أبوالفرج الوأواء الدمشقي

أبوالفرج محمد الغساني المعروف بالوأواء الدمشقي (ت. ح. 370 هـ) شاعر دمشقي، حلوالألفاظ، في معانيه رقة. عاصر وامتدح سيف الدولة الحمداني.

ولعل من أشهر ما نطق:

هـُمْ يَحْسُدُوني عَلَى مَوْتِي فَوا أَسَفِي

حَتَّى عَلَى المَوْتِ لا أَخْلوُ مِنَ الحَسَدِ

مخطوطة من دمشق، معاصرة للوأواء الدمشقي، من عام 336 هـ.

ألقابه

يروي الثعالبي في اليتيمة نقلاً عن أبي بكر الخوارزمي حتى لقب (الوأواء) لحقه لأنه كان منادياً في دار البطيخ بدمشق ينادي على الفواكه. والوأواة صياح ابن آوى أوصياح الكلب (تاج العروس: المحمدون من الشعراء). وتلقيبه بالدمشقي أما لأنه ولد في دمشق أونشأ فيها أوسكنها فترة طويلة. وقد ترجم له ابن عساكر في جملة الدمشقيين، ونطق المضىي عنه: هومن حسنات الشام ليس للشاميين في وقته مثله. و(الغساني) نسبة إلى الغساسنة ولعله يرتبط بهم بالنسب، وقد كانوا أمراء العرب في الشام قبل الإسلام.

نشأته

يقول القفطي نقلاً عن ابن عبد الرحيم في طبقات الشعراء حتى الوأواء كان في أول أمره أحد العامة، وكان جابياً في فندق يتولى بيع الفاكهة ويجتني أثمانها ولم يكن من أهل الأدب ولا ممن يعهد قول الشعر. ونطق الباخرزي في دمية القصر: وأما أبوالفرج فقد كان يسعى بالفواكه رائحاً وغادياً ويتغنى عليها منادياً.

أول ما عهد بالشعر

أول ما نعهد له من الشعر قصيدته الميمية التي يمدح بها الشريف العقيقي والتي يقول في مطلعها: تظلم الورد من خديه إذ ظلما وفهم السقم من أجفانه السقما

وقد أجازه العقيقي عليها بعشرين ديناراً ويقول القفطي: إذا هذه القصيدة كانت أول شيء عمله وإن الناس تسامعوا بها فاشتهر بينهم ذكره. وقد جعلته هذه العشرون ديناراً يتوفر على الشعر بفارق ما كان فيه. ويبدوحتى هذه البداية الحسنة قد وطدت صلته بالشريف العقيقي فنظم في مدحه قصيدة ثانية بدأ فيها تأثير الفقر واضحاً فيه إذ هويطلب منه ثياباً. ثم أردفها بثالثة يستنجد فيها به من عوادي الزمان.

العقيقي

(العقيقي): نسبة إلى وادي العقيق في المدينة. ويقول الدهان: (الشريف ممدوح الوأواء – كما يظهر من هذه القصائد – شجاع كريم. وهوعلوي من أهل بيت تعالوا على الأقدار، والتاريخ يذكر العقيقي هذا كسيد من أسياد دمشق ووجوه الأشراف بها وأولي المراتب العالية والممدحين فيها وأنه عالم من فهمائها، وقد شارك الفهماء في فهمهم والشعراء في شعرهم. وقد عهدت له دمشق هذا الفضل فلما توفي أغلقت المدينة وسار في جنازته نائب البلد. والعقيقي كان بمرتبة الأمراء يسكن قصراً واسعاً بباب البريد كان يسمى دار العقيقي وكان له حمام إلى جانبه. وقد ظلت الدار زماناً أحسن ما في دمشق من دور عظيمة فقد سكنها نجم الدين أيوب والد صلاح الدين الأيوبي ثم اشتراها الملك السعيد وهدمها وبنى مكانها مدرسة وضريحاً لوالده الملك الظاهر. وهي ما تزال حتى اليوم من الأبنية القديمة الجميلة وقد تحول البناء إلى مخطة حافلة.

اتصال العقيقي بسيف الدولة الحمداني

يقول ابن العديم حتى الشريف العقيقي كان على اتصال بسيف الدولة وأنه زاره في حلب فكان سيف الدولة حفياً به مجلاً له. وقد زار سيف الدولة دمشق سنة 334 وربما كان قد حل ضيفاً على صديقه العقيقي، ولا يمكن حتى تفوت الوأواء هذه المناسبة فمدح سيف الدولة.

وزيارات سيف الدولة لدمشق تكررت وإن تكن قد سقطت جفوة باعدت بينه وبين صديقه العقيقي. ثم غدا الوأواء بعد ذلك من شعراء سيف الدولة.

