاستعادت بعض رخائها وتنطقيدها في التدريب العسكري، لكنها لم تتمكن من الصمود أمام غزوة الهون بقيادة ألاريك Alaric وتفرق سكانها، ولاسيما بعد الغزوالسلافي للمنطقة، وتلاشت المدينة منذ ذلك التاريخ حتى أعيد بناؤها سنة 1834م وتشتهر اليوم منتجاً رئيساً للحمضيات والفواكه والحرير الخام والعسل وزيت الزيتون في بلاد اليونان.


ثورة اسبرطة

Statue of King Leonidas I at Sparta (1968)

وفي هذه الأثناء كانت هجرز الثروة في أيدي عدد قليل من الأفراد يثير النزاع الأبدي بين الطبقات في جميع أنحاء اليونان. وكان من أثر هذا الهجرز في إسبارطة حتى بذلت محاولتان لإصلاح الحال بإحداث انقلاب تام في أحوال تلك المدينة. لقد استطاعت إسبارطة بفضل عزلتها بين الحواجز الجبلية حتى تحافظ على استقلالها، وأن تصد جيوش مقدونية، وتهزم جيش بيروس (272) الضخم ببسالة أبنائها وشدة بأسهم. ولكن نهم الأقوياء أحدث في داخل البلاد من الخراب ما لم تقوَ جيوش الأعداء على إحداثه فيها من الخارج. فقد ألغي قانون ليقورگ الذي كان يمنع انتنطق الأرض من أيدي ملاكها بالبيع أوتقسيمها بالوصية ، واستخدم الإسبرطيون ما عاد عليهم من الثروة بطريق الإمبراطورية أوالحرب في شراء هذه الأراضي من أصحابها(33). وما وافت سنة 244 حتى آلت أراضي لكونيا الزراعية التي تبلغ مساحتها 700.000 فدان إلى مائة أسرة لا أكثر(34)، وحتى لم يحتفظ بحقوق المواطنية إلا سبعمائة رجل، وحتى هؤلاء السبعمائة لمقد يكونوا يُطعمون مجتمعين كما كانوا يُطعمون من قبل. ذلك حتى الفقراء لم يستطيعوا تقديم قسطهم من الطعام، وأن الأغنياء كانوا يفضلون ولائمهم الخاصة. وحلت الفاقة بمعظم الأسر التي كانت من قبل تستمتع بالحقوق السياسية، وأخذت تطالب بإلغاء الديون وإعادة توزيع الأراضي على الأهلين.

وكان من فضائل الملكية حتى محاولة إصلاح هذا الحال قد قام بها ملوك إسبارطة. ذلك حتى أجيس الرابع Agis IV وليونداس قد ارتقيا عرش المدينة المزدوج في عام 242. وأيقن أجيس حتى ليقورغ كان يقصد حتى تكون الأراضي موزعة بالتساوي بين جميع الأحرار، فاقترح حتى يشرع في توزيعها بينهم من جديد، وأن تُلغى جميع الديون، وأن يُعاد النظام شبه الشيوعي الذي وضعه ليقورغ. وأيد الملاك الذين كانت أرضهم مرتهنة اقتراح إلغاء الديون؛ فلما حتى وافق على المشروع عارضوا أشد المعارضة جميع ما عداه من عناصر إصلاحات أجيس؛ ثم اغتيل أجيس نفسه بتحريض ليونداس، واغتيلت معه أمه وجدته، وكانت كلتاهما قد نزلت عن ضياعها طائعة مختارة لتوزع على أبناء الشعب. وكانت النساء أنبل الشخصيات في هذه المسرحية الملكية؛ فقد كانت كلونيس Chilones ابنة ليونداس زوجة كليمبروتوس Cleombrotus الذي يؤيد أجيس. ولما نفي ليونداس واغتصب كليمبروتوس الملك هجرت كلونيس زوجها الظافر لتشهجر في النفي مع زوجها، ولما حتى استعاد ليونداس السلطة ونفي كليمبروتوس، آثرت كلونيس حتى تُنفى مع أبيها(35).

وأراد ليونداس حتى يضم لأملاك أسرته ما كان لأرملة أجيس من ثروة طائلة، فأرغمها على حتى تتزوج بابنه كليمنيس Cleomenes. ولكن كليمنيس هام بحب زوجته، واستلهم منها آراء الملك القتيل؛ ولما حتى اعتلى العرش باسم كليمنيس الثالث، قرر حتى ينفذ إصلاحات أجيس. واستطاع حتى يضم الجيش إلى جانبه ببسالته في الحرب، وأن يكسب تأييد الشعب ببساطة معيشته، فلما تم له ذلك ألغى الإفورية الألجركية بحجة حتى ليقورغ لم يوافق عليها قط، وقتل أربعة عشر من الذين عارضوا هذا الإلغاء، ونفى منهم ثمانين، وألغى جميع الديون، ووزع الأراضي على الأهلين الأحرار، وأعاد نظام ليقورغ إلى ما كان عليه من قبل. ولم يكتف بهذا، بل شرع يفتح البلوبونيز أمام الثورة. ورحب به الصعاليك في جميع مكان ورأوا فيهِ منقذاً ومحرراً لهم، واستسلمت له عدة مدن وهي فرحة مستبشرة، فاستولى على أرجوس، وبليني، وفليوس Philius، وإبدورس، وهرميونه Hermione، وتريزين Troezeu؛ وحتى كورنثة الفتية استسلمت له هي الأخرى في آخر الأمر. وانتشرت عدوى خطته هذه في جميع مكان: ففي بؤوشيا امتنع المدينون عن الوفاء بديونهم، واستولت الدولة على الأموال لاسترضاء الفقراء؛ وفي مجالوبوليس Megalopolis قام الفيلسوف سرسداس Cercidas يدعوا الأغنياء حتى يمدوا يد المعونة للفقراء قبل حتى تُطيح الثورة بجميع أموالهم(36). ولما حتى غزى كليمنيس آخايا Achaea وهزم أراطوس، دب الرعب في قلوب الطبقات العليا جميعها خوفاً على أملاكها، واستغاث أراطوس بمقدونية ولبى نداءه أنتجونس دوسن Antigonus Doson ، وهُزم كليمنيس في سلاسيا Sellasia (221)، وأعاد النظام الألجركي في لسديمون. وفر كليمنيس إلى مصر، وحاول دون جدوى حتى يستعين ببطليموس الثالث، كما حاول دون جدوى حتى يدفع أهل الإسكندرية إلى الثورة، فلما أخفق في كلتا المحاولتين لم يجد بداً من الانتحار(37).

