المرأة في القرآن

عودة للموسوعة

المرأة في القرآن

لقد عرض القرآن الكثير من شؤون المرأة في أكثر من عشر سور منها سورتان عهدت إحداهما بسورة النساء الكبرى وهي سورة النساء , والأخرى عهدت بسورة النساء الصغرى وهي سورة الطلاق . وعرض لهما في سورة البقرة والمائدة والنور والأحزاب والمجادلة والممتحنة والتحريم . وقد دلت هذه العناية على المكانة التي ينبغي حتى توضع فيها المرأة في نظر الإسلام وأنها مكانة لم تحظ المرأة بها لا في شرع سماوي سابق ولا في قوانين بشرية تواضع عليها الناس فيما بينهم . وعلى الرغم من هذا فقد كثر كلام الناس حول وضع المرأة في الإسلام وزعموا حتى الإسلام اهتضم حقها واسقط منزلتها وجعلها متاعاً في يد الرجل يزعمون هذا والله تعالى هوالذي يقول في القرآن : Ra bracket.png وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إ Aya-228.png La bracket.png. ولووقفنا وقفة المتأمل عند هذا التعبير الإلهي وهوقوله تعالى :{ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ النساء، لعهدنا كيف من الممكن أن سما القرآن بالمرأة حتى جعلها بعضاً من الرجل وكيف حد من طغيان الرجل فجعله بعضاً من المرأة.

وإذا كانت المرأة مسؤولة مسؤولية خاصة فيما يختص بعبادتها فهي في نظر الإسلام أيضاً مسؤولة مسؤولية عامة فيما يختص بالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والإرشاد إلى الفضائل والتحذير من الرذائل . وقد صرح القرآن بمسؤوليتها في ذلك الجانب وقرن بينها وبين أخيها الرجل في تلك المسؤولية فنطق تعالى : Ra bracket.png مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ Aya-17.png La bracket.png. ولم يقف الإسلام عند حد اشتراكها مع أخيها الرجل في المسؤوليات بل حمل من شأنها وقرر احترام رأيها شأنها في ذلك شأن الرجل وإذا كان الإسلام اتى باختيار بعض آراء الرجال فقد اتى باختيار رأي بعض النساء . فقد بدأت سورة المجادلة بأربع آيات نزلت في حادثة بين أوس بن الصامت وزوجته خولة بنت ثعلبة حيث كان شيخا كبيرا فدخل عليها يوما فراجعته بشيء فغضب فنطق : أنت علي كظهر أمي ـ وكان الرجل إذا نطق لزوجته ذلك في الجاهلية حرمت عليه ـ ثم نادىها فأبت ونطقت كلا والذي نفس خولة بيده لا تخلص إلي وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه. ثم خرجت حتى اتىت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست بين يديه فذكرت له ما لقيت . فنطق عليه الصلاة والسلام : ما أمرت في شأنك بشيء حتى الآن وما أراك إلا وقد حرمت عليه . فنطقت ما ذكر طلاقاً يا رسول الله ،يا ترى؟ وأخذت تجادله عليه الصلاة والسلام وتكرر عليه القول إلى حتى نطقت : إذا لي صبية صغار إذا ضممتهم إليه ضاعوا وإن ضمهم إلي جاعوا وجعلت تحمل رأسها نحوالسماء وتقول : اللهم إنني أشكوإليك اللهم فأنزل على لسان نبيك وما برحت حتى هبط قوله تعالى : Ra bracket.png قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ Aya-1.png La bracket.png. نزلت الآيات تبين حتى الظهارـ وهوتشبيه الزوجة بالأم أوغيرها من المحارم ـ ليس طلاقاً ولا موجباً للفرقة بين الزوجين . فانظر كيف من الممكن أن حمل الله شأن المرأة وكيف احترم رأيها وجعلها مجادلة ومحاورة للرسول صلى الله عليه وسلم وجمعها وإياه في خطاب واحد { وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا . وكيف قرر رأيها وجعله تشريعاً عاماً خالداً لنفهم حتى آيات الظهار وأحكامه في القرآن الكريم وأن سورة المجادلة لم تكن إلا أثراً من آثار الفكر النسائي . وصفحة إلهية خالدة نلمح فيها على مر الدهور احترام الإسلام للمرأة ورأيها وأن الإسلام لا يرى المرأة مجرد زهرة ينعم الرجل بشم رائحتها وإنما هي مخلوق عاقل مفكر له رأيه ولرأيه وزن وقيمة. القرآن الكريم جعل للمرأة جميع تكريم وعز فعاشت ماضيها البعيد محرومة من كرامتها، وفي ظل الإسلام وجدت رعاية التكريم وعناية التعظيم، وجدت قضيتها حكم فيها خالقها ولا حكم بعده، فنطق تعالى:Ra bracket.png يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا Aya-1.png La bracket.png.

إحصاءات ودلالات على المرأة في القرآن الكريم

يشكل حضور المرأة في القرآن الكريم أحد أبرز المؤشرات على قيمتها وأهميتها في كتاب الله العزيز، وأقصد بالحضور هنا الحضور المصطلحي والمفاهيمي خاصة، حيث تحضر المرأة فيه من خلال مجموعة من الألفاظ والمصطلحات الدالة عليها، من جهة، ومن خلال نسق من المفاهيم التي ترتبط بموضوعاتها من جهة ثانية، وفضلا عن ذلك نستطيع تمييز سور بأكملها خصصت حيزا مهما منها لمعالجة قضايا المرأة.

على حتى أكبر حضور للمرأة نستطيع تلمسه بالأرقام والدلالات من خلال الألفاظ الدالة على المرأة، كالنساء، والمرأة، والأنثى، والأم، والوالدة، والزوج، والأهل، والحليلة، والصاحبة، والأخت، والبنت. وذلك ما سنحاول استكشافه في ما يلي:

1. النساء يرد لفظ النساء في القرآن الكريم بهذه الصيغة، وبصيغة المفرد: (امرأة)، والمثنى: (امرأتان)، والجمع: (نسوة)، خمسة وثمانين مرة. وبنظرة أولية إلى موارد هذه الألفاظ، يلاحظ: حتى لفظ (نساء) يأتي ذكره في القرآن المدني أكثر، ولفظ (امرأة) يأتي في القرآن المكي أكثر. إذ كثر استعمال الأول في سياق التشريعات الأسرية والاجتماعية، بينما غلب على الثاني استعماله في سياق القصص القرآني.

أما لفظ "نساء" فقد ورد بصيغ مختلفة: نساء، النساء، نسائك، نسائكم، نسائهم، نساء النبي. وهذه الصيغ منها ما تعلق بأحكام تشرع لعلاقة الرجل مع المرأة في أوضاع معينة، كالزنا والتعدد والقوامة. ومنها ما ارتبط بأحكام الأسرة عموما، كالزواج والخطبة والطلاق والظهار والإيلاء والإرث. ومنها ما تعلق بأحكام تشهجر فيها المرأة مع سائر أفراد الأمة، كالكسب والعمل والجهاد والهجرة. أما باقي الموارد فهي مرتبطة بقصص بعض الأنبياء، كسيرة فرعون مع أتباع موسى وتذبيحه الأبناء منهم واستحيائه النساء، وسيرة قوم لوط الذين كانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء، وسيرة مريم التي اصطفاها الله عز وجل على نساء العالمين، ثم سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مع وفد النصارى الذين حاجوه في مولد عيسى عليه السلام فنادىهم للمباهلة.

وأما لفظ "امرأة" فقد استخدم في أغلب موارده مضافا إلى الرجل، سواء أذكر باسمه أوبكناية الضمير عليه، كامرأة لوط وامرأة عمران وامرأة فرعون...ولم يرد منفصلا عن الإضافة إلا في ست مواضع. والمرأة في جميع هذه المواضع تمثل نماذج معينة من النساء مرت في التاريخ، وسيقت للاعتبار.

وأما صيغة المثنى "امرأتان" والجمع "نسوة"، فقد وردت جميع واحدة منهما مرتين، ثلاث منها مرتبطة بقصص الأنبياء، وواحدة تتعلق بموضوع الشهادة في آية الدين.

يتبين إذن، من خلال هذه النظرة العامة: مركزية مفهوم "النساء" داخل نسق المفاهيم التشريعية المنظمة للعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المجتمع، كما تتبين أهمية "المرأة" كنموذجا يسهم في بناء تصور سلوكي وعقدي سليم لدى الإنسان عموما، ولدى المرأة على وجه الخصوص.

2. الأنثى، ورد هذا اللفظ في القرآن الكريم بصيغ الإفراد (أنثى)، والمثنى(أنثيين)، والجمع (إناث)، ثلاثين مرة أغلبها في سور مكية. فما اتى منها في السور المكية ارتبط بمسألة الخلق: خلق الكائنات جميعا من ذكر وأنثى بما في ذلك الإنسان, وبمسألة العمل والجزاء، والتسوية بين الذكر والأنثى فيهما، ثم بموقف العرب قبل الإسلام من الأنثى. أما ما اتى من اللفظ في السور المدنية ـ وهوقليل ـ فقد اتى في سياق بعض التشريعات المتعلقة بالإرث والقصاص، هذا فضلا عن الآيات التي عالجت بعض المسائل ذات الارتباط بهذه القضايا، كفهم الله المطلق بما تحمل جميع أنثى، وإرجاع تحديد جنس المولود إلى مشيئته عز وجل.

والملاحظ عموما حتى أغلب استعمالات القرآن الكريم لهذا اللفظ تنأى به عن معناه اللغوي الذي حصره في الجنس اللقاء للذكر، المتميز بصفة اللين، لتربطه بعوالم أوسع. وإذا كانت الدلالة اللغوية هجرز على التقابل بين الذكر والأنثى بما يوحي بنوع من التضاد، فإن أغلب الاستعمالات القرآنية للفظ تؤكد على التوحد والتكامل بينهما، سواء على مستوى الخلق أوعلى مستوى العمل والجزاء. وما سوى ذلك من تمايز وفرق فإنه يعود إلى اعتبارات تتعلق بطبيعة التكوين الخلقي.

