مجمع ترنت

عودة للموسوعة

مجمع ترنت

مجلس ترنت
Council of Trent
المجلس في كنيسة سانتا ماريا ماگيور؛ Museo Diocesiano Tridentino, Trento.
التاريخ 1545-1563
Accepted by الكنيسة الكاثوليكية
المجمع السابق
مجمع اللاتران الخامس
Next council
مجلس الڤاتيكان الأول
Convoked by پولس الثالث
الرئيس پولس الثالث، يوليوس الثالث، پيوس الرابع
Attendance حوالي 255 إنسان في آخر جلسة
Topics الپروتستانتية، مناهضة الإصلاح
Documents and statements
seventeen dogmatic decrees, covering all aspects of Catholic religion
Chronological list of ecumenical councils

مجمع ترنت Council of Trent (باللاتينية: Concilium Tridentinum) مجموعة من المؤتمرات التي عقدتها [الكنيسة الرومانية الكاثوليكية] في ترنت بإيطاليا بين 1545- 1563م. وقد حاول المجمع حتى يعهد المعتقدات الكاثوليكية، وأن يُبطل تعليمات الپروتستانت. قام المجمع بعدة إصلاحات في إجراءات الكنيسة الكاثوليكية خلال القرنين 16، 17. وقد أثرت المبادئ التي أصدرها المجمع تأثيرًا كبيرًا في الكنيسة منذ ذلك الحين.

قبل المجمع

العقبات والأحداث قبل المجمع

البابا پولس الثالث يفتتح مجمع ترنت.

قبل حتى يأتي لوثر بزمن طويل ارتفعت مئات الأصوات مطالبة بعقد مجمع يصلح الكنيسة. وطالب لوثر بعرض نزاعه مع البابا على مجمع عام حر، وطالب شارل الخامس بعقد مجمع كهذا بأمل نفض يده من المشكلة البروتستانتية، وربما بأمل تأديب البابا حدثنت السابع، واستطاع ذلك البابا الذي أنهكته الهجمات المتكررة حتى يجد مائة عذر لتأجيل مثل هذا المجمع حتى يصبح بعيداً عن متناوله. فقد تذكر ما وقع للسلطة البابوية في مجمعي كونستانس وبازل، وما كان ليسمح لأساقفة معادين له، أولمندوبي الإمبراطور، بدس أنوفهم في سياساته أومصاعبه الداخلية أومولده. ثم كيف من الممكن أن يستطيع مجمع حتى ينقذ الموقف،يا ترى؟ ألم يرفض لوثر الاعتراف بالمجامع كما رفض الاعترافات بالبابوات،يا ترى؟ ولوقبل البروتستنت في مجمع وسمح لهم بحرية الكلام فإن النزاع الذي سيسفر عنه هذا القبول سيوسع الانشقاق ويزيده مرارة ويزعج أوربا بأسرها؛ ولوحيل بينهم وبينه لأثاروا غضب التمرد والعصيان. وأراد شارل حتى يعقد المجمع على أرض ألمانية، ولكن فرانسوا أبى السماح للأكليروس الفرنسي بحضور اجتماع خاضع لسيادة الإمبراطور. يضاف إلى هذا رغبة فرانسوا في الإبقاء على النيران البروتستنتية مشتعلة في المؤخرة الإمبراطورية. لقد كان الموقف مختلطاً أشد الاختلاط.

فلما اتى بولس الثالث ساورته جميع مخاوف حدثنت، ولكنه كان أشجع منه. في عام 1536 أصدر دعوة لمجمع عام يجتمع في مانتوا في 23 مايو1537، ونادى البروتستانت لحضوره. وافترض حتى جميع الأطراف التي ستحضره ستقبل النتائج التي يخلص إليها المجمع؛ ولكن ما كان للبروتستانت وهم أقلية في مؤتمر كهذا حتى يقبلوا مثل هذا الالتزام. وأشار لوثر بعدم الحضور، ورد مؤتمر البروتستانت المنعقد في شمالكالدين دعوة البابا دون حتى يفتحها. وواصل الإمبراطور إصراره على عقد المجمع في أرض ألمانية، وكانت حجته أنه لوعقد في أرض إيطاليا لازدحم بالأساقفة الإيطاليين ولأصبح لعبة في يد البابا. وبعد الكثير من المفاوضات والتأجيلات وافق بولس على عقد المجمع في ترنت، وكانت تقع في أرض إمبراطورية وتخضع لشارل على الرغم من غلبة الإيطاليين على سكانها. ونادى المجمع للانعقاد فيها في أول نوفمبر 1542.

