الحدود الإثيوپية السودانية

عودة للموسوعة

الحدود الإثيوپية السودانية

بلال المصري
ساهم بشكل رئيسي في تحرير هذا الموضوع

تحديد الحدود بين السودان وأثيوبيا

منليك الثاني.

في 15 أبريل 1891 بعث الامبراطور منليك الثاني تعميماً إلى رؤساء الدول الأوروپية حدد فيه الحدود العملية لامبراطوريته وأيضاً ما اعتبره منطقة نفوذه. ورد في التعميم حتى الحدود الشمالية الغربية للحبشة تمتد من مدينة تومات الواقعة عند ملتقى نهري ستيت وعطبرة إلى كركوج على النيل الأزرق وتضم مديرية القضارف. وأعرب منليك عن عزمه استعادة حدوده القديمة التي تمتد شرقاً حتى الخرطوم وجنوباً حتى بحيرة ڤكتوريا.

يبدوحتى تعميم منليك لم يصل إلى الملكة ڤكتوريا، ولم تفهم به الحكومة البريطانية إلا إبان بعثة سير رينيل رود في عام 1897 للتباحث مع منليك حول بعض المسائل.

كان منليك الثاني يحاول حتى يستغل الصراع الذي دار بين بريطانيا التي تحتل السودان الأنجلومصري) والمهديين في حتى يوسع حدوده على حساب حدود السودان الأنجلو-مصري. ولكي تصفي بريطانيا معضلة الحدود هذه أوفدت الى مندوبها جون لين هارنگتون في أديس أبابا عن طريق كرومر تعليماتها له بأن يوضح الخط الذي سيتبعه في العلاقات بين مصر وإثيوبيا وطلب منه حتى يزيل أية شكوك تكون لدى منليك بشأن وجود بريطانيا في مصر والسودان، كما أوصاه بألا يعترف بأية انادىءات إثيوبية بشأن الحدود الغربية والشمالية الغربية مما ينسحب على أية منطقة كانت تحت الحكم المصري، كذلك ذكر له حتى بريطانيا تؤيد بصفة عامة حقوق مصر في وادي النيل، وبالتالي عمليه ألا يعطي أية ردود على الانادىءات الاثيوبية هذه دون حتى يخط بذلك الى الحكومة. وكان تعيين هذا السفير الانجليزي بناء على اقتراح قدمه السير رنل رود إلى حكومته بعد عودته من رحلته الى اثيوبيا بضرورة انشاء علاقات سياسية دائمة مع أثيوبيا بسبب أهميتها كعامل سياسي في شرق افريقيا ولكي يقف ضد النادىية السيئة التي شنتها الدول الاوروبية الأخرى.

وقد تسلم هارنجتون منصبه في أوائل سنة 1898، وفهم تماما بسياسة منليك التي اعتمدت على سياسة الاحتلال العملي لكي يحقق منشوره الصادر في سنة 1891 بالتوسع في السودان ، وقد افترض جميع من هارنجتون وكرومر بأنه لن يوقف منليك عن توسعاته على حساب مصالح مصر في السودان سوى صدمة، وأن هذه الصدمة لن تأتي الا بعد هزيمة المهديين وبالعمل فقد كانت هزيمة المهديين في أم درمان سببا في تغير الموقف السياسي في اثيوبيا، فقد فزع الاثيوبيين لسقوط الخرطوم، وبذلك تحركوا عل طول الحدود حتى يشعروا أنفسهم في موقف أفضل عندما تبدأ المفاوضات مع الإنجليز الذين نظر الاثيوبيين إليهم على أنهم أكبر قوة في المنطقة، وقد تحرك الاثيوبيين الى داخل القلابات وكانوا ينوون التحرك الى كركوج. وحمل الاثيوبيون فهمهم على المتعة. لهذا فقط طلبت الحكومة البريطانية من مندوبها هارنجتون حتى يطلب من منليك أني قدم مطالبة في الحدود، وبالذات بعد ان احتلت القوات المصرية الانجليزية القضارف والروصيرص في أول نوفمبر سنة 1898. وقد ثار منليك لاحتلال الروصيرص ذات المسقط الهام على النيل الأزرق وكان منليك يطمع في هذه المنطقة والتي تمتد حتى النيل الابيض، وبدأ هارنجتون يتفاوض مع منليك مؤكدا حتى هذه المنطقة ملك مصر. وبالرغم من حتى بريطانيا أظهرت بعض التنازلات عن أرض كانت ملكا لمصر فانه أصر في هذه الفترة من المفاوضات على انادىءاته التي اتىت في منشوره سنة 1891، وبالرغم من حتى هارنجتون أوضح له حتى حكومة بريطانيا لم تقبل هذا المنشور.

المهندس السويسري ألفرد إيلگ، مستشار منليك الثاني.

وكان يؤازر الامبراطور مستشاره السويسري المحنك المهندس ألفرد إيلگ. وسبق حتى أُبلِغَت الحكومة المصرية بأنه في سبيل الحصول على ضمانات بشأن مياه بحيرة تانا والنيل الأزرق، فسيكون من الضروري تقديم تنازلات معقولة في الأراضي لمنليك في لقاء الحصول منه على الضمانات المطلوبة. في ذات الوقت كانت التعليمات الصادرة لهارنگتون تقضي بألا يقبل أية مطالبات من منليك في وادي النيل وتحديداً في الغرب والشمال الغربي لأنه يخضع لسيطرة خديوي مصر. وأن يؤكد لمنليك هيمنة إنگلترة في مصر والسودان.

في مستهل المفاوضات تمسك منليك بالحدود التي نص عليها تعميمه إلى رؤساء الدول الأوروبية. ودفع بأنه طالما حتى بريطانيا لم تعترض عليه فإنها تُعتبر قد قبلته "لأن السكوت يعني الموافقة" وردَّ هارنجتون بأن بلاده لا تعترف بالتعميم ولا بالحدود التي نص عليها. وأضاف أنه لا يكفي حتى يذكر منليك حتى حدوده هي كذا وكذا، لأن القاعدة في إفريقيا هي الاستيلاء الفعال. ويبدوحتى هارنجتون كان يشير إلى ما اتُفِق عليه في مؤتمر برلين في 26 فبراير 1890. وقد تراجع منليك عن التعميم ولكنه طفق يجادل بما اعتبره حقوقه التاريخية.

واستمرت المفاوضات بين المندوب البريطاني ومنليك الذي شكى له حتى بريطانيا قد احتلت مناطق كانت خاضعة له مثل جوري والقلابات، ولكن هارنجتون أوضح له حتى هذه المناطق كانت ملك لمصر واستولى منلكي عليها ابان الصراع بين المهديين والجيش المصري الانجليزي الزاحف. وقد عرض هارنجتون في لقاءة أخرى (22 أبريل) خطا للحدود للمناشة، وكان هذا الخط المقترح يتجه جنوبا من تودلوك الى خوريابوس وضم الحمران وكيداوي والقلابات وديباتيه ودار السماني ودارجوباودار وجوموريني وشنقول. وهذه كلها عرضها باعتبارها بلاداً مصرية، على حتى منليك تمسك ببني شنقول وذلك للمضى الموجود فيها، ولأهميتها الاستراتيجية لمنطقة من السهل الوصول إليها ملاحيا عن طريق النيلين الابيض والأزرق كما أنها تتحكم في جزء مناسب من تجارة السودان وقد ووافقت بريطانيا على ضمها الى منليك . وقد حاول الامبراطور حتى يسيطر على المتمة. وهي مدينة ذات أهمية استراتيجية تجارية في اقليم القلابات تقع على نحو95 كم غربي قندر العاصمة الأثيوبية القديمة، وكان هارنجتون رفض انادىءاته وذلك للأهمية التجارية لهذه المنطقة للسودان.

وكان الاثيوبيون قد استولوا على القلابات وحملوا فهم بلادهم عليها، وذلك عقب فهمهم بنهاية التعايشي في أم درمان، وخط قائد الاثيوبيين في هذه المدينة الى القائد الانجليزي في القضارف بأن دخوله القلابات كان بأمر منليك الذي يرغب في خلق علاقات حسنة معها بغرض فتح الطريق التجاري وانشاء علاقات تجارية بين السودان وأثيوبيا، وأنه ليس بين أثيوبيا وبريطانيا إلا الود. وواضح حتى منليك لم يكن يريد الحرب مع بريطانيا وإنما اتخذ اسلوب المفاوضة معها لكي يحصل على ما يريده ولقد عرض هارنجتون رغبة منليك في ضم القلابات إليه على رنل رود الذي اقترح بأن بريطانيا بحاجة فقط الى القلعة التي كانت في المدينة الجديدة. وعلى ذلك فان منليك يعطي المدينة القديمة شرق خور أبنكارا كمركز تجاري تحت حكمه. وقبل منليك هذا التقسيم. وعلى ذلك أخلى الاثيوبيون القلابات ودخلها المصريون.

