عبد العظيم حماد (1950)، محرر صحفي مصري بارز، وشغل عدة مناصب صحفية مرموقة على مدار تاريخه المهني، وهورئيس تحرير جريدة الأهرام المصرية منعشرة مارس 2011.

حياته

ولد عام 1950، وحصل على بكالوريوس العلوم السياسية من جامعة القاهرة، وعمل كمحرر ومعلق سياسي منذ عام 1973، سواء في الإذاعة والتليفزيون أوفي مجلة أكتوبر أوفي جريدة الأهرام، وكان مديرا لتحرير الأهرام الدولي في أوروبا ، وكبيرا لمراسلي الأهرام في منطقة وسط أوروبا، وله مؤلفات وأبحاث وكتابان مترجمان ودراسات دولية متنوعة. وكان رئيس تحرير جريدة الشروق المصرية.

الثورة التائهة: صراع الخوذة واللحية والميدان

شهادة خطيرة من مطبخ الدولة الشائخة عن مبارك وضحاياه المنسيين ... في كتابه المهم (الثورة التائهة: صراع الخوذة واللحية والميدان) يروي المحرر الكبير عبد العظيم حماد رئيس تحرير صحيفة (الأهرام) السابق، تفاصيل مهمة عن كيفية تعامل القوات المسلحة مع كارثة غرق أكثر من ألف ومائة مصري في مياه البحر الأحمر، حين غرقت في فبراير 2006 عَبّارة (السلام 97) التي كان يملكها رجل الأعمال ممدوح اسماعيل المقرب من حسني مبارك وزكريا عزمي. كانت بشاعة الكارثة قد دفعت عددا من الأصوات في الصحف ولأول مرة إلى توجيه أسئلة حول تقاعس القوات البحرية في التعامل مع الكارثة مما زاد من عدد الضحايا، ولكي يتم تحجيم الموضوع قبل حتى يبهوق إعلامياً ويُهيِّج غضب أهالي الضحايا، تم تشكيل لجنة تقصي حقائق كان من البديهي حتى يرأسها النائب حمدي الطحان رئيس لجنة النقل والمواصلات وقتها، والذي كان منتخباً عن الحزب الوطني، وربما لذلك لم يأخذ المسئولون "خوانة" فاطمأنوا إلى حتى لجنة تقصي الحقائق ستمارس دور تلك اللجان المعتاد في "تخصي" الحقائق، خاصة وأن اللجنة كانت تضم من بين أعضائها رجل الأعمال محمد أبوالعينين الذي تم اختياره متحدثا باسم اللجنة، لضمان سيطرة الحزب الوطني على جميع ما يخرج منها، قبل حتى يفاجأ المسئولون بالموقف التاريخي المحترم الذي اتخذه النائب حمدي الطحان حين قام بتأدية واجبه كاملاً في تقصي حقيقة ما وقع لضحايا العبارة الغارقة.

في كتابه يروي الأستاذ عبد العظيم حماد شهادة خطيرة من النائب حمدي الطحان عن لقاءات لجنة تقصي الحقائق بمسئولي القوات المسلحة خلال إعدادها للتقرير الذي كان الرأي العام ينتظره بشغف، حيث جرى اللقاء الأول يوم 16 فبراير 2006 وضم حمدي الطحان ومحمد أبوالعينين والنائب أمين راضي كممثلين للجنة، أما ممثلوالقوات المسلحة الذين حضروا اللقاء فقد كانوا كلا من "اللواء مصطفى السيد رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة وقتها ومحافظ أسوان بعد الثورة واللواء مختار السعيد رئيس مركز البحث والإنقاذ بالقوات المسلحة آنذاك، واللواء ممدوح شاهين رئيس فرع المؤسسات الدستورية والسياسية بالأمانة العامة لوزارة الدفاع وقتها، وشخص غير محدد الهوية يرتدي الملابس المدنية".