ولكن ملك فرنسا رفض حتى يلعب دوره. وأبى نشر دعوة البابا في أراتى ملكه، وهدد بالقبض على أي فرد من الأكليروس الفرنسي يحاول حضور مجمع منعقد على أرض عدوه، فلما افتتح المجمع لم يكن حاضراً سوى بضعة أساقفة كلهم إيطاليون، وأجل بولس الاجتماع حيناً حتى يسمح شارل وفرانسوا بانعقاد المجمع بكامل عدده. وبدا حتى صلح كريبي قد أزاح العقبات من الطريق، ونادى بولس إلى عودة انعقاد المجمع في 14 مارس 1545. ولكن تجدد الخطر على الإمبراطور من العثمانيين أكرهه ثانية على مصالحة البروتستنت، فطلب تأجيل المجمع مرة أخرى، ولم يبدأ "المجمع المسكوني التاسع عشر للكنيسة المسيحية" دوراته النشيطة إلا في 13 ديسمبر 1545.

ولكن حتى هذه البداية لم يحالفها التوفيق، ولم تبلغ قط مبلغ "نصف العمل". ذلك حتى البابا الذي قارب الثمانين ظل في روما، يرأس المجمع "غيابياً"، ولكنه ندب عنه ثلاثة كرادلة يمثلونه: ديل مونتي، وتشرفيني، وبولي. وكان قوام المجمع كردينال ترنت مادروزو، وأربعة رؤساء أساقفة، وعشرين أسقفاً، وخمسة من قادة الطرق الديرية، ويعض رؤساء الأديار، وبضعة لاهوتيين؛ ولم يكن في وسع المجمع حتى ذلك الحين الزعم بأنه "مسكوني"-أي عالمي. وبينما كان حق التصويت في مجمع كونستانس وبازل متاحاً للقساوسة، والأمراء، وبعض الفهمانيين، كما كان متاحاً للأساقفة، وكان التصويت بالمجموعات القومية، فإن هذا الحق قصر هنا على الكرادلة والأساقفة والقواد ورؤساء الأديرة، وكان التصويت بالأفراد، ومن ثم فإن الأساقفة الإيطاليين-وأكثرهم مدين للبابوية أوموال لها لأسباب أخرى-سيطروا على المجمع بأغلبيتهم العددية. وحضّرت اللجان المجتمعة في روما بإشراف البابا المسائل التي لا يمكن عرض غيرها للمناقشة. وقد لاحظ مندوب فرنسي أنه ما دام المجمع يزعم بأنه يعمل بإرشاد الروح القدس، فإن الأقنوم الثالث كان يأتي إلى ترنت بانتظام في حقيبة البريد القادمة من روما.

ودارت أولى المناقشات حول الإجراءات: أمن الواجب البدء بتعريف الإيمان ثم البحث في الإصلاحات، أم العكس،يا ترى؟ فأما البابا ومؤيدوه الإيطاليون فأرادوا البدء بتعريف للعقائد، وأما الإمبراطور ومؤيدوه فأرادوا البدء بالإصلاح، أملاً من شارل في تهدئة البروتستنت أوإضعافهم أوإحداث مزيد من الانقسام في صفوفهم، وأملاً من الأحبار الألمان والأسبان حتى تقلل الإصلاحات من سلطة البابا على الأساقفة والمجامع. وقد أمكن الوصول إلى حد وسط، فاتفق على حتى تحضر لجان متزامنة القرارات حول العقيدة والإصلاح، وتعرض هذه القرارات على المجمع بالتناوب.

