كوليت خوري

عودة للموسوعة

كوليت خوري

كوليت خوري
وُلِد 1937
باب توما، دمشق
المهنة محررة، محاضرة بجامعة دمشق، مستشارة في رئاسة الجمهورية العربية السورية لشؤون الأدب

كوليت خوري (1937) شاعرة وأديبة وروائية سورية جدها رئيس الوزراء السوري السابق فارس الخوري في عهد الاستقلال . تخط كوليت الخوري بالفرنسية والإنكليزية إلى جانب لغتها الأم العربية. وكانت تعمل محاضرة في جامعة دمشق كلية الآداب. وعملت في الصحافة السورية والعربية منذ ايام الدراسة وتعد واحدة من أكبر الأديبات السوريات والعربيات.

النشأة

وُلِدَت كوليت خوري عام 1937 في بيت من بيوت دمشق، في باب توما، والدها سهيل فارس الخوري، أما والدتها فهي ليلى حبيب كحالة، وهي أسرة وطنية مشهورة في مجالات السياسة والأدب والصحافة. تذكر نعمة خالد في كتيبها عن كوليت خوري: «حظيت كوليت خوري بإسمين: الأول كوليت، الذي اختاره أبوها عند ولادتها، تيمناً بالمحررة الفرنسية كوليت، التي كانت تعيش مجدها كأديبة، حيث كان الوالد سهيل، يتابع ما تخط، وما يُكتَب عنها. والاسم الثاني: هوخولة، وقد أطلقه عليها الجد فارس الخوري، الذي رتّب رغبة ابنه سهيل عوضاً عن رفضه اختيار اسم كوليت، وبسبب إيمانه الذي لا يُحدّ بالعروبة، عثر مخرجاً لابنه بقوله: كوليت بالفرنسية هوخولة بالعربية، وخولة اسم جميل، فهوالظبية، ثم إذا خولة هي فارسة العرب، سيكون عندنا فارسة جديدة».

كوليت خوري في صباها.

أما دراستها فكانت عند راهبات البيزانسون، حيث درست القراءة في إنجيل متى، ثم تمكنت من اللغة العربية عبر قراءة القرآن والشعر العربي القديم، وقد تتلمذت على يد جدها العلاّمة فارس الخوري.

يمين-شمال: الصحفي حبيب كحالة يتحدث إلى رئيس الوزراء خالد العظم، وكوليت خوري تتحدث إلى أمين القصر الجمهوري آنذاك رياض الميداني.

وأتمت دراستها الثانوية في مدرسة اللاييك. ثم انتقلت كوليت وأهلها من باب توما، الحي الدمشقي القديم، إلى حي من أحياء دمشق الجديدة. أما دراستها الجامعية فكان أولها في الجامعة اليسوعية في بيروت، حيث بدأت بدراسة الحقوق، لكن زقابلا في تلك الفترة جعلها تهجر الجامعة وتعود أدراجها. وفيما بعد أنجزت دراستها في جامعة دمشق، ونالت الاجازة في اللغة الفرنسية وآدابها. وهي تخط الشعر والرواية باللغتين الفرنسية والعربية.


زقابلا

في الثامنة عشرة من عمرها تزوجت من الكونت الإسباني رودريكودوزياس، وحصل الزواج في فرنسا. وكانت ابنتها نارة تتويجاً لهذا الزواج. توضّح كوليت: «لم يكن زواجي من الكونت بدافع الحب فقط، بل أيضاً لأني كنت دائماً أبحث عن إنسان يستطيع حتى يشبه أبي وسامة وحضوراً».

ذكرياتها مع الوحدة

كوليت خوري تصافح جمال عبد الناصر إبان عهد الوحدة.

دمشق في الفترة التي سبقت الوحدة كانت /ململمة/ على حد تعبيرها وكانت الشبيبة التي هي جزء منها تجتمع في النوادي الرياضية التي تأخذ طابعاً اجتماعياً أكثر، يدرسون ويتبادلون أقطاب الحديث, ففي نادي الغسانية الذي كانت ترتاده السيدة كوليت كانت تحكى الشعارات وتحيى مصر, ولم تتردد المحررة الشابة بأن تغني للجموع أغنية أم كلثوم /مصر التي في خاطري وفي فمي.. أحبها من جميع قلبي ودمي.. يا ليت جميع مؤمن يحبها مثلي أنا../ وكان جميع الشباب يرددونها معها.