كانت البداية ساخنة جدا على عكس ما تسقط الجميع، حيث يروي الطحان حتى اللواء السعيد نطق حتى الحادث سقط في منطقة لا تشكل جزءا من منطقة البحث والإنقاذ الواقعة في دائرة اختصاص القوات المسلحة، فرد عليه الطحان بشكل قانوني قائلا له حتى مصر وقّعت على اتفاقيتين دوليتين يلزمانها بألاقد يكون البحث ضمن حدود المياه الإقليمية فقط، وعندما أسقط في يد اللواء السعيد من الناحية القانونية إذا به يرد على الطحان بحجة أخرى، وهي حتى الإدارة تتلقى مئات الإشارات المستغيثة للبحث والإنقاذ، ولا يمكن تلبيتها جميعا، ونطق بالعامية بسخرية واضحة "هوجميع ما تيجي إشارة نطلع؟"، فرد الطحان "ياسيادة اللواء أنت ضابط فهل ما تقوله معقول؟"، فرد بعدوانية واضحة "يعني إيه ضابط؟"، فقلت "بلاش ضابط أنتم جيش"، فنطق بدرجة عدوانية أعلى "عهدني يعني إيه جيش"، فقلت متمالكا أعصابي "إن البلد تنفق على الجيش لغرض واحد هوالدفاع عن أمنها وأرواح أبنائها وإذا لم يقم الجيش بهذا الواجب فلا داعي إذن لوجوده"، ليحتدم الموقف ويتدخل اللواء مصطفى السيد مقترحا استراحة قصيرة لشرب القهوة.

بعد الاستراحة تم استنادىء وفد اللجنة للقاء بالمشير طنطاوي في مخطه، ليدخل عليهم بعد ربع ساعة مشدودا ومتجهما، مما يوحي أنه كان يتابع اللقاء من مخطه، ليفاجأ الجميع به يبادر الطحان بقوله "القوات المسلحة لا تُسئل ولا يُحقق معها، القوات المسلحة فوق المساءلة وفوق التحقيق، هي تحمي الشرعية ولا يؤتى بسيرتها حتى في مجلس الشعب"، ردا على ما نطقه الطحان في مجلس الشعب من حتى القوات المسلحة لم يكن لها أثر في اليوم التالي لوقوع الحادث، وكان المشير يتسقط حتى يسكت الطحان بعد كلامه، لكنه فوجئ به يرد عليه بهدوء شديد، قائلا أنه لم يكن يوجه اتهامات بل كان يسأل عن وقائع محددة حول تأخر القوات المسلحة في تلبية نداءات الإستغاثة، فرد المشير قائلا حتى أحدا لم يبلغ القوات المسلحة، لكن رده كان مرتبكا هذه المرة مما جعل الطحان يقول في شهادته لعبد العظيم حماد أنه استوعب حين ذاك حتى المشير ليس بالحزم والصرامة الذين حاول حتى يظهر عليهما.

إدراك الطحان جعله فيما يظهر لا يكتفي بما نطقه المشير، بل يستغل فرصة لقاءته به ليثير نقطة أخرى في غاية الأهمية والأسى، وهي حتى حادث غرق العبارة سقط يوم الجمعة، ومع ذلك فحتى صباح الأربعاء لم يكلف أحد خاطره بإرسال سيارات ثلاجة لنقل جثث الضحايا، مما دفع الطحان إلى الإتصال بزكريا عزمي رئيس ديوان حسني مبارك "ليحث الجهات المسئولة على إرسال عشر سيارات نقل بثلاجات لنقل جثامين الضحايا إلى ذويهم لدفنها بدلا من هجرها مرصوصة في العراء، مما يفوق طاقة الإحتمال البشري، وبما يضاعف آلام الأسر والأقارب، وأنه بادر إلى الإتصال بمحافظ البحر الأحمر مطالبا إياه بالطلب نفسه، لكن المحافظ تعلل بأن محافظته لا تملك هذا النوع من السيارات، فنطق له: استأجرها يا أخي، ولكن لا رئيس الديوان ولا المحافظ عملا شيئا، فأين كانت إذن القوات المسلحة وأنا أفهم حتى لديها عددا كبيرا من هذه السيارات. وهنا مرة أخرى نطق المشير: لم يعطنا أحد خبر ولم يطلب منا أحد شيئا"، والغريب أنه بدلا من حتى يستغل المشير هذه الفرصة لبحث كيف من الممكن أن يمكن تفادي ما وقع من تقصير، قرر كما يروي لنا عبد العظيم حماد حتى يلجأ إلى الطريق الأسهل من وجهة نظره وهوالبحث عن وجود دوافع خفية لدى الطحان تجعله يثير جميع هذه الأسئلة، "فإذا به يغير مجرى الحديث ويسأل الطحان: لما تتخذ موقفا عدائيا من القوات المسلحة،يا ترى؟ وكان من السهل على الطحان دحض هذه التهمة لأنه خدم ضابطا احتياطيا وكان من خريجي دفعة 1968 من كلية ضباط الإحتياط، ليستعيد الطحان الزمام قائلا: جميع ما نطلبه هوتقرير رسمي منكم يثبت هذه الحقائق حتى نحاسب المقصرين الذين لم يبلغوكم".

