السياسات المائية في مصر
السياسات المائية في مصر
لعل أول ما خط في موضوع السياسة المائية لوادي النيل تلكم المذكرة التي نشرتها وزارة الأشغال العمومية في سنة ۱۹۲۰ في الباب الأول من كتاب ( ضبط النيل) والتي قدم لها وزير الأشغال وقتئذ المهندس / إسماعيل سري باشا .. بقوله :- "إن المشروعات الموصوفة في الصفحات التالية هي المشروعات التي درستها مصلحة الري بمباشرة السيد / مردوخ مكدونالد مستشار الوزارة ، وتناقشت وإياه فيها مراراً .. وقد وافقنا معا على تلك المشروعات بالشكل المقدمة فيه الآن .. وأني لآمل حتى توافق عليها الحكومة وأن تضعها موضع التطبيق في الوقت المناسب" .
- وقد اشتملت المذكرة على بيان عام عن المطالب، كما تضمنت إيضاح عن الضرورة القاضية بزيادة ضبط النيل استكمالاً لاستثمار الأراضي المصرية واستثمار جانب معين من أرض السودان ... واتى في تلك المذكرة حتى إيراد مياه النيل في الصيف لا يفي في معظم السنين لسد حاجة الأراضي المنغرسة عليه في الوقت الحاضر .. ومع ذلك فهناك حاجة ماسة إلى توسيع نطاق الزراعة في مناطق جديدة لا تزال الى الان بائرة لعدم توافر مياه الري .
- أما السبب في هذه الحاجة فيرجع إلى التزايد السريع في عدد السكان فقد بلغ هذا العدد نحوضعفه في خلال الأربعين عاما الماضية ... لكن مساحة الأراضي المزروعة لم تواكب زيادة السكان بأي حال من الأحوال.
واتى بالمذكرة المذكورة حتى مساحة الأراضي المزروعة عملا في ذلك الوقت سنة 1920 تبلغ نحو(5٫۲۰۰٫۰۰۰ ) منها ( 000 , ۲۰۰, 1) فدان في الوجه القبلي يسرى عليها نظام ري الحياض ذي المحصول الواحد السنوى ، والباقي يروي رياً صيفياً وينتج محصولين في السنة بوجه عام.
- وقد قدرت مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في القطر المصري بنحو7,300,000 فدان ، ينتظر ألا تخصص منها للزراعة سوى 7,100.000 فدان لأنه يجب حتى يخصص لتربية الأسماك نحو200,000 فدان في منطقة البحيرات بالوجه البحري .
- أما عن السودان فقد أوضحت المذكرة أنه ليس لدينا من الدلائل ما يثبت حتى سكان السودان في الأزمان الغابرة قد بلغوا من التضامن مبلغا يمكنهم من الزراعة بنظام رى الحياض .. والأرجح حتى جميع ما كانوا يعملونه هوالاستفادة من استفاضة ماء النهر بعمله الطبيعي ، والاستعانة على ذلك بالجهود الفردية واستعمال ما تيسر من الآلات الرافعة البدائية .
- أما في الأزمان الأقرب عهداً بنا.. فقد غرست بضع مساحات صغيرة بطريقة ری الحياض .. ولم يستقر الرأي على زيادة الاستثمار إلا في أوائل القرن الحالي ، حيث أستعملت المياه الصيفية لأول مرة إذا استثنينا بضعة أفدنة متفرقة هنا وهناك .
- وفي سنة ۱۹۰۳ اقترحت حكومة السودان حتى تقوم بتجارب لفهم إذا كان من الممكن بواسطة الرى إنتاج حاصلات قابلة للتصدير كالقمح والسكر .. فرؤى أنه للوصول إلى نتيجة سقمية قد تدعوالحاجة إلى استعمال مياه الصيف .. ولكن لما كان الإيراد المتيسر منها محدوداً ، فقد عقد اتفاق بين الحكومتين المصرية والسودانية على تعيين مقدار الأراضي التي يمكن إمدادها بالمياه الصيفية وجعل هذا المقدار مبدئياً عشرة الاف فدان فقط .. وقد أمكن عقد هذا الاتفاق بفضل وجود خزان أسوان الذي جعل حالة مصر في سنين الفيضان المنخفضة أدعى إلى الطمأنينة من ذي قبل .