وفي مايو1546 أوفد بولس اثنين من اليسوعيين هما لاينيز وسالميرون ليساعدوا مندوبيه في الشئون اللاهوتية وفي الدفاع عن البابا؛ ثم انضم إليهما پيتر كانيزيوس وكلود لوجي. وما لبث تفقه اليسوعيين الذي لم يضارعهم فيه أحد حتى أكسبهم نفوذاً طاغياً في المناقشات، وقاد إصرارهم على سلامة العقيدة المجمع إلى إعلان الحرب على أفكار الإصلاح البروتستانتي بدلاً من التماس التوفيق أوالوحدة. وكان حكم الأغلبية فيما يظهر حتى أي تنازلات للبروتستنت لن ترأب الصدع؛ وأن الملل البروتستنتية تعددت وتنوعت بحيث لا يمكن لأي حل وسط حتى يرضي بعضها دون حتى يغضب البعض الآخر، وأن أي تغيير جوهري في العقائد التقليدية من شأنه حتى يضعف بنيان الكاثوليكية العقائدي واستقرارها كله؛ وأن السماح للفهمانيين بالسلطات الكهنوتية سيفوض السلطة الأدبية للكهنوت والكنيسة، وأن هذه السلطة لا غنى عنها للنظام الاجتماعي؛ وأن لاهوتاً يرتكز بصراحة على الإيمان سيحبط نفسه إذا خضع لأهواء التفكير الفردي. وبناءً عليه فإن دورة المجمع الرابعة (أبريل 1546) أكدت من حديث جميع فقرة من فقرات العقيدة النقوية، وادعت سلطاناً متساوياً لتقليد الكنيسة وللكتاب المقدس، وأعطت الكنيسة الحق دون غيرها في شرح الكتاب وتفسيره، وأعربت حتى ترجمة جيروم اللاتينية هي الترجمة والنص النهائيان للكتاب. وتقرر حتى القديس توما الأكويني هوالشارح العمدة للاهوت النقي من الشوائب، وحمل كتابه "خلاصة اللاهوت" إلى مقام لا يعلوه فيه إلا الكتاب المقدس والمراسيم البابوية. إلى غير ذلك نرى حتى الكاثوليكية بوصفها ديناً ذا سلطان معصوم بدأت عملياً من مجمع ترنت، وتبلورت على هيئة استجابة عنيدة لذلك التحدي الذي قابلتها به البروتستنتية، والعقلانية، والرأي الفردي. وانتهى بذلك "اتفاق الجنتلمان" بين كنيسة النهضة والطبقات المفكرة.

ولكن إذا كان الإيمان حيوياً إلى هذا الحد. فهل كان أيضاً كافياً في ذاته لاستحقاق الخلاص كما زعم لوثر،يا ترى؟ لقد ارتفعت في الدورة الخامسة (يونيو1546) مناقشات عنيفة حول هذه النقطة، وأمسك أحد الأساقفة بلحية آخر وانتزع منها حفنة من الشعر الأبيض، ولما سمع الإمبراطور بما سقط أوفد إلى المجمع يقول إنه لم يهدأ فسيأمر بإلقاء نفر من الأساقفة في نهر أديج ليهدئ ثائرتهم. ودافع ريجنالد بولي عن رأي قريب قرباً خطراً من رأي لوثر، حتى حتى الكردينال كارافا (الذي أصبح بولس الرابع فيما بعد) دمغه بالهرطقة، وانسحب بولي من المعركة قاصداً بادوا، واعتذر بالسقم عن التخلف عن حضور المجمع. ودافع الكردينال سيريباندوعن الصيغة التوفيقية التي عرضها في راتسبون الكردينال كونتاريني، وكان قد مات، ولكن لاينيز أقنع المجمع بأن يشدد على أهمية الأعمال الصالحة وحرية الإرادة، معارضاً بذلك لوثر معارضة كاملة.


المناسبة والجلسات والحضور

المجمع، كما صوره كاتي دا إييزي.

نادى البابا بولس الثالث إلى انعقاد المجمع في 1542م، وتم افتتاحه في 13ديسمبر 1545م. وانعقد المجمع خلال ثلاث فترات منفصلة. ثم عاقت الحروب والنزاعات الدينية عمله. وخلال الفترة الأولى من 1545م إلى 1547م أعرب المجمع حتى الإنجيل والتنطقيد هما المصدران السليمان للإيمان الكاثوليكي. وقد أصدر المجمع مرسومًا يقضي بأن للكنيسة الحق الأوحد في تفسير الإنجيل. أما التنطقيد فتشتمل على كتابات الرُسُل، ومراسيم البابوات والمجامع، والعادات التي مارسها الكاثوليك على مدى تاريخ الكنيسة. ورفض المجمع أيضًا وجهات النظر البروتستانتية حول الخلاص والخطيئة.