أثمرث المفاوضات عن الاقتراح الذي قدمه منليك في 26 مايو1899. عثر هذا الاقتراح قبولاً حسناً لدى هارنجتون ولكنه عُلِّق بإتمام الاتفاق مع الحكومة الإيطالية بشأن الجزء الشمالي للحدود لأنه يمس منطقة النفوذ المخصصة لإيطاليا وفقاً للبروتوكول الإنليزي- الإيطالي المبرم في 15 أبريل 1891.

تم رسم خط الحدود الذي اقترحه منليك على خريطة (Skeleton Map) للحبشة والبلدان المجاورة، بحيث يبدأ خط الحدود في تدلك (Todluc) في الشمال ويسير في اتجـاه الجنوب إلى التقاء الستيت ومايتيب (Setit/Maiteb) بحيث يضم في السودان

رنل رود، كاريكاتير، رسم سپاي لمجلة ڤانيتي فير، العدد 668.سبعة يناير 1897.

كل إقليم قبيلة الحمران. وأما في منطقة الكداوي (Kedawi) فقد تُرك مسار خط الحدود مفتوحاً إلى حتى يتم التيقن عما إذا كانت هذه المنطقة تقع بصفة رئيسة إلى الشرق أوالغرب من الخط المشروح على الخريطة. في منطقة القلابات سارت الحدود إلى الشرق من هذه المنطقة لتهجرها كلها في السودان. ولكن منليك كان تواقاً بشدة لأن يحصل على مدينة المتمة ذات الأهمية الاستراتيجية والتجارية. ناشد منليك هارنجتون لاعتبارات عاطفية حتى يُبقي على فهمه مرفوعاً في المتمة. وطلب من هارنجتون إبلاغ حكومته بأنه لأجل اعتبارات الصداقة يود الاحتفاظ بالمتمة لارتباطه هوشخصياً وكذلك شعبه بالمتمة لأنه يوجد بها مسيحيون، وقتل فيها الملك يوحنا وأريقت فيها دماء شعبه. لذلك وافقت الحكومة البريطانية على تقسيم المتمة إلى قسمين: بحيث يبقى الجزء الواقع شرقي خور ابونخرة في الحبشة ويبقى القسم الغربي في السودان. لفائدة القارئ نذكر حتى يوحنا ملك الحبوش كان قد اغتال في معركة القلابات (مارس 1889) إبان فترة حكم المهدية.

وأما في جنوبي المتمة فقد تبع الخط الحدود الشرقية لقبائل الضبانية (Debanya) ودار سوماتي (Dar Somati)، بينما هجر في الحبشة أراضي قبائل القبا (Gubba) والقمز (Gumaz). واحتفظ للسودان بمنطقتي فامكا وفازوغلي.

كانت بني شنقول مصدر قلق واهتمام بالنسبة لمنليك. وقد ردّت الوثائق البريطانية ذلك إلى موارد المضى الموجودة فيها ومسقطها الاستراتيجي المهيمن بالنسبة للنيل الأزرق. رفض هارنجتون الاعتراف للحبشة بأي حقوق في بني شنقول. ولكنه في نهاية الأمر أبدى استعداده للوصول إلى ترتيب ما يرضي رغبات منليك. وأخيراً تم الاتفاق على حتى تُهجر بني شنقول للحبشة. وفي لقاء ذلك تُمنَح امتيازات التنقيب عن المضى في بني شنقول للشركات البريطانية. وينبغي التنويه هنا إلى حتى خط الحدود من النقطة التي تقاطع فيها حدود ولاية النيل الأزرق الجنوبية الحدود الاثيوبية وحتى بحيرة رودلف قد أصبح يشكل الآن الحدود بين إثيوبيا وجمهورية جنوب السودان.

وبناء على هذه التغييرات في الحدود بين السودان وأثيوبيا فقد تشكلت مجموعاتان للمسح أوفدتا لبحث الحدود وتحديدهما احداهما لمسح الحدود المقتروح من الشمال والأخرى من الجنوب. وبعد ان انتهت هاتان اللجنتان من عملهما أوفدتا تقريرهما الى هارنجتون الذي عرضهما على منليك. وكان سولسبوري قد أوصى هارنجتون بأن يأخذ في اعتباره بأنقد يكون خط الحدود المتفق عليه ملائما لاقامة سلسلة من النقاط على الحدود بني نهري السوباط والنيل الأزرق، وأن يتم تحديد الحدود على الطبيعة بواسطة لجنة مشهجرة. كذلك عليه حتى يحصل على اتفاق من منليك يضمن ألاقد يكون هناك أي تدخل أثيوبي في مياه النيل الأزرق أوبحيرة تسانا عدا الموجود في الاتفاق مع حكومة بريطانيا أوحكومة السودان. وتحصل الحكومة البريطانية على حق بناء خط سكة حديد خلال المناطق الأثيوبية إلى السودان بهدف وصله بأوغندا. وقد استغرق وصول هذه التعليمات الجديدة من لندن إلى هارنجتون بأديس أبابا عدة شهور. ويبدوحتى تأخر وصول هذه التعليمات اثار قلق منليك الى حد حتى هارنجتون أوفد يستعجل في يناير سنة 1901 وصولها مشروحا خطورة تأخيرها حتى لا تسنح الفرصة لفرنسا وروسيا لكي تغير الموقف الودي لمنليك ازاء بريطانيا. والذي استطاع هارنجتون بسياسته حتى يحوز ثقته ويجعل بريطانيا تأخذا مكانا كبيرا عنده. والواقع أنه بفضل جهود هارنجتون السياسية استطاع حتى يزيد من النفوذ البريطاني في إثيوبيا وبالتالي تضاءل النفوذان الروسي والفرنسي.

وبعد حتى تم جميع شيء بين هارنجتون ومنليك ولم يبق سوى الانتظار لتوقيها تقدم منليك بطلبات جديدة حرضه عليها جميع من فرنسا وروسيا منتهزة في ذلك انشغال بريطانيا بحرب البوير في جنوب أفريقيا، وذلك لكي تتوتر العلاقات الطيبة بين أثيوبيا وبريطانيا، وقد تتطور الى اشعال حرب استعمارية بين هاتين الدولتين. على حتى هارنجتون استطاع حتى يحبط هذه المؤامرة وأن يتقدم في أوائل سنة 1902 بمسودة اتفاق، وفي اللقاء أوفد إيلج مستشار منليك الى هارنجتون نسخة أمهرية بها بعض المواد المخالفة للاتفاقية هدمت عمليا جميع ما اتفق عليه حتى هذا التاريخ، ذلك حتى منليك غير الحدود جنوب مليلي لمصلحته، وأدخل مادة بشأن بحيرة تسانا والنيل الأزرق هدمت جميع ما اتفق عليه من قبل، بل أدخل مادة جديدة تنص على حتى هذه المعاهدة سارية المفعول لعشر سنوات، ويمكن انهاؤها عن طريق مذكرة تسلم الى أحد الطرفين قبلها بستة أشهر. وقد رفض هارنجتون هذه المواد التي قدمها اليه ايلج واعتبر حتى هذه العقبات التي توضع لتعطيل توقيع المعاهدة سيكون لها نتائج خطيرة وسيئة. على أنه لم ينقضي اثنا عشر يوما حتى كان قد تم الاتفاق على مواد المعاهدة كما أرادها هارنجتلون، وقد ساهمت الدبلوماسية الإيطالية مع الدبلوماسية البريطانية في معارضة محاولات فرنسا لعرقلة اتمام هذا الاتفاق حتى تم في النهاية لهارنجتون من توقيع في 15 مايوسنة 1902 الذي بمقتضاها تم تخطيط الحدود أخيرا بين السودان الشرقي وأثيوبيا، وذلك بعد صراع كبير بدأ في عهد محمد علي باشا عندما امتدت الادارة المصرية الى السودان، كان سببه عدم تحديد الحدود واستمر طوال القرن التاسع عشر حتى تم أخيرا في أوائل القرن العشرين تحديد هذه الحدود وبالتالي استقرت الاوضاع بين مصر وأثيوبيا.