وظلت حرب الطبقات مستعرة نارها، فخرج أهل إسبارطة على حكومتهم بعد جيل واحد من حكم كليمنيس، وأقاموا دكتاتورية ثورية، فما كان من فلوبيمين الذي خلف أراطوس في رياسة العصبة الآخية إلا حتى غزا لكونيا، وأعاد إليها حكم الملاك. وما كاد فلوبيمين ينصرم أجله حتى ثار الشعب مرة أخرى، وأقام مكانه نابيس Nabis حاكماً بأمره (207). وكان نابيس هذا سوري الموطن سامي الجنس، أخذ أسيراً في الحرب، وبيع عبداً في مجالوبوليس. ولم يطق صبراً على كفايته المقموعة فانتقم لنفسه بتنظيم ثورة بين الهيلوتين، ولما تم له الأمر منح حق المواطنية الإسبرطية لجميع الأحرار، ونطق للهيلوتين كونوا أحراراً فكانوا. ولما وقف الأغنياء في وجهه صادر أملاكهم وبتر رؤوسهم. وانتشرت أنباء أعماله هذه في خارج إسبارطة، ووجد من أيسر الأمور حتى يفتح بمعونة الطبقات الفقيرة مدائن أرجوس، ومسينيا، وإليس، وبعض أركاديا. وكان أينما سار يؤمم المزارع الكبرى، ويعيد توزيع الأراضي على الأهلين، ويلغي الديون(38). ورأت عصبة الدول الآخية أنها عاجزة عن القضاء عليه فطلبت العون من رومة. ولبى فلامنينوس طلبه، ولكن نابيس قاومه مقاومة عنيفة أرغمت الرومان على قبول هدنة رضي بمقتضاها نابيس حتى يطلق سراح الأغنياء المسجونين، ولكنه اشترط حتى يظل محتفظاً لنفسه بالسلطة. وفي هذه الأثناء اغتال نابيس مغتال بتحريض عصبة الدول الإيتولية (192)(39). وبعد أربع سنين من ذلك الوقت زحف فلبومين مرة أخرى على إسبرطة، وأعاد السلطة إلى الملاك، وألغى أنظمة ليقورغ، وباع ثلاثة آلاف من أتباع نابيس في أسواق الرقيق. إلى غير ذلك قضى على الثورة، ولكن إسبرطة قُضي عليها أيضاً؛ نعم إذا المدينة ظلت قائمة، ولكنها لم يكن لها بعدئذ شأن في تاريخ بلاد اليونان.

الحروب

الحرب الميسينية الأولى

فيما بين عامي 740 - 720 قبل الميلاد قامت الحرب الميسينية الأولى، استطاعت اسبرطة من خلالها توسيع أراضيها بالإستيلاء على حصن جبل أتيوم وضم ميسينا (غربي أسبرطة)، أثناء حكم الملك تيوبومبوس.

إسبرطة والحروب الفارسية

في بداية القرن الخامس قبل الميلاد وافقت اسبرطة على مساعدة المدن اليونانية لمناهضة التهديد الفارسي، لكن قواتها لم تتمكن من المشاركة في معارك الفترة الأولى من الحروب الفارسية لانشغالها في مهرجان كرنيا Karneia الديني، ووصلت هذه القوات إلى ميدان المعركة بعد حتى كانت أثينة[ر] قد حققت نصرها على الفرس في معركة ماراثون. على حتى إسبرطة قبلت في الفترة الثانية من الحروب بعد عشر سنوات بأن يسند إليها شرف قيادة القوات اليونانية المتحالفة في البر والبحر. وضرب الملك الإسبرطي ليونيداس مثلاً رائعاً في دفاعه اليائس عن مضيق ترموبولاي Thermopylae في الشمال مع ثلاثمئة من جنوده. كما تمكن القائد الإسبرطي يوروبيادس Eurybiades من إحراز نصر بحري في معركة سالاميس بمساعدة القائد الأثيني ثمستوكليس Themistokles. وفي سنة 479ق.م حقق الملك الإسبرطي پاوسانياس Pausanias نصراً مؤزراً للقوات اليونانية المشهجرة على الفرس في معركة پلاتايا Plataea. ومع أنه نجح في تحرير عدد من مدن شرقي بلاد اليونان من قبرص حتى بيزنطة فإنه اضطر إلى العودة إلى إسبرطة، فأتاح بذلك للأثينيين إنشاء حلف مهمته متابعة حرب الفرس، وتطوير قواهم العسكرية لدرجة أدت إلى اعتراف إسبرطة بهيمنة أثينة على البحر لقاء اعترافها بهيمنة إسبرطة على البر.

حرب البلوبونيز

يذكر مؤرخ هذه الحرب ثوقوديدس Thukydides حتى خشية إسبرطة من تزايد قوة أثينة البحرية والاقتصادية هي التي دفعتها إلى إعلان الحرب على أثينة متذرعة بأسباب منها حرمان أثينة مدينة ميغارة Megara من التجارة مع إسبرطة التي كانت حليفة لها، ومحالفة أثينة جزيرة كوركورا (كورفواليوم) Korkura ومحاصرتها مدينة پوتيدايا Potidaea وكانتا مستعمرتين لكورنثة حليفة إسبرطة.

وطوال السنوات العشر الأولى من الحرب كانت نتائج المعارك متكافئة، فكانت إسبرطة تكسب المعارك البرية وتكسب أثينة البحرية منها. ومع حتى بعض المعارك اشتعلت خارج بلاد اليونان ولاسيما في صقلية وآسيا الصغرى فإن الحرب لم تنته إلا بعد حتى قامت إسبرطة ببناء أسطول بمساعدة الفرس، وحطمت الأسطول الأثيني سنة 405ق.م وحاصرت أثينة براً وبحراً وأكرهتها على القبول بشروط التسليم، وأبرزها الاعتراف بزعامة إسبرطة على بلاد اليونان.

الحرب الميسينية الثانية

بين عامي 660 - 640 ق.م.، سقطت الحرب الميسينية الثانية، إذ وبعد ثمانين عاماً من الحكم الاسبرطي لـ ميسينيا، ثار أهالي ميسينيا ضد الحكم الاسبرطي، ودعمهم في عصيانهم حكام دويلات المدن اليونانية في الشمال والشرق والتي كانت على خلاف مع أسبرطة. وعندما تعاظمت الاضطرابات الإقتصادية والسياسية في ميسينيا وفقد الكثير من الأسبرطيين أراضيهم التي اكتسبوها بعد الحرب الأولى، سارعت أسبارطة إلى فرض نفوذها في ميسينيا، وابتكر الأسبارطيون خلال الإعداد لتلك الحرب، التكتيك القائم على تجمع كتيبة مشاة مدججة بكافة أنواع السلاح (رماح، سيوف، تروس، دروع، واقيات أطراف)، وهذا التكتيك انتشر في حروب العالم بعد ذلك، من بعد الاسبرطيين.

انتصرت اسبرطة في الحرب فوزاً مؤزراً، أعاد هيبتها إلى كافة المدن اليونانية، غير أنه خلق منها دولة جديدة، دولة لا تعهد غير الحرب !

