المسرح الاغريقي

عودة للموسوعة

المسرح الاغريقي

يعتبر المسرح الإغريقي مظهراً واضحاً من مظاهر الفن في الحضارة الاغريقية كما أنّه بوتقة لجمع وتعاون عدد من الفنون السبعة.


نظرة عن تاريخ المسرح الإغريقي

لقد نشأت التراجيديا واتخذت أصولها الأولى من الأغاني الديثورامبية Dithyrambe وهي تعبير عن طقس من الطقوس الدينية تؤدى في عبادة الإله (ديونيزوس أوديونيسوس Dionysos أوباخوس Bacchus) والاحتفال به. وتقسم الأعياد التي تتم فيها هذه الطقوس والاحتفالات إلى ثلاثة وهي: أعياد ديونيزوس الكبرى أوأعياد المدينة، أعياد العصير، الأعياد الريفية.

وأما الدراما اليونانية فكانت، وحتى بعد تطورها ونضوجها في القرن الخامس قبل الميلاد على يد "اسخيلوس" ومعاصريه ومن اتىوا بعدهم، كانت جزءاً لا يتجزأ من طقوس الاحتفال بالإله ديونيزوس في "عيد الديونيزيا الأكبر".

قناع مسرحي يمثل ديونيسيوس، متحف اللوفر


تطور التراجيديا

في رسالة أرسطوعن "فن الشعر"، نجد في عهد القدماء حتى أبا التراجيديا الحقيقي هو"ثسبيس Thespis" (القرن السادس ق. م) الذي أوجد فكرة التمثيل، فبعد حتى كانت الأحداث تروى على لسان رئيس الكورس Chorus، أوالجوقة، أصبحت تمثل أمام المشاهدين، ويقوم بتمثيلها إنسان آخر غير رئيس الجوقة، وكان يطلق عليه اسم "هوبوكريتيس Hupokrites" أي المجيب، أوالشخص الذي يعبّر عن آراء غيره، أوالشخص الذي يظهر على غير حقيقته هو، فهوالممثل الذي يجري على لسانه كلام الشخصيات المتنوعة التي يقوم بتمثيلها. وكان يؤدي هذا الدور الشاعر نفسه فيغير ملابسه وقناعه - فيما بعد - في خيمة قريبة تسمى "سكيني Skene" بما يتفق مع الشخصية المراد تمثيلها، بينما أفراد الجوقة يستمرون في الرقص والإنشاد، ثم يعود إليهم ليناقش معهم ما نطقته الشخصية السابقة أويعارضها أويرثولها إلى غير ذلك حتى تنتهي المسرحية. ثم اتى "براتيناس Pratinas" ليبتكر الأقنعة التي حلّت محل طلاء الوجه برواسب النبيذ كما كان يعمل "ثسبيس"، كما أنه أدخل على الملابس بعض التعديلات الهامة. ثم اتى "اسخيلوس Aeschylus" الذي يعتبر مبتكر التراجيديا الحقيقي وصاحب الفضل الأول في وجودها بصورتها التي نعهدها، فإليه يعزى إظهار الممثل الثاني مما أدّى إلى وجود الصراع بين وجهات النظر المتنوعة، وإلى زيادة عنصر الحوار على عنصر الغناء عند الجوقة. كما أهتم بالإخراج والمهمات المسرحية، فتولى الأقنعة بالتهذيب والصقل حتى أصبحت تعبر تعبيراً صادقاً عن ملامح الممثل وعواطفه، واعتنى بملابس الممثلين. ثم اتى "سوفوكليس Sophocles" ليضيف ممثلاً ثالثاً واهتم بالمناظر، إلى غير ذلك وصلت التراجيديا إلى أوج الكمال.


أنواع المسرحيات الاغريقية

وتقسّم المسرحيات الإغريقية تبعاً لأنماطها الى ثلاثة أنواع:

  1. التراجيديا: المأساة Tragedy
  2. الكوميديا: الملهاة Comedy
  3. المسرحيات الساتيرية: أوالتيسية أي مسرحيات التيوس Satyres.


عمارة المسرح الاغريقي

مسرح دودون.

في عصر "ثسبيس" كان يقدم العرض المسرحي بمسرح متنقل، ولكن مع مرور الوقت أصبح لكل مدينة يونانية مسرحها الخاص، ولينتقل من شكله الخشبي المؤقت إلى الحجري.