ونضال سورية ضد الاستعمار بكل أشكاله استمر إلى حين خروج الاستعمار الفرنسي وبعدها بدأ النضال للوحدة العربية وكانت التظاهرات شبه يومية في فترة /1957/ وفي أحد الأيام هاتفها الشاعر الكبير الراحل نزار قباني حتى توافيه قرب منزله في ساحة النجمة للمشاركة في إحدى التظاهرات المؤيدة للوحدة وهذا ما حصل بالعمل فقد سارا مع المتظاهرين الذين كان غالبيتهم من الشباب المتحمس من ساحة النجمة باتجاه (أبورمانة) وصولاً إلى السفارة المصرية, وبعد انتهاء التظاهرة هجرت (نزار) وعادت إلى منزل جدها /فارس الخوري/ في حي المهاجرين لتجده جالساً على الكرسي أمام المذياع ووجهه متجهم ولم يكن راضياً عما يجري في تلك الفترة، فارس الخوري أكثر الناس حكمة في سورية آنذاك كان محتقن الوجه وغير مرتاح, أبلغته أنها كانت مع المتظاهرين المؤيدين للوحدة, فاكتفى بهز رأسه ولم يقل لها /عفي عليكي/ كعادته, ما أثار حفيظتها لتسأله /لم لست سعيداً/ فأبلغها أنه مشغول البال, قلق, في تلك اللحظة وافاه مجموعة من الكبار الذين صرح لهم بقلقه وخوفه على قضية العمر التي طالما سعوا إليها وحلم حياتهم /بالوحدة الكبرى على اتساع رقعة الوطن العربي.‏‏‏

شكري القوتلي يزور فارس الخوري في مستشفى السادات بدمشق. وفي الوسط كوليت خوري.

ونطق بالحرف /الآن عملوا وحدة مسلوقة سلقاً والوحدة لا تسلق والخوف إذا ما فشلت سنعود إلى نقطة ما قبل الصفر/ وبحماستها المعهودة السيدة كوليت نطقت /لا الوحدة حلوة/ لكنه أصر على حتى الوحدة لا تسلق سلقاً وستكون خسارة كبيرة إذا ما فشلت, وهذا ما حصل فتنبؤات فارس خوري كلها صدقت.

ومن ذكريات السيدة الأديبة كوليت زيارتها لمصر مع جدّيها في مؤتمر رؤساء وزراء الحكومات العربية في /أوتيل مينا هاوس/ حيث كان جدها فارس خوري ممثلاً لسورية, والأمير فيصل الذي أصبح ملكاً فيما بعد ممثلاً للسعودية، وسامي الصلح ممثلاً للبنان ونظراً لكونها وجدتها السيدتين الوحيدتين في الوفود العربية اهتمت بهما زوجة الراحل عبد الناصر الرجل الاستثنائي بامتياز على حد وصفها فقد كانت مبهورة بعينيه واللمعان الذي يشع ذكاء منهما وابتسامته الصافية المريحة, وإنسانيته وعفويته التي ترجمها لها بأخذها من يدها إلى أحد الغرف في منزله ليريها ابنه الوليد حديثاً ويحمله بين ذراعيه بكل عطف وحنان ثم ليلقيه بين ذراعيها والوحدة التي فشلت برأيها لم تكن ممثلة بجمال عبد الناصر بل بالأشخاص القائمين على تطبيقها في تلك الفترة.‏‏‏

فالناس كانوا يعتقدون حتى الوحدة ستوسع الدنيا معها وستفتح آفاقاً لهم لكن ما حصل عكس ذلك, فجأة اختنق الفرد وبدأ الناس بالانزعاج من الضغط على الحريات والممارسات والتجاوزات التي تمارس عليهم فخف الحماس تجاه الوحدة وبدأ الانسحاب رويداً رويداً من طريق الوحدة.‏‏‏

وبعد مرور خمسين عاماً على قيام الوحدة تظل الاديبة كوليت خوري متفائلة بمستقبل الفكر القومي والوحدة العربية متفائلة بالمستقبل لأن شعبنا شعب عظيم وعندما ستتاح له الفرص لابد وأنه سيحقق جميع ما جيد لهذه البلاد وتؤكد حتى الظروف الصعبة التي نمر بها هي مدسوسة بيننا ودخيلة علينا ويبقى الشعب العربي أذكى من غيره ودمشق وشعبها على مر الزمن هما قلب العروبة النابض, والدرس الحقيقي الذي يمكن حتى نأخذه من تجربة الوحدة هوحتى الوحدة الاندماجية الكاملة صعبة, ويجب حتى تكون الوحدة مدروسة وتتم على مراحل والأهم من جميع ذلك لا يجوز حتى ننصب من هومسؤول عنا من الخارج /فلا نقبل من فرنسا أوأميركا حتى تضع حاكماً علينا../‏‏‏

وهي حاليا مستشارة في رئاسة الجمهورية العربية السورية لشؤون الأدب.