اسبرطة العسكرية

كان ازدياد ثروة الدولة، وتوسع نفوذها الواقعي والمعنوي على ما جوارها من المدن اليونانية، أحد النتائج المباشرة للحرب الميسينية الثانية.

وارتأت أسبرطة بعد النصر حتى تتحول إلى دولة عسكرية، أي حتى يحكمها العسكر، وأن تكون ذات أهداف توسعية دائمة، وأن تكون الحرب هي وسيلة الكسب والردع، فضلاً عن تعظيم العمل العسكري في المجتمع الأسبرطي، حتى أصبح الجندي في أعلى درجات السلم الإجتماعي.

ونشأ عن ذلك ظهور نظام الحاميات، إذ عملت حكومة أسبرطة على إرسال كتائب مسلحة في عدد من المدن اليونانية التي احتلتها، وكتائب أخرى ترابط في المدن المتحالفة (أوالخاضعة بشكل غير ظاهر) لها.

الدستور والدولة

في عام 700 ق.م.، ظهر إلى الوجود دستور اسبرطة ويسمى (ريترا الكبرى)، ينص الدستور على حتى يحكم أسبرطة اثنان من الملوك أحدهما أجيادي، والآخر اوريبونتيدي. ومجلس للشعب يسمى (جيروزيا)، وجمعية للجيش، وينظم الدستور هذه السلطات ويحدد مهامها.

وبعد عدة سنوات جرى إصلاح دستوري جذري، حُصرت فيه سلطة الملوك بالجيش فقط، وأنشيء مجلس حديث للحكام المدنيين، يتم انتخابهم من قبل مجلس الشعب.

وتجدر الإشارة إلى حتى حقوق الإنتخاب والترشيح كانت مقصورة على الاسبرطيين فقط. يعزوالاسبرطيون دستورهم إلى لوكورغوس Lykurgos أحد مشرعيهم شبه الأسطوريين الذي كان متنفذاً في بلاط أحد ملوك إسبرطة بحسب قول هيرودوت، وعندما قام بجمع الأعراف والتنطقيد القديمة وصاغها في نطقب قانوني عزاها إلى وحي دلفي المقدس ليضفي عليها شرعية دينية وقوة تطبيقية.

وبموجب الدستور تكونت الهيئات التشريعية والتطبيقية من أربع هيئات رئيسة هي: الملكان ومجلس الشيوخ gerousia والجمعية العامة apella والحكام ephoroi. ويتربع الملكان على قمة التنظيم الفريد الذي أدى إليه سببان: أحدهما حتى وجود ملكين يتساويان في السلطة يبعد عنهما كليهما فكرة الاستئثار بالحكم، وثانيهما تساوي المكانة الاجتماعية والدينية والمادية لعائلتي الملكين اللتين تدعيان الانتساب إلى الإله هرقل. ومع حتى الدستور كان يعطي الملكين حق قيادة الجيوش وحضور اجتماعات مجلس الشيوخ ورئاسة الاحتفالات الدينية، إضافة إلى حقوق وامتيازات شرفية أخرى مقصورة عليهما، فإن سلطاتهما كانت نظرية وتكريمهما كان شكلياً، ولمقد يكونا يمارسان إلا حق الفصل في بعض القضايا الثانوية، كالتبني والإشراف على تزويج الأيتام.

أما مجلس الشيوخ فكان يتألف، إضافة إلى الملكين، من ثمانية وعشرين عضواً منتخبين من رؤساء العائلات الإسبرطية. ومن مهام المجلس النظر في شؤون السياسة الخارجية للدولة، وإعداد المشروعات العامة لعرضها على الجمعية العامة، إضافة إلى مهمة الفصل النهائي في القضايا الجنائية للمواطنين الإسبرطيين، والإشراف الإداري على هيئات الدولة المتنوعة. ولاشك في حتى السلطات الواسعة لهذا المجلس قد أسهمت في انتهاج سياسة المحافظة على الماضي، والابتعاد عن أي تحديث في إسبرطة في تاريخها الطويل.

والجمعية العامة كانت نظرياً الوحدة الديمقراطية الوحيدة في الدستور الإسبرطي، إذ كانت عضويتها مفتوحة لكل المواطنين الذين بلغوا الثلاثين من العمر وأتموا مراحل التدريب العسكري. وكانت الجمعية تعقد جلساتها بدعوة من الحكام مرة في الشهر، وتقتصر سلطاتها على تصديق القوانين المقدمة من مجلس الشيوخ أورفضها من دون مناقشتها، إضافة إلى مهمة انتخاب الحكام وأعضاء مجلس الشيوخ.

وكان عدد الحكام في إسبرطة خمسة، تنتخبهم الجمعية العامة سنوياً، ويشرفون على الأخلاق والنظام العام وحفظ القانون، ولهذا كانوا يرأسون فرقة الشرطة السرية، لمناهضة حركات التمرد عند الأقنان، ومراقبة تصرفات الغرباء في المدينة، ويشرفون على التدريب العسكري للشباب، ويراقبون سلوك الموظفين، ويرافقون الملوك في الحروب، ويفصلون في بعض القضايا، ويفاوضون ممثلي الدول وسفراءها، ويعقدون المعاهدات مع الدول الأجنبية.

المجتمع الاسبرطي

كان المجتمع الأسبارطي يتكون من ثلاث قبائل، وهومجتمع ذكوري، يهمّش المرأة. ويُربى الذكور بين 14 - 20 من أعمارهم من قبل الدولة ويتلقون تعليماً عسكرياً مكثفاً، ومن أعمارهم بين 20 - 30 ملتحقون بالجيش جميعاً، ومن هم أكبر من الثلاثين يجتمعون في نوادٍ رجالية في المدن، ويتناولون فيها وجباتهم سوية.

التربية

إن تدريب الناس على مثل أعلى متعب للجسم، وخاصة إذا كان كالذي يدرب عليه الإسبارطيون، يحتم أخذهم من أيام مولدهم وتعويدهم أشد النظم وأعظمها صرامة.