ويقسم المسرح إلى أجزاء رئيسية:

أ‌- "الأورخسترا Orchestra" ومعناها حرفياً حلبة الرقص وهي مشتقة من العمل اليوناني "أورخيثاي Orcheithai" بمعنى (يرقص). وهذه الأورخسترا هي مكان مستومستدير تؤدي عليه الجوقة رقصاتها المتعددة، وكان الدخول إليها يتمّ عن طريق ممرّين جانبيّين يُعهد جميع منهما باسم "بارودوس Parodos"، وفي مركز الدائرة تماماً كان هناك هيكل أومذبح، وكثيراً ما كان يستخدم عملاً في بعض المسرحيات، وهوجزء ثابت من الديكور. وكان يجري على هذه الدائرة الوسطى جزء من العرض الدرامي وفيها أيضاً كانت مجموعات الكوراس تقدّم رقصاتها وتنشد أناشيدها. ويقوم تحت الأورخسترا نظام ممرات محفورة في الحجر يساعد الممثلين في حركاتهم.

ب- "ثياثرون Theatron" أو"الكويلون Koilon" وهومكان المشاهدين، وكان يتألف من عدد من الدرجات تستند عادة إلى سفح تل، وكان في بادئ الأمر على شكل حلقة مستديرة حول الأورخسترا، ولكن عندما تطورت الجوقة الديثورامبية وأصبح فيها ممثل، عثر الجمهور نفسه مضطراً لأن يهجر جزءاً من الدائرة حتى يتمكن من رؤية هذا الممثل، ومن وقتها احتفظ الثياثرون بشكله الذي يشبه حدوة الحصان، وهوتعبير عن صفوف من الدكك أوالمقاعد الحجرية وكان ينقسم عادة إلى عدة أقسام عمودية بواسطة السلالم "الكليماكيس Klimakes" أي السلم أوالدرج لتصبح هذه الأقسام من المقاعد تعبير عن قطاعات تسمى "كيركيديس Kerkides" كما تقسم إلى طبقات أوأدوار بواسطة درجات أفقية تعهد باسم "ديازوماتا Diazomata"، أي الدهليز أوالممر أوالمسار. وكان هناك عرش يجلس عليه كاهن ديونيزوس، ربّ الخمر والدراما، وهومكان الصدارة. وكانت المسارح تقام عند سفح تل في الهواء الطلق حيث كانت أصداء الصوت Acousties تتجاوب فيه بشكل مثير للدهشة.

جـ- "الاسكيني Skene"، معناها المنظر أوالمشهد أوما نسميه اليوم (الديكور). وكان في بادئ الأمر وكما تدل الحدثة تعبير عن خيمة من القماش مشدودة على هيكل خشبي تستخدم كمقصورة للممثلين، ومن المحتمل حتى هذه الخيمة أقيمت أولاً خارج الأورخسترا، بعيداً عن أعين المشاهدين، ولكن بعد ذلك نقلت الخيمة قريباً من الأورخسترا أمام المكان الذي هجره الجمهور من الثياثرون ليتمكن من رؤية الممثل، وأخفيت معالم قابلتها الخارجية التي يراها الجمهور بواسطة حاجز خشبي يحتوي على باب أوأكثر بحيث تبدوالخيمة أمام المشاهدين وكأنها بناء سكني لتظهر بداية الديكور المسرحي، وهي ذات طابع تلميحي لا هدف لها سوى تحريض مخيلة المشاهدين. ثم أقيم مكان البناء الخشبي المؤقت بناء حجري ثابت دائم حيث انتهى العاملون بالمسرح الإغريقي إلى تثبيت الديكور، وفي أكثر المسرحيات كانت الاسكينا تمثل قابلة (بيت) أو(قصر) أو(معبد) وتكون أحياناً مؤلفة من طابقين وتحوي على أعمدة دورية أوأيونية تزيّن قابلتها مع البروسكينون أحياناً. ويكتمل تشكيل المسرح بعناصر جانبية تتألف من موشورات ثلاثية تدعى "بيريئكتي" أو"برياكتوس Periaktus"، تدور على نفسها وتضم ديكورات ومناظر مرسومة مختلفة بحسب جميع وجه منها وهذه الدورات تتيح تبدلات سريعة في الأمكنة رغم ندرة استعمالها، مع وجود الاختلاف بين الديكورات، ففي التراجيديا: كانت تحوي أعمدة وقابلات مرتفعة وتماثيل وأدوات زينة تناسب قصراً ملكياً، وفي الكوميديا: بيوت عادية بشرفات ونوافذ، وأما في المسرحيات الساتيرية: فأحراج وكهوف وجبال.