أدبها

يشير الأستاذان بوعلي ياسين ونبيل سليمان في كتابهما «الأيديولوجيا والأدب في سورية (1967–1973)» إلى حتى «كوليت خوري كما هومعروف شاعرة، ولكن باللغة الفرنسية، وعملت في التدريس الجامعي، وقد أكسب عبارتها العربية هذا التعامل مع الفرنسية، ومع الشعر، صفتين هما: الرشاقة والشاعرية. كما أكسبها جرأة في تغيير بنية الجملة (مثل: "وكان وأنا نفسين ممزقين"، ص17، في قصتها "الزنزانة" من مجموعتها "الحدثة الأنثى")، وأكسبها جرأة في أشكال التعبير القصصي. وها هي في "التهمة" تزاوج بين السيرة والمسرح، وتحطم المقاييس المألوفة في التعبير والسببية، موفِّرةً زخماً حركياً عالياً. إذا "التهمة" نفثة حانقة ضد التشويه الذي يحفل به العالم: زيف الرجل الأصلع، الإرهاب، الكبت المتمثل في الأشخاص الثلاثة، اغتال البراءة بقتل الطفل، وسواس الجنس الذي يقض المضاجع أجمعين. والمحررة في هذا الغمار كله لا تتعمق بل تؤثر حتى تصف حالة نفسية تتسم بالمأساوية».

أما الدكتورة ماجدة حمود فتقول في أدب كوليت خوري: «تبدواللغة مع كوليت خوري أكثر نبضاً بالحياة وأكثر جرأة منذ العنوان "أيام معه" الذي يوحي لنا بأن الرواية تقدم أيام الحب في حياة المرأة، وإن لم تذكر حدثة الحب صراحة لكن دلالات "أيام" واقترانها بالظرف "مع" وضمير الغائب الذي يشير على وجود الرجل (معه) يوحي بسيرة حب بين المرأة والرجل، لكنها توحي بانتهاء أيام الحب. نلمس في هذه الرواية أيضاً جرأة في تقديم لغة الحب التي تجسد علاقة المرأة بالرجل (همهمة الشفاه، القبلة...الخ)». كما تقول: «تمتزج فيها اللغة اليومية بشفافية تجعلها أقرب إلى لغة الشعر، مما يؤهلها لتجسيد ما يعتلج في الأعماق، دون حتى تخسر صلتها بالواقع، مما يمنح الرواية قدرة تعبيرية وتتيح لخصوصية الصوت الأنثوي فرصة التعبير عن ذاته». بوسعنا حتى نلمح شاعرية لغتها عبر الوصف خصوصاً، فمثلاً في روايتها «ليلة واحدة» نقرأ هذه اللغة الجميلة والرائعة: «وفي صمت الليل، كانت ذراعان قويتان تزنران سمرة سكرى بالأمل، ويتمزق السكون فجأة بحشرجة حذاء ارتطم بالأرض، وتنهدات قضبان السرير، وينطوي الليل على طيفين احتواهما الدفء، فوحدهما في خيال واحد، ترنح طرباً، واحترق شوقاً، وذاب همهمة وأنيناً». أليست هذه اللغة جميلة، كما لوأنها معزوفة سوناتة ضياء القمر لبيتهوفن أوسوناتة لشوبان تفيض عذوبة وجمالاً. وأخيراً، تقول نعمة خالد: «كوليت في رواياتها، جسدت، مع كوكبة من الروائيين العرب، ومنذ وقت مبكر، الانتماء إلى الواقع، وعملت في سبيل تجاوزه لمصلحة التقدم والتغيير، إنسانياً واجتماعياً وفكرياً، ولقد نجحت في خلخلة الركود، وأطلقت العنان لنشيد الحرية، في ظروف مليئة بالتحدي».