3. الأم والوالدة، عُبر عن مفهوم الأمومة في القرآن الكريم تارة بلفظ "الأم" وهوالأكثر حيث ورد ثمانا وعشرين مرة، وتارة بلفظ "الوالدة" وهوقليل حيث ورد خمس مرات فقط، واللافت للنظر هوحتى لفظ الأم بصيغتي المفرد والجمع (أم وأمهات) لا يرد في القرآن إلا مضافا: (أمي، أمه، أمهاتكم، أمهاتهم...). ولأن لفظ "الأم" أعم من لفظ "الوالدة" كان الأكثر استعمالا في القرآن الكريم حيث ذكر في سياقات مختلفة: منها سيرة موسى وسيرة عيسى عليهما السلام، كما ورد ذكره في حديث القرآن عن مراحل خلق الإنسان، وفي حديثه عن حمل الأم ومشقته ومدته، وذلك في سياق الحث على خلق الإحسان إلى الوالدين، ثم في حديثه عن طبيعة العلاقة بين الإنسان وأمه وسائر أفراد أسرته يوم القيامة. كما يأتي ذكر الأم ـ بصيغة الجمع على الخصوص ـ في مواطن ذكر بعض التشريعات كذكر المحرمات من النساء في الزواج (ومنهن الأمهات، وأمهات الزوجات، والأمهات من الرضاعة...) وذكر حكم الظهار، وبيان حصة الأم من الإرث طالما وجود الابن أوعدم وجوده. ثم يأتي اللفظ في سياق تحديد صفات زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بالنسبة للمسلمين واعتبارهن أمهات لهم بما يكفل لهن تلك الخصوصية وذلك التشريف المناسب لوضعهن.

وبذلكقد يكون مفهوم "الأم" شاملا لصفات: المرأة الحبلى، والسقمعة، والقائمة على رعاية الولد، وتلكم التي كبرت واستحقت الإحسان. وبذلك تكون صفة الأم صفة ملازمة للمرأة من حين حملها لولدها إلى حتى تصبح هي في مقام بحاجة فيه إلى الرعاية والإحسان.

4. الزوج، ورد في القرآن الكريم لفظ ""الزوج"" مفردا والمثنى منه ""الزوجين"" والجمع ""الأزواج"" إحدى وثمانين مرة. وفي أكثر من نصف هذه الموارد، أي تسع وأربعين مرة ، يأتي للدلالة على المرأة المتزوجة، ويأتي أحيانا للدلالة على الرجل والمرأة معا وذلك بصيغة الجمع (أزواج) وقد اتى ذلك ست مرات، بينما لم يرد للدلالة على الرجل إلا ثلاث مرات. وأود حتى أشير هنا إلى حتى القرآن الكريم لم يستعمل قط لفظ الزوجة المستعمل عادة للدلالة على المرأة المتزوجة، بل هويستعمل لفظ ""الزوج"" للدلالة على المرأة والرجل معا وهوالأفصح والأصح في اللغة. وفي لقاء هذه المعاني يأتي لفظ الزوج بصيغه المتنوعة بمعنى الصنف والنوع واللون سواء تعلق الأمر بنوع الإنسان: الذكر والأنثى، أوبنوع النبات والحيوان. أما الصيغ العملية من عمل (زوّج) فقد وردت خمس مرات، واتى عمل التزويج في جلها منسوبا إلى الله عز وجل.

وبالتأمل في هذه الموارد جميعا يمكن حتى نستنتج حتى الدلالة العامة للفظ الزوج بمختلف صيغه لا تكاد تخرج عن معنى الصنف والنوع، ثم يتفرع ذلك المعنى ليضم: النوع الإنساني، أي المرأة والرجل، ثم النوع غير الإنساني، أي الحيوان والنبات وسائر الكائنات، وهذا يؤكد إلى حد ما ما ذكرناه سابقا في مفهوم الأنثى الذي يشير على النوع المكمل للإنسان، ولذلك يأتي ذكرها في الغالب مقرونا بالنوع اللقاء لها: الذكر.

إلا حتى أبرز ما يميز مفهوم الزوج: هوالتأكيد - من خلال هذه الصيغة على معنى الاقتران- وهوالأصل الدلالي للحدثة – ومعنى اللقاءة الدالة على التكامل، حيث لا يمكن حتى نذكر ""الزوج"" إلا ويتبادر إلى أذهاننا وجود لقاء له، ومقترن به، وأما ورود لفظ الزوج بصيغة المثنى والجمع فهوتأكيد على معنى الزوجية والثنائية.

ومما يميز لفظ الزوج أيضا دلالته على الوحدة والمساواة بين النوعين، فالمرأة والرجل معا يؤولان إلى جنس الإنسان، لكن المثير في هذا المعنى أنه ينطوي على تنوع داخل هذا الجنس، وهوالتنوع المؤدي إلى التقابل، والمستلزم للتكامل، بحيث لا تستقيم حياة الجنسين معا إلا بهذا التكامل، فلا يستقيم وجود زوج إلا بوجود زوجه. وهذا الأمر لا يقتصر على جنسي الإنسان فحسب، بل يضم سائر الأنواع والمخلوقات.

وإذا تبين هذا، فهمنا حتى المرأة / الزوج ما هي إلا جزء من الأجزاء المكوّنة للوجود الإنساني، والمتناغمة مع الوجود الكوني عامة. وهي مع ذلك جزء لا يستقيم الوجود الإنساني ولا تكتمل صورة الوجود الكوني بدونه. والظاهر حتى دلالة لفظ الزوج على المرأة هي الغالبة على استعمال لفظ الزوج في القرآن، وداخل هذا المعنى العام يمكن حتى نميز بين مجالات مختلفة تحدث فيها القرآن عن المرأة الزوج:

  • فاتى حديثه عن قضية الخلق: خلق المرأة الأولى (حواء) من آدم عليه السلام، ثم خلق المرأة (الأنثى) من نطفة الرجل.
  • ثم تحدث القرآن الكريم عن الزوج ضمن سيرة آدم مع الشيطان ــــ وهي من أبرز القصص المحددة لطبيعة المرأة في القرآن.
  • وتحدث عن الأزواج، في سياق قصصي، لكل سيرة منها دلالة ومغزى.
  • ثم اتى حديث القرآن عن المرأة / الزوج، في موارد كثيرة ضمن سياق تشريعي، باعتبارها جزءا من الأسرة وقسيما للرجل تربطها به علاقات متشابكة تؤول جميعها إلى رابطة الزوجية، ليس الزوجية الكلية العامة التي تجمع المخلوقات جميعا، بل الزوجية التوافقية الناتجة عن عقد الزواج القائم على الرضا والقبول. وكما عالج القرآن الكريم قضايا الزواج، عالج بنفس المنهج قضايا الطلاق وغيره من الحالات التي تنفك فيها عُرى رابطة الزوجية بسبب الخلاف بين الزوجين كالظهار والإيلاء واللعان. بل وكذلك الحالات التي تنفك فيها هذه العرى بسبب الموت أوبسبب اختلاف الدين والعقيدة. هذا إلى جانب قضايا وأحكام أخر، فضلا عن توجيهات عامة تعين على التمكين لعلاقة الزوجية وترسيخها على أسس سليمة.

والملاحظ حتى أغلب موارد مفهوم الزوج في هذا القسم المتعلق بالتشريعات والأحكام، تتعلق بالزواج وما يضادّه من افتراق سواء أكان إراديا أوغير إرادي، كما أننا يمكن حتى نميز في هذه التشريعات بين ما اتى خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم وأزقابل، وما اتى عاما له ولأمته. وتجدر الإشارة إلى حتى القرآن الكريم لا يستعمل لفظ ""الزواج""، وإنما ورد فيه عمل ""التزويج"" ( زوّجناكم ـــ نزوّجهم ـــ زُوّجت ) من زوّج يُزوّج بمعنى قرن وجمع بين زوجين، ومصدر العمل زوّج هو""التزويج"" وهوالأصح في الدلالة على ما نقصده عادة بلفظ ""الزواج""، إلا حتى هذا اللفظ شاع استعماله أكثر. ويستعمل القرآن لفظ ""النكاح"" للدلالة على(الزواج) فيقصد به أحيانا الوطء وأحيانا العقد، على خلاف بين اللغويين والمفسّرين.

  • ثم يأتي حديث القرآن عن الزوج في الآخرة حيث يبيّن مآلها يوم القيامة من خلال صورتين: الأولى: تكون فيها زوجا للرجل المؤمن من أهل الجنة، والثانية: تكون فيها مع زوجها غير المؤمن تَصلى معه نفس العذاب ــــ وهذا فيه إشارة إلى معنى الاقتران الذي يشير عليه لفظ الزوج في اللغة.

5. الأهل، إذا تتبعنا لفظ "" الأهل"" في القرآن الكريم، وجدناه كثير الورود، فهوعموما يرد 127 مرة، لكن ما يقرب من نصف هذه الموارد اتى اللفظ فيه مضافا إلى غير الرجل؛ أي إلى ديانة أوبلد (أهل الكتاب وأهل الإنجيل وأهل القرية وأهل البيت). وما يزيد على نصف هذه الموارد، أي في ثلاث وسبعين موضعا، اتى لفظ الأهل للدلالة على الأسرة أحيانا، وعلى المرأة خاصة أحيانا أخرى. لكن وروده بمعنى الأسرة أكثر. وإذا كان الغالب على لفظ الأهل حتى يضاف إلى الرجل، فإننا نجده في موضع واحد يضاف إلى النساء في قوله تعالى من سورة النساء:{فانكحوهن بإذن أهلهن . الذي اتى في سياق الحديث عن الزواج بغير الحرائر من النساء. فدل الأهل بالنسبة للمرأة على مولاها الذي هووليها في الزواج. وسمي مولاها (أهلا) لها لما يجمعهما من صلة الموالاة. وإذا نظرنا في المعنى الأول الذي يأتي فيه اللفظ للدلالة على أسرة الرجل عموما، نجد حتى القرآن الكريم يحدد سمات هذه الأسرة في عنصرين أساسيين هما: النسب والدين. أما العنصر الأول فهوثابت لا يتغير، لأنه يشكل قوام الأسرة، ويحدد العنصر البشري المكون لها، إذا النسب هوما يحدد لنا أفراد الأسرة من أبناء وحفدة وإخوة وأعمام... إلى أخر التشعبات والامتدادات التي تتجه صعودا ونزولا.