د- "البروسكينيون Proskenion" أي ما أمام الاسكيني أو"اللوجيون logeion"، أي المكان الذي يتحدث عليه الممثل، وظهر في منتصف القرن الرابع ق.م والعصر الهلينستي.


ديكور المسرح الاغريقي

مسرح ديونيسوس في أثينا، كما تم تخيله في عام 1891

حوالي عام 465 ق.م أنشأ "سوفوكليس" مناظر مسرحية مصنوعة من القماش الملون وحين انتقل الممثلون للتمثيل على "البروسكينون" كان الستار الملون الذي يمثل منظر المسرحية يرسم على قابلة الاسكيني أويعلّق عليها. وكان التصوير بدائياً فكانت الألوان الرئيسية توضع بشكل ليس فيه أثر للحذق الفني، ولم يكن الإغريق قد عهدوا بعد قواعد المنظور، فكان الرسم عندها هوإشارة أومقاربة إلى العناصر الطبيعية، فللبحر لون أزرق والأرض صفراء داكنة وجذع الشجر بني داكن والفروع لها لون أخضر. وسرعان ما نشطت هذه الصناعة وتخصص لها رسامون وصارت حرفة تحترف. وكان هناك ثلاث أنواع من المناظر المسرحية:

1- مناظر التراجيديا

أ- المعبد: وفيه يتوسط الستار رسم لباب هوباب المعبد وتغطى قابلته بالزخرفة والتماثيل، وعلى جانبيه من اليمين صور تمثل بيوت الكهنة وعلى اليسار غابة أوطريق.

ب- القصر: يشابه ستار باب المعبد مع مراعاة تغير جانبي الستار بأنقد يكون أحد الجانبين لمخدع الملكة مثلاً والآخر لمخدع الضيوف.

ج- الفسطاط (الخيمة): ويتألف من قماش يصور قابلة الخيمة وعليه الزخارف التي كان شائعاً تصويرها على قابلة الخيام.

د- منظر عام: وهويتنوع بين غابة أوبحر أومنظر طبيعي آخر.

2- مناظر المسرحية الساتيرية

أ- المناظر البحرية: كمرفأ بحري أوشاطئ بحر أوضفاف نهر.

ب- المناظر البرية: تصور الأحراش والغابات وسفوح الجبال والمغاور والكهوف.

3- مناظر الكوميديا

تصور منازل قامت إلى جانب بعضها وكأنها في ميدان عام أوفي طريق عام وكانت البيوت أحياناً ترسم من طابقين وله سطح وأحياناً كان الممثل يتحدث من نافذة من أعلى البيت كان يصعد إليها بدرجات خلف الستار، ولم تكن الرسوم تحوي حجماً وإنما صور مسطحة وكانت تميل إلى الواقعية في الكوميديا، وأحياناً ولمقتضيات المسرحية كان يوضع ستاران لمنظرين (عالمين) كستار يمثل معالم الأرض وآخر بجانبه يمثل معالم الآخرة أوالسماء وهذا مايسمى بـ "المنظر المركّب Simultaneous setting".


[وقد وصف "فيتروفيوس Vitruveus" كيفية إشادة هذه المناظر بكونها كانت تصور على قماش يشد إلى إطارات خشبية تدخل إلى البروسكينون من جانبيه وذلك في المسارح الصغيرة الحجم التي لا يزيد ارتفاعها عن خمسة أوستة أمتار. ويغلب الظن حتى استعمال هذه المناظر في المسارح الكبيرة كان يجري بطريقة أخرى،يبدوأنها كانت كمايلي:

يثبت المنظر على ستار المؤخرة بمشاجب في أعلاه، ثم يتدلى المنظر على الستار بطوله، وتتتالى المناظر في العرض المسرحي بحيث يتبع الواحد منها الآخر بحسب ترتيبه من العرض المسرحي- لكون العرض يتضمن أكثر من مسرحية - فبمجرد حمل المشاجب عن المنظر الأول يسقط ليظهر المنظر الثاني ويتم سحب المنظر الأول من أحد الجانبين ].

وكذلك فقد تم إنشاء الموشور الثلاثي، فيثبّت واحدٌ في جميع جانب من جنبي البروسكينيون وفي المقدمة بحيث يدور على محوره، ويرسم على جميع جانب من جوانبه صورة تمثل منظراً يخالف الصورة الأخرى فكان بالإمكان إظهار ثلاثة مناظر مختلفة دون تغيير ستار المؤخرة وكان ما يرسم عادة على أحد الجوانب يتفق وما هومرسوم في ستار المؤخرة بل إنه يكمله وينبّه إليه.