فيما بعد أوفدت القوات المسلحة التقرير بالعمل، لكنه كما يقول عبد العظيم حماد في كتابه: " كان مغلوطا ومغالطا ومع ذلك فقد كان بالغ الاهمية والفائدة، لأنه ادعى حتى مركز البحث والإغاثة التابع للقوات المسلحة لم يتلق أية إشارات حول الحادث، لا هوولا أية جهة تابعة للقوات المسلحة، وهوما ثبت حتى كله مخالف للحقيقة، فهذا المركز وحده تلقى خمس إشارات، لأن نظام الإنذار المطبق به يعمل أوتوماتيكيا، والأدهى حتى جهاز الإستقبال في المركز أغلق بعمل فاعل بعد الإشارة الخامسة. أما المحزن فهوحتى القوات المسلحة لديها مركز آخر تكلف إنشاؤه بمعونة أمريكية 100 مليون دولار تحت مسمى جهاز مراقبة الشواطئ والسفن، لخدمة الملاحة العالمية بين البحرين المتوسط والأحمر والتي تحمل جميع عام حوالي 17 ألف سفينة، وكان هذا المركز تسلم قبل حادث العبارة سبعة لنشات إنقاذ سريعة ذاتية الإعتدال، أي أنها تعود إلى وضعها السليم ذاتيا إذا تعرضت لأي حادث يجعلها تنقلب في أثناء إبحارها، ولكن هذه اللنشات مثلها مثل غيرها من معدات الإنقاذ الجوي والبحري ظلت واقفة في أماكنها والمصريون الفقراء يصارعون الامواج طوال يومين كاملين حتى لقوا وجه ربهم ليشكوا إليه ظلم حكامهم وقادتهم العسكريين.

وبمجرد الخروج من مبنى وزارة الدفاع تطوع رجل الأعمال محمد أبوالعينين بتصريح لم يستأذن فيه الطحان بصفته رئيس اللجنة كما تجاوز الإتفاق بينهما، حيث نطق بأن محطة الإستغاثة الدولية التابعة لهيئة اللويدز في الجزائر لم تبعث إلى مصر بإشارة الإستغاثة، وأن مصر يفترض أن تحاسب الجزائر على هذا التقصير، وعلى الفور بعث السفير الجزائري في القاهرة إلى جميع الجهات المعنية بخطاب رسمي موثق يفيد تلقي سفارته عدد 16 استغاثة من الجزائر، وأن جميع هذه الإشارات أوفدت إلى الجهات المصرية المعنية، وبهذه الرسالة يبلغ عدد الإشارات المرسلة من السفارة الجزائرية بالقاهرة 17 إشارة".

لكن ما التفسير الذي يجعل قادة القوات المسلحة يتجاهلون جميع هذه الإشارات الموثقة والتي كان يمكن حتى تنقذ الكثير من الركاب الذين ظلوا يصارعون الأمواج لساعات، يسأل عبد العظيم حماد جميع المختصين والمعنيين، فلا يجد إجابة مقنعة غير الإجابة التالية: "تقول الروايات الرائجة حتى القواعد التي وضعها مبارك استلهاما من القذافي لتأمين النظام من الانقلابات العسكرية كانت هي السبب في عدم قيام القوات المسلحة بدورها في إنقاذ ركاب العبارة، وقد ألمح إلى هذه القواعد الدكتور مصطفى الفقي في برنامجه التليفزيوني (سنوات الفرص الضائعة) قائلا حتى سلاح الجيش المصري في مكان وذخيرته في مكان آخر والوقود في مكان ثالث، ولا بد من قرار من القائد العام شخصيا للجمع بين الثلاثة للقيام بأي مهمة، ولما كان حادث العبارة قد سقط بعد منتصف الليل فلم يجرؤ أحد على إيقاظ القائد العام وقائده الأعلى". ... مقتطفات من ثلاثة منطقات بعنوان (شهادة من مطبخ الدولة الشائخة) نشرها بلال فضل على مسقط مدى مصر بتاريخ نوفمبر 2014.

المصادر