وأما العنصر الثاني وهوالدين، فهومتغير، مع أنه يشكل القوام الروحي للأسرة، وهومتغير نظرا لخاصية الاختيار والحرية التي خص الله عز وجل بها الإنسان اتجاه الدين، فكثيرا ما نجد أهل الرجل ــــ أي أسرته ــــ يجمعه وإياهم النسب، ولا يجمعه وإياهم الدين والعقيدة.

ولحكمة بالغة جعل الله عز وجل ""الدين"" عنصرا متغيرا في بناء الأسرة، قد يحدث من تجلياتها: إجراء سنة التدافع التي لولاها لفسدت الأرض. ولعل في قصص بعض الأنبياء التي وردت في القرآن الكريم وورد فيها لفظ ""الأهل"" ما يؤكد هذا الأمر، كسيرة نوح مع ابنه.

ولهذا كان المجال الذي ورد فيه لفظ الأهل بمعنى الأسرة في القرآن الكريم، في الغالب، مجال قصص الأنبياء، ونجد هذه الآيات في السور التي ساقت هذه القصص: كسورة يوسف، وهود، والنمل والأنبياء والقصص والصافات وطه والشعراء.

6. الصاحبة، يرد هذا اللفظ في القرآن الكريم أربع مرات، يشير فيها على المرأة الزوج، لكن المميز لهذه الموارد أنها استخدمت في مجال عقدي، فتارة تأتي في سياق نفي المماثلة بين الله عز وجل وخلقه حيث نفى عن نفسه اتخاذ الزوج والأولاد Ra bracket.png بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ Aya-101.png La bracket.png، وتارة تأتي في سياق وصف هول يوم القيامة حيث Ra bracket.png وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ Aya-36.png La bracket.png. واستعمال لفظ الصاحبة هنا للدلالة على الزوج له ما يبرره، لأنه أكثر الألفاظ دلالة على الملازمة بين الزوجين ولذلك كانت الصحبة أبلغ من الاجتماع، لأنها تقتضي طولا في مدة الملازمة أكثر مما يقتضيه الاجتماع. ولهذا استخدمه القرآن الكريم للدلالة على هول يوم القيامة حيث تنفك عرى الزوجية ويذهل جميع زوج عن زوجه رغم ما كان يجمعهما من ملازمة دائمة، كما استخدم القرآن هذا اللفظ بالذات لتنزيه الله عز وجل عن اتخاذ الزوج الذي يعد سمة للطبيعة الإنسانية.

7. الحليلة، اتى هذا اللفظ في القرآن الكريم مرة واحدة في صيغة الجمع ( حلائل) للدلالة على المرأة في سياق ذكر المحرمات من النساء في الزواج: Ra bracket.png حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا Aya-23.png La bracket.png، والتعبير بالحليلة يحيل على معنى الحلال فالمرأة حلال الرجل بموجب الزوجية، وقد يحيل أيضا على معنى الحلول، إذ المرأة تحل مع الزوج في مكان واحد.

8. البنت، ورد لفظ البنت في القرآن الكريم، تسع عشرة مرة، مرة واحدة بصيغة الإفراد ومرة واحدة بصيغة التثنية وباقي الموارد بصيغة الجمع، وبالنظر في هذه الموارد نجد اللفظ حاضرا في مجالات ثلاثة: في مجال القصص القرآني، حيث يحضر في سيرة لوط وسيرة موسى، وسيرة مريم عليهم السلام، وفي مجال الأحكام العقدية، حيث ذكر لفظ البنات في لقاء البنين عند حديث القرآن عن بعض العقائد الفاسدة لدى المشركين كانادىء البنات والبنين لله سبحانه، وانادىؤهم حتى الملائكة بنات الله سبحانه، وأما في مجال الأحكام التشريعية، فقد ذكرت البنت ضمن تشريعات الزواج، حيث اعتبرت البنت من المحرمات في الزواج، والبنت بهذا المفهوم تطلق على الفرع من الرجل وإن نزل، أي على البنت وبنت البنت إلى غير ذلك، وذكرت في نفس السياق بنات الأخ، اللاتي يدخلن ضمن فروع الآباء. وبهذا يأتي لفظ البنت ليدل على مسقط للمرأة داخل الأسرة، فالبنت تمثل فروع الرجل، وفروع الآباء، وفروع الأجداد أيضا ( كبنات العمومة والخؤولة).

9. الأخت، يرد لفظ الأخت بصيغ الإفراد والتثنية والجمع، أربع عشرة مرة، ويستعمل غالبا للدلالة على المرأة المشاركة للرجل في النسب، واستخدم في موضعين للدلالة على المشاركة في الصفة كما في قوله عز وجل Ra bracket.png قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَـؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَ Aya-38.png La bracket.png، أما باقي الموارد فاتى جزء منها في مجال تشريعي، ضمن موضوعات الإرث، والزواج، والحجاب، وآداب الاستأذان. واتى جزء آخر في مجال القصص القرآني، ضمن قصتي مريم وموسى عليهما السلام.

تلك إذن ألفاظ دلت على المرأة في القرآن الكريم في أوضاع مختلفة: المرأة الأنثى والزوج والأم والوالدة والأخت والبنت، وهي تعكس جانبا من الحضور المميز للمرأة في القرآن الكريم.

المرأة والرجل

التكامل بين الرجل والمرأة

Ra bracket.png يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا Aya-1.png La bracket.png. لقد أراد الله حتى يلفتنا إلى قضية التكامل بين الرجل والمرأة، كقضية التكامل بين الليل والنهار. فلا يستطيع أحد ان يقول إذا الليل والنهار متعاندان بل هما متكاملان يكمل جميع منها الآخر. أيضا الرجل والمرأة خلقهما الله سبحانه وتعالى متكاملين وليسا متعاندين. الرجل له وظيفته في السعي على الرزق، ورعاية زوجته وأولاده، وتوفير مسببات الحياة لهم. والمرأة لها مهمتها في رعاية البيت وإنجاب الأولاد. وتكون سكنا للزوج عندما يعود إلى بيته متعبا من حركة الحياة، تستقبله بإبتسامة تمسح له شقاء اليوم ويجد جميع مايحتاجه في بيته معدا، ولذلك نطق الله تبارك وتعالى: Ra bracket.png وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ Aya-21.png La bracket.png.

كيد المرأة في القرآن

اتى وصف النساء بالكيد في ثلاث مواضع من القرآن الكريم، مرتين على لسان يوسف عليه السلام، ومرة على لسان العزيز في سورة يوسف: Ra bracket.png فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ Aya-28.png La bracket.png. والكيد صفة مذكورة في مواضع كثيرة من القرآن، بعضها منسوب إلى الإنسان وبعضها منسوب إلى الشيطان، ومن الرجال الذين نسبت اليهم صالحون مؤمنون، ومنهم كفرة مفسدون، بل وردت وصفا لله سبحانه وتعالى مع اللقاءة بين الكيد الالهى وكيد المخلوقات، وبغير لقاءة في آيات. ويدخل في الكيد صفات كثيرة تمدح وتذم، وتطلب وتمنع، تشهجر كلها في معاني التدبير والمعالجة والحيلة وقد يجمع الحميم والذميم منها قولهم: (الحرب مكيدة) لأنها تدبير ومعالجة وحيلة تتطلبها مواقف القتال، وقد تذم أحيانا في هذه المواقف، كما تذم في سواها. ويقول الزمخشري: "وعن بعض الفهماء: أنا أخاف من النساء أكثر مما أخاف من الشيطان؛ لأن الله تعالى يقول: (إن كيد الشيطـان كان ضعيفا) ونطق للنساء: (إن كيدكن عظيم)".ولا شك حتى كيد النساء عظيم، ولعل ذلك راجع إلى ضعفهن الجسدي، وقلة حيلتهن، مما يضطرهن إلى الكيد بشتى أنواعه، فيقع الرجال ضحايا لذلك الكيد.

مكانة المرأة في القرآن

مكانة المرأة في الحضارات القديمة

ربما كانت الحضارة المصرية القديمة هي الحضارة الوحيدة التى خولت المرأة "مركزا شرعيا" تعترف به الدولة والأمة، وتنال به حقوقا في الأسرة والمجتمع، تشبه حقوق الرجل فيها. أما الحضارات الاخرى فكل مانالته المرأة فيها من مكانة سقمية، فإنما كانت تناله بباعث من بواعث العاطفة على حاليها من حميد وذميم. وربما نالت المرأة حظا من الإهتمام بها في عصور الترف والبذخ، التى تنتهي إليها الحضارات الكبرى. وتناله لأنه مطلب من مطالب المتعة والوجاهة الإجتماعية، وقد نالت هذا الإهتمام في أوج الحضارة الرومانية مع بقائها قانونا وعهدا في منزلة تقارب منزلة الرقيق من وجهة الحقوق الشرعية والنظرة الأدبية. في حضارة مانوبالهند لم تكن تعهد للمرأة حقا مستقلا عن حق أبيها أوزوجها أوولدها في حالة وفاة الأب والزوج، فإذا انبتر هؤلاء جميعا وجب حتى تنتمي إلى رجل من أقارب زوجها في النسب ولن تستقل بنفسها في أي حال من الأحوال، ومقضي عليها حتى تموت يوم موت زوجها وأن تحرق معه على موقد واحد وقد دامت هذه العادة حتى القرن السابع عشر، وبطلت بعد ذلك على كره من أصحاب الشعائر الدينية. وممضى الرومان القدماء كذلك يشبه الهنود القدماء في الحكم على المرأة بالقصورحيث كانت لها علاقة بالآباء أوالأزواج أوالأبناء، وشعارهم الذي تداولوه إبان حضارتهم حتى قيد المرأة لاينزع، ونيرها لايخلع. على عكس الحضارة المصرية بإكرام المرأة وتخويلها حقوق شرعية قريبة من حقوق الرجل، فكان لها حتى تملك وأن ترث وأن تتولى امر اسرتها في غياب من يعولها.