وقد اشتهر المصور "أغاتارك Agatharpue": الذي صور ستائر (أقمشة) لمسرحيات "إيشيل Eschyle" التراجيدية.


تقنيات ميكانيكية في ديكور المسرح الاغريقي

لقد اهتدى اليونانيون في القرن الخامس ق.م إلى ابتكار وسيلة ميكانيكية لتصوير البيوت من الداخل على المسرح، وكانت تسمى بـ "ايكيكليما Eccyclema"، وهي تعبير عن منصة أوسطيح خشبي مرفوع على بكرات وعجلات يدفع من الاسكينا إلى الخارج، أي أمام الجمهور، والمفروض أنها كانت تمثل جدران بيت من الداخل.

وكذلك فقد استُخدم بالمسرح كثيراً من الحيل لتمكين الممثلين من الظهور في الأورخسترا أوعلى منصة البروسكينيون بطريقة غير عادية ومنها:

أ- "سلالم خارون Kharon" التي تصعد بواسطتها الأشباح والأموات.

ب- "الأنابيسما Anapiesma" التي تحمل آلهة الأنهار والحوريات وآلهة الجحيم.

جـ- "الاستروفيون Stropheion" التي تظهر الأبطال وكأنّهم في السماء.

د- "الهيميكوكليون Hemikuklion" التي تجعل المشاهدين وكأنهم يرون مدناً بعيدة أوأشخاصاً يسبحون.

هـ- "البرونتيون Bronteion" وهي ماكينة الرعد، تعبير عن لوح مسطح من المعدن وكتل من الحجارة تلقى عليه ليصدر أصواتاً.

و- "الكيراونوسكوبيون Keraunoskopeion" وهي ماكينة البرق، تعبير عن سطح أسود مرسوم عليه وميض لامع يقذف به عبر البروسكينون (المنصة).


وقد استخدمت الآليات الأربعة الآتية:

أ- الديستيجيا Distegia: تستعمل لظهور الممثلين وكأنهم في مستوى أعلى من مستوى البروسكينيون، على سطح أوصخرة، ومن المحتمل أنها كانت تعبير عن شرفة أوطابق أعلى يمكن هجريبه عند الضرورة.

ب- الثيولوجيون Theologeion: وهي شبيهة بسابقتها، ومعناها كلام الآلهة، وعليها تظهر الآلهة وأنصاف الآلهة عندماقد يكون المراد إظهارهم دون رؤيتهم وهم نازلون في الهواء.

جـ- الماكينة Machina: وهي التي تنزل بالممثلين من السماء أوتحملهم إليها، وكانت تعبير عن رافعة متصلة بها أحبال بلون الديكور تربط بالممثلين ويتم حملهم والهبوط بهم.

د- الأكوكليما Ekkuklema: وكانت تستعمل لإطلاع الجمهور على حوادث حدثت خارج مكان التمثيل.


الأقنعة والأزياء في المسرح الاغريقي

الأقنعة

كانت الفرق المشاركة في الديونيزيات الكبرى (احتفالات تكريم الإله ديونيسوس) تحمل أقنعة، وكان بعض المشاركين في المواكب الذبائحية يلطّخون وجوههم بسلافة الخمر وبأوراق الكرمة ليغيروا ملامحهم، وانطلاقاً من هذا المثل الأول تم الانتنطق إلى استخدام أقنعة حقيقية صنعت خصيصاً لهذه الغاية تبدي مظهراً وسيطاً بين المرعب والمضحك، فأضفي على الأقنعة المصنوعة من القماش ملامح بشرية، وأدخل "فرينيكوس" القناع النسائي، ثم اتى "ايسخيلوس" وأدخل عليها تحسيناً ملحوظاً، فصار القناع يصنع على أيامه من مجموعة بتر قماشية تضغط مع بعضها في نطقب ثم تغطى بطبقة من الجبس، وكان الرسام يبيّن على هذه الطبقة ملامح الوجه ولون البشرة ويخطط الشفاه والحواجب، وكثيراً ما كان يعلوهذه الأقنعة شعر مستعار (باروكة) وتلصق لحى مستعارة على بعض الوجوه، كما كانت فيه فتحة كبيرة للفم قلما تحوي أسناناً، وثقبان ضيقان للعينين أما باقي العين فيرسم من قبل الرسام على القناع. وكان القناع يصنع أكبر من حجم الوجه الطبيعي فيغطي الوجه ويصل إلى منتصف العنق ويثبت بواسطة أربطة تربط من أسفل الذقن، ويوضع فوق الرأس قلنسوة من اللباد لثقله. وكان الممثل يستطيع إزاحته إلى الخلف أثناء الاستراحة أوبين المشاهد. وتطورت صناعة الأقنعة بعد "اسخيلوس" و"ارستوفانيس" لتتجاوز الابتسامة الجامدة والملونة بكيفية تتفق مع الواقع فبدأت بعض العواطف والانفعالات الهادئة تبدوعلى القناع، وذلك بخطوط محدودة الأثر تنحت على الوجه مثل تجعيدة أفقية على الجبهة، أوإبراز الشفتين. ثم نصل إلى عصر "فيدياس" النحات المشهور حين ازدهر "سوفوكليس" و"يوربيديس"، لكنه لم يحدث تطوراً كبيراً على الأقنعة، ليس لعجز النحات بل لرغبته في التعبير عن الوجه الصارم بالملامح الهادئة لاعتقاده حتى الهدوء والاتزان كانا أساس الفن الإغريقي كله، فكان التعديل لا يتعدّى فتح الفم وتجعيدة أواثنتين على الجبهة أوبين الحواجب مع بعض الألوان الحقيقية التي تظهر الملامح.

