قس بن ساعدة الإيادي هوخطيب من أكبر حكماء العرب قبل الإسلام. رآه النبي محمد صلى الله عليه وسلم قبيل البعثة يخطب الناس بسوق عكاظ وروى خطبته وعجب من حسنها وأظهر تصويبها ثم نطق: «يرحم الله قسا أما إنه سيبعث يوم القيامة أمة وحده».

حياته

هومن بني إياد أحد حكماء العرب، ومن كبار خطبائهم، في الجاهلية كان أسقف نجران، وينطق إنه كان أول عربي خطب متوكئا على سيف أوعصا، وأول من نطق في كلامه " أما بعد " وكان يمضى إلى قيصر الروم ، زائرا، فيكرمه ويعظمه وهومعدود في المعمرين ، طالت حياته وأدركه النبي صلى الله عليه وسلم ، قبل الوحى ، ورآه في عكاظ .

كان يعهد النبي صلى الله عليه وسلم وينتظر ظهوره ويقول: إذا لله دينا خير من الدين الذي أنتم عليه. وكان النبي يترحم عليه ويقول: يحشر يوم القيامة امة واحدة.

وقيل أرثي بيت نطقتة العرب كان لقيس

--

عليك سلام الله قيس بن عاصم * ورحمته ما شاء حتى يترحما

تحية من أوليتهُ منك منة * إذا ذكرت مثلها تملأ الفما

فما كان قيس هلكهُ هلكُ واحد * ولكنه بنيان قوم تهدما

الابيات لبعدة بن الطيب

نطق الجاحظ

نطق الجاحظ في البيان والتبيين: ومن خطباء إياد قس بن ساعدة، وهوالذي نطق فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "رأيته بسوق عكاظ على جمل أحمر وهويقول: "أيها الناس اجتمعوا واسمعوا وعوا. من عاش مات، ومن توفي فات وكل ما آت آت" وهوالقائل في هذه:

"آيات محكمات، مطر ونبات، وآباء وأمهات، وذاهب وآت. ضوء وظلام، وبر وآثام، ولباس ومركب، ومطعم ومشرب . ونجوم تمور، وبحور لا تغور، وسقف مرفوع، ومهاد موضوع، وليل داج، وسماء ذات أبراج. مالي أرى الناس يموتون ولا يرجعون. أرضوا فأقاموا أم حبسوا فناموا".

وهوالقائل:

"يا معشر إياد، أين ثمود وعاد، وأين الآباء والأجداد. أين المعروف الذي لم يشكر، والظلم الذي لم ينكر، أقسم قس بالله إذا لله لدينا أرضى من دينكم هذا".

وأنشدوا له:

فـي الـذاهـبــيــن الأ ولـيـ *** ن من القرون لنا بـصائـر

لـما رأ يـــــت مـــواردا *** للـموت لـيـس لها مصـادر

ورأ يـــت قومي نـحـوها *** يمضي الأصاغر والأكابر

لا يـرجـع الــماضـي ولا *** يـبـقى مـن البـاقـيـن غـابـر

أيـقــنــت أ نـي لا مــحــا *** لة حـيث صار القوم صائر

ونطق الجاحظ أيضا

ونطق الجاحظ في موضع آخر من نفس الكتاب:

ولإياد وتميم في الخطب خصلة ليست لأحد من العرب، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هوالذي روى كلام قس بن ساعدة وموقفه على جمله بعكاظ وموعظته، وهوالذي رواه لقريش والعرب، وهوالذي عجب من حسنه وأظهر تصويبه، وهذا إسناد تعجز عنه الأماني وتنبتر دونه الآمال. وإنما وفق الله ذلك الكلام لقس بن ساعدة لاحتجاجه للتوحيد ولإظهاره معنى الإخلاص وإيمانه بالبعث. ولذلك كان خطيب العرب قاطبة.

ونطق الجاحظ أيضا:

وفي الخطباء منقد يكون شاعرا ويكون إذا تحدث أووصف أواحتج بليغا مفوها بينا، وربما كان خطيبا فقط، وبين اللسان فقط.

فمن الخطباء الشعراء الأبيناء الحكماء: قس بن ساعدة الإيادي، والخطباء كثير والشعراء أكثر منهم ومن يجمع الشعر والخطابة قليل.