مقدمة في أدب المرأة عموماً

إننا غالباً ما نقول بتحرير الأرض المغتصبة، حتى باتت الأرض المغتصبة تشكل، والهزائم المتكررة التي يلحقها العدوبنا، عقدة ندور في فلكها لا نبرحها مطلقاً. وربما هذا ما يريده العدو، حتى نظل في فلك الهزيمة لكي لا تخرج منا إلا أجيال الهزيمة، أجيال الخنوع والتواطؤ والضياع. باتت الهوية العربية مصدر خجل لأجيال اليوم، هذا إذا وُجِدَت هذه الهوية في أيامنا هذه، فالبعض قد وصلت به الحال حتى ينفض يديه براءة منها.

أين الأمل؟! لعل أدب المرأة، يعبِّر عن صرخة تتفجر كالينابيع من الأعماق، ونحن في حمأة هذه الهزيمة، نسمع المرأة تصرخ، وتجلجل كالرعد الذي يمتزج بالبرق، وهطول المطر. آه، ماذا ترغب المرأة حتى تقول لنا؟! أوَ هذا وقت صراخها،يا ترى؟ ونحن غارقون في عار الهزيمة التي خلقت لنا عقدة نقص تكاد تتحول إلى عقدة اضطهاد؟!

تريد المرأة حتى تقول لنا: أنا هي الأرض المغتصبة، حرروا هذه الأرض الحيَّة، قبل حتى تسعوا إلى بترة أرض يابسة، حرروني ولسوف تصلون إلى ذواتكم. أنا أرض انتهكت حرمتها السلطة الذكورية، جردتها من حقوقها، ومن خصوصيتها، ومن حريتها، ووضعت عليها لواءها لكي تكون ناطقة باسم هذه السلطة، مذعنة لها. إلى غير ذلك يتوالى صراخ المرأة العربية، وهي إذا صرخت فإنها تصرخ بجسدها، وتقول: أنا لستُ أرضاً لغزواتكم ونزواتكم يا أبناء آدم، كما أنني لستُ أرضاً محرَّمة أوملعونة. أنا أرض كالقدس بل أنا هي القدس، وربما أكثر، فأنا قد حملت في أحشائي أنبياءكم، ومرسليكم، أولياءكم، وقديسيكم. بوسعكم حتى تجعلوا مني أرضاً مقدسة، وبوسعكم حتى تجعلوا مني دنساً بأقدام العدوالغاصبة التي هي أقدام الجهل والتعسف والطغيان الذكوري والتعصب والاستغلال!!

مفهوم تحرر المرأة عند كوليت

في حوارها مع سامي كمال الدين تقول كوليت: «مفهومي عن المرأة المتحررة أنها المسؤولة عن نفسها والتي تربح معيشتها، فلا أستطيع حتى أفهم حتى هناك امرأة متحررة وزوجها أوأبوها أوأخوها ينفق عليها، المتحررة أولاً هي المتحررة مادياً، التي تملك المال، وثانياً، المثقفة، وثالثاً حتى تكون مسؤولة عن نفسها، فالتحرر شعور بالمسؤولية، وحتى هذه اللحظة هناك نساء يعتبرن أنفسهن متحررات، التحرر شيء والانحلال شيء آخر، المتحررة تعهد كيف من الممكن أن تقول لا، في حين غير المتحررة تقول نعم، وترضخ بشكل سلبي للأشياء من حولها». وفي محادثة آخر لها نسمعها توضح هذا المفهوم على النحوالذي تقول فيه: «التحرر لا يأتي دفعة واحدة، يجب حتى ننتظر تطور المجتمع بكامله، وسنصل مع الزمن إلى التحرر الذي نرجوه». وفي نفس الحوار تردف: «لقد قفزت المرأة قفزة بعيدة جداً أبعد مما يجب، لكنها في رأيي ستعود وتملك زمام أمرها، فتفهم معنى التحرر السليم».

رواية «ليلة واحدة» نموذجاً

ملخص الرواية على ما تذكره نعمة خالد هوعلى النحوالتالي: تصبح المرأة (رشا) بين حجري رحى (أب يفصّل لها زوجاً، ورجل يقتنيها في عقد مع الأب) والأم المرأة أولاً والتي تلعب دوراً واضحاً في تمكين الأب من تطبيق قراره، ويتحدد مستقبل حياة رشا على أيدي ممثلي النظام الاجتماعي البطريركي، دون حتىقد يكون للمرأة أي خيار نابع من إرادتها ورغباتها الإنسانية. ولكن رشا في الرواية، وإن بعد "وقوع الفأس بالرأس" كما ينطق، أي بعد خضوعها وهي في سن الرابعة عشرة، وتحوّلها زوجة للرجل الذي اختاره لها أبوها، تستعيد شيئاً من قدرتها، وتتجرأ على مكاشفة الزوج (سليم) بحقيقة مشاعرها نحوه وبطلان زقابلا منه. وما تلبث رشا حتى تكتشف حقيقة عقم الزواج الذي قرروه دون إرادتها. ويتمثل العقم هنا بعدم قدرة سليم الزوج على غرس بذرة الحياة في رحم رشا. ولأن المجتمع ذكوري، فإن الزوج لا يمكن حتى يساوم على عدم قدرته على الإنجاب.