كما وتطور القناع في العصر الهيلينستي فأصبح شديد التأثير، مخالفاً للطبيعي، فبرزت الحواجب واضطربت وازدادت التجاعيد عمقاً وازدادت فتحتا العينين وبولغ في فتحة الفم.

تقسم الأقنعة إلى نوعين: قناع لشخصية معينة في المسرحية، وقناع لدور معين ينطبق على أي شخصية مماثلة ما دامت مشهجرة بالظروف والعمر. ويعبّر القناع عن:

أ- الشخصية: ملك، رئيس كهنة، من الشعب، رجل طيب أوخبيث.

ب- نوعها: لأن أدوار النساء كان يقوم بها الرجال.

جـ- سنها: شاب أوعجوز.

د- نوع المسرحية: تراجيديا، كوميديا، مسرحية ساتورية.


كما حتى الأقنعة كانت قد حققت متطلبات المسرح الإغريقي من حيث الرؤية والسماع، إذ كانت تفي بما يلي:

أ- تكبير ملامح الوجه (رغم سلبية استحالة التعبير الإيمائي في الوجه وكان يستعاض عنه إما باستبدال القناع أوباستعمال قناع ذي تعبيرين).

ب- زيادة طول الممثل (بالإضافة إلى دور الأزياء في ذلك)، وتسمى حيلة تضخيم الشخص "أونكوس".

جـ- تضخيم الصوت، لأن فتحة القناع كانت على شكل بوق رفيع من الداخل.

الأزياء

إنّ استعمال لباس خاص بالتمثيل الدرامي يعود كالقناع إلى فترة المواكب الذبائحية الأولى، ويعود إدخال اللباس عبر الفنون التشكيلية (رسم – تلوين - نحت) إلى "اسخليوس". ويتألف زي الممثل في المسرح الإغريقي - بالإضافة للقناع- من الحذاء والعباءة الخارجية والثوب والأمور المستخدمة في حشوالجسم وغطاء الرأس.

- الحذاء، وله عدة أنواع: "كوثورنوس Kothornos"، وهوحذاء يرتفع ارتفاعاً ملحوظاً عن الأرض، يُصنع من شرائح خشبية متطابقة وملونة بشتى الألوان وأحياناً يصنع من الجلد أواللباد أوالفلين كان بعضها يرتفع إلى 25سم، 30سم وكانت خاضعة بارتفاعها لمكانة الأشخاص فللملك والوزير أعلى الأحذية.

وكان لأفراد الجوقة حذاء أقل ارتفاعاً يدعى "الكريبيس Krepis"، وقد ابتكره "سوفوكليس" وهذا النوع أخف من سابقه لأن على الجوقة القيام بسلسلة حركات لم تكن ممكنة بالكوثورنوس حيث أنه (الكوثورنوس) في الوقت الذي يضخم حجم الشخوص رمزياً، وأدبياً أيضاً- يقلص بارتفاعه وثقله، إمكانية تنقلهم ويثقل جميع خطوة، ويفرض أسلوباً تمثيلياً يرتكز على جمود الممثلين شبه الكامل، وهذا ما يعطينا تأثيراً واضحاً للنحت (الحذاء الضخم لتضخيم الممثل) على الرقص (التمثيل والحركة) وكما حتى شكل المسرح ومقتضيات المكان، حيث حتى الجمهور كان يحتل مكاناً يبعد كثيراً عن مكان التمثيل، أضفت على الأزياء ومنها الحذاء ضرورة إبراز وإظهار الممثل، فهي تزيد من ازدياد قامته لكي يتضح له كيان واضح فوق خشبة المسرح، هذا بالإضافة إلى القناع وحشوالملابس، وكذلك ليكون له إيحاءاً أدبياً أورمزياً بأن هذه الشخصيات فوق مستوى البشر.