مكانة المرأة في القرآن

اتى القرآن الكريم إلى هذه البلاد كما اتى إلى بلاد العالم كله بحقوق مشروعة للمرأة لم يسبق إليها في دستور شريعة أودستور دين. وأكرم من ذلك لها أنه حملها من المهانة إلى مكانة الإنسان المعدود من ذرية آدم وحواء، بريئة من رجس الشيطان ومن حطة الحيوان. وأعظم من جميع الحقوق الشرعية التى كسبتها المرأة من القرآن الكريم لأول مرة أنه حمل عنها لعنة الخطيئة الأبدية ووصمة الجسد المرذول، فكل من الزوجين قد وسوس له الشيطان وأستحق الغفران بالتوبة والندم: Ra bracket.png فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ Aya-36.png La bracket.png،Ra bracket.png قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ Aya-23.png La bracket.png. ونجد القرآن الكريم يصف المرأة بأنّها أحد شطري البنية الإنسانية ويقول: Ra bracket.png يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ Aya-13.png La bracket.png، فالأُنثى مثل الذكر يشكلان أساس المجتمع دون فرق بينهما. ويأبى القرآن للمسلم حتى يتبرم بذرية البنات وأن يتلقى ولادتهن بالعبوس والانقباض:Ra bracket.png وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ Aya-58.png La bracket.pngRa bracket.png يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ Aya-59.png La bracket.png. وتتساوى رعاية الإنسان لأبيه وأمه، كما تتساوى رعايته لبنيه وبناته، وقد تخص الأمهات بالتنويه في هذا المقام، فإذا وجب الإحسان للوالدين معا فالواحدة هى التي تعاني من آلام الحمل والوضع ما لا يعانيه الآباء: Ra bracket.png وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِ Aya-15.png La bracket.png.

المرأة والقرار الأسري

حق اختيار الزوج

الآيات القرآنية التي يمكن حتى يستفاد منها إمكانية المرأة التحكم في قرار إنشاء أسرة هي: نطق سبحانه وتعالى: Ra bracket.png وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَر Aya-232.png La bracket.png. ونطق سبحانه وتعالى: Ra bracket.png يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا Aya-19.png La bracket.png. نطق تعالى: Ra bracket.png وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ Aya-234.png La bracket.png. نطق الله تعالى:Ra bracket.png يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ Aya-50.png La bracket.png.

حق عرض نفسها عليه

فكيلا تتعرض الحياة الزوجية للكراهية والانحلال اعترف الإسلام للمرأة البالغة الرشيدة بحريتها في إختيار الزوج وبحقها الكامل في قبوله أوعدم قبوله دون إكراه في ذلك. فالآيات القرآنية تنسب عمل النكاح للمرأة، والنكاح في الآيات المذكورة يقصد به الزواج أوكما يقول ابن آثير عن ابن جريح عن مجاهد: "النكاح الحلال الطيب". كما تمنحهن الحق في التصرف في أنفسهن أوفي جسمهن بحرية في إطار الحلال -المعروف- عبارة "فيما عملن في أنفسهن بالمعروف" التي وردت في الآية 234 والآية 240 "فلا جناح عليها حتى تتزين وتتصنع وتتعرض للتزويج".

مباشرة المرأة عقد زقابلا بنفسها

يقول سبحانه وتعالى: Ra bracket.png فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ Aya-230.png La bracket.png. ونطق سبحانه وتعالى: Ra bracket.png وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَر Aya-232.png La bracket.png. ونطق سبحانه وتعالى: Ra bracket.png وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ Aya-234.png La bracket.png. هذه الآيات الكريمة تجيز للمرأة حتى تباشر عقد زقابلا بنفسها، آما أنها تحذر الرجال حتى يمنعوا المرأة هذا الحق. ولهذا فالمرأة المسلمة العاقلة الراشدة مستقلة بنفسها كليا في شؤونها الشخصية لأن صاحب الحق في الآيات القرآنية التي وردت في هذا الموضوع هي المرأة، حيث أسند الحق سبحانه أمر النكاح إليها وحدها سواء فيما يخص إبرام العقد أوالتراضي عليه: فقوله سبحانه وتعالى "فلا تعضلوهن" معناه لا تعارضوهن أو"لا تمنعوهن أولا تضيقوا عليهن في التزويج، وقد دلت هذه الآية من وجود على جواز النكاح إذا عقدت على نفسها بغير ولي ولا إذن وليها، أحدها إضافة العقد إليها من غير شرط إذن الولي، والثاني نهيه عن العضل إذا تراضى الزوجان". وهذا هوما يؤكده كذلك قوله تعالى: "حتى تنكح غيره" حيث أضاف عقد النكاح إلى المرأة وحدها وقوله تعالى كذلك: "فلا جناح عليكم فيما عملن في أنفسهن بالمعروف" حيث أجاز عملها في نفسها من غير شرط الولي.

حق المرأة في مفارقة الزوج

نطق الله تبارك وتعالى: Ra bracket.png الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَ Aya-229.png La bracket.png. لم يختلف الفهماء حتى المراد بالآية الكريمة أعلاه أخذ العوض على الفراق "والجمهور أيضا على جواز أخذ العوض على الطلاق، إذا طابت به نفس المرأة ولم يكن إضرار بها. وأجمعوا على أنه إذا كان عن إضرار بهن فهوحرام عليه. فنطق مالك إذا ثبت الإضرار يمضي الطلاق ويرد عليها مالها" والحق حتى الآية صريحة في تحريم أخذ العوض عن الطلاق إلا إذا خيف فساد المعاشرة، بألا تحب المرأة زوجها، فإن الله أكد هذا الحكم إذا نطق: "إلا حتى يخافا ألا يقيما حدود الله".

حق الملكية الفردية للمرأة

نطق سبحانه وتعالى: Ra bracket.png وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا Aya-32.png La bracket.png. ونطق تعالى: Ra bracket.png وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيبًا Aya-6.png La bracket.png. ونطق تعالى: Ra bracket.png لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا Aya-7.png La bracket.png. ونطق تعالى: Ra bracket.png الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَ Aya-229.png La bracket.png. إن الإسلام أقر للمرأة الملكية الفردية كاملة، وجعل ذلك حقا أصيلا لها وهوأحد حقوقها المدنية، ومن ثم فالإسلام اعترف لها بشخصيتها المدنية الكاملة وبحريتها المطلقة في التصرف في أموالها وممتلكاتها، وبحقها كالرجل في حتى تكون لها ذمة مالية مستقلة، لتحقيق كيانها الذاتي/البشري وكيانها الاقتصادي، وأنه من هنا كانت المساواة في حق التملك والكسب بين الرجال والنساء، وإلى هذه الحقيقة أشار القران الكريم بألفاظ متساوية: "للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن". وبذلك فمن حق الزوجة إبرام جميع التصرفات القانونية، وإدارة أموالها بالطرق التي تختارها ولا رقابة للزوج على أموال زوجته. كما يحرم على الزوج حتى يأخذ شيئا من مال زوجته بغير رضاها.

نساء تحدث عنهن القرآن

خلق الله - تعالى - آدمَ من طين، ثم جعل نسل البشرية كلها من آدم وحوَّاء (ذكر وأنثى)، فالمرأة عنصر أساس في الوجود البشري، ولها شأن في ذلك أكبر من دور الرجل؛ فهي التي تحمل أفراد البشرية في بطنها، وهي التي تتحمَّل الآلام في هذا الحمل، ومن ثَمَّ عند الوضع، ويستمرُّ دورها الفعَّال والمتميِّز بتقديم الغذاء والرعاية والعناية بالصِّغار؛ حتى تشتدَّ أعوادهم وتَقْوَى سواعدهم ويستغنوا عن الرعاية. وقد كان للمرأة في القرآن الكريم دَوْرٌ في توجيه الأحكام إليها وتلقِّيها لهذه الأحكام الإلهيَّة، كما حتى لها ذكرًا في كلِّ مجالٍ يذكر فيه العمل والأجر (للرجل والمرأة) فالله - تعالى - يقول: Ra bracket.png مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ Aya-97.png La bracket.png. وكذلك يقول: Ra bracket.png إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِين Aya-35.png La bracket.png. فقد تحدَّث القرآن الكريم حديثًا خاصًّا عن بعض النساء الصالحات أوغير الصالحات، وخصَّهن بالذِّكر، وقد بلغ عدد النساء اللاتي تحدَّث القرآن الكريم عنهنَّ حديثًا خاصًّا وبذكر الاسم أوالصفة سبع عشرة امرأة، ثلاث منهن كافرات طالِحات، وأربع عشرة منهن مؤمِنات صالحات.

النساء الطالحات

امرأة نوح

وردَتْ إشارات غير مباشِرة عنها في قول الله - تعالى -: Ra bracket.png فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِين Aya-27.png La bracket.png. ففي قوله - تعالى -: ﴿ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ ﴾ المؤمنون، إشارة عامَّة إلى الذين لم يؤمنوا بدعوة نوحٍ - عليه السلام - من أهله؛ وهما ابنه وامرأته، كما يُفهَم ذلك من آيات أخرى صرَّحت بذكر امرأة نوح، وذلك في قوله - تعالى -: Ra bracket.png ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ Aya-10.png La bracket.png.فامرأة نوح مثَلٌ للذين كفروا، وهي على رغم كونها زوجة لَصِيقة بزوجها نوح، لم تفتح قلبها لدعوته، وبقِيَتْ على ضلالات قومها، وتعلُّقها بأصنامهم المتعدِّدة، وكانت بذلك قد خانَتْ زوجها ودعوته، واستحقَّت بذلك عقوبتين: الأولى: في الدنيا إذ غرقت مع الغارقين.