وكانت المستوى الأولى هي تقوية النسل بأقصى الطرق. فلم يكن جميع ما يفرض على الطفل هوحتى يقابل ما لأبيه من حق قتله، بل كان يؤتى به فضلاً عن ذلك أمام مجلس من مجالس الدولة مكون من مفتشين، فإذا ظهر حتى الطفل مشوه ألقي به من فوق جرف في جبل تيجيتس ليلقى حتفه على الصخور القائمة في أسفله(47). وكان ثمة وسيلة أخرى للتخلص من ضعاف الأطفال نشأت من العادة التي جرى عليها الإسبارطيون، وهي تعويد أطفالهم تحمل المشاق والتعريض لمختلف الأجواء(48). وكان يطلب إلى الرجال والنساء حتى يهتموا بصحة من يريدون حتى يتزوجوهم وبأخلاقهم؛ وحتى الملك أرخيداموس Archidamus نفسه قد فرضت عليه غرامة لأنه تزوج بامرأة ضئيلة الجسم(49). وكان الأزواج يشجعون على حتى يعيروا زوجاتهم إلى رجال ذوي قوة ممتازة غير عادية حتى يكثر بذلك الأطفال الأقوياء؛ وكان ينتظر من الأزواج الذين أنهكهم السقم أوأعجزتهم الشيخوخة حتى يدعوا الشبان ليعينوهم على تكوين أسر قوية. ويقول بلوتارخ إذا ليكرجوس كان يسخر من الغيرة ومن احتكار الأزواج، ويقول إذا من أسخف الأمور حتى يعنى الناس بكلابهم وخيلهم، فيبذلوا جهدهم ومالهم ليحصلوا منها على سلالات جيدة، ثم تراهم مع ذلك يبقون زوجاتهم في معزل ليختصوا بهن في إنجاب الأبناء، وقد يحدثون ناقصي العقل أوضعفاء أوسقمى". والأقدمون كلهم مجمعون على حتى الذكور من الإسبارطيين كانوا أقوى أجساماً وأجمل وجوهاً من سائر رجال اليونان، وأن نساءهم كن أصح وأجمل من سائر نساء تلك البلاد(50).

وأغلب الظن حتى هذه النتيجة يرجع أكثرها إلى التدريب لا إلى العناية بالنسل. وفي ذلك يقول ثوكيديدس على لسان الملك أرخيداموس: "قلماقد يكون ثمة فرق" (يعني وقت المولد على ما نظن) "بين الرجل والرجل، ولكن الذي يتفوق في آخر الأمر هوالذي ينشأ في أقصى مدرسة"(51). وكان الولد الإسبارطي يؤخذ من أسرته في السابعة من عمره لتتكفل الدولة بتربيته؛ فكان يسلك في فرقة عسكرية هي في الوقت نفسه فصل مدرسي تحت إشراف بيدونوموس Paidonomos أوقيم على الأولاد. وكان أقدر الأولاد وأشجعهم في جميع فصل ينصب عريفاً عليهم؛ ويطلب إلى سائر الأولاد حتى يطيعوه، وان يخضعوا لما عساه حتى يفرضه عليه من عقاب، وأن يحاولا حتى يجاروه أوحتى يتفوقوا عليه في الأعمال الشاقة وفي حسن النظام. ولم يكن هدفهم من هذه التربية هوالجسم الرياضي والمهارة في الألعاب كما كان هدف الأثينيين، بل كان هذا الهدف هوالشجاعة الحربية والقيمة العسكرية. وكانوا يقومون بالالعاب وهم عراة على أعين الكبار والعشاق من الرجال والنساء. وكان هَمّ الكبار من الرجال حتى يثيروا الشحناء بين الأولاد فرادي وجماعات، ليختبروا بهذا ما لديهم من قوة وجلد ويدربوهم عليهما؛ فإذا ما جبنوا لحظة جللهم العار أياماً طوالاً. وكان يطلب إلى الإسبارطيين جميعاً حتى يتحملوا الألم ويقاسوا الصعاب، وأن يصبروا على المصائب وهم صامتون لا يتذمرون. وكان عدد من الشبان يختارون جميع عام أمام مذبح أرتميس أرثيا Artemis Ortha وتلهب أجسامهم بالسياط حتى تخضب دماؤهم الحجارة(52). وإذا بلغ الولد الثانية عشرة من عمره منعت عنه ملابسه السفلى، ولم يسمح له إلا بثوب واحد طوال أيام السنة. ولم يكن يستحم كثيراً كغلمان الأثينيين، لأن الماء والأدهان تجعل الجسم ليناً رخواً، أما الهواء البارد والتراب النظيف فيجعلانه صلباً شديد المقاومة. وكان ينام في العراء صيفاً وشتاءً، على فراش من الأسل يبتر من شاطئ يوروتاس. وكان يعيش حتى الثلاثين من عمره في الثكنات مع فرقته، ولا يعهد وسائل الراحة المنزلية.


ذلك حتى الدستور الإسبارطي كان يفرض على جميع رجل من سن الثلاثين إلى الستين حتى يتناول وجبته اليومية الرئيسية في مطعم عام كبير، وكان الطعام فيه بسيطاً في نوعه وأقل قليلاً في كميته مما يلزم للشخص العادي. وكانت هذه القلة في الطعام متعمدة يقصد بها المشترع- كما يقول بلوتارخ- حتى يعودهم الصبر على ما يلاقونه في الحرب من حرمان، وأن يحول بينهم وبين ما ينشأ في عهود السلم من تدهور وانحطاط؛ فكان يحرم عليهم "أن يقضوا حياتهم في البيوت، ينامون على الفراش الوثير ويطعمون الطعام الشهي، يسلمون أنفسهم إلى أيدي التجار والطهاة، يتخمونهم في أركان الدور كما يتخمون الحيوانات الشرهة، فلا يفسدون بذلك عقولهم فحسب بل يفسدون أجسامهم كذلك، فإذا ما انحطت قواهم بسبب ذينك الانهماك والإفراط، أصبحوا في حاجة إلى النوم الطويل والاستحمام بالماء الساخن والتحرر من العمل؛ وجملة القول أنهم يصبحون لا يعنون بعمل شيء ولا يشرفون على شيء كأنهم مصابون بعلة دائمة لا يبرءون منها"(66).وكانوا يحصلون على المواد اللازمة لهذه الوجبة العامة بأن يطلب إلى جميع إنسان حتى يقدم في فترات معينة إلى النادي الذي يطعم فيه كميات محددة من الحبوب وغيرها من الطعام؛ فإذا لم يقدمها حرم من حقوق المواطنين.

وكانت هذه البساطة في المأكل والمشرب، وكان هذا التقشف في المعيشة اللذان يدرب عليهما الشاب الإسبارطي يمتدان في القرون الأولى بعد وضع القانون إلى ما بعد سن الشباب. ولذلك كانت البدانة نادرة في لسديمون؛ نعم إنهم كانوا يسنوا قانوناً يحدد حجم المعدة، ولكن إذا كبر بطن الرجل كبراً معيباً، كان عرضة لأن تؤنبه الحكومة علناً على هذا الكبر أوحتى تنفيه من لكونيا(67). ولم يكن في إسبارطة إلا القليل من السُكْر واللهوالمنتشرين في أثينة؛ وكان ثمة فروق حقيقية في الثروات، ولكنها كانت فروقاً خفية؛ فقد كان الأغنياء والفقراء يلبسون الثياب البسيطة نفسها- وهي قميص من الصوف يتدلى من الكتفين من غير تظاهر بجمال أواختيار شكل معين له؛ وكان الإكثار من الثروة المنقولة من أصعب الأمور، وكان ادخار نقود حديدية تبلغ قيمتها نحومائة ريال أمريكي يحتاج صندوقاً كبيراً، ولم يكن نقل هذا القدر من المال يحتاج إلى أقل من ثورين(68)، ذلك أنه كان من المستطاع شراء الإفورين، وأعضاء مجلس الشيوخ، والرسل، وقواد الجيش، والملوك بأثمان تتفق مع مكانتهم(69). ولما حتى عرض سفير من جزيرة ساموس صحافة المضىية في إسبارطة حتم الملك كليومنيس الأول استنادىءه منها لئلا يفسد مواطنوه بهذا المثل الأجنبي(70).