-حشوالجسم: وقد استخدم الإغريق صدرية وبطناً مستعاراً وفوقهما قميص يشدهما إلى الجسم ويغطي سائر الأعضاء وذلك لتضخيم الجسم بالأقمشة والوسائد بما يتناسب وضخامة القناع والحذاء ولا يخرج عن قوانين الجمال والتناسب إلا في رداء الكوميديا مما منح للمثل طولاً وضخامة.

-الألبسة: كان يتألف اللباس التراجيدي الإغريقي من عنصرين هما القميص المتعدد الألوان- ويدعى "بيليكوس" والرداء "ايبيبليما". وأما الأول: "بيليكوس" فهوثوب طويل حتى العقبين وفي الحياة الواقعية كان لا يتجاوز الركبتين، كذلك أطالوا الأكمام حتى تغطي اليدين بصورة كاملة أوحتى الرسغين وفي الواقع كانت حتى المرفقين، وجعلوا الحزام الذي يشد إلى الوسط في الحياة الواقعية يرتفع فيشد على مستوى الصدر ويسمى "ماسخاليستر". وقد عملوا جميع هذا التعديل عن اللباس في الحياة الواقعية لكي يسبغوا على الممثل مسحة طول القامة.

وكذلك فقد كان الثوب "البيليكوس" محاكاً أوملوناً بألوان زاهية ومغطى برسوم مقتبسة من أشكال بشرية وحيوانية ونباتية وغيرها. وذلك لكي يحظى الممثل بانتباه الجمهور.

أما الرداء الخارجي "الايبيبليماتا" فكان منه أنواع ونماذج متعددة منها مثلاً "هيماتيون Himation" وهورداء واسع يلف الجسم كله وكذلك "خالامودي chalamode" وهوقصير وينسدل عن الكتفين. وكذلك فقد وجدت بتر ملابس معدة لشخصيات معينة، فمثلاً كان ديونيزوس يرتدي قميصاً طويلاً أصفر، وللملك ثوبٌ أرجواني وللملكة عباءة بيضاء مشغولة باللون الأرجواني.. ولم تكن هذه الألبسة في التراجيديا الإغريقية تطابق في ترفها وألوانها الزاهية الألبسة اليومية بل كانت تأويلاً حراً وخيالياً للباس القومي الإغريقي. غطاء الرأس، وكان له غرضان رئيسيان:

أ- إكساب الممثل طولاً على طول.

ب- إحياء الصبغة المحلية للدور فلكل شخصية غطاؤها.

وكذلك فقد استخدمت أدوات خاصة بالأزياء كالدروع للمقاتلين والسيف أوالقوس للأبطال وصولجان للملك وعصا للمسنين.. ولقد كان للرموز والأسلوب هيمنة واضحة في التراجيديا خصوصاً على الواقعية في التمثيل.


النصوص المسرحيّة الأدبيّة والشعر

تنقسم التراجيديا الإغريقية من ناحية الشكل إلى الأجزاء التالية:

أ- المقدمة: (البرولوجوس Prologos) تسبق دخول الجوقة إلى المسرح وقد تكون تعبير عن مونولوج يلقيه ممثل واحد أوديالوج يشهجر فيه ممثلان. وغايته التمهيد لأحداث المسرحية وقد لا تحوي بعض المسرحيات على هذا الجزء.

ب- المدخل: (بارودوس Parodos) وتدخل الجوقة (الكورس) أثناءها إلى الأورخسترا وهم ينشدون ويغنون ويرقصون.

جـ- المشهد التمثيلي: (ابيسوديون Episodion) يتحاور فيه الممثلون فيما بينهم أومع أفراد الجوقة أورئيسهم، ويختلف عدد المشاهد التمثيلية من مسرحية لأخرى.

د- الفاصل الكورالي: (ستاسيمون Stasimon) وهوفاصل يقوم بإنشاده أفراد الجوقة بين المشاهد التمثيلية وهم واقفون في الأورخسترا دون دخول أوخروج، والغاية منه التخفيف من حدة التوتر لدى المشاهد وإتاحة الفرصة للمثلين للاستعداد للمشهد التالي.