أما في الفترة الثانية التي امتدت من سنة 1551م إلى سنة 1552م، فقد عرّف مجمع ترنت طبيعة الأسرار السبعة، وأعاد توكيد مبدأ التحويل وهوالاعتقاد بأن الخبز والخمر قد تم تحويلهما إلى جسم المسيح ودمه فيما يسمونه القربان الأقدس.

وأما في الفترة النهائية من 1562 إلى 1563م، فقد دافع المجمع عن صُكوك الغفران (غفران تمنحه الكنيسة لتحل الآثم من ذنوبه)، وأقرّ كذلك الصلوات من أجل القديسين، وعَرَّف ذبيحة القُداس، وكثيرًا من العقائد النصرانية. وأمضى المجمع إصلاحات مثل تأسيس مدارس اللاهوت لتدريب الكهنة، وتحقيق مطلب عيش جميع أسقف في منطقته الخاصة. وقد صدق البابا بيوس الرابع في 26 يناير سنة 1564م على جميع المراسيم التي صدرت عن المجمع، والتي أصبحت فيما بعد جزءًا من العقيدة الكاثوليكية.


الموضوعات المطروحة

الإصلاح الكنسي

أما إجراءات الإصلاح الكنسي فكانت حركتها أقل نشاطاً من تعريفات العقيدة. كان أسقف كاتدرائية القديس مرقس قد افتتح دورةستة يناير 1546 برسمه صورة قاتمة للفساد الذي استشرى في العالم، والذي لن يفوقه في ظنه فساد الأجيال القادمة إطلاقاً، وقد عزا هذا الفساد "إلى شر الرعاة دون سواه". ونطق إذا هرطقة لوثر سببها الرئيسي خطايا الأكليروس، وإن إصلاح الأكليروس خير سبيل لقمع هذا التمرد(42). ولكن الإصلاح الجوهري الوحيد الذي تحقق في هذه الدورات الأولى كان ذلك الذي حرم على الأساقفة الإقامة بعيداً عن أسقفياتهم، أوشغل أكثر من أسقفية. واقترح المجمع على البابا حتى ينتقل إصلاح قسم الوثائق من التوصيات النظرية إلى الأوامر العملية، ولكن بولس كان يريد حتى تهجر شئون الإصلاح للبابوية، فلما أصر الإمبراطور على مزيد من السرعة في مناقشات الإصلاح في المجمع، أمر البابا مندوبيه بأن يقترحوا نقل المجمع إلى بولونيا-التي تسمح لروما بأن تشرف على أعمال المجمع إشرافاً أسرع لأنها واقعة في الولايات البابوية. ووافق الأساقفة الإيطاليون، أما الأساقفة الإسبان والإمبراطوريون فاحتجوا، وظهر في ترنت طاعون غير ذي بال في الوقت المناسب فقضى على أحد الأساقفة، وانتقلت الأغلبية الإيطالية إلى بولونيا، أما الباقون فظلوا في ترنت. ورفض شارل الاعتراف بدورات بولونيا. وهدد بعقد مجمع منفصل في ألمانيا. وبعد عامين من الجدل والمناورة خضع بولس وعطل مجمع بولونيا (سبتمبر 1549).

وخف توتر الموقف بموت بولس. ووصل يوليوس الثالث إلى تفاهم مع الإمبراطور، فنادى المجمع للانعقاد مرة أخرى في ترنت في مايو1551 لقاء وعد من شارل بالامتناع عن تأييد أي إجراء من شأنه اختزال سلطة البابا، ووافق البابا على إعطاء اللوثريين فرصة الإدلاء بأقوالهم. ولكن هنري الثاني ملك فرنسا رفض الاعتراف بالجمع لأنه كره هذا التقارب بين البابا والإمبراطور. فلما اجتمع كان عدد الحاضرين ضئيلاً فاضطر إلى تأجيل اجتماعاته. ثم عاد إلى الاجتماع في أول سبتمبر بحضور ثمانية من رؤساء الأساقفة، وستة وثلاثين أسقفاً، وثلاثة رؤساء أديار، وخمسة قادة، وثمانية وأربعون لاهوتياً. ويواكيم الثاني ناخب براندنبورج، وسفراء يمثلون شارل وفرديناند.