وكان نظام الحكم الإسبارطي، لخوف الأهلين من هذه العدوى، غير كريم في معاملة الأجانب إلى حد لم يسبق له مثيل. فقلما كان الأجانب يرحب بهم في البلاد، وكانوا يفهمون عادة حتى زياراتهم يجب ألا تطول، فإذا طالت فوق ما يجب صحبهم رجال الشرطة إلى حدود البلاد. وكان يحرم على الإسبارطيين أنفسهم حتى يخرجوا من بلادهم إلا بإذن من الحكومة؛ كما كان يقلل من تشوفهم بتعويدهم العزلة المتعجرفة التي لا يحلمون معها حتى في وسع غيرهم من الأمم حتى تفهمهم شيئاً(71)؛ وكان لا بد لهذا النظام حتىقد يكون غير كريم إلى هذا الحد ليحمي بذلك نفسه؛ لأن ريحاً تهب من هذا العالم المحرم عليه، عالم الحرية، والترف، والآداب، والفنون، قد تدك هذا النظام المصطنع العجيب الذي كان ثلثا الشعب فيه من الأقنان وكل السادة فيه من الرقيق.

التعليم

يُربى الذكور بين 14 - 20 من أعمارهم من قبل الدولة ويتلقون تعليماً عسكرياً مكثفاً، ومن أعمارهم بين 20 - 30 ملتحقون بالجيش جميعاً، ومن هم أكبر من الثلاثين يجتمعون في نوادٍ رجالية في المدن، ويتناولون فيها وجباتهم سوية.

وكان يتفهم القراءة والكتابة، ولكنه لا يكاد يتفهم منهما ما يكفي لأن يخرجه من سلك الأميين، وقلما كانت الخط تجد في إسبارطة من يشتريها(53)، وكان الناشرون قلة كالمشترين. ويقول بلوتارخ إذا ليكرجوس كان يرغب ألا يتفهم الأطفال قوانينه بطريق الكتابة، بل يجب حتى يتلقوها مشافهة وبطريق المران عليها في شبابهم بعناية من يرشدهم ويضرب لهم المثل بنفسه. وكان يرى حتى تقويم الأخلاق بتعويدهم إياه دون حتى يحسوا هم بذلك خير من الاعتماد على الإقناع بالحجج النظرية؛ وأن التعليم السليم هوخير أساليب الحكم، على حتىقد يكون هذا التعليم خلقياً أكثر منه عقلياً، لأن الخلق أعظم خطراً من العقل. وكان الشاب الإسبارطي يدرب على الاعتدال في الشراب، وكانوا يرغمون بعض الهيلوتيين على الإفراط فيه حتى يرى الشبان ما قد يتردى فيه المخمور من حماقات(54). وكان يفهم حتى يستعد للحرب بأن ينطلق في الحقول يجد طعامه بنفسه أويموت جوعاً إذا لم يجده، وكانوا يجيزون له السرقة في هذه الأحوال، فإذا قبض عليه وهويسرق عوقب بالجلد(55). وإذا كان حسن السلوك جاز له حتى يحضر اجتماع المواطنين العام، وكان ينتظر منه حتى يعنى بالاستماع إلى ما ينطق فيه حتى يلم بمشاكل الدولة ويتفهم فن الحديث الظريف. فإذا تخطى صعاب الشباب بشرف وبلغ سن الثلاثين منح جميع ما للمواطن من حقوق، وألقيت عليه جميع ما يلقى على المواطن من تبعات، وأجيز له حتى يجلس لتناول الطعام مع من هم أكبر منه.


الحياة العسكرية

تمثال رخامي لهوپليت يعتمر خوذة (القرنخمسة ق.م.)، متحف اسبرطة الأثري، اليونان

المرأة والزواج

وكانت البنت أيضاً خاضعة لقيود تفرضها عليها الدولة، وإن كانت تهجرها لتربى في منزل أبويها. فكان يطلب إليها حتى تقوم ببعض الألعاب العنيفة- الجري، والمصارعة، ورمي القرص، وإطلاق السهام من القوس- لكي تصبح قوية البنية، سليمة الجسم، صالحة في يسر للأمومة الكاملة. وكان عليها حتى تسير عارية في أثناء الرقصات والمواكب العامة، ولوكانت في حضرة الشبان، لكي يحفزها ذلك إلى حتى تعنى بجسمها العناية الواجبة، ولكي تنكشف للناس عيوبها فيعملوا على إزالتها. وفي ذلك يقول بلوتارخ، وهوالرجل الشديد الحرص على الأخلاق: "ولم يكن ثمة شيء يُستحى منه في عري الفتيات، فقد مكان الوقار شعارهن، وكان الفجور أبعد الصفات عنهن. وكن وهن يرقصن يغنين الأغاني في مدح من أظهروا الشجاعة في الحرب، ويصببن اللعنات على من يجبن. ولم يكن الإسبارطيون يضيعون جهودهم ووقتهم في تربية البنات تربية عقلية.

أما الحب فكان يسمح للشاب حتى ينغمس فيه، وأن يحب الذكور والإناث دون ما تحرج، فقد كان لكل صبي تقريباً حبيب بين من هم أكبر منه من الرجال، وكان ينتظر من هذا الحبيب حتى يواصل تعليمه، وأن يجزيه الصبي عن هذا حباً وطاعة. وكثيراً ما استحال هذا النفع المتبادل صداقة عاطفية قوية تبعث في نفس الفتى والرجل ضروب البسالة في الحرب(56). وكان يسمح للشبان بالكثير من الحرية قبل الزواج، ولذلك كانت النادىرة الرسمية نادرة الوجود، وكان التسري لا يلقى تشجيعاً(57). ولم نسمع عن وجود هياكل لأفرديتي في لسديمون كلها، اللهم إلا هيكلاً واحداً، وحتى في هذا الهيكل قد مثلت الآلهة وعليها نقاب وفي يدها سيف، وفي قدميها أغلال، كأنها تشير بذلك إلى ما في زواج الحب من سخف وطيش، وإلى خضوع الحب للحرب ، وإلى إشراف الدولة إشرافاً قوياً على الزواج.