هـ- المرثيّة أوالنحيب: (كوموس Kommos) ويشهجر فيها الجوقة والممثلون بالإنشاد، وهي ليست ضرورية في جميع تراجيديا.

و- المخرج: (أكسودوس Exodos) وهوالجزء الأخير من التراجيديا وغالباً ماينتهي بأنشودة يخرج أثناءها أفراد الجوقة من الأورخسترا.


أما الإيقاع الشعري (الوزن) في التراجيديا فكان في الحوار المرسل غير المنشد ينظم في بحر الرجز Iambric الثلاثي التفعيلة Trimeter، وأما الأجزاء المنشدة مثل (ستاسيمون وكوموس) فكانت تنظم في أوزان معقدة.


الموسيقى والرقص في المسرح الاغريقي

الموسيقى

يعود دور الموسيقى في المسرح الإغريقي تاريخياً إلى التقليد الذبائحي القديم الخاص بالأسرار الديونيزية، ثم انتقل فيه إلى البنية الدرامية.

حيث ظهرت الموسيقى كلحن في منتهى البساطة، موحد النغم، يؤديه الناي بصورة رئيسية ويدعم الأقسام المتلوة ثم ما لبثت حتى تداخلت الموسيقى مع الشعر الغنائي فأصبح النص يخضع لقوانين لحنية كما في التلاوة، وكان أحياناً يبرز الناي (مزمار الأولوس) في عزف منفرد، أوتختلط الموسيقى بالشعر في مزيج فريد، حيث حتى الأبيات الشعرية وكذلك الترتيب الذي يجمع بين جميع قياس موسيقي والإيقاع المعتمد كانا يؤديان معاً كعنصرين متعاونين، وذلك يظهر واضحاً في الأقسام الخاصة بالجوقة والتي كانت تؤدى غناء في معظم الأحيان، وأحياناً أخرى يرتفع غناء منفرد لأحد الشخوص، وكان "اسخيلوس" أيضاً موسيقياً ومؤلفاً لأغاني الكورس، وكان يسعى إلى نقل مزاجه ومشاعره إلى المشاهدين عن طريق الموسيقى والشعر الغنائي، حيث كانا في أيامه وحدة لا تنفصل فكان ابتكار الحدثة والنغم والشعر والميلودية يتم في آن معاً، وكان "أوربيدس" أول من استوعب الإمكانيات التعبيرية الخاصة في الموسيقى والغناء بعد حتى حد من حضور الجوقة (الكورس) وضم الأشخاص بالوظيفة الموسيقية التي كانت تقوم بها، موجداً بذلك نمطاً من التلاوة سميت "باراكاتالويه" والمتنوعة عن القسم المحكي حصراً والمسمى "كاتالويه" فكان بهذا يزيد من شدة انفعال المشاهدين فيدع الموسيقى تتسلم قيادة الحديث على نحوما يحدث حين يفيض الإحساس إلى الحد الذي لا تسعفه الحدثات.

الرقص

لقد ارتبط الرقص بالدراما اليونانية القديمة ارتباطاً وثيقاً لتطورها عن طقوس العبادة الديونيزية والتي كان الرقص فيها من أرقى الوسائل التعبيرية.

ويقوم الكورس في الدراما بإنشاد الشعر إلى جانب أداء الرقصات التي لم تكن تتأثر بالإيقاعات فقط وإنما كانت تعبيراً متطوراً بالإيماءات التي تفسر مضمون الشعر، كما كانت الدراما تختم برقصات تشبه سير المواكب على إيقاع لحن السير (المارش)، ورغم عدم وجود تدوينات لحركات الرقص لكونها تفهم مباشرة دون تدوين بين الأستاذ وتلاميذه. [ فنحن نفهم حتى <<الشعراء القدامى ثسبيس Thespis وبراتيناس Pratinas وكراتينوس Cratinus وفرينكوس Phrynicus كانوا يلقبون (بالراقصين)، لأنهم لم يعتمدوا على رقص الكوراس فحسب لتفسير مسرحياتهم ولكنهم وبغض النظر عن مسرحياتهم كانوا يُعلّمون الرقص لكل من يشاء حتى يتفهمه>> وقد وصلنا هذا في نص ورد في كتاب "مائدة الحكماء Deipnosophistai" لـ "أثينايوس Athenaeus" وهومن القرن الثالث الميلادي، كما ورد فيه أيضاً حتى <<اسخيليوس ابتكر كثيراً من الرقصات وخص بها أفراد الكوراس فقد ذكر كامليون Chamaeleon حتى اسخيليوس كان أول من جعل الكوراس في مسرحياته يؤدي البوزات دون حتى يستعين لذلك بأي مدرب من مصممي الرقص… فارسطوفانيس بغير شك، يجعل اسخيليوس يتحدث عن نفسه فيقول: (إنما أنا الذي اعطيت أوضاعاً جديدة للكوراس)…>>، وكذلك ورد فيه: <<وبالمثل فإن تليسيس Telesis أوتليستيس Telestes مدرب الرقص، ابتكر رقصات كثيرة وبفنه العظيم صور معنى ما ينطق بحركة ذراعية… ولذا فإن ارسطوكليس Aristocles يقول حتى تليستيس، وهوالراقص الذي كان اسخيليوس يستخدمه كان فناناً بارعاً حتى أنه كان يوضح أحداث المسرحية بأدائه حين كان يرقص في مسرحية "السبعة ضد طيبة"…>> ]