والثانية: في الآخرة؛ فكانت من أهل النار. ولنا في هذا الموقف عِظَة وعبرة كبيرة، فإن الصلة الأسرية بالنبي أوبالصالحين من عِبَاد الله لا تُعطِي صاحبها أفضليَّة على الآخَرين ولا درجةً ولا قبولاً في الآخرة؛ ولذلك نطق الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - مُخاطِبًا ذوي قرابته: ((... اعملوا؛ فإني لا أُغنِي عنكم من الله شيئًا)). فأقرباء النبي - عليه السلام - وأقرباء الصحابة أوذووالشأن والعُلَماء، لا يُغنِي عنهم هؤلاء من الله شيئًا، ما دام نبي الله نوح لم يغنِ عن زوجته شيئًا، ولم يمنع عنها عذاب الله، أمَّا إذا كانت مؤمنة صالحة وهي زوجةٌ لنبيٍّ فسيكون أجرها - بإذن الله - مضاعفًا، وكذلك كلُّ مَن له صلة قرابة بالصالحين لا يستغني بهم عن عمله الصالح أبدًا، وإذا وصل الأمر إلى حدِّ الكفر فلن تكون له شفاعة.

امرأة لوط

وهي مثَلٌ آخَر للذين كفروا، ولم يغنِ عنها كونها زوجة لنبيٍّ من أنبياء الله ما دامَتْ غير مؤمنة برسالته، وهي في هذه الآية السابقة حكم عليها بالكفر صراحة، وقد ورد ذكرها بصورة واضحة في ثماني آيات أُخرَيَات من سُوَرٍ متعدِّدة، وكلها يحكم عليها فيها بعدم السلامة من عذاب الله في الدنيا، وأنها سيُصِيبها ما يُصِيب قومها من عذاب الله Ra bracket.png قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ Aya-81.png La bracket.png.

والآيات الباقيات تجعلها مُستَثناةً من النجاة من عذاب الله في الدنيا، فقد تكفَّل الله للوطٍ وأهله بالنجاة؛ نطق الله - تعالى -: Ra bracket.png فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ Aya-57.png La bracket.png،Ra bracket.png إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ Aya-60.png La bracket.png،Ra bracket.png قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ Aya-32.png La bracket.png،Ra bracket.png إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ Aya-171.png La bracket.png.

امرأة أبي لهب

وهي زوجة عمِّ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - (عبدالعُزَّى) الذي كان يُؤذِي رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتُشارِكه في ذلك زوجته، أذًى ماديًّا بنَثْرِ الشَّوْك في طريق الرسول - عليه السلام - وهوجارٌ لهم، وأذًى معنويًّا عندما عمِلاَ على تطليق ابنتيه اللتَين قد خطبتا لولديهما.

وهذه المرأة هي المعروفة بأمِّ جميل حمَّالة الحطب، كما وصَفَها القرآن الكريم، وقد خصَّها الله - تعالى - مع زوجها بإحدى قِصار السُّوَر وهي سورة المسد: ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ﴾ المسد: 1- 5.

النساء الصالحات

أمنا حواء

لم يذكرها القرآنُ الكريم بالاسم، إنما ذكرها على أنها زوجُ أبينا آدم - عليه السلام. وقد كانت سكنًا لزوجها، عثر عندها الاستقرارَ النفسي والمودة في الجنة، وكان لها دورٌ إلى جانب دور آدم في الخروج من الجنة والهبوط منها للعيش في الأرض، مع تحملِ العناء والشقاء في سبيل الحصول على حاجاتهما الضرورية، بعد حتى كان ذلك موفرًا لهما في الجنة من غيرِ شقاء.

وإذا كانت خطُ غيرِ المسلمين تحمل حواء وحدها المسؤولية في هذا الخروج، فتدَّعي أنَّها هي التي أكلت، وهي التي أغرتْ وأغوت آدمَ على مخالفة الأمر الإلهي، فإنَّ القرآنَ الكريم يجعلهما شريكين في المسؤوليةِ عن هذه المخالفة Ra bracket.png فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ Aya-20.png La bracket.png، وأحيانًا يفردُ آدم بالمسؤولية، فيقول: Ra bracket.png فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى Aya-120.png La bracket.png، واشهجرا في مسؤولية الأكل فأكلا منها، ولما ذاقا الشجرةَ بدت لهما سوءاتُهما، واستحقَّا بهذه المخالفةِ الإخراج من الجنَّةِ والشقاء في الأرض.

سارة وهاجر

ومن النساءِ اللواتي أثنى عليهنَّ القرآنُ الكريم سارة، زوج إبراهيم الخليل - عليه السلام - وهاجر أم إسماعيل. أمَّا سارة فهي من قريباتِ إبراهيم - عليه السلام - وقد آمنتْ وهاجرت معه إلى فلسطين، وقد قدَّمَ لها ملك مصر امرأةً لتخدمَها وتكون جارية لها؛ هي هاجر (أم إسماعيل)، وعندما أحستْ بتقدمِ سنِّها وبلوغها سن اليأس (عجوز عقيم) - ولحبِّها لزوجِها - زوَّجته من جاريتها لعلَّ الله يرزقه منها غلامًا، وقد كان ذلك، فقد حملت هاجر وولدت لإبراهيم إسماعيل - عليهما السلام - وأوحى الله إلى إبراهيم ما أوحى، فأخذ هاجرَ وابنَها إسماعيل من فلسطين إلى الحجازِ إلى الوادي غير ذي الغرس، إلى حيث مكة الآن، كما أمره الله - تعالى.فسارةُ مؤمنة، يقول لها إبراهيم وهما في مصر: "والله ما على الأرضِ مؤمن غيري وغيرك"، وتظهرُ لها الملائكة - ضيف إبراهيم - بصورةِ الضيوف، ويبشرونها بإسحاق، ومن وراءِ إسحاق يعقوب، ولدًا لها تقرُّ به عينُها، وتسعد بحفيدِها منه، ويمجدها القرآنُ الكريم بمخاطبةِ الملائكة لها؛ Ra bracket.png قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ Aya-73.png La bracket.png.

امرأة العزيز

وهذه امرأةٌ شغل الحديث عنها آيات كثيرة من سورة يوسف، إنها امرأة كانت ترفلُ في ثيابِ الترف والنعيم، وتتسلح بقوةِ السلطان، وتنهل من متعِ الحياة؛ حلالها وحرامها، فلا يمنعها مانعٌ أخلاقي من مراودةِ فتاها يوسف في صباه وجماله، ويحطم كبرياءها بعفتِه وورعه، فتتهمه بما ترتكبُه من إثم، وتزداد إصرارًا على إغوائه عندما يشيعُ خبرُها بين نساءِ المدينة، فتحيك له المؤامرةَ معهنَّ حتى يدخلنه السِّجن، لامتناعه عن مطاوعتهنَّ على الرذيلة، ولكنَّها وبعد بضعِ سنين تقف موقفًا فيه جرأة وصراحة، وفيه ندم واعتراف بالذَّنب (وتوبة)، وتبرئة لساحةِ يوسف - عليه السلام.

Ra bracket.png قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ Aya-51.png La bracket.png، إنه اعترافٌ بالذنب وتبرئة لمن اتهمته وأدخلته السجن بريئًا، وزادت على ذلك أنْ علَّلتْ موقفَها هذا وعودتها إلى الحقِّ والصواب، فهي تكنُّ له كلَّ احترامٍ وتقدير، فتقول: ﴿ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ﴾ [يوسف : 52]، وتعليل آخر تورده: ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ﴾، فهي تتراجعُ عن كيدِها ومؤامرتها عليه، وتعلن أنَّ الله هوالذي أحبطَ كيدَها، وهذا دليلٌ على أنها مؤمنةٌ بالله، وأنَّ الله غفورٌ رحيم وهوربها؛ ﴿ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [يوسف : 53]، ولا تنسى حتى تتواضعَ وتنفي عن نفسِها البراءة؛ لأنَّ النفسَ أمارة بالسوء: ﴿ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ﴾.

زينب بنت جحش

هي امرأةٌ ذات حسب وجمال، زوَّجها الرَّسولُ - عليه السلام - من مولاه زيد بن حارثة - رضي الله عنه - وكان قد تبناه قبل البعثة، وصار يُنطق له: زيدُ بن محمد؛ عندما آثر البقاءَ عنده على الذَّهابِ مع أبيه وعمِّه، وبعد حتى أنزل الله تعالى في حقِّ زيد وأمثالِه: Ra bracket.png مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي ا Aya-4.png La bracket.pngRa bracket.png ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيم Aya-5.png La bracket.png، ولكن زينب عاشت سنةً مع زيد على مضض، وتعكَّرتْ بينهما العلاقةُ الزوجية إلى حدٍّ لم يبق زيد يطيقُه، ولعلَّ كون زيد مولى لمحمد لا ولدًا له، أشعر زينبَ بأنه دونها حسبًا ونسبًا، فتعَالَت عليه مما نغَّصَ حياتهما، فعرض زيد على الرَّسولِ - عليه السلام - حتى يطلقَها، ولكن الرسولَ - عليه السلام - كان يشدِّدُ على زيد في حتى يمسكَ زوجته، وأن يبقي عشَّ الزوجية عامرًا؛ Ra bracket.png وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَو Aya-37.png La bracket.png، فالرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - يتوقَّعُ هزةً اجتماعية في مجتمع المدينة، بعد حتى هدأت هزةُ إلغاء التبنِّي.