وحددت الدولة أنسب سن للزواج سن الثلاثين للرجال والعشرين للنساء. وكانت العزوبة في إسبارطة جريمة، وكان العزاب يحرمون حق الانتخاب وحق مشاهدة المواكب العامة التي يرقص فيها الفتيان والفتيات عرايا؛ ويقول بلوتارخ إذا العزاب أنفسهم كانوا يرغمون على حتى يمشوا بين الجماهير عرايا صيفاً وشتاءً ينشدون نشيداً فحواه إنهم يقاسون هذا العقاب العادل جزاء لهم على مخالفة قوانين البلاد. وكان الذين يصرون على عدم الزواج عرضة لأن تهاجمهم في أي وقت من الأوقات جماعات من النساء يؤذينهم أشد الأذى. ولم يكن العار الذي يلحق بمن يتزوجون ولا يلدون ليقل كثيراً عن العار الذي يلحق العزاب؛ وكان المفهوم حتى من لا أبناء لهم من الرجال غير خليقين بذلك الإجلال الديني الذي يقدمه الشبان الإسبارطيون لمن هم أكبر منهم سناً(58).

وكان الوالدان هما اللذان ينظمان زواج أبنائهما، دون حتىقد يكون من أجل البيع والشراء أثر في هذا التنظيم؛ فإذا ما اتفقا على الزواج كان ينتظر من العريس حتى ينتزع عروسه من بيت أبيها قوة واقتداراً، كما كان ينتظر منها حتى تقاوم هذا الانتزاع، وكان اللفظ الذي يعبر به عن الزواج هولفظ هربدزين harpadzein أي الاغتصاب(59). فإذا هجر هذا التنظيم بعض الكبار بلا زواج، جاز حشر عدد من الرجال في حجرة مظلمة ومعهم عدد مساولهم من البنات، ثم يهجر هؤلاء وأولئك ليختار جميع رجل شريكة حياته في الظلام(60)؛ ذلك حتى الإسبارطيين كانوا يعتقدون حتى هذا الاختيار لم يكن فيه من العمى أكثر مما في الحب. وقد كان من المألوف حتى تظل العروس مع أبويها وقتاً ما، وأن يبقى العريس في ثكناته لا يزور زوجته إلا خلسة. ويقول پلوتارخ إنهما كانا يعيشان على هذا النحوزمناً طويلاً حتى لقد كان بعضهم ينجب من زوجته أطفالاً قبل حتى يرى وجهها في ضوء النهار". فإذا ما أوشكا حتىقد يكونا أبوين جاز لهما بأن ينشئا بيتاً. وكان الحب ينشأ بعد الزواج لا قبله، ويلوح حتى الحب بين الزوج وزوجته لم يكن في إسبارطة أقل منه في سائر الحضارات(61). وكان الإسبارطيون يفخرون بأن الزنا لا وجود له بينهم، وقد يحدثون على حق في هذا الفخر، لأنهم كانوا يتمتعون قبل الزواج بقسط كبير من الحرية، وكان الكثيرون من الأزواج يقبلون حتى يشهجر معهم غيرهم وخاصة إخوتهم في زوجاتهم(62). وكان الطلاق نادراً، وقد عوقب ليساندر Lysander القائد الإسبارطي لأنه هجر زوجته وأراد حتى يتزوج أخرى أجمل منها(63).

وكان مركز المرأة بصفة عامة في إسبارطة خيراً منه في أي مجتمع يوناني آخر، فقد احتفظت فيها أكثر من سائر المدن اليونانية بمكانتها الهومرية العالية وبالمزايا التي بقيت لها من أيام المجتمع القديم الذي كان الأبناء فيه ينسبون إلى أمهاتهم.. وفي ذلك يقول بلوتارخ إذا النساء الإسبارطيات كن يمتزن "بالجرأة والرجولة، وبالتشامخ على أزقابلن.. وكن يتحدثن بصراحة حتى في أبرز الأمور"؛ وكان من حقهن حتى يرثن ويورثن، وقد آلت لهن على مر الوقت نصف الأملاك الثابتة في إسبارطة بفضل ما كان لهن من سيطرة قوية على الرجال(65). وكن يعشن في بيوتهن عيشة الترف والحرية، على حين كان الرجال يقاسون أهوال الحروب الكثيرة، أويطعمن الطعام البسيط مع سائر الرفاق.

المساواة السياسية والاجتماعية والاقتصادية

انقسم المجتمع الإسبرطي، بموجب الأعراف والتنطقيد ـ التي أصبحت دستوراً فيما بعد ـ ثلاث طبقات: طبقة المواطنين Spartans، وطبقة البريويكيين Perioeki، وطبقة الهلوتيين Helots. وكان المواطنون الإسبرطيون (أواللاكيديمونيون نسبة إلى مقاطعتهم لاكيديمونية) هم السادة، ويعودون بأصولهم إلى الغزاة الدوريين، ويسكنون مدينة إسبرطة نفسها، ولا يمارسون أي عمل سوى التدرب على الأعمال العسكرية، ويحتكرون حقوق السكان المدنية كاملة، كحق الترشيح والانتخاب وشغل الوظائف العامة في الدولة . وكان عددهم قليلاً لا يتجاوز الثلاثين ألفاً، ينتظمون في قبائل ثلاث هي: البامفوليون Pamphyli والدومانيون Dymanes والهوليون Hyleies. أما طبقة البريويكيين، وتعني باليونانية «الذين يسكنون حول المدينة»، فكانت تعود بأصولها إلى سكان البلوبونيز قبل قدوم الدوريين، إضافة إلى بعض الدوريين. وقد عدّت الأعراف الإسبرطية أفراد هذه الطبقة أحراراً في مزاولة التجارة والصناعة وبيع أراضيهم وتوريثها وتجزئتها والخدمة مشاة في الجيش، إلا أنهم لا يملكون أية حقوق سياسية أومدنية أخرى. وكان عددهم نحومئة وعشرين ألفاً، لتوضع مساكنهم حول المدينة فقد كانوا في موضع خط الدفاع الأول يحمون المواطنين داخل المدينة من تعديات السكان المجاورين أوينذرونهم بحدوثها. أما طبقة الهلوتيين فهم من أوائل سكان البلوبونيز الذين استرقهم البريويكيون قبل قدوم الدوريين. ويبدوأنهم كانوا أرقاء دولة توزعهم على السادة الإسبرطيين للعمل في فلاحة أراضيهم لقاء الحصول على حصة معينة. ومع حتى هذه الطبقة كانت الطبقة المنتجة الرئيسة في المجتمع الإسبرطي، وكان أفرادها يؤلفون فرق مشاة خاصة بهم في الجيش الإسبرطي ويحملون أسلحة خفيفة، فإن وضعهم القانوني كان سيئاً جداً لأنهم كانوا يلقون معاملة قاسية من الشبان الإسبرطيين من دون حتى تكفل لهم الدولة أية حماية. وكانوا يعبّرون عن سخطهم ـ لكثرة عددهم إذ كانوا ضعف البريويكيين ـ بالتمرد مما جعل الإسبرطيين يبتدعون نظام الشرطة السرية أوالكروبتية Kryptia لمراقبة حركات التمرد وسحقها قبل حدوثها.

