القانون الطبيعي لتوماسيوس

عودة للموسوعة

القانون الطبيعي لتوماسيوس

صفحة عنوان "الكتاب التعليمي للقانون الطبيعي"

«القانون الطبيعي» Lehrbuch des Naturrechtes (في 1687) ألفه كريستيان توماسيوس: سعادة المواطن قبل أيّ شيء آخر إن ليس في إمكاننا ان نضفي صفة الفهم على اي فهم لا تكون ذات فائدة في حياة البشر ولا تقود الى سعادتهم»، بهذه العبارة الواضحة، بدأ الفيلسوف الألماني كريستيان توماسيوس، عند بدايات القرن الثامن عشر، سلسلة من التحديدات المهمة واللافتة -والتي كانت جديدة في ذلك الحين- لمهمة الفهم ودورها في حياة الكون. ولئن هواعتبر المبدأ الذي افتتحنا به الحديث، مبدأ اساسياً في هذا المجال، فإنه سرعان ما اتبعه بخمسة مبادئ اخرى، اتىت على النحوالآتي: - إذا فهم الكثير من اللغات، هي اضعف الايمان بالنسبة الى مسألة الفهم ، - إذا اراد المرء ان ينصرف الى الفهم فإنه ليس في حاجة الى ان تكون لديه مهنة خاصة، - إذا الاشخاص من الجنس الانثوي لسن اقل مقدرة على الوصول الى الفهم من اشخاص الجنس الذكوري، - ومع هذا فإن فهم امور كثيرة ليس من شأنها ان تجعل من الانسان انساناً عارفاً، - لاقد يكون عارفاً إلا ذلك الشخص الذي يمكنه حقاً ان يبرهن على معهدته بالافعال والوقائع، - لاقد يكون عارفاً ذاك الذي يمزج بين النور الطبيعي والنور المافوق طبيعي...

لقد افتتح كريستيان توماسيوس بمثل هذه المبادئ ما سمي لاحقاً بعصر الانوار الالماني. سليم ان هذا العصر انطلق في تسميته هذه من مثيله الفرنسي، لكنه كان يمتاز عن هذا الاخير، لا سيما لدى مفكرين من أمثال توماسيوس، بالسعي وراء سعادة الفرد ووضع الفرد في لقاءة الجماعة قوياً، عبر تزويده ليس فقط بالفهم والنور، بل كذلك بالمقدرة على النقد (كانط). وبالنسبة الى توماسيوس، الذي كان -على اي حال- اكاديمياً وصحافياً اكثر من كونه عالماً منصرفاً الى وضع الخط، كان المطلوب دائماً هوالايمان بالنور الطبيعي والتأكيد على ان «القانون والاخلاق ليسا منوطين باللاهوت وحده». والحال ان توماسيوس قبل العودة الى هذا المبدأ من كتاب «القانون الطبيعي» الذي كان من آخر خطه، لم يفته ان يمر في فترة صوفية اشراقية تجلت لديه في كتابين اساسيين له، هما «الاخلاق العملية» (1664) (الذي شهد انقلاباً في فكره جعله يعتنق النزعة «التقوية» ويفقد ايمانه بقوة العقل البشري)، و«محاولة في ماهية الروح» الذي أتت اشراقيته الصوفية متناقضة مع جميع افكار شبابه. غير ان تلك الفترة من فكره كانت قصيرة ولم تدم سوى سنوات قليلة عاد بعدها في «القانون الطبيعي» (1705) ليركز على الاسس التي صاغ عليها فلسفته التنويرية، القائمة على مبادئ اساسية مثل التسامح الديني، والصراع ضد السلطة والاحكام المسبقة، وإلغاء التعذيب ومطاردة الساحرات.