في مرسيليا، ثم في باريس، تنفتح رشا على عوالم جديدة. تمضى وحيدة إلى باريس، ويبقى زوجها سليم في مرسيليا، أشغاله التجارية أبرز عنده من مرافقة رشا، حيث الغرض إجراء فحوصات طبية أملاً في إنجاب طفل. رحلتها كانت في القطار، وهناك تعهدت خلالها إلى رجلين هما: جورج وكميل. كان وصول رشا إلى باريس، برفقة كميل وجورج، وكان الكشف عن حبها لكميل، وهي تستعيد أحلامها، فيكون كميل معادلاً للرجل الذي كانت تلتقيه في لياليها المسهدة الطويلة عبر الحلم والتخيل. لقد رأت في كميل صدى شعور جميل بأن هناك إنساناً يهتم بها، يتحمل مسؤوليتها، لذا أحست بسعادة طاغية حين التقت به في المقهى: «لأنني كنت دائماً أتمنى حتى أشعر بأنني أنثى، ومن طبيعة الأنثى حتى تضعف». إن ما جعل رشا تحب كميل هوحبه للشرق والبلاد العربية، ومدينة دمشق تحديداً. هذا بالإضافة إلى حلمها برجل يملأ حياتها العاطفية، ويعوضها عن صفقة الزواج العقيم، إلى غير ذلك وطد حب المكان – دمشق – عشقها له، في إشارة صريحة إلى تعلقها بوطنها ومدينتها. إلى غير ذلك مضت رشا مع كميل حتى آخر حدود العلاقة بين الجنسين، وجمعتهما غرفة واحدة، ولم تحس نفسها غريبة معه، على العكس من إحساسها مع زوجها سليم. ولعل رشا تحس بالصدمة مما عملت، فتصارح زوجها سليم بالحقيقة قائلة له: «لقد خنتك يا سليم، إذا الحدثة قذرة، لكنها تهون أمام خيانتي لنفسي إحدى عشرة سنة قضيتها في بيت رجل لا أحبه». ثم على أثر ذلك تجد المحررة كوليت نهاية صعبة لبطلتها رشا فتصدمها سيارة وتموت!!


القضايا التي تطرحها رواية «ليلة واحدة»

أولاً
السلطة البطريركية وتعسفها:

فهي لا تقيم وزناً لهذا الآخر الذي هوالأنثى، ولا تحترم حريته واستقلاله ككيان له حقوقه الإنسانية مثله مثل الرجل. ولعل المحررة اختارت موضوعاً حساساً يقوم على تحديد المصير وهوحرية الاختيار، وخصوصاً في مسألة مصيرية كالزواج، الذي أساسه الحب، وليس صفقة اجتماعية، تُعَامَل فيه الأنثى كما لوأنها سلعة، أوعار ما على المرء حتى يتخلص منه بالزواج!!

ثانياً
الزواج الباكر:

إننا نسمع البطلة رشا تخط لزوجها: «هل أحدثك عن حياتي الماضية! أنت تعهدها جيداً، فقد عشت معك تقريباً بقدر ما عشت في بيت أهلي. نحن متزوجان منذ عشر سنوات، وقبل ذلك كنت ما أزال طفلة، فقد هجرت أسرتي وأنا في الخامسة عشرة». وبالتالي فقضية الزواج الباكر تحرم المرأة فرصة النضج بكل أبعادها النفسية والفكرية والروحية، وبالتالي يترتب على ذلك تبعات وخيمة لأن حدثاً على هذا القدر من الأهمية في حياة المرء كالزواج يحدث في سن مبكرة دونما نضج حقيقي، فإن مثل هذا الحدث تتأسس عليه خطوات هامة وخطيرة في آن، وستكون نتائجها حتماً سلبية إذا لم نقل مأساوية، وهذا ما أظهرته لنا المحررة في تصاعد الحدث الدرامي في الرواية وصولاً إلى القضية الثالثة والشائكة التي تطرحها.