نساء تاريخيات

ما لإسبرطة وما عليها

ترى أي طراز من الرجال وأي نوع من الحضارة أنتجهما هذا القانون،يا ترى؟ فأما الرجال فكانوا أقوياء الأجسام ألفوا المشاق والحرمان. وقد نطق عنهم أحد السيباريين Sybarites المترفين إذا الإسبارطيين "لا يمدحون على استعدادهم للموت في ميدان القتال لأن موتهم هذا ينجيهم من كثير من العمل الشاق ومن الحياة البائسة"(72). وكانت صحة الجسم من الفضائل الرئيسية في إسبارطة، كما كان السقم جريمة فيها؛ وما من شك في حتى أفلاطون قد سره حتى يجد بلاداً خالية من الدواء ومن الدمقراطية. وكان الإسبارطي شجاعاً؛ وما من أحد من الناس غير الرومان يضارعه في ثبات جنانه وفي فوزه في الحروب؛ وليس أدل على ذلك من حتى بلاد اليونان كلها لم تكد تصدق حتى الإسبرطيين قد استسلموا لأعدائهم في اسفكتريا Sphacteria؛ ذلك أنه لم يسمع عنهم من قبل أنهم لم يحاربوا إلى آخر رجل فيهم، وحتى الجندي الإسبرطي العادي كان يفضل الانتحار على الحياة بعد الهزيمة(73). ولما وصلت إلى آذان الإفورين أنباء هزيمة الإسبارطيين المنكرة في لوكتر Leuctra- وكانت هزيمة ماحقة اختتم بها في واقع الأمر تاريخ إسبارطة- وكانوا وقتئذ على رأس الألعاب الجمنوبودية، لم ينطقوا بحدثة واحدة. وكل ما عملوه حتى أضافوا إلى سجل الموتى المقدسين الذين نالوا شرف الموت في الألعاب أسماء القتلى الجدد. وكان من الصفات العادية التي يتصف بها جميع مواطن إسبارطي، والتي كان يخط عنها الأثينيون ولكنهم قلما كانوا يتحلون بها، كان من هذه الصفات ضبط النفس، والاعتدال والهدوء، والثبات في السراء والضراء.

وإذا كانت إطاعة القانون فضيلة فقد كان الإسبارطي يفوق في هذه الفضيلة سائر الناس. وفي ذلك يقول الطبيب دمراتوس Demaratus لخشيارشاي: "إن اللسديمونيين، وإن كانوا أحراراً، ليسوا أحراراً في جميع شيء، لأن القانون سيدهم الأعلى، يخافونه أكثر مما يخافك شعبك"(74). وقل حتى تجد شعباً غيرهم- مع جواز استثناء الرومان واليهود في العصور الوسطى- كان احترامه لقوانينه سبباً في قوته. وقد ظلت إسبارطة مائتي عام على الأقل تزداد قوة على قوة تحت حكم دستور ليكرجوس، وهي وإن عجزت عن فتح أرجوس وأركاديا، قد أقنعت جميع البلوبونيزيين حتى يقبلوا زعامتها لحلف البلوبونيز الذي ساد بفضله السلام في جزيرة بلوبس ما يقرب من قرنين كاملين (560-380ق.م). وكانت بلاد اليونان على بكرة أبيها تعجب بجيش إسبارطة وحكومتها، وتتطلع إلى معونتها في ثل عروش الطغاة الظالمين. ويحدثنا زنوفون عن "الدهشة التي عرتني حين لاحظت أول مرة مسقط إسبارطة الفذ بين دول اليونان، وعدد سكانها القليلين بالنسبة لغيرها من الدول، وقوة شعبها ومنزلته العالية بالرغم من هذه القلة. وقد حيرني تعليل قوة هذا الشعب ومنزلة هذه الدولة. ولم تزل هذه الحيرة إلا حين فكرت في أنظمة الإسبارطيين العجيبة"(75). ولم يكن زنوفون يمل من الثناء على أساليب الإسبارطيين، كما لم يكن أفلاطون وبلوتارخ يملان من الثناء عليهم. ولا حاجة إلى القول بأن إسبارطة هي التي عثر فيها أفلاطون الخطوط الرئيسية لمدينته الفاضلة، التي طمس معالمها بعض الشيء إغفاله العجيب للمثل العليا. ولقد كان كثيرون من المفكرين اليونان يعمدون إلى تمجيد نظام إسبارطة وشرائعها بعد حتى ملوا ما في الدمقراطية من انحطاط وفوضى وأوجسوا في أنفسهم خيفة منهما. والحق أنهم كانوا يستطيعون الثناء على إسبارطة لأنهم لم يضطروا إلى المعيشة فيها، ولم يروا عن كثب ما في أخلاق الإسبارطيين من أنانية، وبرود، وقسوة، ولم يتبينوا ممن يرونهم من الصفوة التي التقوا بها منهم، أومن الأبطال الذين يمجدونهم عن بعد، حتى الشرائع الإسبارطية كانت تخرج جنوداً بواسل ولا شيء غير الجنود، وأنها جعلت قوة الجسم وحشية مرذولة لأنها أماتت الكفايات العقلية كلها تقريباً. ذلك أنه لما أصبح لهذا القانون المقام الأول في البلاد أصاب الموت فجأة جميع الفنون التي ازدهرت قبل سيادته، فلم نعد نسمع بعدئذ عن شعراء أومثالين، أوبنائين في إسبارطة بعد عام 550 ق.م ، ولم يبق فيها إلا الرقص الجماعي والموسيقى، لأن فيهما يمكن حتى يتجلى النظام الإسبارطي وأن يختفي الفرد ويضيع في المجموع. ولقد كان من أثر حرمان الإسبارطيين حتى يتجروا مع العالم، ومنعهم من الأسفار، وجهلهم بعلوم بلاد اليونان وآدابها وفلسفتها الآخذة في الظهور والنماء، حتى أصبحوا أمة من الجنود المشاة المدرعين الثنطق، لا ترقى عقليتهم فوق مستوى الذين قضوا في هذه الجندية حياتهم كلها. ولقد كان الرحالة اليونان يعجبون من هذه الحياة البسيطة الخالية من الرونق والبهاء، ومن هذا القدر الضئيل المقيد من الحرية، وهذه المحافظة الشديدة على جميع عادة وكل خرافة، وهذه الشجاعة التي كانت موضع الإجلال، وذلك النظام الصارم، وهذا الخلق النبيل، وذلك الغرض الدنيء الذي لا يؤدي إلى غاية. وعلى بعد لا يزيد على مسيرة يوم واحد على ظهور الجياد كان الأثينيون يشيدون من آلاف المظالم والأخطاء صرح حضارة واسعة المدى، قوية في أعمالها، تتقبل جميع فكرة جديدة، حريصة على الاتصال بالعالم، متسامحة متنوعة، معقدة، مترفة، مبتدعة، متشككة، واسعة الخيال، شعرية، مشاغبة، حرة. لقد كان ما بين أثينة وإسبارطة من التناقض هوالذي صبغ التاريخ اليوناني بصبغته المعروفة ورسم خطوطه الرئيسية.