  • في كتابه الأساس إذن، «القانون الطبيعي»، عبّر توماسيوس عن تعدد نشاطاته، اذ إذا الكتاب تأرجح بين الفلسفة واللاهوت في شكل انتقائي، عبر التأكيد على ان «ما من مدرسة تستطيع ان تدّعي لنفسها احتكار الحقيقة»، بالنظر الى ان «كل عالم لا يرى الحقيقة إلا من وجهة نظره». وفي هذا الكتاب أيضاً، أعاد توماسيوس التأكيد على نزعته الرواقية الإپيقورية القائمة على فكرة حتى «الحب هومحرك الأفعال» و«العقل يقود الإرادة بمعونة النور الطبيعي» و«الإرادة لا تميل الى الرذيلة الا متى وهنت».
  • بالنسبة الى كريستيان توماسيوس ، لا يمكن للممارسة السياسية إلا حتى تتجه نحوتحقيق سعادة المواطن. وبهذا كان هذا المفكر، في «القانون الطبيعي» كما في خطه الأولى، مثل «في الاخلاق» (1692) و«في المنطق» (1691)، المفكر الذي أدخل القانون الطبيعي كسلطة نقدية في السجال الذي كان دائراً داخل حلقات التنوير الالماني. وفي هذا الاطار كان توماسيوس يربط جميع فهم وكل تربية كانت عناصرها متوافرة في زمنه، بالهدف الاسمى لفلسفته كلها: سعادة المواطن، باعتبار حتى «سعادة الانسان هي هدف جميع حكم، وغاية جميع عقد اجتماعي وكل سلطة». ومن هنا نراه يطالب الدولة بضمان حقوق المواطن. وفي لقاء هذا، يطلب توماسيوس من المواطن ان يقوم بواجباته تجاه الدولة. وهنا كان المفكر يرى ان «المواطن الذي يقوم بكل ما يتوجب عليه من اجل الصالح العام، هووحده الذي يضمن ما فيه مصلحته الخاصة». وفي هذا المعنى عبر توماسيوس عن ذلك التلازم الذي كان يراه بين تعاليم الدولة وقوانينها وأفعالها، وبين المواطن من اجل الوصول الى السعادة العامة. ومن هنا، فإن «المواطن الفردقد يكون سعيداً فقط بعمل قوة الدولة وعبرها»، وبالتالي فإن «ليس في امكانه حتى يحصل على سلطة شخصية فردية، ولا يتعين عليه اذاً، ان ينعتق من سلطة الدولة». وفي هذا الاطار يمكن القول ان توماسيوس -وبالتناقض مع مواطنه لايبنتس- لم يكن معنياً في الدرجة الاولى، بصواب رأي ما اوخطئه، بل بـ «معيار الاختيار السليم» حيث إذا تفسيره للقانون الطبيعي، الذي يمكن وصفه بأنه فلسفة عملية، كان هوالذي يحدد متطلبات الفلسفة النظرية.
  • في اختصار، كان كريستيان توماسيوس يرى أنه معنيّ من باب أولى، بالهجريز على تلك الفلسفة العملية بصفتها المعيار الأساس لكل فهم، مؤكداً على ضرورة ان تدخل العلوم والفلسفة العملية والاخلاق وعلوم السياسية في القانون الدستوري، وذلك عبر التدريس الجامعي الذي انصرف إليه توماسيوس طوال حياته، حيث انه في الواقع العملي، لم تكن له اي حياة فكرية حقيقية خارج الجامعة.
  • لكن توماسيوس حقق الكثير داخل الجامعة، بل إنه - انطلاقاً من هناك - خاض اللعبة الفكرية السياسية من بابها الواسع، حيث إنه في صراع مع السكولاستيكية الجامعية الجامدة التي كانت سائدة في لايپزگ، رقّاه ناخب براندنبورگ الأكبر داخل جامعة هاله، حيث ساهم منذ العام 1690 في تأسيس تلك الجامعة على اسس عقلانية. وهوفي تلك الجامعة ظل حتى وفاته في العام 1728، يفهم نظرية الحق، مبتنادىً وللمرة الاولى في تاريخ التعليم الجامعي الألماني، مبدأ التدريس بالألمانية المحلية بدلاً من التدريس باللاتينية، كما كان الامر قبله. وفي هاله، ولج في صراع مع الفيلسوف التنويري الآخر ڤولف، الذي كان هجر لايپزگ إثر غزوالقوات السويدية للمدينة. وڤولف تمكن يومها، بفضل رسالة توصية من لايبنتس، من الحصول على مقعد تدريسي في جامعة هاله. إلى غير ذلك انطلق الصراع بين أنصار توماسيوس وأنصار كريستيان ڤولف Christian Wolff، وكان صراعاً له خلفيات سياسية واضحة، حيث تجابه التوماسيوسيون وأنصار مبدأ التقوى في جبهة واحدة، مع البروتستانتية القويمة التي كان يمثلها فولف. والحقيقة ان هذا الصراع إنما كان يخفي صراعاً آخر فحواه البحث عن هوية للفلسفة الألمانية في ذلك الحين. ولئن كان ڤولف قد طرد في العام 1721 فما هذا إلا بسبب استعانته بأفكار كونفوشيوس الصينية لاستكمال فلسفته في وجه فلسفة توماسيوس الالمانية الخالصة.
  • في هذا كله، كما في بناء الفكر العقلاني الألماني وفي استخدام الألمانية كلغة جامعية وفلسفية، كما في نهضة الصحافة في تلك الأزمان المبكرة، لعب كريستيان توماسيوس (1655-1728) دوراً كبيراً، فهوابن الفيلسوف اللوثري الالماني ياكوب توماسيوس الذي كان استاذاً للايبنتس في لايپزگ، وكان اول المفكرين الذين احتجوا على فصل اللاهوت الطبيعي عن الميتافيزيقا. أما الابن كريستيان الذي لم يبتعد عن مهنة أبيه وإن كان ابتعد عن أفكاره، فسيذكر له دائماً أنه كان اول من أسس التنطقيد الجامعية الفهمية المستندة الى اللغة القومية (الألمانية) ما عمّم افكار التنوير، وجعل من جامعة هالى في عصره اولى جامعات العصور الحديثة، في انفصال عما كان عليه التعليم الجامعي في العصور الوسطى، وبهذا اصبحت جامعة هاله المركز الاساس لتطور الفكر البروتستانتي الألماني طوال القرن الثامن عشر.


المصادر

دار الحياة - ابراهيم العريس

تاريخ النشر: 2020-06-09 06:20:11
التصنيفات: كتب 1687, كتب ألمانية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

بوريطة: مشاورات "6+6" حققت توافقات لتنظيم الانتخابات الليبية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-07 12:26:02
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 61%

وفاة الفنانة التشكيلية وملهمة بيكاسو فرانسواز جيلو

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-07 12:26:20
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 58%

وفاة الفنانة التشكيلية وملهمة بيكاسو فرانسواز جيلو

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-07 12:26:17
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 64%

تحميل تطبيق المنصة العربية