أسد بن الفرات
أبوعبد الله أسد بن الفرات بن سنان (144هـ/761م - 213هـ/828م) قاضي القيروان، تلميذ مالك بن أنس.
نشأته
وُلِد أسد بن الفرات في حرّان من أعمال ديار بكر، سنة 144هـ/761م، ثم قدم القيروان وهوابن سنتين مع أبيه الذي كان من أعيان الجند في جيش (محمد بن الأشعث الخزاعي) والي إفريقية من قبل الخليفةأبي جعفر المنصور. تلقى (أسد) دراسته الأولى بالقيروان، ثم رحل مع أبيه إلى تونس فأقام بها تسع سنين لزم خلالها الفقيه المعروف (علي بن زياد) وتفهم منه وتفقَّه عليه، ولم يكتفِ بذلك، بل أراد حتى يستزيد من الفهم فقرر الرحيل إلى المدينة المنورة سنة 172هـ/ 788م، لينهل من فهم الإماممالك عدة سنين تفهم فيهاالكثير، وبعدها قرر الرحيل إلى العراق، فدخل على الإمام مالك مودعًاوشاكرًا، وسأله حتى يوصيه، فنطق له: (أوصيك بتقوى الله، والقرآن، والنصيحة للناس).
طلبه الفهم
ورحل (أسد) إلى العراق حيث الإمام محمد بن الحسن صاحب الإمام أبي حنيفة فلزمه، فكان يحضر دروسه العامة، ثم أحب حتىقد يكون له تفهم خاص يغرف فيه ما استطاع من فهم الإمام محمد ليحمله إلى بلاده، فأخذه الإمام محمد إلى بيته، وأعطاه غرفة كان يسهر معه فيها الليل كله، ويضع أمام التلميذ قدح ماء، فإذا نعس نضح وجهه ليصحو، فكان (أسد) أول من جمع بين ممضى الإمام مالك وممضى أبي حنيفة، ولم يكتفِ أسد بن الفرات بذلك الفهم، بل رحل إلى مصر حيث يوجد بها عالمان من تلاميذ الإمام مالك هما (أشهب بن عبد العزيز) و(ابن القاسم) وهناك جمع ما أخذه من ابن القاسم من مسائل، وأفاض عليها من ذهنه وجعلها في رسالة مدونة سُميت بـ (الأَسَدِيَّة).
ثم قدم ابن الفرات إلى (القيروان) عاصمة المغرب سنة 181هـ بعد غيبة امتدت نحوعشرين سنة صام نهارها وأحيا ليلها بالفهم والدرس فيها، ولم ينفق لحظة في راحة ولا لعب، ولم يصحب فيها إلا الأئمة والفهماء، حتى قارب الخمسين، فجلس للتدريس والإفتاء، وكان من تلاميذه (سحنون بن سعيد) و(معمر بن منصور) و(سليمان بن عمر) ثم تقلد القضاء مع (أبي محرز) فكان أبومحرز فيه لينًا، وأما أسد فكان شديدًا في الحق، ومتمكنًا من فهمي الحديث والفقه.
اشتراكه في الحروب
وكان مع توسعه في فهمه فارسًا شجاعًا مقدامًا، فقد طلب أسد بن الفرات حتىقد يكون مع المجاهدين في الحرب ضد الروم في جزيرة صقلية فأبى الأمير خوفًا عليه، فألح أسد في طلبه ونطق: (وجدتم من يسير لكم المراكب من النوتية (الملاحين) وما أحوجكم إلى من يسيرها لكم بالكتاب والسنة).
وكان يريد حتىقد يكون جنديًّا متطوعًا لا يريد الإمارة، فلما أعطيها تألم ونطق للأمير: أَبَعْدَ القضاء والنظر في الحلال والحرام تعزلني وتوليني الإمارة؟! فنطق: ما عزلتك عن القضاء، ولكن أضفت إليك الإمارة فأنت قاضٍ وأمير، وكان أول من جمع له المنصبان، واجتمع الناس لوداع الجيش والأمير أسد بن الفرات، فنطق أسد للناس في وداعهم: (والله يا معشر الناس ما ولي لي أب ولا جد ولاية قط، وما رأى أحد من أسلافي مثل هذا قط، وما بلغته إلا بالفهم، عمليكم بالفهم، أتعبوا فيه أذهانكم، وكدوا به أجسادكم تبلغوا به الدنيا والآخرة).
وزحف الجيش إلى جزيرة صقلية سنة 212هـ/827م، وخرج لهم صاحب صقلية في مائة ألف وخمسين ألفًا، نطق رجل: رأيت أسدًا وبيده اللواء يقرأ سورة (يس) ثم حمل بالجيش حملة عنيفة على صاحب صقلية، حتى سقط أسد بن الفرات شهيدًا سنة 213هـ/828م، وهويحمل راية النصر ولم يعْرَفْ له قبر.