ثالثاً
مفهوم الخيانة:

تذكر نعيمة خالد ما يلي: «تكتشف المرأة (رشا) جسدها متحرراً، ومنسجماً مع روحها وعواطفها. تلك كانت تجربة رشا في باريس، لكن المعادلة تكمن في خاتمة الرواية التي طرحتها المحررة، حيث موت البطلة». إذن فإن كلّ واحد يستطيع حتى يرى هذه النهاية، وهذه التجربة من منظور معين. وربما ينظر أغلبهم إلى هذه النهاية على أنها تشاؤمية أومن الممكن لا معنى لها، على عكس غناها بالمعاني والدلالات!! وبعبارة أخرى، لعل الخيانة التي تطرحها لنا كوليت في روايتها هذه تُظهِر معنى مزدوجاً للخيانة، فهنالك المعنى الذي يفرضه العُرْف والتنطقيد، وهوعُرْفٌ أعمى. أما المعنى الآخر فيظل محجوباً عن الآخرين. وهنا يصح قول جبران خليل جبران حتى قاتل الجسم مقتول بعملته وقاتل الروح لا تدري به البشر. إذن حاكمت رشا نفسها بالخيانة بناء على حكم المجتمع أوما يسميه فرويد «الأنا العليا»، ولكنها في الحقيقة استجابت لتجربتها الحقيقية، تجربة النضج التي حرمها إياها زقابلا الباكر من جهة وحرية اختيارها مصيرها من جهة أخرى، وعلى هذا كانت صادقة مع مشاعرها، لكنه صدق له ثمن عند المجتمع والمجتمع البطريركي خصوصاً.

وبالتالي وجدت المحررة كوليت مخرجاً لبطلتها رشا من هذا المأزق الذي زجته بها، أوزجت نفسها به، وكأني بلا شعورها يقول لها: ليس ثمة مخرج في مجتمعنا لوضع كهذا إلا الموت، إلى غير ذلك استجاب قلمها وصدمتها سيارة وماتت. ألا يذكرنا موت رشا هذا بشخصية أوبطلة أخرى لطالما هزّت مشاعرنا كثيراً وهي صبرية بطلة رواية «دمشق يا بسمة الحزن» للمحررة الكبيرة ألفة الإدلبي. ألم تكن نهاية صبرية هي الانتحار، لاشك حتى هنالك تقاطعاً بين النهايتين، وفي الحالتين، في انتحار صبرية أوالسيارة التي صدمت رشا وقتلتها سيان، المجتمع هوالقاتل.

الخطاب القصصي النسوي

تذكر الدكتورة ماجدة حمود أنه «مع جلاء المستعمِر الفرنسي عن سورية (1946)، بدأت ملامح الحياة الحديثة تتشكل، فاتسعت مدينة دمشق، وظهرت فيها ملامح نهضة تعليمية وعمرانية وصناعية، كما بدأت حركة الترجمة عن الأدب الغربي تنشط في مصر ثم في سورية، حيث كان التبادل الثقافي في أوجه.

ويمكن للمرء حتى يلاحظ حتى معظم رائدات الرواية السورية ينتمين إلى الطبقة الغنية (ألفة الإدلبي، سلمى الحفار الكزبري، كوليت خوري...إلخ) فقد كانت هذه الطبقة أكثر انفتاحاً من غيرها، وأكثر احتكاكاً بالغرب، فشجعت تعليم الفتاة، كما كانت ملتحمة بقضايا الوطن السياسية والاجتماعية، لهذا يكادقد يكون من الصعب حتى نجد روائية تنتمي إلى طبقة معدمة، في تلك الفترة، في حين وجدنا روائياً ينتمي إليها (حنا مينا على سبيل المثال) فقد كان ضغط التنطقيد والتخلف على المرأة الفقيرة أكثر منه على الغنية. وقد تعرضت المرأة دون الرجل إلى أنواع عديدة من القهر! يكفي حتى نشير إلى معارضة تعليمها، فالفهم، حسب رأي التقليديين يزيدها استرجالاً أوتشبهاً بالرجال، ويزيدها غروراً، كما أنهم يخافون من حتى تستعمل المرأة الكتابة والقراءة في مواضيع لا تليق بها أوبأهلها، وحجتهم في ذلك حتى الدين الإسلامي يمنع تعليم المرأة، فهم يجهلون حتى الإسلام جعل طلب الفهم فريضة على جميع مسلم». أما نعمة خالد فتدلوبدلوها في فضاء السيرة وتقول: «دخلت كوليت عالم السيرة من على صهوة فرس الشعر. وحين خطت أول بترة شعرية بعنوان "ظل حياة"، وهي حول وردة صغيرة يفترض أن تذبل كان هدفها الاستمرار في الشعر، لكنها ذات يوم خطت قصيدة في الليل، وعندما استيقظت صباحاً وأعادت قراءتها، شعرت بأن تلك القصيدة يمكن حتى تكون سيرة. ومن يومها دخلت تجربة الإبداع القصصي والروائي».