- وبعد تعلية خزان أسوان في سنة ۱۹۱۲ زيدت مساحة الري الصيفي المصرح بها للسودان إلى 20,000 فدان ، وحتى سنة ۱۹۱۹ لم تكن حكومة السودان قد انتفعت بهذا الحق كاملاً .. غير حتى الأمور تطورت تطورا سريعا بعد سنة 1920 .. فقد تنبه الانجليز بعد قيام الثورة المصرية في سنة ۱۹۱۹ بزعامة سعد زغلول ، إلى ضرورة البحث عن مصدر آخر لتصدير القطن الى مصانع لانكشير .. فاتجهت أنظارهم الى الأرض الخصبة الواقعة بين النيلين الأبيض والأزرق ، والمسماة بأرض الجزيرة .. واقترحت حكومة السودان في ذلك الوقت ، إقامة سد سنار على النيل الأزرق لحمل المياه إلى المناسيب التي تضمن تغذية الترعة الرئيسية اللازمة لرى أراضي الجزيرة وشرع عملا في بناء السد المذكور وتم بناؤه في عام 1925، واتفق بين حكومتي مصر والسودان على عدم زيادة المساحة المروية في أرض الجزيرة عن 300,000 فدان .. غير أنه عقب مقتل السردار في سنة 1924 قدم المندوب السامي البريطاني اللورد اللنبي إلى الحكومة المصرية إنذاراً اتى في أحد بنوده الجائرة:-
= إذا حكومة السودان يفترض أن تزيد المساحة التي تروى بالجزيرة من 300,000 فدان الى أي رقم غير محدود حسبما تقضي الحاجة .. وقد فضت وزارة سعد زغلول الانذار البريطاني واستنطقت وحلت محلها وزارة زيور باشا ..
- أيها الأعزاء : لقد رأى الإنجليز بعد ذلك حتى يزيلوا الأثر السيء الذي هجره الانذار بالاعتداء على حقوق مصر في مياه النيل فخط اللورد اللنبي الى رئيس الوزراء زيور باشا بتاريخ 26 بناير سنة ۱۹۲۵ ما يلي : "لست في حاجة الى حتى أذكر معاليكم بأن الحكومة البريطانية خلال الأربعين سنة الماضية قد عنيت بتنمية الزراعة في مصر .. واود ان اذكر معاليكم ان الحكومة البريطانية في الوقت الحاضر مهما كان حرصها على تقدم السودان فإنها لا تنوى بأي حال من الأحوال حتى تنتهك الحقوق الطبيعية والتاريخية لمصر في مياه النيل والتي لا يقل اعتبارها لها في الوقت الحاضر عنه في الوقت الماضي.
إلى اللقاء في العدد القادم .. لكم تحياتي " محروس بدر"المراجع " النيل وتاريخ الري في مصر - تحويل الري الحوضي إلى الري الدائم - مذكرات عن أعمال المنافع العامة الكبرى - نهر النيل نشأته واستخدام مياهه - وزراء وزارة الأشغال العامة والري - مشروعات وزارة الري خلال 30 عاما - شخصية مصر - دراسة المقننات المائية بجمهورية مصر- الري والصرف في مصر بين الماضي والحاضر" ( تقويم النيل وعصر محمد على – الجزء الثاني. تأليف أمين سامي باشا- مذكرات أعمال المنافع العامة الكبرى التي تمت بمصر منذ أقدم العصور حتى 1872. تأليف لينان دي بلفون – الري في مصر. حسين سري باشا- حوض النيل : هيرست – بلاك- سميكة.)" مذكرات عن اعمال المنافع العامة الكبرى التي تمت في مصر منذ أقدم العصور حتى عام 1872 تأليف لينان دي بلفون بك ... تقويم النيل وعصر محمد على باشا ( الجزء الثاني) .. الري في مصر تأليف حسين سري باشا.. مذكرات عن القناطر الخيرية .. الدكتور المهندس حست زكي.. حوض النيل تأليف هيرست-بلاك- سميكة... إنجازات الوزارة منذ نشأتها حتى 1994.
المصادر
- مدرسة الري المصرية، العدد 134، تاريخ تطور السياسات المائية في مصر - مذكرة وزارة الأشغال العمومية 1920، خطاب اللورد اللمبي إلى رئيس الوزراء زيور باشا 1925.