وكان الرسول - عليه السلام - يفهمُ بما أفهمه الله، أنَّ تغييرًا نفسيًّا سيحدث في المجتمعِ الإسلامي الذي كان في جاهليته قد اعتاد على مفهومِ التبني، وليكتمل إلغاء هذا المفهوم عمليًّا، قدَّرَ الله على محمد - عليه السلام - حتى يتزوجَ بمطلقةِ مَن كان يُعدُّ سابقًا ولده (بالتبني)، وهذا الحدث يشكِّلُ صدمةً عملية للمفهوم الذي كان سائدًا في السابق، ومن هنا حرص الرسولُ - عليه السلام - على حتى تظل زينب عند زيد؛ Ra bracket.png وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَو Aya-37.png La bracket.png،

فمحمَّدٌ - عليه السلام - كان يشفقُ على المسلمين من هذه الصدمةِ النفسية، لما اصطلحوا عليه واعتادوه، ولكنَّ الله قدَّر، ولا رادَّ لذلك، حتى يضعَ حدًّا لهذا المفهومِ الخاطئ؛ من نسبةِ الولد المُتبنَّى إلى غيرِ أبيه، ومعاملته معاملةَ الولدِ من الصلب، وراثة وحرمة، وذلك بأن يتزوجَ محمد من مطلقة زيد! Ra bracket.png وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَو Aya-37.png La bracket.pngRa bracket.png مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا Aya-38.png La bracket.png، إلى غير ذلك أصبحت زينب إحدى زوجاتِ الرسول - عليه السلام - وإحدى أمهات المؤمنين، وزادت شرفًا إذ هبط فيها قرآنٌ يتلى، وكانت عنصرًا أساسيًّا في إلغاءِ متعلقات التبني ولواحقه.

عائشة بنت أبي بكر

نزل فيها قرآنٌ يبرئها من تهمةٍ لاكتها ألسنةُ السوء، التي تحدثت بحديثِ الإفك، فكانت عائشة بذلك طاهرةً مطهرة مبرأة، ونتلوبراءتها في عشرِ آيات من سورة النور، على مرِّ الزمان، فقد كانت - رضي الله عنهما - مع رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في غزوة بني المصطلق، وألجأتها حاجتُها إلى الابتعادِ عن الرَّكبِ ليلاً لقضائها، وعندما عادت افتقدت عِقدًا رجعت تبحث عنه، وطال بحثُها فارتحل الركبُ قبل حتى تعود، وعندما رجعت وجدت المكانَ خاليًا من الجيش، فقعدت تنتظرُ عودةَ من يبحث عنها عندما يفتقدونها، وأقبل عليها صفوانُ بن المعطل المكلف بتعقبِ الجيش وجمع ما يتساقَطُ منه، وعهدها فاسترجع وأناخ راحلةً فركبتها، وسارت حتى أدركا الجيشَ ظهرًا، وهنا بدأت ألسنةُ السوء تتحدَّثُ بالسوء على عائشة، وكان من الذين جاهروا بذلك حسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثه، وحمنة بنت جحش - أخت زينب بنت جحش زوجة الرسول - وتولَّى كبرَ هذا الإفك عبد الله بن أبي بن سلول، وعائشة لا تدري بما تتداولُه الألسنة عنها، واستلبث الوحي شهرًا حتى فهمتْ بالأمر واشتدت عليها وعلى الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - القضية، ثم نزلت آياتُ سورة النور تبرئها: Ra bracket.png إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ Aya-11.png La bracket.png، ثم أعطت الآياتُ التالية درسًا للمسلمين وتأديبًا لهم: Ra bracket.png لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ Aya-12.png La bracket.png،، فهكذا ينبغي حتىقد يكونَ تصرفُ المسلمين أنْ يحسنوا الظنَّ بأنفسهم وبأمِّ المؤمنين، ويتورَّعوا عن الاتهامِ أوالحديث به، وقد تمثلت هذه التربية في الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - عندما نطقت له زوجته: "أمَا تسمع ما يقولُ الناسُ في عائشة،يا ترى؟ فنطق: نعم، وذلك الكذب، أكنت فاعلة ذلك يا أمَّ أيوب،يا ترى؟ نطقت: لا والله ما كنتُ فاعلة، فنطق لها: وعائشة والله خيرٌ منك!"، هكذاقد يكون حسنُ الظن بأمهاتِ المؤمنين، إلى غير ذلك يظن المؤمنون بأنفسِهم خيرًا.

وقد قرع الله بعضَ المسلمين على ما نطقوه؛ Ra bracket.png إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ Aya-15.png La bracket.png،، وأي شيء أعظم من حتى تتهمَ زوجةُ الرسول - عليه السلام - في عرضِها وكرامتها! وأي شيء أعظم من حتى يُهان الرسولُ - عليه السلام - في اتهامِ أهله وأحب أهله إليه!

إلى غير ذلك بُرِّئت عائشةُ - رضي الله عنها - وباء بالخزي والقذف والحد أولئك الذين جاهروا بالاتهام، وتوعَّد الله من تولَّى كبر هذه الفرية من وراء ستار بالعذاب الأليم.

خولة بنت ثعلبة

هي زوجة أوس بن الصامت، الذي كان شيخًا كبيرًا وقد ساء خلقُه، ودخل على زوجته يومًا فراجعته بشيءٍ فغضب عليها، وظاهر منها - نطق لها: أنت علي كظهر أمي - يريدُ بذلك حتى يحرمَها على نفسِه، على عادةٍ كانت سائدةً في الجاهلية، ومع ذلك عاد إليها بعد قليلٍ وأرادها عن نفسِها، فامتنعت منه حتى يحكمَ الله ورسوله فيهما، فواثبها وغلبتْه بما تغلب المرأةُ الشيخَ الضعيف، وأبعدته عن نفسِها، ثم خرجت إلى بيتِ النبي، وذكرت له ما لقيت من زوجِها: "يا رسول الله، أكلَ مالي، وأفنى شبابي، ونثرت له بطني، حتى إذا كبرت سني وانبترَ ولدي ظاهر منِّي، اللهمَّ إني أشكوإليك"، فجعل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول لها: ((يا خولة، ابنُ عمِّك شيخ كبير فاتقي الله فيه، ما أفهمك إلا قد حرمتِ عليه))، فنطقت: أشكوإلى الله ما هبط بي وأشكوأبا صبيتي، فرأت عائشةُ وجهَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قد تغير، إيذانًا بنزول الوحي عليه، فنحتها عنه، ومكث رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في غشيانه، فلمَّا انبتر عنه الوحي نطق: ((يا عائشة، أين المرأة،يا ترى؟ فدعتها، فنطق لها رسولُ الله - عليه السلام -: ((يا خولة، قد أنزل الله فيكِ وفي صاحبك، ثم قرأ عليها: Ra bracket.png قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ Aya-1.png الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ Aya-2.png وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ Aya-3.png فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ Aya-4.png La bracket.png، ونطق لها الرسولُ - عليه السلام -: ((مُريه فليعتق رقبة))، فنطقت: ما عنده ما يعتق، نطق: ((فليصمْ شهرين متتابعين))، نطقت: والله إنه شيخٌ كبير ما به من صيام، نطق: ((فليطعم ستين مسكينًا وسقًا - ستين صاعًا - من تمر))، نطقت: يا رسول اللهِ، ما ذاك عنده، فأعانه الرسولُ بثلاثين صاعًا، وأعانته زوجته بثلاثين.

إلى غير ذلك كان تصرف هذه المرأة المسلمة وحوارها مع رسول الله - عليه السلام - سببًا لنزولِ هذه الآيات وتشريع الظِّهار، وتأديب الرِّجال الذين يطلِقُون ألسنتَهم بهذه الأقوال الجاهلية من غير تدبر لعواقبها. وقد لقيتْ خولةُ هذه مرةً عمرَ بن الخطاب في خلافته فاستوقفته، فوقف لها ودنا منها وأصغى إليها رأسَه، حتى أنهت حديثَها وانصرفتْ، فنطق له رجل: يا أمير المؤمنين، حبست رجالات قريش على هذه العجوز؟! فنطق له عمر: "ويحك! أتدري من هذه؟"، نطق: لا، فنطق له: "هذه امرأةٌ سمع الله شكواها من فوق سبع سموات، هذه خولة بنت ثعلبة، والله لولم تنصرفْ عني إلى الليلِ ما انصرفتُ حتى تقضي حاجتَها". إلى غير ذلك كانت هذه المظاهرة من أوس لزوجتِه خولة فرصةً لها ليذكر قصتَها القرآن، وتردد ألسنةُ المسلمين شكواها كلَّما قرؤوا القرآن.

ناقضة الغزل

(ناقضة الغزل) هي ريطة بنت عمروبن سعد بن زيد، ورد ذكرها في قوله تعالى: Ra bracket.png وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُن Aya-92.png La bracket.png.

وكانت خرقاء تغزل هي وجواريها من الغداة إلى نصف النهار، ثم تأمرهن فينقضن جميعاً ما غزلن، فكان هذا دأبها لاتكف عن الغَزل، ولاتبقي ما غزلت.

أم حبيبة

أم حبيبة أم المؤمنين أوفد المصطفى النبي محمد إلى النجاشي يخطبها، فأوكلت عنها خالد بن سعيد بن العاص وأصدقها النجاشي أربع مائة دينار وأولم لها وليمة فاخرة وجهزها وأوفدها إلى المدينة مع شرحبيل بن حسنة. تزوجت الرسول محمد سنةسبعة هـ، وكان عمرها يومئذٍ 36 سنة، وذكر في شأنها القرآن: Ra bracket.png عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ Aya-7.png La bracket.png.