ولقد قضى ضيق أفق إسبارطة في آخر الأمر على مالها من قوة نفسية، ذلك حتى نفسيتها قد انحطت حتى صارت ترتضي جميع وسيلة تؤدي إلى غرض إسبارطي، وبلغ من ذلتها في آخر الأمر للغزاة حتى باعت للفرس تلك الحريات التي كسبتها بلاد اليونان في مراثون. لقد استحوذت عليها النزعة العسكرية وجعلتها سوط عذاب لجيرانها بعد حتى كانت في مكان الشرف منها، ولما حتى سقطت، عجبت الأمم كلها من سقوطها، ولكن ما من أمة حزنت لها. ولا نكاد اليوم نجد بين الأنقاض القليلة الباقية من هذه العاصمة القديمة نقشاً واحداً أوعموداً ملقى على الأرض يعلن للعالم حتى اليونان كانوا في يوم من الأيام يسكنون في هذا المكان.

لاكونوفيليا

شباب اسبرطيون يتدربون بريشة إدگار ديگا (1834-1917)

لاكونوفيليا هوحب اسبرطة أوالاعجاب بها أوبثقافتها أوبدستورها.

أعلام اسبرطة القدماء

  • أگيس الأول – ملك
  • أگيس الثاني – ملك
  • أگسيلاوس الثاني – ملك
  • كليومينس الأول – ملك
  • ليونيداس الأول (ح. 520-480 ق.م.) – ملك، اشتهر بأفعاله في معركة ثرموپيلاي
  • Cleomenes III – ملك ومصلح
  • ليساندر (القرنان 5-4 ق.م.) – جنرال
  • ليكورگس (القرنعشرة ق.م.) – واضع القوانين
  • Chionis (7th century BC) – لاعب رياضي
  • Cynisca (القرن أربعة ق.م.) – أميرة ولاعبة رياضية
  • خيلون – فيلسوف
  • Gorgo – queen and politician
  • هلن – في حرب طروادة، ملكة اسبرطة
  • منلاوس – ملك اسبرطة أثناء حرب طروادة

انظر أيضاً

  • قائمة ملوك اسبرطة

الهامش

وصلات خارجية

مصادر

  • الموسوعة العربية

- أطلس تاريخ العالم، تأليف : هيرمن كندر - فيرنر هيلغيمن.

تاريخ النشر: 2020-06-08 09:35:23
التصنيفات: Pages using infobox country with unknown parameters, اسبرطة, مدن يونانية قديمة, Former populated places in Greece, أساطير يونانية, ملوك أسطوريون, Offspring of Zeus, Populated places in Laconia, حكام اسبرطة, دول وأراضي تأسست في the 11th century BC, حرب طروادة, مدن تاريخية, مدن اليونان, مدن إغريقية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

محمد بن زايد يتلقى تعازي قادة الدول الشقيقة والصديقة في وفاة خليفة

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-05-14 06:18:05
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 51%

سنوات على الحرب.. هل تغير موقف العالم من عودة لاجئي سوريا؟

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-14 06:16:49
مستوى الصحة: 86% الأهمية: 88%

المجلس العالمي للتسامح والسلام ينعي الشيخ خليفة بن زايد

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-05-14 06:18:06
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 67%

من عهد إلى وليه

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-14 06:17:04
مستوى الصحة: 81% الأهمية: 98%

رئيس الأنتربول ينعى الشيخ خليفة بن زايد

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-05-14 06:18:05
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 50%

اللقب يغازل الريدز والبلوز

المصدر: صحيفة اليوم - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-05-14 03:25:47
مستوى الصحة: 33% الأهمية: 36%

خبراء أمميون: الصحفيات الفلسطينيات تتعرضن للعنف بشكل منتظم

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-14 06:17:39
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 67%

رئيس وزراء النمسا ينعي الشيخ خليفة بن زايد

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-05-14 06:18:04
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 53%

أمراض نادرة تنتشر بالجزائر.. وتلميحات لزواج الأقارب!

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-14 06:16:58
مستوى الصحة: 89% الأهمية: 86%

طالت طليقته ولاعبة جمباز.. عقوبات بريطانية على دائرة بوتين

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-14 06:16:35
مستوى الصحة: 81% الأهمية: 97%

خمسة قتلى في غارة جوية إسرائيلية في سوريا (مصدر عسكري سوري)

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-14 06:16:32
مستوى الصحة: 86% الأهمية: 96%

كورونا يتفشى بكوريا الشمالية.. 21 وفاة وبيونغ يانغ: حمى!

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-14 06:16:36
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 97%

خروج قافلة عسكرية أمريكية من ريف الحسكة السورية تمهيدا لدخول العراق

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-14 06:17:38
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 54%

الخارجية البرازيلية تنعى الشيخ خليفة بن زايد

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-05-14 06:18:06
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 54%

كيف تستعيد رسائل “فيسبوك” المحذوفة بحيل بسيطة تستغرق ثواني

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-14 06:15:24
مستوى الصحة: 31% الأهمية: 40%

رئيس الوزراء يعود إلى القاهرة بعد زيارة رسمية لتونس استغرقت يومين

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-14 06:17:40
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 55%

"صوتك سلاحك".. لبنانيون يأملون بانتخابات تغيّر الواقع

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-14 06:16:36
مستوى الصحة: 89% الأهمية: 100%

كيف تختارين أفضل واقي شمسيّ لبشرتكِ هذا الصيف؟

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-14 06:15:23
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 35%

حزب الأمة القومي السوداني ينعى الشيخ خليفة بن زايد

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-05-14 06:18:06
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 59%

انتخابات لبنان 2022: لماذا يريد الناخبون الشباب التغيير و"الانتقام"؟

المصدر: BBC News عربي - بريطانيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-14 06:16:29
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 89%

في وداع قائد التمكين

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-14 06:17:07
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 87%

إنجاز غير مسبوق.. نباتات الأرض تنمو في تربة القمر

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-14 06:15:25
مستوى الصحة: 32% الأهمية: 37%

ماذا لو عندنا أكثر من هلال؟

المصدر: صحيفة اليوم - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-05-14 03:25:45
مستوى الصحة: 41% الأهمية: 43%

التذاكر والإرهاق يتصدران أحاديث العشاق

المصدر: صحيفة اليوم - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-05-14 03:25:46
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 37%

الإمارات تودع موسّع نهضتها.. وحاكم أبوظبي يتقبل التعازي

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-14 06:16:43
مستوى الصحة: 95% الأهمية: 87%

تحميل تطبيق المنصة العربية