وكان أبرز بنود في 15 مايوسنة 1902، ما اتى في المادة الأولى من تحديد الحدود بين أثيوبيا والسودان المصري الانجليزي. ويسير خط الحدود من خور أم حجر على نهر ستيت إلى القلابات فالنيل الأزرق جنوب فامكه فنهر باروونيبور واكروبوالي مليلي، ومنها الى نقطة تقاطع الخط السادس من خطوط العرض الشمالي مع الخط الخامس والثلاثين من خطوط الطول شرق جرينتش. وبعبارة أخرى فان الأجزاء السفلى من نهر عطبرة والنيل الأزرق والسوباط تخضطع للحكم المصري الإنجليزي في السودان، كما تعهد منليك قبل ملك بريطانيا بعدم تشييد أوالسماح بتشييد أي بناء في النيل الأزرق وبحيرة تسانا أونهر السوباطقد يكون من شأنه منع جريان المياه إلى النيل الا بالاتفاق مع حكومة جلالة ملك بريطانيا وحكومة السودان. كذلك تعهد منليك بأن يسمح لحكومة السودان باختيار بترة أرض بجوار ايتانج على نهر بارولا يزيد طولها عن ألفي متر ولا تزيد مساحتها عن 400 ألف متر لاحتلالها وادارتها محكمة تجارية ما دام السودان قد خضع للحكم المصري الانجليزي. وقد اتفق على ألا تستخدم هذه الأرض في الأغراض السياسية أوالحربية. ووافق منليك أيضا على منح الحكومة البريطانية وحكومة السودان الحق في انشاء خط حديدي عبر الأراضي الاثيوبية لربط السودان باوغندا وذلك من الناحية الشرقية، لأن الناحية الغربية منخفشة وكثيرة المستنقعات وسوف تتفق الحكومتان السودان وإثيوبيا فيما بينهما على طريق هذا الخط الحديدي.

وبهذه المعاهدة استقرت الأوضاع في حدود السودان مع إثيوبيا ، وانعكس ذلك على العلاقات بين مصر وإثيوبيا التي تحسنت أخيراً بعد حتى انتهت معضلة الحدود التي كانت عاملا أساسيا في توتر هذه العلاقات.


الوضع الراهن للحدود

الوضع الراهن لهذه الحدود يشير إلي حتى هناك تنازعاً بين البلدين فيما يتعلق بحدودهما خاصة مع إستمرار المزارعين الإثيوبيين في إنتهاك الحدود المبينة بتقرير المساحة السودانية , فهؤلاء المزارعون يقومون بالزراعة والحصاد في المناطق الزراعية السودانية المُتاخمة للحدود مع إثيوبيا بالفشقة والدمازين وهي من المناطق الخصيبة , ووفقاً لتصريحات متكررة من المسئولين بالبلدين فإن هناك إتجاه لتسوية هذا النزاع الحدودي , ومن بين هذه التصريحات تصريح أدلي به علي كرتي وزير خارجية السودان بمناسبة زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي Hailemariam Desalegn للخرطوم في ثلاثة ديسمبر 2013 أشار فيه إلي " حتى السودان وإثيوبيا أنهيا خلافهما الحدودي بمنطقة الفشقة وأن الرئيسان يفترض أن يسقطان وثيقة تاريخية تضع الخطوط الحدودية بصفة نهائية " من جهة أخري صرح وزير الخارجية الإثيوبي Tederos Adhanom بأن " الجانبان يعملان علي جعل الحدود هادئة سلمية بينهما " ., وبعد إجتماع عقده عسكريين من الجانبين في ولاية Gambellaالإثيوبية سقطت الحكومتان عقب زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي للخرطوم في ديسمبر 2013علي إتفاق يقضي بالعمل المُشهجر لوضع تدابير من شأنها لقاءة التهديدات الأمنية الإقليمية بتأمين السلام علي حدودهما المُشهجرة , وأعرب في 18 أغسطس 2014 عن حتى أعمال الدورة الحادية عشر المعنية بالمسائل العسكرية في إجتماعها في أديس أبابا توصلت إلي إتفاق بإنشاء قوة عسكرية مشهجرة من البلدين بقيادة موحدة لتأمين الحدود تعمل فيثمانية مواقع للقاءة المهددات الحدودية وأن هذه القوة سيتم تمركزها في هذه المواقع في سبتمبر 2014, وقد علقت صحيفة Sudan Tribune علي هذا بأنه وإزاء عدم ثقة الرأي العام بالبلدين في تصريحات الحكومة الإثيوبية وحكومة الرئيس البشير بهذا الشأن فإن الجانبان يحاولان التوصل لإتفاق يضع نهاية لخلاف قديم , وأحالت علي مسئوليين إثيوبيين قولهم حتى إتفاقاً أمنيا يضع نهاية لهذا الخلاف الحدودي يعتبر أمراً ضرورياً في إستراتيجية الدفاع الإثيوبية فهويمكنها من تجنب أي نشاط هدام Sabotage محتمل ضد مشروع سد النهضة الذي يقع علي مسافة 40 كم من الحدود السودانية / الإثيوبية , لكن وبالرغم من كثير من التصريحات الإيجابية في شأن النزاع المزمن علي الحدود ,فإن الموقف بشأن هذا النزاع ما لبث حتى إشتعل مجدداً ففي 30 يونيو2014 نشرت بعض وسائل الإعلام ومنها وسائل إثيوبية حتى الموقف الحدودي عاد للتأزم بعد حتى قتلت قوة إثيوبية مجهولة بإستخدام المورتار والأسلحة الآلية جندياً سودانيا بالمنطقة الحدودية بين البلدين وأن القوات السودانية ردت علي الفور علي مصدر النيران .

نشرت صحيفة Sudan Tribune وأذاع راديوDabanga في16 يناير 2016 حتى اللجنة الفنية المعنية بإعادة رسم الحدود تخطط لإستكمال عملها هذا العام وأحالت علي رئيس الجانب السوداني باللجنة قوله " إذا عملية ترسيم 725 كم من الحدود تمضي قدما بشكل جيد " , وتزامن مع هذا التصريح تصريح آخر لوزير الخارجية السوداني إبراهيم الغندور أشار فيه إلي حتى الحكومتان الإثيوبية والسودانية تتعاونان لتطويق أنشطة العصابات بولاية القضارف السودانية بشرق السودان , وأكد في تصريحه علي حتى منطقة الفشقة منطقة سودانية ( تبلغ مساحتها 250 كم مربع وبها 600,000 فدان يتم ريهم من أنهار العطبرت وستيت وBaslam ) , وأن الحكومة السودانية في إطار إتفاق ثنائي مع إثيوبيا تسمح للمزارعين الإثيوبيين بتجاوز الحدود الإثيوبية للزراعة في هذه المنطقة السودانية , ومازال الخلاف الحدودي لم يسوثنائياً بعد .

الحدود السودانية مع إرتريا

وفقاً لتقرير مصلحة المساحة السودانية فإن حدود السودان مع الجزء الشمالي من إثيوبيا ( إرتريا ) تحدد حدود إرتريا مع السودان وفقاً للآتي :-

ألف - بروتوكول 15 أبريل 1891 بين بريطانيا وإيطاليا الذي يُوضح مناطق نفوذ الدولتين في شرق أقريقيا ما بين رأس قصار علي البحر الأحمر إلي الجزء الجنوبي من النيل الأزرق .( تقرير هرتسلت نمرة289 صفحة 949 ).

باء – إتفاقية 1895 بين مصر وإيطاليا والموُقع عليها بالقاهرة في 25 يونيووأسمرا فيسبعة يوليو1895 , وتبين هذه الأإتفاقية الحدود بين الدولتين في المنطقة الواقعة بين رأس قصار علي البحر الأأحمر إلي تقاطع خط العرض 17 درجة شمالاً مع خط الطول 37 درجة , كما تنظم علاقات العرب الرحل التابعين لكل من الدولتين . ( هرتسلت نمرة 338 صفحه 1108 )

ج - لائحة ACT تنازل إيطاليا لمصر عن طابية كسلا التي سقطها الجانبان في 25 ديسمبر 1997. ( هرتسلت نمرة 339 صفحة 1109).

د - إتفاقيةسبعة ديسمبر 1898 بين مصر وإيطاليا والتي تُعهد بإتفاقية بارسونز- مارتسيزيني وتتضمن وصفاً للحدود بين السودان وأرتريا من رأس قصار علي البحر الأحمر إلي تقاطع خور أمبكتا مع خور( نهر) بركة , وقد نص فيها علي قيام لجنة حدود مُشهجرة من الجانبين لوضع الحدود علي الأرض في مدي ستة أشهر من تاريخ توقيع الإتفاقية . ( هرتسلت نمرة 340 صفحة 1110 )

هاء - إتفاقية الأول من يونيو1899 بين السودان وإرتريا وهي تشتمل علي المنطقة ما بين تقاطع خور أمبكتا مع خور (نهر) بركة وهي النقطة التي إنتهت عندها إتفاقية 1898 المُشار إليها بالفقرة (د) منها حتي سبدرات , وقد تم تحديد هذا الجزء مع الوارد في إتفاقية 1898 وأُرفق مع الإتفاقية جدول به وصف للعلامات التي وُضعت علي الأرض وعددها 27 علامة وقد سقط علي هذا الجدول الماجور/ ولتر في 12 يوليو1899 . ( هرتسلت نمرة 342 صفحة 1113).