وأما "يوربيدس" وغيره من شعراء القرن الرابع ق.م فقد هجروا مهمة تعليم الجوقة وتدريب الممثلين إلى جماعة متخصصين في هذا الفن، وثمة أنماط مختلفة في الرقص باختلاف نوع العرض، ونمط مشهجر بين الثلاثة يسمى "أيبوركيما" وأما الخاص بالتراجيديا فسمي "اميليا" والخاص بالكوميديا "كورداكس" والخاص بالدراما الساخرة "سيكينيس".

المصادر

  • الفهم، الناشر: شركة ترادكسيم، شركة مساهمة سويسرية، جنيف:

CONOSCERE, 1958 Pour tout le monde Fabbre, Milan, 1971 TRADEXIM SA-Genève, autorisation pour l'édition arabe.

  • مقدمة للدكتور ابراهيم سكّر وردت في كتاب ايسخولوس، ترجمة د. ابراهيم سكّر، المسرح الإغريقي، المجلد الأول، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1972.
  • اسخيلوس، ثلاثية اوريست، ترجمة وتقديم د. لويس عوض، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1987.
  • باندولفي، فيتو، تاريخ المسرح، الجزء الاول، ترجمة الاب الياس زحلاوي،منشورات وزارة الثقافة والارشاد القومي، دمشق، 1979.
  • باندولفي، فيتو، تاريخ المسرح، الجزء الثاني، ترجمة الاب الياس زحلاوي،منشورات وزارة الثقافة والارشاد القومي، دمشق، 1981.
  • البهنسي، عفيف، تاريخ الفن والعمارة، منشورات جامعة دمشق، الطبعة السادسة، 97/1998.
  • صالومة، عبد الله، الفنون السبعة وانعكاساتها على فنون التصوير (بحث مقدّم لنيل درجة الماجستير في التصوير)، إشراف د. نزار صابور، كليّة الفنون الجميلة قسم التصوير، جامعة دمشق، 2004.

المراجع

  1. ^ مقدمة للدكتور ابراهيم سكّر وردت في كتاب ايسخولوس، ترجمة د. ابراهيم سكّر، المسرح الإغريقي، المجلد الأول، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1972، ص 32-33.
  2. ^ اسخيليوس، ثلاثية أوريست، ترجمة د. لويس عوض، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1987، ص30-31.

نطقب:صندوق بوابات

تاريخ النشر: 2020-06-08 10:34:09
التصنيفات: دراما, إنسانيات, فن, أنواع الفن المسرحي, تراجيديا, تاريخ اليونان, إغريق

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

باب سبتة.. توقيف ثلاثة أشخاص وحجز 11 ألفا و56 قرصا طبيا مخدرا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-24 18:26:29
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 63%

مجلس الحكومة يصادق على مقترحات تعيين في مناصب عليا

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2023-05-24 18:25:42
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 64%

الحكومة تصادق على إحداث مديرية عامة للانتقال الرقمي

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-24 18:26:54
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 58%

مكناس.. العثور على جثة رضيعة في حاوية للنفايات

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2023-05-24 18:25:36
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 65%

بايتاس: الحكومة تعمل على فرض ضريبة على "صناع المحتوى"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-24 18:27:02
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 68%

باب سبتة.. توقيف ثلاثة أشخاص وحجز 11 ألفا و56 قرصا طبيا مخدرا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-24 18:26:34
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 53%

الحكومة تصادق على إحداث مديرية عامة للانتقال الرقمي

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-24 18:26:55
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 70%

بايتاس: الحكومة تعمل على فرض ضريبة على "صناع المحتوى"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-24 18:27:03
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 62%

تحميل تطبيق المنصة العربية