الالتباس، نوع من خلل المعنى يجعل من الصعب تعريف المصطلح أوالعبارة أوالقرار، ما يجعل أكثر من تفسيرٍ واحدٍ مقبولاً ظاهرياً. والوجه الأعمّ من الالتباس هوالارتياب. إلى غير ذلك فهوصفةٌ لأي فكرة أوتعبير لا يمكن فهم معناها المقصود ولا تفكيكه وفقاً لقانون أوعملية تتبع عدداً محدداً من المراحل.

يُقارن مفهوم الالتباس عادةً بمفهوم الغموض. في حالة الالتباس، تُقبل بعض التفسيرات المحددة والبارزة (رغم حتى بعضها لاقد يكون ظاهراً للوهلة الأولى)، في حين أنّه من الصعب في حالة المعلومات الغامضة حتى يُتوصّل إلى أيّ تفسيرٍ بدرجة مرغوبة من التحديد.

يمكن حتى يؤدّي السياق دوراً مهماً في حلّ الالتباس. على سبيل المثال، قد تكون المعلومة ملتبسة الفَهم في سياقٍ معيّن، ولكنها مفهومةً في سياقٍ آخر.

الأشكال اللغويّة

عادةً ما تُعقد المقارنة بين الالتباس اللغوي والالتباس الدلالي (السيمانطيقي). يمثّل الأول وجود خيارٍ بين عدد محدود من التفسيرات ذات المعنى والمعتمدة على السياق. بينما يمثّل الالتباس الدلالي الخيار بين أي عددٍ من التفسيرات المحتملة، والتي لا يوجد لأيّ منها معنى معياري متّفق عليه. يرتبط هذا النوع من الالتباس بشكل وثيق بالغموض.

قد يمثّل الالتباس اللغوي مشكلةً في القانون، إذ يكتسب تفسير الوثائق المكتوبة والاتفاقيات الشفوية درجة قصوى من الأهمية.

الالتباس المعجمي

يتعلق الالتباس المعجمي (المفرداتي) لأي حدثة أوتعبير بكونها تحمل أكثر من معنى في اللغة التي تنتمي إليها الحدثة. تُشير حدثة «المعنى» هنا إلى أي تعريف يجب حتى يذكره المعجم الجيّد. على سبيل المثال، فحدثة bank في اللغة الإنجليزية لها عدة تعريفات معجمية محددة منها «المصرف» و«ضفة النهر».

في الحالة العادية، يوضّح السياق الذي تُستخدم فيه الحدثة الملتبسة أيّ المعاني هوالمقصود. لكن لا تقدم بعض السياقات اللغوية معلوماتٍ وافيةً تفيد في إزالة الالتباس عن الحدثة المستخدمة.

يمكن التصدي للالتباس المعجمي من خلال المناهج الخوارزمية التي تزاوج بين المعاني المناسبة للحدثة في السياق.

يُوجِب استخدام الحدثات التي تحمل أكثر من معنى على المحرر أوالمتكلّم حتى يوضّح السياق الذي يستخدمه، وفي بعض الأحيان عليه حتى يوضّح المعنى الذي يريده (وفي هذه الحالة، كان عليه حتى يستخدم مصطلحاً أقلّ التباساً).قد يكون هدف التواصل الواضح المُوجَز ألّا يقابل المتلقّون مساوئ الفهم بخصوص الرسالة المطلوب إيصالها لهم. يُستثنى من ذلك السياسيّون الذين يراوغون في حدثاتهم ومصطلحاتهم ليحوزوا على تأييد ناخبين من عدّة دوائر انتخابية لديها رغبات متعارضة ويريدون من مرشّحهم إنفاذها.

يُعتبر الالتباس في المعاني أداةً فعّالة في العلوم السياسية.

الالتباس الدلالي والالتباس النحوي (الهجريبي)

يقع الالتباس الدلالي عند انتزاع حدثةٍ أوتعبير أوجملة من سياقها الأصلي فتحملُ أكثر من تفسير.

يقع الالتباس النحوي عندماقد يكون للجملة الواحدة أكثر من معنى بسبب هيكلية الجملة (هجريبها). يحصل هذا بسبب وجود عبارةٍ ظرفيّة، مثلاً.

في اللغات المحكيّة، يحصل الكثير من الالتباس والإبهام بسبب اللفظ، ووجود أكثر من طريقة لترتيب الأصوات داخل الحدثات.

يجدر بالذكر أنه مِن أساليب الكناية حتى يُشار إلى كيانٍ باسم كيانٍ آخر ينوب عنه (مثلاً، وول ستريت تعني سوق البورصة الواقع في ذلك الشارع، أوقطاع الاقتصاد الأمريكي ككلّ).

باستخدام مصطلحات السيميوطيقيا المعاصرة، يمكننا القول إنّ الكناية عبارةٌ عن وظيفةٍ أوعمليّة تضم أي تبديل للحدثة قد يكتنفه الغموض طالما استخدامه في حالة القُرب السياقي (كون الحدثة قريبةً من الحدثة التي تنوب عنها).

الفلسفة

يُمضي الفلاسفة (وغيرهم من العاملين بالمنطق) وقتاً طويلاً ويبذلون جهوداً جبارةً بحثاً عن الالتباس وإزالته (أوإضافته عمداً) في المحاججات لأنه قد يؤدي إلى نتائج غير سليمة، وقد يُوظّف ليُخفي المحاججات الفاسدة.