واو- إتفاقية 16 ابريل 1901 بين السودان وإرتريا والمعروفة باسم إتفاقية تالبوت – كوللي , وهي تُعهد الحدود من سبدرات آخر نقطة في الإتفاقية المُشار إليها في فقرتها (هاء) إلي جبل أبوجمل فنهر العطبرة حتي تقاطعه مع نهر ستيت ثم إلي نقطة تودلك علي نهر القاش , وقد أُلحق مع الإتفاقية جدول يصف العلامات التي وضعها علي الأرض وعددها 11 علامة . ( هرتسلت نمرة 343صفحة 1115 ).

ز - التصريح DECLARATION الصادر عن الحكومتين البريطانية والإيطالية في 22 نوفمبر 1901 والذي بموجبه تم تعديل إتفاقية تالبوت – كوللي بفقرتها (واو) بحيث أصبح الخط الممتد من ابوجمل إلي ملتقي خور أم حجر مع نهر ستيت هوالحد الفاصل بين السودان وإرتريا , ونتيجة لهذا التعديل أصبحت الأراضي السودانية الواقعة شرق هذا الخط والأراضي الإرترية هي الواقعة غربه . ( هرتسلت نمرة 291 صفحة 1020 (

ح - معاهدة 15 مايو1902 بين حكومات بريطانيا وإيطاليا وإثيوبيا وهي بمثابة تأييد للبيان المُشار إليه المُتعلق بتعديل إتفاقية تالبوت- كوللي في فقرته ( ز) . (هرتسلت نمرة 100 صفحة 433 المادة الثانية).

ط - وُصفت علامات الحدود التي تم وضعها في 18 مارس 1903 ببروتوكول تالبوت – ماريللي بواسطة لجنة مُشهجرة من الجانبين السوداني والإرتري , وتغطي هذه العلامات المنطقة من جبل أبوجمل حتي منحني نهر ستيت وهي المنطقة اللقاءة لمصب خور رويان , وتم بموجب بروتوكول تكوين هذه اللجنة تطبيق بيان 22 نوفمبر 1901 والإتفاقيتين المُشار إليهما في الفقرتين (ز) و( و) أعلاه مع تعديل نقطة النهاية بحيث أصبحت النقطة الجديدة تبعد نحو11 كيلومتر غرب النقطة المُشار إليها في الم\عاهديتين سالفتي الذكر . (هرتسلت نمرة 344 صفحة 1117).

ف - التقرير الخاص بتعديل الحدود المُشار إليها في إتفاقية 1898 الفقرة (د) أعلاه في المنطقة الواقعة بين جبل جابالكي وجبل تفلني ( مساحة قدرها عشرة ونصف كيلومتر مربع ) والذي وضعه الجانبين الارتري والسوداني في 19 يناير 1904 . (هرتسلت نمرة345 صفحة 1118(

ك – التقرير الخاص بتحديد علامات الحدود في المنطقة ما بين جبل إنجاها ورأس قصار ( تقع ضمن المنطقة التي ضمتها إتفاقية 1898 ) وقد تم الإتفاق علي ذلك بين الجانبين السوداني والإرتري في 18 ديسمبر1907 ووضعت 50 علامة حدود إضافية علي طول 35 كيلومتر تقريباً . ( هرتسلت نمرة 377 صفحة 1213 (

ل – وُصفت علامات الحدود في المنطقة الواقعة بين جبل دوبادوب وجبل نبيغر والذي تم الإتفاق عليه بين الجانبين الإرتري والسوداني في أول ديسمبر 1922 ووافقت عليه الحكومتين الإيطالية والبريطانية بتبادل المذكرات في 19 مايو1924 و18 يونيو1924 علي التوالي , وقد أُرفق مع هذا الإتفاق جدول لوصف العلامات الحدودية التي تم وضعها وعددها 36 علامة وسقط علي هذا الجدول مندوبا السودان وإرتريا في كسلا في 26 ديسمبر 1932 .

لكن ليس معني حتى حدود السودان بإرتريا خالية أوتكاد من النزاعات الفنية حتى أمر الحدود مُطمئن للجانب السوداني , في الواقع حتى النظام القائم في إرتريا لأسباب متعددة يتبني إستراتيجية ولا اٌقول سياسة , هجومية ضد السودان ومن بين الأدلة الكثيرة أسوق أكثرها خطورة , فقد صرح رئيس لجنة الحسبة بالمجلس الوطني السوداني ( البرلمان ) لصحيفة " ألوان " اليومية الصادرة بالخرطوم في 12 مارس 1997 " حتى أرتريا نشرت مؤخراً خريطة جديدة تضم فيها مساحة واسعة من الأراضي السودانية في منطقة " طوكر , وأن لها مطامع توسعية في المنطقة الواقعة علي ساحل البحر الأحمر وتسعي لضم أربع محليات بالقرب من طوكر " وأضاف مؤكداً " حتى هناك مُخططاً أرترياً لإنتهاك حرمة المياه الإقليمية السودانية وتهديد موانئ السودان علي البحر الأحمر , وأن القوات الأرترية تربض علي بعد أميال من السودان وتريد ضرب مينائي بورسودان وسواكن , وأن القوات الأرترية وُضعت قبالة الحدود في جميع من رأس قصار وجبل حليباي .

علي وجه الإجمال فإنه يتضح من عرض مرجعيات تحديد حدود إرتريا والسودان – وفقاً لتقرير مصلحة المساحة السودانية - أنها تختلف تماما عن حالة حدود السودان مع إثيوبيا التي أوصي التقرير " أنه لكي تتحدد فلابد من حتى يتم إتصال من الخارجية السودانية لحث الجانب الأثيوبي علي الموافقة علي بروتوكول 1903 " , كما أنه يُلاحظ حتى حدود السودان بإرتريا حددتها خطوات أكثر من تلك التي أُتخذت مع إثيوبيا ويبدوحتى السبب من وراء ذلك النفوذ المصري الذي كان يُخشي منه ومن تمدده علي جانبي البحر الأحمر خصوم مصر والقوي الإستعمارية المتنوعة وعلي نحوخاص البريطانية والإيطالية اللتين كانتا متجهتان للتوسع في شرقي أفريقيا ذلك حتى النفوذ المصري وصل إلي هناك وكرس مكانة مصر في هذه المنطقة التي كان الحزب الوطني الذي أسسه مصطفي تام في ديسمبر 1907 لا ينبتر عن المناداة منذ تأسيسه إلي وحدة وادي النيل لا مصر وحدها بل ومعها السودان وثلاث موانئ علي البحر الأحمر هي زيلع ومصوع وهرر , والتي ورد ذكرها في فرمانات عهد محمد علي باشا والخديوإسماعيل وكانت هذه الموانئ الثلاث تُسمي بالملحقات في هذه الفرمانات فهي كانت مُلحقة بالدولة المصرية وفقاً للفرمان السلطاني المؤرخ في 13 فبراير عام 1841 الذي قلد بموجبه السلطان العثماني لمحمد علي باشا فضلاً عن ولاية مصر مقاطعات دارفور والنوبة وكردفان وجميع توابعها وملحقاتها الخارجة عن حدود مصر بغير حق التوارث وإنما بإدارتها لحساب الدولة العثمانية , وأستطاعت مصر حتى تؤمن البحر الأحمر أوتكاد بحركتها النشطة في سياق إستراتيجية في تقديري لم تقتصر علي تأمين المياه العذبة فقط أي مياه النيل بل وتأمين البحر الأحمر أيضاً نظراً لإرتباطه الوثيق إستراتيجيا بقناة السويس التي أُفتتحت عام 1865 .


مقارنة لتناول السودان ومصر نزاعهما الحدودي مع نزاعاتهما الحدودي مع دول أخري

من إستعراض ملفات الحدود لدي مصر والسودان نجد حتى مصر سوت نزاعاً مع إسرائيل علي العلامات الحدودية علي حدودها الدولية معها وأهم هذه العلامات التي في طابا ولا نزاعاً حدودياً قائماً بين مصر وليبيا لكن هناك نزاع قد يحدث قائماً لكنه مُرتقب مع قبرص وإسرائيل بشأن الحدود البحرية معهما , والنزاع الوحيد المفتوح لمصر حالياً هوالذي مع السودان ويتعلق بحلايب , أما السودان فلديه نزاع حدودي مع إثيوبيا يُحيده الطرفان بالشكل الذي أشرنا إليه ولا خلاف علي الحدود بين ارتريا والسودان , أما الملفين الحدودين المتعلقين بحلايب والحدود بين السودان الشمالي ودولة جنوب السودان فهما مفتوحين ولم يتم تسويتهما حتي اليوم.