وتذكر نعمة خالد: «تتألف مجموعة "في الزوايا، حكايا" الصادرة عام 2002 من تسع قصص تحت العناوين: "وشاءت السماء"، "البنت نطقت"، "مكتوب على الجبين"، "عدالة"، "قدر.. والله"، "المصادفة القاتلة"، "الاستخارة"، "رباطة جأش"، "عطل وضرر"».

وتقول عنها: «تقدم كوليت في قصتها "وشاءت السماء" لوحة عن القيم ومفاهيم الشرف السائدة، التي تعتبر الحب جريمة نكراء ترتكبها المرأة، وتمر على مسألة الغيرة القاتلة، التي تجعل فتاة العشرين يائسة ومتهمة لأنها تحب شاباً، يتنامى إليها خبر ارتباطه بسواها، فتدفع الثمن مرتين، تخسر الرجل المخادع، وتصبح أمام الناس بلا شرف».

وتتابع نعمة خالد: «يلاحظ من يقرأ قصص المجموعة ولع الأديبة بالمكان المحدد. إنه دمشق وأحياؤها القديمة وسفوح قاسيون، والقرى المحيطة بدمشق التي لم تعلن المحررة اسمها الكامل، بل اكتفت بالرمز إليها بالحروف (ك.ت.ل... إلخ). ويؤكد تحديد المكان الواقعي محاولة الأديبة جعل قصصها أكثر قرباً إلى المتلقي، وأعمق تأثيراً على فكره ومشاعره».

أعمالها

  • عشرون عاماً (1957)، شعر بالفرنسية.
  • أيام معه (1959)، رواية صدر منها سبع طبعات حتى عام 2001.
  • رعشة (1960)، شعر بالفرنسية.
  • ليلة واحدة (1961)، رواية صدر منها أربع طبعات حتى عام 2002.
  • أنا والمدى (1962)، تسع قصص صدر منها طبعتان فقط حتى عام 1993.
  • كيان (1968)، سيرة صدر منها أربع طبعات حتى عام 2003.
  • دمشق بيتي الكبير (1969)، سيرة.
  • الفترة المرة (1969)، سيرة وأعيد طبعها مع قصتين في عام 2002.
  • الحدثة الأنثى (1971)، تسع قصص أعيد طبعها في عام 2001.
  • قصتان (1972)، قصتان ظهرتا ثانية مع الفترة المرة في عام 2002.
  • ومر صيف (1975)، رواية صدر منها ثلاث طبعات حتى عام 2000.
  • أغلى جوهرة بالعالم (1975)، مسرحية باللغة العامية.
  • دعوة إلى القنيطرة (1976)، سيرة ظهرت ثانية مع مجموعة «الأيام المضيئة» في عام 1984.
  • أيام مع الأيام (1978-1979)، رواية صدر منها ثلاث طبعات حتى عام 2004.
  • الأيام المضيئة (1984)، قصص.
  • معك على هامش رواياتي (1987)، غزل.
  • أوراق فارس الخوري: الكتاب الأول (1989)، الطبعة الثانية (2000).
  • أوراق فارس الخوري: الكتاب الثاني (1997)، الطبعة الثانية (2001).
  • العيد المضىي للجلاء (1997)، محاضرة مع مقدمة أولى للعماد أول مصطفى طلاس.
  • امرأة (2000)، مجموعة قصص.
  • طويلة قصصي القصيرة (2000)، صفحات من الذاكرة.
  • ستلمس أصابعي الشمس (2002)، سيرة رمزية نُشِرَت مسلسلةً عام 1962.
  • ذكريات المستقبل (1) (2002)، مجموعة منطقات من الفترة 1980–1983.
  • ذكريات المستقبل (2) (2003)، مجموعة منطقات من الفترة 1984–1987.
  • في الزوايا حكايا (2003)، مجموعة قصص.
  • في وداع القرن العشرين (2004)، الموضوعة الأسبوعية من الفترة 1998–2000.
  • سنوات الحب والحرب (2006)، منطقات وقصص.
  • عبق المواعيد (2008)، وجدانيات وقصص.

