هل ينتهي عهد الولايات المتحدة كقوة عظمى؟


تواجه الولايات المتحدة الأمريكية حاليًا العديد من الأزمات، والتي ظهرت بعد فشل تعامل الولايات المتحدة مع جائحة كوفيد 19 المعروف إعلاميًا بفيروس كورونا المستجد ، ثم أزمة جورج فلويد .. ومع تواصل الاحتجاجات في الولايات المتحدة ، زادت عدد حالات الإصابة بمرض كورونا المستجد ليقارب المليوني ونصف المليون، لتكون بذلك الدولة الأعلى في عدد الإصابات.

ونقل تقرير حول موقف الولايات المتحدة العالمي ، نشر مؤخرًا بموقع ماديسون Madison عن مقالة نشرت بـ”نيويورك تايمز” حول وضع الولايات المتحدة الدولي عقب تلك الأزمات، قولها بـ”إن الوباء الذي يجتاح العالم عمل أكثر من مجرد “أرواح ومعيشة” من نيودلهي إلى نيويورك .. إنه يهز الإفتراضات الأساسية حول الإستثنائية الأمريكية والدور الخاص الذي لعبته الولايات المتحدة لعقود بعد الحرب العالمية الثانية بإعتبارها امتدادًا لقيمها وقوتها التى جعلتها رائدة عالمية ومثالاً للعالم.”

وجاء بالتقرير: “لم يكن أي من أولئك الذين تمت مقابلتهم قد خمنوا أنهم سيشهدون فوضى مطلقة في مدينة نيويورك، وخطوط لا نهاية لها من الأشخاص الذين يحاولون الحصول على الطعام في جميع أنحاء البلاد، ولا يزال عدد لا نهاية له من العمال في مكاتب البطالة.”

وقال تيموثي جارتون آش Timothy Garton Ash، أستاذ التاريخ الأوروبي في جامعة أكسفورد ، وهو مؤيد متحمس منذ فترة طويلة لعلاقة وثيقة بين الولايات المتحدة وأوروبا : “أشعر بحزن يائس”. وفي نظر العديد من هؤلاء الأوروبيين، وفقًا لصحيفة التايمز، فإن الطريقة التي ينتشر بها الفيروس في الولايات المتحدة تكشف عن نقطتي ضعف كبيرتين – القيادة غير المنتظمة لدونالد ترامب، وغياب نظام رعاية صحية وشبكة أمان اجتماعي قويين للجمهور.

التعامل الأمريكي مع أزمة كورونا

يرى تقرير “ماديسون” أن أزمة جائحة كورونا في الولايات المتحدة قد تفاقمت ليس بسبب استجابة الإدارة البطيئة والإنكار الأولي، ولكن بسبب عقود من السياسات الوطنية التي ساهمت في أكبر اقتصاد غير متكافئ بين العالم المتحضر أيضًا ، فلفترة طويلة جدًا، استسلمت لمطالب النخبة المالية، وانتخب شعبها أن نضع المصالح قصيرة الأجل للبنوك والشركات الكبرى والتكتلات وحملة الأسهم على مصالح بناء اقتصاد أكثر عدالة يشمل كل أمريكي، لا سيمًا رفاهية الفئات الأكثر ضعفًا.

وتقول “ماديسون” : “من الواضح أن الرعاية الصحية هي المثال الأساسي ..منذ ما يقرب من قرن من الزمان ، سمحنا لنظام ربحي بالتحكم في كيفية حصول الأمريكيين على الرعاية، حتى لو ترك عشرات الملايين دون أي تغطية وتكلف ضعيفة لتغطية أولئك المحظوظين بما يكفي للحصول على بعض الحماية على الأقل. حتى الآن، في جائحة، يعاني عدد لا يحصى من المواطنين.”