مريم بنت عمران

فتاةٌ غير متزوجة تقيَّة نقية، تخرجُ من المعبد الذي نُذرت لخدمتِه متجهة إلى الشرقِ منه، وتحتجب عن أهلِها، فيتمثل لها الملكُ بشرًا سويًّا، فترتعب منه وتستعيذ بالله منه، فإذا هويفهمُها أنه رسولُ الله إليها ليهب لها غلامًا زكيًّا، وكيفقد يكون لها غلامٌ وهي لم تتزوج ولم يمسها بشر؟! ولكنها قدرةُ الله وإرادته، فما أهون هذا الأمر! وكان حملها أمرًا مقضيًّا في الحال، وتمتد بها أيامُ الحمل حتى ثقل عليها، فخرجت إلى مكانٍ قصي عن المعبد، وحانت ساعةُ المخاض فألجأها إلى جذعِ النخلة تتكئ عليه، ويعتصر قلبُها أمران: آلام المخاض، والتفكير في موقفها أمام قومِها بعد ولادتِها، فتمنت حتى تكونَ قد ماتت قبل هذه الحالة ونسيها الناس، واتىها المددُ والغوث من عالم الغيب وواقع المعجزات، فتسمع كلامًا من هذا الوليدِ أومن الملك يربطُ على قلبِها ويهدئ روعها: لا تحزني، فتحتك نهر يزيلُ عنكِ أوضارَ الولادة، وفوقك طعامُ رُطَبٍ جني يتساقطُ عليك إذا هززتِ جذعَ النخلة! ويفهمها كيف من الممكن أن تقابل قومَها في هذا الموقفِ العصيب، بلا كلام، إشارة باليدِ إلى المولود وكفى، وهويتولَّى الدفاعَ عنها، مولود في أيامه الأولى يدافعُ عن أمِّه بلسانه! بكلامه! معجزة تلي معجزة، معجزة ولادته من غيرِ أب، ومعجزة كلامِه في المهد! ﴿ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ﴾ [مريم : 30]، كلامٌ حازم يسمعونه بآذانهم يبرئ أمَّه، ويفهمهم بعبوديتِه لله، وجعله نبيًّا يتنزل عليه كتابُ الله، هل اقتنعَ بنوإسرائيل بكلِّ هذه الدلائل، وهذه المعجزات؟

إنَّ القلوبَ القاسية تستعصي على الإيمانِ والتصديق، فاتهموا مريمَ التي رافقت ولدَها في أيامِ حياته العادية متنقلةً به من مكانٍ إلى مكان خوفًا من الحكامِ الظلمة، وخوفًا من الكهنةِ الذين يأكلون الدنيا بالدين، وينكرون معجزاتِ ربِّ العالمين، ولا يصدقون بزكريا ويحيى وعيسى، إلى غير ذلك أحاطت بحياةِ عيسى - عليه السلام - هذه الكوكبةُ من النِّساءِ اللاتي كانت كراماتُهنَّ مرتبطةً بطبيعة معجزة عيسى الكبرى؛ الولادة غير المعتادة، ولادة بعد عقم، ولادة بعد كبر، وولادة من غير أب! فسبحان الله الذي يؤيد رسله بالمعجزات!.

من حاضنات موسى إلى بلقيس

هناك كوكبةٌ من النِّساءِ الصالحات المتعاصرات تحدث عنهنَّ القرآنُ الكريم وعن أدوارِهنَّ في حماية ورعاية أحد أولي العزم من الرسل؛ إنه موسى - عليه السلام.فقد شارك في حياتِه خمس نسوة طاهرات عفيفات تحدث عنهنَّ القرآن: 4- أولهن أمه: تلك المرأةُ الممتحنة مع نساء قومها بمحنة ذبحِ الفرعون "رعميس" الثاني للذكورِ من بني إسرائيل، وكان قد رأى رؤيا فُسِّرت له على أنَّ رجلاً من بني إسرائيل ستكونُ على يديه نهاية ملك فرعون، أوأنَّ قوم فرعون قد سمعوا من بني إسرائيل بعضَ النبوءات التي توارثوها عن أنَّ رجلاً منهم ستكونُ لهم به دولة ومنعة، فأمر فرعون بذبحِ المواليد الذكور وإبقاء الإناث على قيدِ الحياة، وعندما ولدت موسى أمُّه خافت عليه وتسقطت حتى يأتي الذبَّاحون من جندِ فرعون فيذبحوه، فأوحى الله إليها حتى ترضعَ ولدَها ثم تضعه في تابوت (صندوق) وتلقي به في نهر النيل (اليم)! موقف عصيب على أمٍّ تخافُ على ابنها من الذَّبحِ بغير يدها، فتلقي به بيدِها في الماء! ألا تخشى عليه من الغرقِ أومن حتى تأكلَه التماسيحُ والأسماك؟! ولكن إيمانها بالله دفعها إلى تفويضِ أمرِها وأمر ابنها إليه، وقد اتىتها البشرى في هذا الوحي بأمرين: أنَّ الله - تعالى - سيردُّه إليها، وأنه سيجعلُه من المرسلين.

وجرى الصندوقُ في الماء يتهادى، وتسوقه الأمواجُ والتيارات إلى القناةِ التي تدخل إلى قصرِ فرعون! ويعثر عليه، ويتعلق قلبُ امرأة فرعون به وينشرح صدرُها له، ويبدوأنها كانت محرومة من الولد، فكان لها سلوى وعزاء بل ألقى الله عليه المحبة منه فما رآه أحد إلا أحبه، ووقفت تدفعُ عنه الموتَ؛ ﴿ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ﴾ سورة القصص : 9، فقد قرَّتْ به عينُها، ونجاه الله - تعالى - بذلك من الذَّبح، وفتح له قصرَ فرعون ليعيشَ فيه.وكان قلقُ أمِّ موسى على ولدِها يطغى على قلبِها حتى كادت تعلن على ملأ فرعون أنَّ لها ولدًا، ولكن ربط الله على قلبِها فثبتتْ، وكلَّفتْ ابنتَها - أخت موسى - باقتفاءِ أثر أخيها. وتراه أخته يمتنعُ عن التقامِ أثداء المراضع، فتدخلت ودلَّتهم على من يستطيعُ إرضاعه، وأخذتهم إلى أمِّها فأقبل على ثديها، وأصبحت بذلك سقمعة له وبأجرٍ من امرأةِ فرعون، وتحقَّقَ وعدُ الله لها برده إليها في آخر النهار، الذي قذفته في أولِه في اليم، وعاش في حضنِ أمِّه التي أنجبته، وبرعاية امرأة فرعون التي أنقذته، وبسعي أخته التي عملتْ على ردِّه إلى أمه. وعند هذا الحد ينتهي دورُ هؤلاء النسوة الثلاث اللاتي عملنَ بمشيئة الله على إيصالِ موسى إلى برِّ الأمان، وقد تحدَّثَ القرآنُ الكريم مرة أخرى عن امرأةِ فرعون، وجعلها مثلاً للذين آمنوا Ra bracket.png وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ Aya-11.png La bracket.png، هذه المرأةُ المؤمنة صبرت على كفرِ فرعون وظلمه وانادىئه الألوهية، ووجدت في موسى الطفل الرضيع قرةَ عينٍ لها، وتسقطت حتىقد يكونَ أيضًا قرة عين لفرعون، ويأبى عليها فرعون ذلك ويقول لها: "هوقرةُ عين لك، فأمَّا لي فلا حاجةَ لي فيه"! وقد كان الأمر كذلك، فقد قرَّت عينُ امرأة فرعون بموسى ودعوته.

2- وهناك امرأتان أخريان لهما دورٌ في حياة موسى - عليه السَّلام - فعندما خرج موسى من مصر خائفًا يترقَّبُ انكشافَ أمرِه في مقتلِ الرجل المصري، وصل إلى ماء مدينَ ووجد امرأتين تذودان غنمَهما عن الماء، تنتظران انتهاء الرعاة من سقي أغنامِهم، فساعدهما موسى على سقايةِ دوابهما قبل حتى يأتي الرعاةُ ويستقوا، فانصرفتا إلى والدِهما الشيخ الكبير مبكرتين على غير عادتِهما في التأخرِ بالعودة إلى البيت، وفهم منهما أنَّ رجلاً غريبًا قويًّا استطاع حتى يمتاحَ من البئرِ وحده، وأن يسقيَ الدَّوابَّ قبل قدوم الرعاة، وأعجب الشيخُ بقوة الرجل الغريب، وطلب من ابنتَيْه حتى تستدعي الرجلَ ليكافئه الشيخُ على ما عمل، فاتىته تمشي على استحياءٍ وطلبت منه المسيرَ معها إلى أبيها، ورغبت هذه الفتاةُ إلى أبيها حتى يستأجرَ هذا الشابَّ القوي الأمين لرعي المواشي وإراحةِ البنتين من ذلك، وتم الاتفاقُ بينهما على حتى يتزوجَ إحدى البنتين على حتى يخدمَ الشيخ ثماني سنوات أوعشرًا. وكانت هذه الزوجةُ معه عندما سار بأهلِه عائدًا إلى بلدِه وآنس نارًا، ثم تلقى عندها الوحي بالنبوةِ والرسالة، وأُيِّد بمعجزةِ العصا واليد، ولم يكن لهذه الزوجة ولا لأختِها أكثر من هذا الدور الذي شكَّلَ فترةً من مراحل حياة موسى - عليه السَّلام. 6- وفي فترةِ استقرارِ مُلك النبي سليمان - عليه السلام - وامتداد هذا الملك إلى حدٍّ ﴿ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ ﴾، ظهرت في السَّاحةِ امرأةٌ تحدَّثَ عنها القرآنُ وأطال الحديث، إنها ملكة سبأ "بلقيس"، تلك الملكة التي أُوتيت من كلِّ شيء ولها عرشٌ عظيم، كانت تحكمُ بلادَ اليمن "سبأ" في بيئةٍ وثنية، تعبد وقومُها الشمس، وعندما فهم سليمان - عليه السلام - بهذه الحقائق أوفدَ إليها رسالةَ دعوةٍ يدعوها وقومها فيها إلى الانصياعِ لدولته: ﴿ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ ﴾ سورة النمل : 31، وعرض عليهم الإسلامَ والتخلي عن عبادةِ الشمس: ﴿ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴾، فهولم يكن يهدف إلى التوسعِ في السُّلطان فقط، ولكن له هدفٌ آخر أسمى؛ ذاك هونشر الإيمانِ بالله. وهذه المرأة التي كانت بدايتها وثنية، كانت سياسية ماهرة، تعهدُ كيف من الممكن أن تتعامَلُ مع ذوي السلطات، فأوفدت إلى سليمانَ هديةً ثمينة، وأموالاً تختبره بها: هل هورجل سلطان ومادة، أورجل مبدأ وعقيدة؟. ولكنه رفضَ هذه الرشوة فنطق: ﴿ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ ﴾ سورة النمل : 36، ﴿ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ * ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا ﴾، وهذا تهديدٌ حازم أرغمها على الحضور، وعرض عليها عرشَها الذي استحضره قبل وصولِها، وأدخل عليه بعضَ التعديلات السريعة ليختبرَ ذكاءها، فلم تنكرْه ولم تدَّعِه، بل نطقت: ﴿ كَأَنَّهُ هُوَ ﴾ [النمل : 42]، ثم اختبرها اختبارًا هامًّا ليحطمَ مفاهيمَها الوثنية بطريقةٍ فهمية، فأدخلها الصَّرح، وهوبناء أرضه من زجاجٍ صقيل صاف تجري تحته المياه، فحسبته ماءً جاريًا أمامها، وظنتْ أنها يفترض أن تخوضُ هذا المجرى المائي، فشمَّرت ثوبَها عن ساقيها لكي لا يبتل بالماء، وهنا تبيَّنَ لها أنَّ هناك موجوداتٍ لا تراها العين (الزجاج الصافي)، فقد خدعتها العينُ إذ رأت الماءَ ولم تر الزجاجَ فوقه، وإذا كانت تعبد الشمس لأنها تراها، فهناك الله الذي خلقَ الشمس ولا تدركه الأبصار، ولذكائها فهمت الفكرةَ، وهنا أعربت خطأها، فنطقت حدثةَ الحقِّ واعترفت بأنها ظلمتْ نفسَها؛ إذ كانت تعبد الشمسَ من دون الله؛ ﴿ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾، وانتقلت بذلك من الوثنيةِ إلى دينِ التوحيد، بعد حتى استخدمَ سليمانُ - عليه السلام - معها طريقةً عملية، مستغلاًّ ما مكنه منه الله - تعالى - من صناعاتٍ وتقدم حضاري. إلى غير ذلك صارت بلقيس امرأةً صالحة مؤمنة في موكبِ النِّساء المؤمنات اللاتي تحدَّثَ عنهنَّ القرآن.