تناولت جميع من مصر والسودان بدرجة أوبأخري نزاعهما علي حلايب بأسلوب إستثنائي ومختلف عن القاعدة التي إلتزماها في نزاعاتهما الحدودية مع الدول الأخري , فحلايب إقترب نزاعهما عليها بعمل المنهج المتبع من كلاهما من حد اللقاءة العسكرية لولا تداركهما الأمر عقب زيارة اللواء الزبير محمد صالح نائب الرئيس السوداني للقاهرة والتي أتفق خلالهما بعد لقاءه بالرئيس مبارك علي إنشاء لجنة حلايب التي عقدت ثلاث دورات تفاوضية لإيجاد حل للنزاع , وكانت هذه اللجنة في الواقع بلا صلاحيات ميدانية مما يؤكد أنها لم تكن إلا مجرد مكباح لمنع اللقاءة العسكرية بعد تمركز عناصر القوات المسلحة المصرية بالمثلث في مارس 1992 ولأول مرة في تاريخ هذا النزاع , ويمكن تفهم ضبط النفس الذي مارسته الحكومة السودانية بعدم الإقدام علي رد عمل مماثل -علي الأقل - بسبب خوضها نزاعاً أكبر وأخطر علي أمن السودان القومي في جنوب السودان وكانت حكومة السودان معنية بإنهاء هذا الصراع حرباً أوتفاوضاً مع متمردين مدعومين من القوي الكبري وصراحة من الولايات المتحدة ( في عهد الرئيس كلينتون أعربت الإدارة الأمريكية عن تقديم دعم عسكري لأوغندا وكينيا للقاءة الحكومة السودانية ) ومن طابور خامس ممثل في باقة مُنسقة من المنظمات غير الحكومية.

خلافاً لكيفية تناولها لنزاعها مع السودان علي حلايب سعت مصر إلي حل معضلة العلامات الحدودية بمنطقة طابا وخط الحدود الدولية مع إسرائيل من خلال معاهدة السلام فلجأت للمادة السابعة منها التي تنص علي (1) تحل الخلافات بشأن تطبيق أوتفسير هذه المعاهدة عن طريق التفاوض . (2) إذا لم يتيسر حل أي من هذه الخلافات عن طريق التفاوض فتحل بالتوفيق أوتُحال إلي التحكيم , وقد أستمرت معركة التحكيم بشأن طابا حوالي عامين علي الأقل أي منذ التوقيع علي مشارطة التحكيم بين مصر وإسرائيل في 11 سبتمبر 1986 وحتي صدور حكم هيئة التحكيم الدولية في 29 سبتمبر 1988 , فيما لم تدم مناقشات الجانبين المصري والسوداني من خلال لجنة "حلايب " سوي عام واحد تقريباً بعدها لم تجتمع هذه اللجنة أبداً فقد عقدت جولات ثلاث أولها بالقاهرة في 16 مارس 1992 وآخرها في الخرطوم في 22 فبراير 1993 , بالإضافة إلي أنه لم يتم تفعيل التفاوض من خلال لجنة الإتصال التي أُنشأت بالتوازي مع لجنة حلايب التي عقدت ثلاث جولات كان آخرها في فبراير عام 1993 ثم توقفت نهائياً , وكما لم يكن هناك إتجاه مصري نحوالتوفيق أوالتحكيم بشأن هذا النزاع فإنه فوق ذلك تُرك لتُضاف إليه شرائح مُركبة من سوء الفهم والتوتر مع نقاط إختناق أخري في العلاقات الثنائية تداعت بعمل الإختلاف المنهجي بين نظامين , فقد كان نظام مبارك القابض علي منطقيد السلطة بوسائل وأساليب الديموقراطية الصورية التي تشف أكثر مما تستر مُتحرراً من التمسك بهوية محددة للدولة وهوما جعله لا يدرك أنه بلقاءته غير الرشيدة للسودان ليس في ملف حلايب وإنما كنظام سياسي يري في منهجيته الإسلامية خطراً علي نظامه الشائه الذي لا يمكن لدارس للعلوم السياسية حتى يتعهد علي هوية محددة له , فنظامه لم يكن إلا مثالاً حياً لشخصية دوريان جراي في سيرة Oscar Wilde الخالدة " صورة دوريان جراي " بحيث حتى جميع يوم أوعام يمر علي نظامه تزداد صورته تشوهاً , لذلك كان بنيان الدولة متهالكاً ضعيفاً فمن الثابت حتى الدول ذات الهوية الثابتة نظريات أمنها القومي ثابتة لا تتزعزع , ولذلك ولأن الدولة بلا هوية محددة مُطبقة في أركان الدولة فقد كان النظام السياسي الهش شديد المرونة في إختياراته لأنها لا تقوم علي معايير ثابتة للأمن القومي وإستطاع بناء علي ذلك حتى يتخذ موقفاً سلبياً من المهددات التي حاقت به بل وأصابت دائرة الأمن القومي الحيوية لمصر في السودان الذي ناصبه نظام مبارك العداء لإعلانه عن خياره الإٍسلامي والذي شرع في تطبيق بعض تطبيقاته علي الأرض ( إنشاء ديوان الزكاة ومحاولة إقامة نظام الحسبة ألخ ) , ويجدر بالذكر حتى الجانب السوداني أوضح خلال جولات إنعقاد لجنة حلايب رغبته في التحكيم بتسوية النزاع الحدودي , لكن حالت الصلاحيات المحدودة للجنة وعدم رغبة الجانب المصري أيضاً في تجاوز الجانبين للحيز المحدود "للكلام " عن حلايب إلي حيز التفاوض أوالتوفيق أوالتحكيم بشأنها حلاً للخلاف بصفة نهائية حتي لا تظل نتوءاً غير طبيعي في بنيان العلاقات .

يُضاف أيضاً في معرض بيان تناقض الموقف المصري في تناوله لنزاع حلايب بالمقارنة بمواقف مصرية أخري في نزاعات أوخلافات حدودية أخري , فالموقف المصري بالنسبة للحدود البحرية المصرية مع قبرص ظل لفترة طويلة موقفاً شبه مُتجمد لا حركة واضحة فيه وكأن مصر غير معنية بهذه الحدود , خلافاً لموقف إسرائيل منها التي أتسمت بالحركية والمبادرة بشأن حدودها البحرية مع قبرص, وإذا ما أستبعدنا سوء النية من متخذ القرار السياسي أوحتي الجهل أوقل الغفلة - وهوأمر أستبعده - لأني شخصياً أثناء عملي في قبرص أوفدت محضر لقاءة مع مدير شركة بريتش بتروليوم في قبرص في يناير 2001 ضمنته معلومة مفادها حتى قبرص بدأت في إستكشاف البترول والغاز مع شركته وشركات اخري في المياه الإقليمية قغاية ما يعمله الدبلوماسي حتى يضع الحقائق أمام أجهزة الدولة كي تتحرك , إلا حتى الحركة المصرية لم تعني بذلك بالعكس تحركت في إتجاه آخر تماماً وهوعقد صفقات خاسرة في الغاز الطبيعي مع إسرائيل وأسبانيا بأسعار متدنية أماطت اللثام عن حتى من يديرون مصر حفنة من اللصوص العملاء والخونة مهمتهم المكلفين بها هي صناعة الفقر , فالموقف المصري من الحدود البحرية مع قبرص ظل جامداً بشكل ملفت إلي حتى تم مع قبرص واليونان مؤخراً بشكل أثار جدلاً , ولوقُورن تسوية الحدود البحرية لمصر مع السعودية وقبرص واليونان نجد أنها سُويت بهدوء تام وبمذكرات متبادلة في مراحلها الأولي , فيما نجدأن النزاع الحدودي البري علي مثلث حلايب يُدار من الجانبين بشكل تحريضي فالمثلث الذي بقي مهملاً منذ إستقلال السودان عن مصر في أول يناير 1956 حتي دخول القوات المسلحة المصري إليه في مارس 1992 تتسم الحركة فيه بنشاط غير إعتيادي لفإعلنت مصر عن إنشاء قسم شرطة فيه ومديريات للتعليم والصحة ومخطاً لشئون القبائل ألخ بل وتحركت صوبه فجأة أجهزة الدولة المصرية ومثال لذلك ما أعربه سيد أبوالفتوح رئيس الوحدة المحلية لمدينة شلاتين من حتى مركز بحوث الصحراء التابع لوزارة الزراعة بدأ العمل في إقامة أول مغرسة نموذجية بمنطقة وادي حوضين علي مساحة 58 فدان وأنه سيتم توسيع زراعة الخضر والفاكهة مستقبلاً , كما أشار إلي الإنتهاء من عدة مشروعات جديدة بالمنطقة منها المركز السياحي علي مساحة ألف متر بتكلفة 5,5 مليون جنيه مصري وأنشاء مدرستين واحدة في شلاتين والأخري في أبي رماد علاوة علي معهد أزهري وتزويد قريتي حلايب وحميرة بمولدي كهرباء ألخ . ( صحيفة الأهرام بتاريخ 16 أبريل 2002 (