تحويل العقيدة

وأكدت الدورة الثالثة عشرة للمجمع (أكتوبر 1551) من حديث عقيدة التحول الكاثوليكية، فالكاهن بتقديسه الخبز والخمر في سر القربان يحولهما عملاً إلى جسد المسيح ودمه. بعد هذا لم يعد هناك جدوى من الاستماع إلى البروتستنت، ولكن شارل أصر على هذا. واختار دوق فورتمبرج، وموريس ناخب سكسونيا، وبعض مدن جنوبي ألمانيا-اختار هؤلاء أعضاء وفد بروتستنتي، ووضع ملانكتون بياناً بالعقيدة اللوثرية لحمله إلى المجمع. وضمن شارل للمندوبين سلامة المرور، ولكنهم إذ تذكروا كونستانس وهس طلبوا أيضاً ضماناً بسلامة المرور من المجمع ذاته. وبعد نقاش طويل منحهم المجمع الضمان. ولكن راهباً دومنيكياً ذكر في عظة تدور حول مثل هذا الزوان، ألقاها في ذات الكاتدرائية التي انعقدت فيها دورات المجمع، حتى زوان المهرطقين قد يمهلون إلى أجل، ولكن لا بد في النهاية من حرقهم.

الپروتستنتية

وفي 14 يناير 1552 ألقى المندوبون البروتستانت حدثتهم في المجمع. فاقترحوا تأكيد المراسيم التي أصدرها مجمعاً كونستانس وبازل بشأن تخويل المجامع سلطاناً أعلى على البابوات، وأن يحل أعضاء المجمع الحاضر من عهد الولاء للبابا يوليوس الثالث، وأن جميع القرارات التي وصل إليها المجمع حتى ذلك التاريخ يجب إلغاؤها، وأنه يجب حتى يعيد مجمع موسع يمثل فيه البروتستنت تمثيلاً كافياً مناقشة الموضوعات من جديد. ومنع يوليوس الثالث درس هذه المقترحات. وقرر المجمع تأجيل البت فيها إلى 19 مارس، وهوالتاريخ الذي يتسقط فيه وصول مزيد من المندوبين البروتستنت.

وفي أثناء هذه العطلة طرأت على اللاهوت تطورات حربية على نحوغير متسقط. ففي يناير 1552 سقط ملك فرنسا حلفاً مع البروتستنت الألمان، وفي مارس زحف موريس أمير سكسونيا على إنزيروك، وفر شارل، وما كان لأية قوة حتى تمنع موريس إذا شاء من الاستيلاء على ترنت والإطاحة بالمجمع. واختفى الأساقفة واحداً بعد الآخر، وفي 28 أبريل عطل المجمع رسمياً. ونزل فرديناند بمقتضى معاهدة باساو(2 أغسطس) عن الحرية الدينية للبروتستنت المنتصرين حربياً، فلم يعد المجمع يهمهم في شيء بعد هذا.

ورأى بولس الرابع حتى من الحكمة حتى يدع المجمع يسبت خلال رياسته. فلما اتى البابا بيوس الرابع، وكان شيخاً دمث الخلق، راودته فكرة مؤداها حتى منح سر القربان بالخبز والخمر قد يهدئ البروتستنت كما هدأ البوهيميين من قبل. فطلب إلى المجمع حتى ينعقد من حديث في ترنت فيستة أبريل 1561، ونادى إليه جميع الأمراء المسيحيين سواء الكاثوليك أوالبروتستنت. وقد جلب المندوبون الفرنسيون إلى هذه الدورة الجديدة قائمة رهيبة بالإصلاحات التي ينشدونها: القداس باللغة القومية، والتناول بالخز والخمر، وزواج القس، وإخضاع البابوية للمجامع العامة، وإنهاء نظام الإعفاءات البابوية، ويبدوحتى مزاج الحكومة الفرنسية كان في تلك اللحظة شبه هيجونوتي. وأيد فرديناند الأول هذه المقترحات، وكان الآن إمبراطوراً، وأضاف حتى "البابا يجب حتى يتواضع، ويخضع لإصلاح شخصه ودولته وإدارته"، أما أساطير القديسين فينبغي حتى تنقى من السخافات. وأما الأديار فينبغي إصلاحها حتى "لا تعود ثروتها الطائلة تنفق بمثل هذه السفه". وأنذر الموقف بالخطر على بيوس، وترقب مندوبوه افتتاح الدورة في شيء من الذعر.