ونطق الجاحظ في موضع آخر:

"ونطق أبوعمروبن علاء: كان الشاعر في الجاهلية يقدم على الخطيب لفرط حاجتهم إلى الشعر الذي كان يقيد عليهم مآثرهم، ويفخم شأنهم، ويهول على عدوهم ومن غزاهم، ويهيب من فرسانهم ويخوف من كثرة عددهم، ويهابهم شاعر غيرهم فيراقب شاعرهم. فلما كثر الشعر والشعراء، واتخدوا الشعر مكسبة، ورحلوا إلى السوقة، وتسرعوا إلى أعراض الناس، صار الخطيب عندهم فوق الشاعر. ولذلك نطق الأول :"الشعر أدنى مروءة السري وأسرى مروءة الدني."

نطق: "ولقد وضع الشعر من قدر النابغة الذبياني ولوكان في الدهر الأول ما زاده ذلك إلا حملة". (انتهى كلام الجاحظ).

البداية والنهاية

واتى ذكر قس بن ساعدة في كتاب البداية والنهاية لابن كثير في عدة روايات، يذكر في إحداها أنه لما اتى وفد إياد إلى النبي صلى الله عليه وسلم سر بقدومهم وسألهم عن قس بن ساعدة، فنطقوا هلك يا رسول الله ، فنطق رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مهما نسيت فلن أنساه بسوق عكاظ واقفا على جمل أحمر يخطب الناس، وهويقول... "، فذكر النبي صلى الله عليه وسلم خطبته المعروفة ونطق: "يرحم الله قسا، أما إنه سيبعث يوم القيامة أمة وحده (أوأمة واحدة). وذكروا كذلك حتى النبي صلى الله عليه وسلم سألهم عن قس هل هجر وصية ،يا ترى؟ قيل: وجدوا عند رأسه صحيفة فيها من إنشاء قس بن ساعدة:

يا ناعي الموت والملحود في جدث *** عـلـيـهـم مـن بـقـايا قـولهـم خرق

دعـهم فإن لهـم يـوما يـصاح بـهـم *** فهم إذا انتبهـوا من نومهـم أرقوا

حتى يعودوا بـحـال غـيـر حالـهـم *** خـلقـا جـديـدا كما من قـبله خلقوا

منهـم عـراة ومـنهـم فـي ثـيابـهـم *** منها الجـديـد ومنها المنهج الخلق

ونسبوا إليه قوله

ونسبوا إلى قس بن ساعدة قوله: "كلا بل هوإله واحد، ليس بمولود ولا والد، أعاد وأبدى، وإليه المآب غدا". وقوله: "كلا بل هوالله الواحد المعبود، ليس بوالد ولا مولود". وهذا مطابق لسورة الإخلاص لفظا ومعنا.

واتى في كتاب "النصوص الأدبية" (مخطة الرشاد) ذكر قس بن ساعدة. يقول المؤلفون: "وقد هبط القرآن مصدقا لقوله، مقرا طريقة قس في الإستدلال بعجائب المخلوقات على وجود الخالق" ورووا له هذه الخطبة:

أيها الناس، اسمعوا وعوا، وإذا سمعتم شيئا فانتفعوا، إنه من عاش مات، ومن توفي فات، وكل ما آت آت. إذا في السماء لخبرا، وإن في الأرض لعبرا. ليل داج، ونهار ساج، وسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج. ما لي أرى الناس يمضىون ولا يرجعون،يا ترى؟ أرضوا بالمقام فأقاموا أم هجروا هناك فناموا،يا ترى؟ تبا لأرباب الغفلة والأمم الخالية والقرون الماضية.

يا معشر إياد، أين الآباء والأجداد،يا ترى؟ وأين المريض والعواد،يا ترى؟ وأين الفراعنة الشداد،يا ترى؟ أين من بنى وشيد، وزخرف ونجد،يا ترى؟ أين من بغى وطغى، وجمع فأوعى، ونطق أنا ربكم الأعلى،يا ترى؟ ألمقد يكونوا أكثر منكم أموالا، وأطول منكم آجالا،يا ترى؟ طحنهم الثرى بكلكله، ومزقهم الدهر بطوله، فتلك عظامهم بالية، وبيوتهم خاوية، عمرتها الذئاب العاوية. كلا بل هوالله الواحد المعبود، ليس بوالد ولا مولود". وذكروا له الأبيات المعروفة: "في الذاهبين الأولين ... "