خطي السودان في نزاعه الحدودي مع جنوب السودان نحوقبول التحكيم بشأن منطقة Abyei وإن دل ذلك علي شيئ فإنما يشير علي حتى السودان يمكنه الأخذ في نزاعه مع مصر بخيار التحكيم , مع الأخذ في الإعتبار نجد حتى نزاع Abyei بالرغم من حتى الحكم الصادر بشأنه أعتبرلصالح السودان إلا أنه لم يجد سبيلاً للتطبيق حتي الآن وربما - من وجهة نظر البعض - كان في قبول التحكيم وتجميد تطبيقه خياراً وجدت حكومة الخرطوم أنه ضرورة في لقاءة الضغوط الأمريكية التي عملت علي محور ثنائي ودولي لتكثيف هذه الضغوط خاصة وأن الخرطوم لا تملك حلفاء حقيقيون لا في الحرب ولا في التفاوض وهذه حقيقة مؤسفة لا تُنسب للسودان بقدر ما تُظهر المساحة الحقيقية من التأثير التي يشغلها الحلفاء العرب في سياسة الولايات المتحدة , وهي حقيقة أدركها السودان مبكراً ولهذا مضي في سبيل التفاوض مع التمرد الجنوبي مُتمثلاً في الجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة جون جارانج لحسم الصراع في الجنوب الذي حاول الأخوة في السودان منعه لولا أنهم كانوا في ساحة الوغي وحدهم ولا يتذكرهم الأشقاء العرب الإفتراضيين إلا عندما يتذكرون " سلة غذاء العالم " , وأعتقد حتى التاريخ عندما يذكر هذه الفترة - علي الأقل من سنة 1952حتي الآن - علي مستوي العالم العربي سيقرر حتى العالم العربي تولي أمره أناس غير مؤهلين لقيادة دول وأن إمكاناتهم الذهنية والنفسية لا تناسب عصر الدول , ولذلك تمت إدارتهم من قبل الأعداء بالترغيب والترهيب وكان غضبهم وقسوتهم وغباءهم أي هؤلاء القادة الإفتراضيون موجهاً لشعوبهم فقط , وكانت النتيجة هزائم ونكبات وتدهوراً إقتصادياً وتجريفاً للتربة السياسية ومزيد من القطرية بحيث أصبحت الجامعة العربية مقصفاً يرتاده هؤلاء القادة لتسوية أمور لا علاقة حقيقية أوعملية لها بالدول ولا بالأوطان .

مع ذلك فلم يكن السودان هوالأخر بأقل من مصر تناقضاً في تناول ملفات نزاعاته الحدودية فلوتأملنا ملف النزاعات الحدودية السودانية قبل إنفصال جنوب السودان فيتسعة /7/2011 أوبعده وليومنا هذا لوجدنا تبايناً واضحاً بين تناول السودان لنزاعه مع مصر علي حلايب وبين نزاعاته الحدودية الأخري وأهمها النزاع الحدودي السوداني الإثيوبي في مناطق الفشقة وهي منطقة زراعية خصيبة تبلغ مساحتها حوالي 1700 كم مربع وهي من أجود الأراضي الزراعية في السودان وتقابلها من الناحية الإثيوبية (من وجهة النظر السودانية ) منطقة صحراوية أصيبت بالقحط والجفاف , وينشب خلاف متكرر علي هذه المنطقة ويذكر الجانب السوداني حتى المزارعين الإثيوبيين طردوا المزارعين السودانيين من هناك ويقومون بزراعة المنطقة تحت حماية القوات الإثيوبية حتي الحصاد ونقل المحاصيل لأديس أبابا , وبالرغم من حتى هناك من الأخوة السودانيين ما يبرر هذا التناقض بين موقف السودان في قضية حلايب وموقفه المُهادن في قضية الحدود مع إثيوبيا بأنها مرتبطة بنطاق إستراتيجي أكبر تدخل فيه موضوعات حيوية كملف مياه النيل والعداء الأرتري للسودان - بالرغم من النظام الإثيوبي مختلف كالنظام المصري في توجهاته الخارجية عن السودان – لكن هناك أيضاً من يقول حتى السودان وإثيوبيا بحثا عن نقطة مشهجرة يلتقيا عندها ومضيا يؤكدانها ويوسعان نطاق حركتهما المشهجرة , لكننا نجد أنه وبالرغم من حتى معظم اللجان المُشهجرة بين السودان وإثيوبيا تناولت موضوع الحدود وبالرغم من حتى الجانبان العسكريان السوداني والإثيوبي سقطا في 18 إبريل 1995 علي محضر المباحثات الثنائية بمدينة القلابات الحدودية نص في فقرة منه علي أهمية التنسيق المُشهجر في مجالات الزراعة والحفاظ علي الغطاء النباتي ومواصلة اللقاءات المُباشرة بين المسئولين وعقد إجتماع ربع سنوي للمتابعة , بالرغم من جميع هذا إلا ان إنتهاك الإثيوبيين لمنطقة الفشقة مُستمر حتي أيامنا هذه , بل ويلفت الإنتباه في معرض التأكيد علي تناقض أوعلي الأقل التمييز والإنتقائية في تناول السودان لملفات نزاعاته الحدودية حتى منطقة النزاع الحدودي مع إثيوبيا وهي منطقة من أخصب أراضي السودان وقربها من منابع النيل يتم تناولها في إطار " لجنة تنمية الحدود الإثيوبية / السودانية " التي عقدت إجتماعها العاشر بمدينة جامبيلا الإثيوبية ولمدة ثلاثة أيام بدءاً من 19 أكتوبر 2007 وشارك فيها 150 إنسان من الرسميين والفعاليات الشعبية, وترأسها عن الجانب السوداني والي القضارف وعن الجانب الإثيوبي حاكم إقليم جامبيلا الإثيوبي , ونقل الإعلام السوداني وقتها عن رؤساء أنطقيم أمهرا وجامبيلا وتيجراي الإثيوبية قولهم حتى هذا الإجتماع سيعزز العلاقات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والأمنية والزراعية , وكانت هذه اللجنة في إجتماعها الثامن قد أوصت بالإسراع في عملية ترسيم الحدود بين البلدين خاصة مع تكرار إختراق المزارعين الإثيوبيين للحدود السودانية والزراعة في مناطق بالقلابات السودانية , أما في حالة النزاع الحدودي مع مصر علي حلايب وهي منطقة نائية عن الإدارتين المصرية وكذلك السودانية وجرداء فقد أنشأت السودان من أجلها عام 1992 ما أسمته " لجنة الدفاع عن العقيدة والوطن" , أما مصر فقد غفلت عن حتى توسيع السودان لمفهومها عن النزاع بحيث يرقي إلي مستوي الدفاع عن العقيدة والوطن إنما يعني أنها تري في مصر خصماً في هويتها وأنها تعرض أمنها القومي للخطر , وهوما لم تعيه الإدارة السياسية المصرية لهذا النزاع الذي تناولته بوسائل التسويف والإهمال التام لردود عمل الجانب السوداني وهوما لم تعمله – علي الأقل من وجهة نظر سودانية – في ملفات نزاعها الحدودي مع إسرائيل والسعودية .