وبعد تأجيلات كان دافعها الروية أوالاستراتيجية التأم ضم الدورة السابعة عشرة للمجمع في 28 يناير 1562، بحضور خمسة كرادلة، وثلاثة بطارقة، وأحد عشر رئيس أساقفة، وتسعين أسقفاً، وأربعة قادة، وأربعة رؤساء أديار، ومختلف الممثلين الفهمانيين للأمراء الكاثوليك. واستجابة لطلب من فرديناند عرض ضمان بسلامة المرور لأي مندوب بروتستنتي قد يرغب في الحضور، ولكن أحداً لم يحضر. وتزعم رئيس أساقفة غرناطة وشارل كردينال اللورين حركة ترمي إلى الحد من امتيازات البابا، فأكد حتى الأساقفة لا يستمدون سلطانهم عن طريقه بل بـ "الحق الإلهي" المباشر، وردد أسقف سقوبية هرطقة من هرطقات لوثر، إذ أنكر أنه كان على البابا سيادة على غيره من الأساقفة في الكنيسة الأولى. على حتى هذا التمرد الأسقفي أطفأته البراعة البرلمانية التي أبداها مندوبوالبابا، وولاء الأساقفة الإيطاليين والبولنديين للبابا، وبعض المجاملات البابوية التي وجهت في الوقت المناسب إلى كردينال اللورين. وانتهى الأمر بتوسيع سلطة البابا لا بالحد منها، واشترط على أسقف حتى يقسم يمين الطاعة الكاملة للبابا. وأمكن تهدئة فرديناند بوعده حتى البابا سيسمح في ختام المجمع بأن يعطي القربان بالخبز والخمر كليهما.

أما وقد فرغ المجمع من أبرز نزاع قابله، فقد انتهى بسرعة من أعماله الباقية. فحرم زواج الأكليروس، وقرر توقيع عقوبات صارمة على تسري القساوسة. وشرع الكثير من الإصلاحات الصغيرة للنهوض بأخلاق رجال الأكليروس ونظامهم. وقرر إنشاء كليات لاهوتية يدرب فيها الراغبون في القسوسية على عادات التقشف والتقوى. أما سلطات الإدارة البابوية فقد اختزلت. ووضعت قواعد لإصلاح الموسيقى والفن الكنسيين، وتقرر تغطية صور العرايا بما يكفي لمنع إثارتها للخيال الحسي. ووضع الفارق بين عبادة الصور وعبادة الأشخاص الذين تمثلهم الصور، وتأييد استعمال الصور الدينية بالمعنى الثاني. أما المطهر والغفرانات والتوسل إلى القديسين فقد دوفع عنها وأعيد تعريفها. وهنا اعترف المجمع في صراحة بالمفاسد التي انبعثت عن شررها نار التمرد اللوثري، وقد نص أحد القرارات على ما يأتي:

"إن المجمع يقرر بصدد منح الغفرانات... إنه يجب القضاء كلية على جميع كسب إجرامي متصل بها، باعتباره مصدراً لفساد محزن بين الشعب المسيحي؛ أما عن غير ذلك من ضروب الخلل والفوضى الناجمة عن الخرافة أوالجهل أوالاستهانة بالمقدسات أوأي سبب كائناً ما كان-فيما حتى هذه كلها لا يمكن القضاء عليها بالتحريمات الخاصة نظراً إلى انتشار الفساد على نطاق واسع، فإن المجمع يلقى على عاتق جميع أسقف واجب التعهد على ما يوجد في أسقفيته من مفاسد، وعرضها على المجمع الإقليمي التالي، وإبلاغها إلى الحبر الأعظم في وما بعد موافقة الأساقفة الآخرين(48).

وأجمع البابا والإمبراطور على حتى المجمع قد بلغ الآن نهاية نفعه، وفي أربعة ديسمبر 1563 فض نهائياً وسط ابتهاج المندوبين المرهقين، بعد حتى حدد طريقة الكنيسة لقرون قادمة.