على سبيل المثال، عندما يصرّح السياسي: «أنا أعارض الضرائب المعيقة للنموّ الاقتصادي» فهذا مثال صارخ على التعميم. فقد يفهم بعض السامعين أنّ السياسي أعلاه يعارض جميع الضرائب لاعتقاده أنّها تعيق النموالاقتصادي، بينما قد يظن بعضهم الآخر حتى معارضة السياسي تقتصر على تلك الضرائب المعيقة للنموالاقتصادي. في الكتابة، يمكن تلافي الالتباس الحاصل بعدة طرق، كأن يُخط: «أنا أعارض الضرائب لأنها تعيق النموّ الاقتصادي»، وهذا هوما فهمه القسم الأول من المستمعين.

أو«أنا أعارض الضرائب التي تعيق النموّ الاقتصادي» وهذه العبارة تنقل ما فهمه القسم الثاني من المستمعين.

يأمل السياسي المكّار أنّ كلّ ناخبٍ سيفهم عبارته بالكيفية التي يفضّلها، فيظنّ الناخب أنّ السياسي في صفّه ويؤيّد مطالبه.

على جميع حال، قد يأتي سياسي آخر منافس للسياسي السابق، ويقلب الطاولة بتوظيفه للعبارة المُلتبسة لصالحه.

يجدر بالذكر أنّ المغالطات المنطقية بأنواعها المتنوعة تعتمد بشكل كبيرعلى الحدثات والعبارات الغامضة.

في الفلسفة القارية (وخصوصاً في الفينومينولوجيا/ الظاهراتيّة والوجودية)، ثمة تسامح واسع النطاق لاستخدام الالتباس ويُنظر إليه على أنه جزءٌ جوهري من الحالة الإنسانية. جادل مارتين هايدجر بأن العلاقة بين الذات والموضوع ملتبسة، كما هوعليه الحال في العلاقة بين العقل والجسم، والجزء والكل.

في فلسفة هايدجر الفينومينولوجية، يوجد الدازين (الوجود أوالكينونة) في عالمٍ ذي معنى، ولكن توجد كذلك دوماً أسس تستند إليها جميع حالات المعنى. بناءً على ذلك، رغم حتى بعض الأمور قد تكون موثوقةً، ولكنها تظل ضعيفة الصِلة بإحساس الدازين بالعطف وقلقه الوجودي، في لقاءة الموت مثلاً.

يتابع جان بول سارتر هايدجر في تعريفه الجوهر البشري على أنه غامض، أومرتبط بشكل أساسي بالغموض.

بناءً على ما قدّمه هايدجر وسارتر، حاولت سيمون دي بوفوار حتى تؤسس فهمَ أخلاقٍ في كتابها (أخلاقيات الغموض)، الذي تشدّد فيه على الحاجة للتعامل مع الغموض:

«طوال الأزمنة التي فكّر بها الفلاسفة والرجال، حاولوا جميعاً إخفاء الغموض. وكانت الأخلاقيات التي اقترحوها لتابعيهم تصبّ جميعها في نفس الاتجاه. لم يكن الأمر سوى محاولةٍ لإزالة الالتباس من خلال جعل مَخْبَر المرء أومظهره نقيّاً، وذلك بالفرار من لقاءة العالم المنطقي أوبالانجرار مع تياره، بالرضوخ لفكرة الأبديّة أوبسجن المرء نفسه في اللحظة الراهنة».

لا يمكن للأخلاق حتى تُبنى على اليقينية السلطوية التي تقدّمها الرياضيات والمنطق، أوتلك التي تأتي مباشرةً من النتائج الإمبريقية للفهم. تُصرّح بوفوار: «بما أننا نخفق في الهروب من الحقيقة، ينبغي علينا إذن لقاءتها. يجدر بنا ألّا نفترض مسبقاً أي يقينٍ بخصوص غموضنا الأساسي. علينا حتى نستقي القوّة للمضي قدماً في هذه الحياة وتعقّلنا السلوكي من الفهم الدقيقة بالظروف الحقيقية لحياتنا».

يفيد غيرهم من الفلاسفة القاريين بأن بعض المفاهيم كالحياة والطبيعة والجنس جميعها ملتبسة وغامضة.

يحاجج كوري آنطون بأننا لا نستطيع التأكد من ماهية الأمور المنفصلة عن بعضها أوالمتصلة ببعضها: فاللغة -بالنسبة له- تفرض التقسيم على ما لا يقبل القسمة في الواقع. كما يحاجج آنطون أنّ الرغبة البشرية في إزالة الغموض عن العالم والوجود بشكلٍ قاطع قد أدّت إلى ظهور الآيديولوجيات المتنافرة وسبّبت أحداثاً تاريخية مؤسفة كالمذابح. بناءً على ذلك، يتابع آنطون، يجب على فهم الأخلاق حتى يركّز على دمج الديالكتيكي المتناقضات وموازنة التعارُض والتوتر القائم، بدلاً من السعي وراء الحقائق واليقين المطلق من غير إعمال الفِكر. ومثل الفلاسفة الوجوديين والظاهراتيين، يرى آنطون حتى الغموض في الحياة هونقطة انطلاق الإبداع والابتكار.

المراجع

التباس في المشاريع الشقيقة

---

• صور وملفات صوتية من كومنز