المُثير في الأمر وتأكيداً للتناقض حتى والي القضارف السودانية أوضح في حديث له بمناسبة الإجتماع الثامن للجنة المُشار إليها في مارس 2005 حتى لجنة ترسيم الحدود بين البلدين يعتريها الكثير من الضبابية خاصة فيما يلي حدود ولاية القضارف السودانية مع إثيوبيا طيلة السنوات الماضية , وأن هذه اللجنة قامت بجهد كبير أسفر عام 2002 عن تطابق تام في وجهات النظر علي المستوي " النظري " أي الخرائط وأن الجانب الإثيوبي لم يتقدم بخرائط غير الحدود المُتعارف عليها في الأطالس والمؤسسات ليطوي هذا الملف نهائيا وأن المطلوب الآن حتى يُطبق ذلك علي الأرض من خلال إعادة الترسيم أي وضع العلامات , وأن هذا ما يجري الإتفاق عليه بين الجانبين , وأن الإتفاق سيساعد علي التعهد علي حدود السودان وبالتالي تحديد تبعية الأماكن التي يقوم المزارعين الإثيوبيين بالزراعة فيها , وتصبح هناك خيارات لحل هذه الإشكالية منها السماح بالزراعة داخل حدود السودان وفقاً للقوانين السودانية أويغادروا الأراضي السودانية واصفاً " تمدد" وإنتشار الإثيوبيين داخل منطقة جبل دقلاش بأنه غير شرعي ومرفوض من قبل الولاية التي لم يسبق حتى أنتشر فيها المزارعين الإثيوبيين مثلما إنتشروا سابقاً في الفشقة الكبري والصغري .

بالرغم من هذا التناقض وإستبدال لفظ " تمدد " بدلاً من " إنتهاك " الحدود عن حديث الرسميين السودانيين عن تجاوز الإثيوبيين للحدود السودانية لزراعة أراض سودانية , إلا أنه تجب الإشارة إلي حتى السودان يعي قدر الخطورة البالغ علي أمن السودان القومي في شقه الإقتصادي لمنطقة الحدود مع إثيوبيا تحديداً , ذلك أنها قريبة نسبياً من مناطق الثقل الإقتصادي بالسودان التي بها منشآت إقتصادية كخزاني الروصيرص وسنار ومصانع سكر كنانة ومناطق الزراعة الكثيفة وهي جميعاً في مرمي المدفعية الإثيوبية ( من جهة أخري فسد النهضة لا يبعد بأكثر من 40 كم عن الأراضي السودانية) , كما حتى إثيوبيا بدورها ليست في وارد تصعيد نزاع الحدود مع السودان الذي يسعي بنفس الدرجة لكبح أي نزاعات حالية أومرتقبة مع إثيوبيا التي ترغب إبعاد إحتمالات دعم السودان للمعارضة الإثيوبية خاصة في نطاق مسلمي الأرومووالتيجراي , كما أنها وبعد إستقلال إرتريا فقدت إثيوبيا منافذها علي البحر التي اصبحت داخل سيادة أرتريا التي فرضت رسوم باهظة علي واردات وصادرات إثيوبيا بميناء عصب مما جعل إعتماد إثيوبيا مقصوراً علي جيبوتي وبورسودان , يُضاف إلي ذلك حتى السودان أمد إثيوبيا بالبترول من مصفاة الجيلي (خارج الخرطوم) بصفة منتظمة فوصلت العلاقات الإثيوبية السودانية لنقطة إتزان تكاد حتى تكون غير مسبوقة وهي في جميع حال تجاوزت منسوب العلاقات المصرية السودانية بكثير , ونخلص من المقارنة بين تناول مصر والسودان لنزاعهما الحدودي بحالة نزاع الحدود السودانية الإثيوبية لنلاحظ ما يلي:

  • طبيعة وجغرافية منطقة حلايب صحراوية والثروات بها تعدينية , فيما منطقة النزاع الحدودي بين إثيوبيا والسودان زراعية بإمتياز .
  • أنه فيما تناولت لجنة مُخصصة نزاع حلايب برئاسة وكيلي وزارتي الخارجية السوداني والمصرية توقفت بعد ثلاثة جولات , نجد حتى النزاع السوداني مع إثيوبيا تتناوله لجنة دائمة أخذت مُسمي لجنة تنمية الحدود يرأسها محافظي منطقتي الحدود والواقع في جزء منها النزاع الحدود إجتماعاتها متتالية مستمرة حتي الآن وإن كانت غير منتجة إلا أنها تحقق هدف مُشهجر كامن لدي الطرفين - جميع بدوافعه – ألا وهوتحييد النزاع عن مجمل العلاقات الثنائية النشطة .
  • حشدت السودان وبقدر اقل مصر الرأي العام بإستخدام وسائل الإعلام في قضية النزاع الحدودي , فيما لم يحظ النزاع الحدودي مع إثيوبيا بنفس القدر من الإهتمام .
  • أنشأت السودان في مستهل أزمة حلايب مع مصر في ديسمبر 1992 ما يُسمي بلجنة الدفاع عن العقيدة والوطن جابت شوارع الخرطوم وحاصرت السفارة المصرية هناك للتعبيرعن إحتجاجها علي الإجراءات التي إتخذتها السلطات المصرية في حلايب .
  • حرصت السودان وبدرجة ما مصر أيضاً علي بيان النزاع في حلايب علي أنه قضية قومية وإستراتيجية .


التقدير

في تقديري أنه وبالرغم من الأهمية الهامشية لحلايب في الخريطة التنموية لمصر والسودان معاً إلا أنها كانت وتظل نقطة ضعف في جسد العلاقات الثنائية , فهي تقع في أقل أنطقيم السودان نمواً أي الشرق والذي يشكودائماً من هذا الضعف التنموي , وهي نفس الحال في مصر فالصحراء الشرقية ومحافظة البحر الأحمر تحديداً التي تقع حلايب إدارياً في نطاقها لا نصيب لها من التنمية فيما وراء الغردقة ولذلك فقد دفع هذا الوضع بعض المهتمين بأمر التنمية بمفهومها الكامل في مصر إلي الدعوة لتقسيم إداري حديث لمصر فنظرة لخريطة التقسيم الإداري وحدود المحافظات المصرية نجد انه تقسيم عفوي لم يوضع إستناداً إلي فكر ودراسة فهمية بل إستناداً للموروث السلطوي والفكر الأمني غالباً فالتقسيم عفوي يعني بالمساحات الزراعية ( متوسط المساحات الزراعية في محافظات قبلي وبحري 400ألف فدان أي 2000 كم مربع ) وفرض الضرائب عليها مع إحكام السطوة الامنية عليها اما ما عدا ذلك من مساحات صحراوية فالفراغ وعدم وجود الظل الإداري للدولة وخدماتها أوما يُعهد بإنعدام التنمية فيها كفيل وحده بالسيطرة الأمنية عليها , وتبلغ مساحة المحافظات الغالب عليها الطابع الصحراوي حوالي 900,000 كم مربع وتعتبر في جميع تعداد الأقل سكاناً وتتوزع هذه المساحة بين الصحراء الشرقية وتشغلها محافظة البحر الأحمر ومساحتها 200,000 كم مربع والصحراء الغربية وتشغلها محافظتي الوادي الجديد بمساحة 300,000 كم مربع ومرسي مطروح بمساحة 250,000 كم مربع ثم محافظتي سيناء ومساحتهما 60,000 كم مربع وللقاءة الضعف التنموي بهذه المحافظات فهناك ضرورة للنظر بشكل فهمي في تقسيم المحافظات الصحراوية بأسلوب مختلف منها مثلاً تقسيمها لمساحات أصغر ودمج جزء من مساحاتها الحالية بمحافظات زراعية متاخمة ووضع حدود إدارية جديدة تكفل تقسيما عادلاً من ناحية المساحة والمرافق والثروات وصولاً لتغيير وتوزيع الكثافة السكانية بين جميع المحافظات وسهولة إدارتها ( كتاب رؤية عصرية لخريطة مصر . دكتور حسين كفافي . الهيئة المصرية العامة للكتاب . الطبعة الثانية .1990 ) فأنت تجد حتى المسافة بين عاصمة البحر الأحمر وحدودها الجنوبية عند حلايب 800 كم ولهذا فلا إمكانية ملموسة لدمج قبائل حلايب في جسم الدولة التنموي والحالة هذه , وتكررت هذه الدعوة بشكل آخر وإن بشكل مختلف مفاده حتمية إنشاء محافظات صحراوية جديدة للقاءة الإنفجارات السكانية ( منطق بعنوان حول حتمية قيام محافظات صحراوية جديدة . د. فهمي الجايح . صحيفة الأهرام .ستة يوليو2002 ) وفي الواقع ومن وجهة نظري أنه من الأيسر والمنطقي حتى تكون التنمية نابعة من المقومات المُتاحة بالعمل في المحافظظات الصحراوية سواء في ولاية البحر الأحمر بالسودان أومحافظة البحر الأحمر في مصر بمعني أنهما تطلان علي البحر الأحمر ومن ثم فأنشطة الصيد وما يرتبط بها من صناعات ستعمل علي تغيير النمط والتوزيع السكاني بالإضافة للإهتمام بشبكة طرق تصل بينهما أي تصل خط التنمية بالبلدين علي البحر الأحمر مما يعمق من الإرتباط الإستراتيجي المدني والعسكري وتحتاج مصر والسودان لهذا .