لقد نجحت معارضة الإصلاح البروتستنتي في أهدافها الأساسية. سليم حتى الرجال-سواء في الأقطار الكاثوليكية أوالبروتستنتية-ظلوا يكذبون ويسرقون، يغوون العذارى ويبيعون الوظائف، يقتلون ويشنون الحرب. ولكن أخلاق الأكليروس تحسنت، وروّضت الحرية الجامحة التي اندفعت فيها إيطاليا النهضة فتكيفت تكيفاً مهذباً وفق مزاعم البشر. فالبغاء الذي كان صناعة كبرى في روما والبندقية أيام النهضة أخفى الآن رأسه، وأصبحت العفة طابع العصر. وتقرر اعتبار تأليف الخط القذرة أونشرها جريمة كبيرة في إيطاليا. إلى غير ذلك شنق نيكولوفرانكو، سكرتير أريتينووعدوه، بأمر من البابا بيوس الخامس عقاباً على تأليفه كتاب Priapeia(50). أما أثر القيود الجديدة على الفن والأدب فلم يكن مؤذياً أذى مطلقاً لا خلاف عليه؛ مثال ذلك حتى فن الباروك انبعث على استيحاء من مكانه المغمور؛ كذلك إذا نظرنا من زاوية أدبية خالصة فإننا لا نجد تاسو، وجواريني، وجولدوني، يهبطون هبوطاً عنيفاً عن مرتبة بوياردو، وأريوستو، ومكافيللي المسرحي. وقد أقبل أعظم عصور أسبانيا الأدبية والفنية في ملء "الرجعية الكاثوليكية". ولكن الفرحة التي كانت طابع إيطاليا النهضة انطفأت، وفقدت النساء الإيطاليات بعض ذلك السحر والابتهاج الذي أتاهن من حريتهن السابقة لحركة الإصلاح البروتستنتي. وساد إيطاليا عصر أقرب ماقد يكون إلى البيورتانية نتيجة لقيام أخلاقية قاتمة واعية. وانتعشت الديرية. وكانت خسارة للنوع الإنساني، من وجهة نظر العقل الحر، حتى تقضي الرقابة الكنسية والسياسية على حرية الفكر النسبية التي سادت أيام النهضة، وكانت مأساة حتى تعاد محكمة التفتيش في إيطاليا وغيرها من البلاد في الوقت الذي أخذ الفهم ينبثق فيه محطماً قشرته الوسيطة، وضحت الكنيسة عن عمد بالطبقات المفكرة في سبيل الأكثرية المتدينة التي صفقت لقمع أفكار قد تذيب إيمانها المعزي.

كانت الإصلاحات الكنسية حقيقية ودائمة. وإذ كانت الملكية البابوية قد حمل مقامها فوق الأرستقراطية الأسقفية للمجامع ، فإن هذا كان يساير روح العصر، حيث كانت الأرستقراطيات في جميع بلد، عدا ألمانيا، تفقد سلطانها ليتقلده الملوك. وأصبح البابوات الآن أرق من الأساقفة خلقياً، وأمكن تطبيق النظام الذي تطلبه الإصلاح الكنسي على يد سلطة ممركزة خيراً من سلطة مقسمة، وأنهى البابوات محاباتهم لأقربائهم، وشفوا الإدارة البابوية من تسويفاتها الباهظة الثمن ورشوتها المفضوحة. وأصبحت إدارة الكنيسة بشهادة من فحصوا هذا الأمر من غير الكاثوليك نموذجاً للكفاية والنزاهة(51). وأدخل استعمال مقصورة الاعتراف المظلمة (1547) وجعل إجبارياً (1614)، ولم يعد القسيس عرضة لأن يفتنه جمال بعض المعترفات. أما باعة صكوك الغفران الجائلون قد اختفوا، وأما الصكوك فقد خصصت في معظم الحالات للعبادة الورعة ولأعمال البر لا التبرعات المالية، وبدلاً من حتى يتقهقر رجال الأكليروس الكاثوليك أمام زحف البروتستنت أوالفكر الحر، انطلقوا ليعيدوا اقتناص فكر الشباب وولاء السلطان. وأصبحت روح اليسوعيين، تلك الروح الواثقة، الإيجابية، النشيطة، المدبرة على النظام، هي روح الكنيسة المجاهدة.