ولا شك حتى معظم حياة الوأواء مضت في دمشق، ولا ندري كم أمضى منها في حلب ومتردداً بينها وبين دمشق. ولدينا من مدائحه في العقيقي أربع قصائد لا تتجاوز الخمسين والمئة بيت، ومن مدائحه في سيف الدولة ثلاث قصائد تبلغ أبياتها المئة بيت، وبذلك عدوه من شعراء حلب كما عدوا المتنبي والنامي والسري الرفاه وكشاجم.

تشيعه

عصر الوأواء كان عصر التشيع فهذا سيف الدولة الحمداني ودولته الشيعية في حلب. وهذا الشريف العقيقي، السيد الشيعي الجليل في دمشق، وغيرهما في غير حلب وغير دمشق وتشيع الوأواء صريح في شعره فهويقول مثلاً:

إني سألتك بالنبي محمد

ووصيه الهادي الأمين المهتدي

ويقول:

ولهي عليه أشهر من

وله البتول على الحسين

ويقول:

كأن خفيات الكواكب في الدجى

بياض ولاء لاح في قلب ناصبي

ويقول في مدح الشريف العقيقي:

علوي من أهل بيت تعالوا

دون أقدارهم على الأقدار

ويقول في مدح سيف الدولة:

قل لسمي الوصي يا ثاني

القطر ويا ثالث الربيعين

أغراض شعره

أكثر شعر الوأواء هوالغزل، وهولا يطيل في قصائده الغزلية فأكبر قصيده له فيه لا تزيد عن العشرين بيتاً والباقي مبترات بين الثلاثة والستة أبيات، والبقية بين الخمسة عشر والعشرين. وله شعر في باب الخمريات، وعدا المديح فقد أكثر في وصف الطبيعة: وصف الليل والبدر والثريا والنجوم والسماء كلها، كما وصف الورد والزهر والنرجس والشقائق. وكذلك وصف الأبل والشمعة. أما المديح فلم يتعد فيه مدح سيف الدولة والشريف العقيقي. وأما الهاتى فلم نجد له فيه إلا قصيدة واحدة.

ديوانه

نطق الثعالبي في اليتيمة: (أنشدني – أي أبوالحسن المصيصي) لمعا يسيرة من شعره وذكر أنه سمعها من أنشاده. وأول من حمل ديوانه إلى نيسابور أبونصر سهل بن المرزبان فإنه استصحبه من بغداد في جملة ما حصله من اللطائف والبدائع التي عني بها وانفق الرغائب عليها، واتحفني بذلك في دفتر صغير الجرم خفيف الحجم ثم ألحق به ما استملاه من القوال المعروف بعين الزمان. وهوغير ثقة في الرواية والحكاية.

ويبدوحتى الديوان نقل من الشام إلى بغداد أولاً، ثم منها إلى نيسابور بلد الثعالبي وسقط ابن عساكر منذ القرن السادس عشر على شعر الوأواء رآه منسوباً إليه بالاسناد الطويلة، فلما نظر في نسخة ديوانه لم يجد الشعر. وفي العام 1369 (1950) طبع المجمع الفهمي الدمشقي ديوان الوأواء بتحقيق الدكتور سامي الدهان.

ومن ديوانه:

إِنْسِيَّةٌ لَوْ بَدَتْ لِلْشَّمْسِ ما طَلَعَتْ

مِنْ بَعْدِ رُؤْيَتِها يَوْماً عَلى أَحَدِ

سَأَلْتُهَا الوَصْلَ قَالَتْ أَنْتَ تَعْرِفُنا

مَنْ رَامَ مِنَّا وِصالاً مَاتَ بِالكَمَدِ

يا من نفت عني لذيذ رقــــادي

مالي ومالك قد أطلت سهادي

فبأي ذنب أم بأيــــة حالـــة

أبعدتني ولقد سكنت فــؤادي

وصددت عني حين قد ملك الهـوى

روحي وقلبي والحشـا وقيادي

ملكت لحاظك مهجتي حتى غــدا

قلبي أسيرا ماله من فـــادي

لاغروإذا قتلت عيونك مغرمـــا

فلكم صرعت بها من الآسـاد

يا من حوت جميع المحاسن في الورى

والحسن منها عاكف في بادي

رفقا بمن أسرت عيونك قلبــــه

ودعي السيوف تقر في الأغماد

وتعطفي جودا علي بقبلــــــة

فبميم مبسمكي شفاء الصـادي

ماتت أطال الله عمرك سلوتـــي

ولقد فني صبري وعاش سهادي

ومن المنى لودام لي فيك الضنـى

يا حبذا لا راك من عــوادي

وأجيل منك نواظري في ناضر

من خدك المترقرق الوقــاد

وأقول: ما شئت اصنعي يا منيتـي

مالي سواك ولوحرمت مرادي

حتى يقول:

قَالَتْ صَدَقْتَ الوَفَا في الحُبِّ عَادَتُهُ

يَا بَرْدَ ذاكَ الَّذي قَالَتْ عَلَى كَبِدِي

وَاسْتَرْجَعَتْ سَأَلَتْ عَنِّي فَقِيلَ لَهَا

مَا فِيهِ مِنْ رَمَقٍ دَقَّتْ يَداً بِيَدِ

وَاسْتَرْجَعَتْ سَأَلَتْ عَنِّي فَقِيلَ لَهَا

مَا فِيهِ مِنْ رَمَقٍ دَقَّتْ يَداً بِيَدِ

وَأَمْطَرَتْ لُؤْلُؤأً مِنْ نَرْجِسٍ وَسَقَتْ

وَرْداً وَعَضَّتْ عَلَى العُنَّابِ بِالبَرَدِ

وَأَنْشَدَتْ بِلِسَانِ الحَالِ قَائِلةً

مِنْ غَيْرِ كُرْهٍ وَلا مَطْلٍ وَلا جَلَدِ

وَاللَهِ مَا حَزِنَتْ أُخْتٌ لِفَقْدِ أَخٍ

حُزْني عَلَيْهِ وَلا أُمٌّ عَلَى وَلَدِ

فَأَسْرَعَتْ وَأَتَتْ تَجْرِي عَلَى عَجَلٍ

فَعِنْدَ رُؤْيَتِها لَمْ أَسْتَطِعْ جَلَدِي

وَجَرَّعَتْنِي بِرِيقٍ مِنْ مَرَاشِفِها

فَعَادَتِ الرُّوحُ بَعْدَ المَوْتِ فِي جَسَدِي

هُمْ يَحْسُدُوني عَلَى مَوْتِي فَوا أَسَفِي

حَتَّى عَلَى المَوْتِ لا أَخْلوُ مِنَ الحَسَدِ

رأي النقاد به

نطق الثعالبي: أنه من حسنات الشام وصاغة الكلام وما زال يشعر حتى جاد شعره وسار كلامه وسقط فيه ما يروق ويشوق ويفوق حتى يعلوالعيوق. ونطق ابن عساكر: له شعر حسن مطبوع، ونطق الكبتي: شاعر مطبوع منسجم الألفاظ عذب العبارة حسن الاستعارة جيد التشبيه. ونطق القفطي: وتسامع الناس به فاشتهر بينهم ذكره فاستطابوا طريقة شعره. وفي المعاصرين يقول الدكتور الدهان: هورقيق عذب تأخذه الحضارة ولينها، فيسهل حتى لا غرابة في مفرداته ولا تعقيد في لفظه. وطوراً يسرف في اللين حتى يسقط أعياء فيستمد مفرداته من وسطه الذي يعيش فيه ويختار ألفاظه من حيه الذي يصبح عليه ويمسي. ويقول عنه أيضاً: إذا الرجل عاش في الشام واشتهر في نيسابور أكثر ما اشتهر، وكل من نقل عنه وحفظ منه كان من نيسابور أومن بغداد.

ويقول أيضاً: لم يشتهر شعر الوأواء في عصور الأدب العربي كما اشتهر غيره من فحولة العصر الحمداني كالمتنبي وأبي فراس، ولكنه عهد المستحسنين والمحبين منذ القرن الرابع الهجري فعني به أبوبكر الخوارزمي وكان يحفظ كثيراً من الشعر العربي فحمله في صدره أوخطه في دفتر وراح يرويه في نيسابور وعنه نقل الثعالبي إلى كتابه اليتيمة وغيره من خطه.

وأعجب به في العصر نفسه أبوالحسن المصيصي وأما أبونصر سهل بن المرزبان وهومن معاصريه – فقد سافر إلى بغداد واقتنى ديوانه ونقله إلى نيسابور. ونطق أيضاً: من الممكن استخلص من ديوانه تشيع الناس في زمنه وسير الوأواء في جملتهم.

الهامش

^ لم يشر أحد من المؤرخين إلى سنة ولادته، أما وفاته فإن الثعالبي لم يشر إليها ايضاً فظل من أخذوا عنه يهملون ذكرها، حتى اتى ابن خلكان في (وفيات الأعيان) فعمل عملهم، ولما استدرك عليه ابن شاكر في (فوات الوفيات) جعل سنة 390 تاريخاً تقريبياً لوفاته على حتى الدهان يرجح أنها سنة 370.
^ "أبوالفرج محمد الغساني المعروف بالوأواء الدمشقي". شبكة النبأ المعلوماتية. 2008-02-06. Retrieved 2010-10-18.