المصادر

  1. ^ هناء الدويري (2009-10-31). "كوليت خوري". اكتشف سورية. Retrieved 2010-08-08.
  2. ^ هناء الدويري (2008-02-21). "الوحدة لا تسلق.. كوليت خوري: شعبنا عظيم.. والظروف الصعبة مدسوسة". صحيفة الثورة السورية. Retrieved 2010-08-08.
  3. ^ مسقط اكتشف سوريا
تاريخ النشر: 2020-06-09 02:09:00
التصنيفات: شعراء سوريون, كتاب ومؤلفون سوريون, مواليد 1931, أشخاص من دمشق, خريج جامعة بيروت العربية, مسيحيون سوريون

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

بولندا: انتشال جثث أربعة من عمال المناجم المحاصرين

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-25 03:26:40
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 65%

847 مليون ريال لمستفيدي «سكني» في أبريل

المصدر: صحيفة اليوم - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-04-25 03:27:11
مستوى الصحة: 39% الأهمية: 44%

مقتل 168 على الأقل في أعمال عنف بالسودان

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-25 03:26:39
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 62%

دوناروما: سأبقى في سان جيرمان

المصدر: صحيفة اليوم - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-04-25 03:27:22
مستوى الصحة: 41% الأهمية: 37%

فنتازيا

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-25 03:26:34
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 55%

فطائر التوست.. أشكال متنوعة ومذاق شهي

المصدر: صحيفة اليوم - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-04-25 03:26:59
مستوى الصحة: 43% الأهمية: 49%

أكثر من 2.7 مليون وجبة إفطار صائم في المسجد النبوي

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-25 03:26:31
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 69%

7 مشاريع لتعليم كتاب الله وسنة نبيه المطهرة

المصدر: صحيفة اليوم - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-04-25 03:27:01
مستوى الصحة: 36% الأهمية: 43%

إنقاذ 70 مهاجرا قبالة سواحل ليبيا

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-25 03:26:24
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 65%

إغلاق مؤقت لـ«طريق الهدا» بسبب هطول الأمطار

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-25 03:26:23
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 57%

مؤشر سوق الأسهم يغلق منخفضا

المصدر: صحيفة اليوم - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-04-25 03:27:13
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 42%

بالصور.. 150 ألف مستفيد من العربات الكهربائية بالمسجد الحرام

المصدر: صحيفة اليوم - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-04-25 03:27:04
مستوى الصحة: 34% الأهمية: 36%

خالد بن فهد يزور النهضة

المصدر: صحيفة اليوم - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-04-25 03:27:27
مستوى الصحة: 31% الأهمية: 45%

أمطار خفيفة إلى متوسطة على الشرقية حتى الـ10 صباحًا عاجل

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-25 03:26:49
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 66%

أمير المدينة يوجّه بإنشاء مؤسسة وقفية لإفطار الصائمين بالمنطقة

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-25 03:26:33
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 52%

مارينوس: الفيصلي سيتأهل

المصدر: صحيفة اليوم - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-04-25 03:27:25
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 48%

ضبط 4 شاحنات لقيامهم بنهل الرمال غرب الدمام

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-25 03:26:26
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 66%

طرح فرص استثمارية لمشاريع «النقل الساحلي» في الشرقية

المصدر: صحيفة اليوم - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-04-25 03:27:08
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 47%

المكسيك تهدد الأخضر بـ«كورونا»

المصدر: صحيفة اليوم - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-04-25 03:27:18
مستوى الصحة: 30% الأهمية: 38%

108.4 مليار ريال.. الصادرات السلعية للمملكة في شهر

المصدر: صحيفة اليوم - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-04-25 03:27:15
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 44%

30 ألف مصحف هدية من خادم الحرمين لقاصدي المسجد الحرام

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-25 03:26:28
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 70%

تكة التعاون والفيصلي

المصدر: صحيفة اليوم - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-04-25 03:27:21
مستوى الصحة: 34% الأهمية: 50%

طرح 9 مشروعات عبر «استطلاع» لأخذ المرئيات حولها

المصدر: صحيفة اليوم - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-04-25 03:27:10
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 35%

تحميل تطبيق المنصة العربية