لقد كان شفاء الكنيسة في جملته شفاءً مذهلاً، وثمرة من أروع الثمرات التي جادت بها حركة الإصلاح البروتستنتي.


قائمة القرارات

Doctrine الجلسة التاريخ الشرائع القرارات
حول رمز الإيمان 3 4 فبراير 1546 لا يوجد 1
The Holy Scriptures 4 8 أبريل 1546 لا يوجد 1
الخطيئة الأصلية 5 8 يونيو1546 5 4
العدالة 6 13 يناير 1547 33 16
السر المقدس على وجه العموم 7 3 مارس 1547 13 1
المعمودية 7 3 مارس 1547 14 لا يوجد
Confirmation 7 3 مارس 1547 3 لا يوجد
Holy Eucharist 13 11 أكتوبر 1551 11 8
Penance 14 15 نوفمبر 1551 15 15
Extreme Unction 14 4 نوفمبر 1551 4 3
عبادات: تصوير رفات القديسون 25 4 ديسمبر 1563 لا يوجد 3
Indulgences 25 4 ديسمبر 1563 لا يوجد 1

انظر أيضاً

  • مناهضة الإصلاح
  • Nicolas Psaume، أسقف ڤردان

الهامش

وصلات خارجية

  • Article on the Council from the Catholic Encyclopedia
  • The text of the Council of Trent translated by J. Waterworth, 1848


 This article incorporates text from a publication now in the public domain: Jackson, Samuel Macauley, ed. (1914). "". New Schaff-Herzog Encyclopedia of Religious Knowledge (third ed.). London and New York: Funk and Wagnalls.نطقب:Tridentine Latin Mass

تاريخ النشر: 2020-06-09 06:22:20
التصنيفات: Wikipedia articles incorporating a citation from the Schaff-Herzog with no title parameter, Wikipedia articles incorporating text from the Schaff-Herzog, مجامع مسكونية, مجمع ترنت, مناهضة الإصلاح, مناهضة الپروتستانتية, تأسيسات 1545, انحلالات 1563, القرن 16 في إيطاليا, صفحات تستعمل قالبا ببيانات مكررة, Articles containing non-English-language text

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

مدن الشمال في الصدارة…مقاييس أمطار الخير في 24 ساعة الماضية

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-16 15:19:01
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 52%

تدريبات بدنية للاعبي الأهلي وكولر يعيد مران الفترتين مرة أخرى

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-11-16 15:19:05
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 49%

شكراً لمنتخب السلة

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-16 15:18:37
مستوى الصحة: 81% الأهمية: 90%

"مجموعة تداول السعودية" تنضم إلى 3 مؤشرات تابعة لـ"فوتسي راسل"

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-16 15:18:31
مستوى الصحة: 90% الأهمية: 94%

انتظام عمل عدة إدارات برئاسة مجلس الوزراء بالعاصمة الإدارية الجديدة

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-16 15:19:19
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 57%

عندما يكتمل القمر

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-16 15:18:39
مستوى الصحة: 86% الأهمية: 87%

الجيش الليبي: مقتل 7 عناصر من داعش في عملية عسكرية

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-16 15:18:19
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 98%

«المرأة الفاضلة».. يوم روحي للمصريات والسودانيات بالكنيسة الأسقفية

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-16 15:19:22
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 69%

في ختام استعداداته للمونديال.. المنتخب السعودي يخسر أمام كرواتيا

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-16 15:18:41
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 88%

استدعاء مدافع شباب الأهلي إلى معسكر بلجيكا

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-16 15:18:26
مستوى الصحة: 95% الأهمية: 94%

هيئة الدواء تشارك في «الاستخدام الرشيد لمضادات الميكروبات» خلال COP 27

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-16 15:19:18
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 58%

إيقاف ليفاندوفسكي 3 مباريات بسبب "إيماءة تجاه الحكم"

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-16 15:18:35
مستوى الصحة: 90% الأهمية: 97%

متى تزول هذه المتناقضات..؟!

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-16 15:18:33
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 96%

تحميل تطبيق المنصة العربية