انظر أيضاً

  • المفصل في أحكام المرأة والبيت المسلم في الشريعة الإسلامية (كتاب)

المصادر

  1. ^ سورة البقرة ، الآية 228، الجزء الثاني.
  2. ^ سورة التوبة، الآية 17، الجزء العاشر.
  3. ^ سورة المجادلة، الآية 1، الجزء الثامن والعشرون.
  4. ^ رابط الموضوع: http://www.kalemtayeb.com/index.php/kalem/safahat/item/10490
  5. ^ سورة النساء، الآية 1، الجزء الرابع.
  6. ^ الشعراوي، متولي. مخطة الشعراوي الإسلامية. ج7. ط.1 مصر: دار أخبار اليوم، 1990. 50 ج.
  7. ^ سورة الأنعام، الآية 101، الجزء السابع.
  8. ^ سورة عبس، الآية 36، الجزء الثلاثون.
  9. ^ سورة النساء، الآية 23، الجزءالرابع.
  10. ^ سورة الأعراف، الآية 38، الجزء الثامن.
  11. ^ رابط الموضوع: http://www.annisae.ma/Article.aspx?C=5634
  12. ^ سورة الروم، الآية 21، الجزء الحادي والعشرون.
  13. ^ سورة يوسف، الآية 28، الجزء الحادي عشر.
  14. ^ العقاد، عباس. المرأة في القرآن. مصر: الهيئة المصرية العامة للكتاب،2000.
  15. ^ سورة البقرة، الآية 36، الجزء الأول.
  16. ^ سورة الأعراف، الآية 23، الجزء الثامن.
  17. ^ سورة الحجرات، الآية 13، الجزء السادس والعشرون.
  18. ^ سورة النحل، الآية 58،59، الجزء الرابع عشر.
  19. ^ سورة الأحقاف، الآية 15، الجزء السادس والعشرون.
  20. ^ سورة البقرة، الآية 232، الجزء الثاني.
  21. ^ سورة النساء، الآية 19، الجزء الرابع.
  22. ^ سورة البقرة، الآية 234، الجزء الثاني.
  23. ^ سورة الأحزاب، الآية 50، الجزء الثاني والعشرون.
  24. ^ بناني، فريدة، زينب معادي. مرشد تكريم النساء في النصوص المقدسة. برنامج الامم المتحدة الانمائي، 1970.
  25. ^ سورة البقرة، الآية 230، الجزء الثاني.
  26. ^ سورة البقرة، الآية 229، الجزء الثاني.
  27. ^ سورة النساء، الآية 32، الجزء الخامس.
  28. ^ سورة النساء، الآية 6، الجزء الرابع.
  29. ^ سورة النساء، الآية 7، الجزء الرابع.
  30. ^ للمزيد من التفصيل حول موضوع هذا المحور أنظر : فريدة بناني : " حق تصرف الزوجة في مالها: حق شرعي وقيود تشريعية " دار تينمل.مراآش/المغرب .الطبعة الأولى 19
  31. ^ سورة النحل، الآية 97، الجزء الرابع عشر.
  32. ^ سورة الأحزاب، الآية 35، الجزء الثاني والعشرون.
  33. ^ رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/29564/#ixzz3C5tzia7e
  34. ^ سورة المؤمنون، الآية 27، الجزء الثامن عشر.
  35. ^ سورة التحريم، الآية 10، الجزء الثامن والعشرون.
  36. ^ سورة هود، الآية 81، الجزء الثاني عشر.
  37. ^ سورة النمل، الآية 57، الجزء العشرون.
  38. ^ سورة الحجر، الآية 60، الجزء الرابع عشر.
  39. ^ سورة العنكبوت، الآية 32، الجزء العشرون.
  40. ^ سورة الشعراء، الآية 171، الجزء التاسع عشر.
  41. ^ سورة المسد، الآيات 1:5، الجزء الثلاثون.
  42. ^ سورة الأعراف، الآية 20، الجزء الثامن.
  43. ^ سورة طه، الآية 120، الجزء السادس عشر.
  44. ^ سورة هود، الآية 73، الجزء الثاني عشر.
  45. ^ سورة يوسف، الآية 51، الجزء الثاني عشر.
  46. ^ رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/36871/#ixzz3C6AysInF
  47. ^ سورة الأحزاب، الآيات 4،5، الجزء الحادي والعشرون.
  48. ^ سورة الأحزاب، الآية 37، الجزء الثاني والعشرون.
  49. ^ سورة الأحزاب، الآيات 37،38، الجزء الثاني والعشرون.
  50. ^ سورة النور، الآية 11، الجزء الثامن عشر.
  51. ^ سورة النور، الآية 12، الجزء الثامن عشر.
  52. ^ سورة النور، الآية 15، الجزء الثامن عشر.
  53. ^ سورة المجادلة، الآيات 1:4، الجزء الثامن والعشرون.
  54. ^ رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/38453/#ixzz3C6GR9QJw
  55. ^ سورة النحل، الآية 92، الجزء الرابع عشر.
  56. ^ سورة الممتحنة، الآية 7، الجزء الثامن والعشرون.
  57. ^ رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/37870/#ixzz3CAhSQyrK
  58. ^ سورة التحريم، الآية 11، الجزء الثامن والعشرون.
  59. ^ سورة النمل، الآيات 36،37، الجزء التاسع عشر.
  60. ^ سورة النمل ، الآية 44، التاسع عشر.
  61. ^ رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/37177/#ixzz3CMC0r2YN
تاريخ النشر: 2020-06-09 07:46:48
التصنيفات: Portal templates with redlinked portals, النساء والإسلام, نساء, القرآن

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

دبابات الاحتلال الإسرائيلي تتقدم نحو المستشفى الإندونيسي في

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-11-20 12:23:44
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 70%

153 طائرة هبطت بمطار العريش حتى الآن نقلت نحو 4000 طن مساعدات لغزة

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-11-20 12:23:11
مستوى الصحة: 34% الأهمية: 38%

مشاداة حادة وتهديدات بين ساويرس ونجل حسنين هيكل بسبب الحرب على غزة

المصدر: المصريون - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-11-20 12:22:30
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 51%

بنكيران: واشنطن ستتخلى عن مساندة إسرائيل في هذه الحالة !!

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-20 12:23:58
مستوى الصحة: 67% الأهمية: 73%

تصنيف الاسكواش.. علي فرج يحافظ على الصدارة وتراجع محمد الشوربجي

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-11-20 12:23:17
مستوى الصحة: 37% الأهمية: 46%

وزير الصحة التركي: سننقل 61 مريضًا من غزة عبر مصر إلى بلادنا

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-11-20 12:24:01
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 68%

"باناسونيك" تبيع حصة في وحدتها لأنظمة السيارات

المصدر: صحيفة الإقتصادية - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-11-20 12:23:06
مستوى الصحة: 44% الأهمية: 48%

شكري: تهجير الفلسطينيين من غزة يهدد السلم والأمن في المنطقة

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-11-20 12:23:51
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 55%

الصين تبقي على معدلات الإقراض دون تغيير

المصدر: صحيفة الإقتصادية - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-11-20 12:23:11
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 39%

وزارة التعليم: إخلاء المدارس المقرر عقد لجان انتخابات رئاسية بها

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-11-20 12:23:29
مستوى الصحة: 32% الأهمية: 38%

موديست يزف بشرى سعيدة لكولر قبل مواجهة الأهلى مع ميدياما الغانى

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-11-20 12:23:34
مستوى الصحة: 32% الأهمية: 41%

إعلامية شهيرة ترد على منتقديها: عندي سرطان وهموت قريب

المصدر: المصريون - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-11-20 12:22:25
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 58%

وزارة الصحة: استقبال 29 طفلا حديثى الولادة من غزة ونقلهم للمستشفيات

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-11-20 12:23:26
مستوى الصحة: 37% الأهمية: 39%

أبرز بنود "الاتفاق المحتمل" بين إسرائيل وحماس

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-20 12:23:50
مستوى الصحة: 73% الأهمية: 71%

تحميل تطبيق المنصة العربية