من حكمه

وينسب الرواة إلى قس بن ساعدة حكما كثيرة منها: "إذا خاصمت فاعدل، وإذا قلت فاصدق، ولا تستودعن سرك أحدا، فإنك إذا عملت لم تزل وجلا، وكان بالخيار، إذا جنى عليك كنت أهلا لذلك، وإذا وفى لك كان الممدوح دونك. وكن عف العيلة مشهجر الغنى تسد قومك". ومنها: " من عيرك شيئا ففيه مثله، ومن ظلمك عثر من يظلمه، وإذا نهيت عن الشيء فابدأ بنفسك. ولا تشاور مشغولا وإن كان حازما، ولا جائعا وإن كان فهما، ولا مذعورا وإن كان ناصحا". ونطقوا انه هوأول من نطق: "البينة على من ادعى واليمين على من أنكر"، وأول من نطق: "أما بعد".

--

وحدثنا أبوبكر نطق حدّثنا السكن بن سيعد عن العباس بن هشام عن أبيه نطق: كان قسّ بن ساعدة يفد على قيصر ويزوره فنطق له قيصر يوماً: ما أفضل العقل،يا ترى؟ نطق: فهم المرء بنفسه، نطق: فما أفضل الفهم،يا ترى؟ نطق: وقوف المرء عند فهمه، نطق: فما أفضل المروءة،يا ترى؟ نطق: استبقاء الرجل ماء وجهه، نطق: فما أفضل المال،يا ترى؟ نطق: ما قضي به الحقوق.

المصدر كتاب الامالي للنطقي ج2 ص 43

ذكره في الشعر الجاهلي

والمثير للإنتباه حتى كثيرا من الآيات القرآنية اتىت على منوال هذه الخطبة معنى ولفظا، ولهذا فإن كثيرا من الناس يعتبرون قسا من الأنبياء، وآخرون يعتبرون أقواله من علامات النبوة وإرهاصاتها.

وذكر الدكتور جواد علي قسا بن ساعدة مرارا في كتابه: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام. نطق: ولدى الرواة أبيات ينسبونها إلى بعض الشعراء الجاهليين، هم الأعشى، والحطيئه، ولبيد، ذكر فيها إسم قس، وقد أشيد فيها بفصاحته وبلاغته وحكمته، حتى جعل لبيد لقمان دون قس في الحكم (...)، وقد ضرب المثل بشخصيات جاهلية هجرت أثرا في أيامها، فضرب بها المثل، مثل "أبلغ من قس" ويراد به قس بن ساعدة الخطيب الشهير.

واتى في كتاب الإصابة: "قس بن حذافة بن زفر بن إياد بن نزار الإيادي البليغ الخطيب المشهور. ... وكانت العرب تعظمه وضربت به شعراؤها الأمثال. يقول الأعشى في قصيدة له:

وأحلم من قـس وأجرى من الـذي *** بذي الغيل من خفان أصبح حادرا

ونطق الحطيئة:

وأقول من قس وأمضى كما مضى *** من الرمح إذا مس النفوس نكالها

ونطق لبيد:

وأخـلـف قـسـا لـيـتـنـي ولـعـلـنـي *** وأعـيا على لـقـمان حـكـم التـدبـر

وأشار بذالك إلى قول قس بن ساعدة:

وما قد تولى فـهـوقـد فـات ذاهـبا *** فـهـل يـنـفـعـني لـيـتـني ولعـلني

كان قارئا محررا

ويقول أهل الأخبار ان قسا كان قارئا محررا مطلعا على خط أهل الكتاب، ولكنه لم يكن يهوديا ولا نصرانيا، بل كان حنيفا يدين بالتوحيد. ونطقوا انه كان متصلا بقيصر الروم وفد اليه فاكرمه وعظمه وانه توفي قبيل البعثة سنة 600 م. فإذا شئت الإطلاع على المزيد من أخباره فانظر مثلا: البداية والنهاية، لابن كثير؛ دلائل النبوة، للبيهقي؛ المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، للدكتور جواد علي؛ تاريخ الأدب العربي، لأحمد حسن الزيات، وغير ذلك من المراجع.