في الواقع حتى النزاع علي حلايب لم يُثر إلا في الفترات التي تناقص فيه منسوب العلاقات الصنائية المصرية / السودانية عن الحد المناسب لدولتين كانتا إقليماً واحداً في الفترة ما بين 1821 حتي 1953 , وعليه فنلاحظ مثلاً حتى الفترة التي حكم فيها الرئيس السادات من 1970- حتي 1981 لم تشهد أي نوع من اللقاءة اللهم إلا المذكرة الإنذارية شديدة اللهجة التي وجهتها الخارجية المصرية للسفارة الأمريكية بالقاهرة والمُؤرخة في أربعة نوفمبر 1980 والتي وردت فيها هذه العبارة بشأن تواجد شركة بترول أمريكية بحلايب دون إذن من الحكومة المصرية " إذا هذه الشركة الأمريكية تقوم بإجراء مساحة جيولوجية وجيوفيزيقية دون الحصول علي الترخيص اللازم من السلطات المصرية المُختصة وفقاً للقوانين المصرية " , " وطالبت الخارجية السفارة الأمريكية بالتنبيه علي الشركة الأمريكية بوقف هذه الأعمال فوراً , وإلا أضطرت السلطات المصرية المختصة إلي إجراءات شديدة في لقاءتها فضلاً عن تحميلها كافة النتائج القانونية والتعويضات المُترتبة علي ما ترتكبه من أعمال غير مشروعة " , وقد إبتلع بنيان العلاقات الثنائية المتنامي القوة بعمل حياته في بيئة التكامل بين البلدين الذي كان مُطبقاً في هذه الفترة في جميع المجالات , ذلك التكامل الذي أدي مثلاً إلي حتى تمتنع السودان عن سحب سفيرها بالقاهرة بسبب توقيع مصر لمعاهدة كامب ديفيد مع مصر عام 1979 مثلما عملت الدول العربية الأخري .

الفرق القائم بين النزاع علي منطقة حلايب بين السودان ومصر والنزاع الحدودي في منطقة الفشقة والقلابات بين السودان وإثيوبيا هوالفرق في أسلوب التعاطي مع الدولة المُتنازع معها أكثر من كونه مع موضوع النزاع ذاته , أما إذا كنا سنتحدث عن التشابه مع تناول مصر للنزاع علي طابا مع إسرائيل فهوقائم في حالة النزاع الحدودي بين شمال السودان وجنوبه فيAbyei التي تبلغ مساحتها حوالي 10,546 كم مربع حين إتفق الرئيس السوداني عمر البشير مع نظيره رئيس جنوب السودان في يونيو2008 علي إحالة النزاع علي السيادة بمنطقة Abyei علي المحكمة الدائمة للتحكيم في لاهايPCA ( مع ذلك لم يسوالنزاع نظراً لكون المفهوم الذي أشارت إليه هذه المحكمة في حكمها عن " المقيم في Abyei مازال خلافياً وبالتالي مازال هذا الخلاف مُعلقاً) , وعلي أية حال فالتشابه تشابه نسبي وليس مُطلقاً ومع ذلك فقد تناول السودان النزاع في Abyei لأسباب من الممكن تتعلق بطبيعة الصراع بين الشمال والجنوب السوداني وتداخل القوي الدولية فيه ( خاصة الولايات المتحدة) بنفس الأسلوب القانوني أوالقضائي الذي تناولت به مصر نزاعها الحدودي مع إسرائيل علي طابا أي بالتحكيم في النهاية , لكن طبيعة النزاعين الحدودين بين السودان من جهة ومصر وجنوب السودان من جهة أخري فيه بعض التشابه , ذلك حتى حلايب نشأت كنزاع بسبب ما سُمي بالحدود الإدارية كما حتى النزاع الحدودي بين دولتي جنوب السودان والسودان علي Abyei كان بسبب مفهوم الحدود الإدارية في دولة واحدة غير مُقسمة فالحدود بين شمال السودان وجنوبه في أغلبها تم تخطيطها وتعديلها بالأسلوب والمدي الذي أشرنا إليه بواسطة البريطانيين الذين جعلوا جنوب السودان منطقة مغلقة بموجب مرسوم أصدروه عام 1929 وبموجبه يجب علي جميع من يريد دخول مناطق جنوب السودان أويتجر فيها حتى يحصل علي تصريح , وبتالي أصبح السودان منذ هذا التاريخ مُهيئاً لإنفصال , ففي الواقع كانت هناك منطقتين منفصلتين كلية ومن المرجح ان بريطانيا عمدت إلي هذه المستوى أولاً لمنع مصر من بسط السيادة الكاملة علي جنوب السودان وكذلك التمهيد لفصل الجنوب توطئة لضمه لمستعمرات بريطانيا في شرق أفريقيا , وعلي جميع حال فقد كانت السياسة البريطانية في مجملها تعمل علي سلخ الجنوب من جسد السودان وأوضحت ذلك بجلاء في كثير من المناسبات من أهمها من حيث المغزي ما نطقه سير رالف ستيفنسون سفير بريطانيا لدي مصر لوزير الخارجية المصري / محمد صلاح الدين خلال المباحثات بين الوفدين بشأن السيادة علي السودان في 26 أغسطس 1950 حيث نطق مانصه " ... إذا السودانيين يبلغون 7,5 مليون منهم 2,5 مليون من الوثنيين وهؤلاء يتحدثون اللغة العربية , والواقع حتى أن البلد لا تستطيع حتي الآن حتى تحكم نفسها , وطلب مصر الجلاء عن السودان ليس ممكناً من الوجهة العملية , وحتي لوأمكن ذلك وحاولنا تطبيقه وإحلال المصريين محل رعايانا فلن تجدوا عدداً كافياً من المصريين للذهاب إلي السودان " . ( الكتاب الرسمي الصادر عن السودان . المطبعة الأميرية 1953)


الهامش

تاريخ النشر: 2020-06-09 15:06:10
التصنيفات: العلاقات الإثيوپية السودانية, العلاقات الإثيوپية المصرية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

تقارير إيطالية.. حكيمي يرغب بشدة في العودة إلى إنتر ميلان

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-12 18:27:23
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 65%

برنتفورد يتعاقد مع شاده من فرايبورج في صفقة قياسية

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-12 18:27:50
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 62%

تشكيلة المنتخب المغربي.. المحمدي في حراسة المرمى وحمد الله أساسي

المصدر: البطولة - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2023-06-12 21:16:00
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 65%

الوداد يستأنف تداريبه استعدادا لمواجهة حسنية أكادير

المصدر: البطولة - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2023-06-12 21:16:04
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 62%

منها الشوكولاتة والقهوة.. أطعمة تحسن الذاكرة وصحة العقل

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-12 18:27:47
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 70%

المنتخب المصري يحط الرحال في المغرب تأهبا لمواجهة غينيا

المصدر: البطولة - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2023-06-12 21:16:01
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 61%

درجات الحرارة: ما هي أعراض الإنهاك الحراري و ضربة الشمس؟

المصدر: BBC News عربي - بريطانيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-12 21:16:22
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 97%

"كفاءة الطاقة": 2% توفير بالوقود عند استخدام الزيت الموصى به

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-12 18:27:44
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 56%

فوفانا: "أنا فرنسي واللعب لمنتخب فرنسا كان اختيار القلب"

المصدر: البطولة - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2023-06-12 21:16:05
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 70%

الداودي يخرج عن صمته ويكشف ما دار بينه وبين لقجع في منصة التتويج

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-12 18:27:27
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 55%

عِش التأمل.. وديان الباحة ملاذ آمن بعيدًا عن صخب المدينة

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-12 18:27:48
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 67%

الداودي يخرج عن صمته ويكشف ما دار بينه وبين لقجع في منصة التتويج

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-12 18:27:28
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 54%

أهداف جديدة.. تفاصيل جائزة السائق المثالي بالشرقية 2023

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-12 18:27:39
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 50%

ماكرون: الهجوم الأوكراني المضاد جار وسيستمر لأسابيع بل لأشهر

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-12 21:16:40
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 100%

تقارير إيطالية.. حكيمي يرغب بشدة في العودة إلى إنتر ميلان

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-12 18:27:24
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 56%

ألمانيا تعود من بعيد وتنتزع تعادلا قاتلا من أوكرانيا 3-3 وديا

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-12 21:16:32
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 89%

"الطيران المدني" تُهيئ مطاري جدة والمدينة للحجاج القادمين

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-12 18:27:41
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 50%

تحميل تطبيق المنصة العربية