ويتابع الموقع: “ولكن، هذا مجرد جزء منه ، عندما كنا قلقين بشأن الإحتكارات التي تمارس الاقتصاد بشكل غير عادل، جلسنا وسمحنا بالإندماج بعد الإندماج، مع تركيز السلطة في أيدي جشع أقل وأقل، حتى بين المستشفيات الكبيرة في البلاد ، حتى الآن وباء الجائحة، لدينا أماكن قليلة نلجأ إليها للمساعدة في مكافحة هذا الخطر ، وعلى الرغم من التحذيرات التي تم طرحها على مر السنين ، نظرنا إلى الإتجاه الآخر في حين أن الشركات الأمريكية، التي تبحث دائمًا عن العمالة الرخيصة والأرباح قصيرة المدد تستعين بمصادر خارجية لإنتاجها في الخارج، مدمرة لصناعتنا الخاصة ، لذا في ظل الوباء، علينا أن نعتمد على النعم الجيدة للصين، على سبيل المثال، لمساعدتنا على تكثيف الإختبار والحماية.”

ويشير موقع “ماديسون” أنه بدلاً من إنفاق الأموال على البنية التحتية، بما في ذلك نظام صحي أكثر قوة، قررت الولايات المتحدة منح تخفيضات ضريبية هائلة للشركات الكبرى، التي استخدمت الأموال الإضافية لإعادة شراء أسهمها وزيادة الأرباح لتضخيم قيمها في وول ستريت بدلاً من تعزيز صحتهم الاقتصادية المستقبلية حتى الآن، في جائحة يتوقع من دافعي الضرائب – الأغنياء والفقراء على حد سواء – إنقاذهم.

الوضع الأمريكي على الساحة العالمية

لكن هل كل هذا خرج إلى خارج حدود الولايات المتحدة ؟! بعد إلقاء اللوم مرارًا وتكرارًا على منظمة الصحة العالمية ، لينتهي المطاف بقطع علاقات الولايات المتحدة مع المنظمة ، الأمر الذي اعتبرته الخارجية الروسية ضربة إلى الأسس القانونية الدولية للتعاون في هذا المجال .. بينما أعتبرته الصين “إدمانًا للانسحاب”، حيث انسحبت الولايات المتحدة في عهد دونالد ترامب من كل من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ومن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، ومن اتفاقية المناخ دولية، ومن الإتفاق النووي الإيراني، كما عارض اتفاقية للأمم المتحدة بشأن الهجرة.

ونقل موقع روسيا اليوم، قول المتحدث بأسم وزارة الخارجية الصينية، تشاو ليجيان، إن ذلك يكشف عن سعي الولايات المتحدة لسياسة القوة والإنفرادية”، لكن هل هذا مايحدث فعلاً ؟

لم يتكاتف العالم قبلًا كما يحدث الآن، بل أن الحرب العالمية الثانية التي سمحت للولايات المتحدة بالصعود كقوة عالمية، لم يتكاتف العالم فيها بأكمله كما يحدث في هذه الأيام ، والآن الولايات المتحدة تغرد في كل وقت خارج السرب، والعالم مراقبًا لما يحدث ساعيًا لسد الثغرات التي يتحدث التصرف الأحادي الأمريكي .

بعد انسحاب الولايات المتحدة من تمويل منظمة الصحة العالمية قالت “زخاروفا” : “في الوقت الذي يحتاج فيه العالم إلى توحيد الجهود لمحاربة الوباء، وجهت واشنطن ضربة إلى الأسس القانونية الدولية للتعاون في مجال الرعاية الصحية”، متسائلة : “ماذا يُمكن للولايات المتحدة أن تقدمه للعالم في المقابل”؟.

ومن جانب آخر انتقد سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي يوم الأربعاء، 17 يونيو، عمليات انسحاب الولايات المتحدة المتكررة في مؤتمر صحفي – بحسب روسيا اليوم- قائلًا: “هذه عملية بائسة .. نرى أنها ليست أعمالاً تتخذ لمرة واحدة ولكنها سياسة ونظام واستراتيجية للتخلي عن كل الاتفاقات التي تفرض أي التزامات على الولايات المتحدة، حتى إذا كانت تطلب من واشنطن بكل بساطة التعاون والسعي للتوصل إلى حلول مقبولة ومشتركة”.

في واقع الأمر، لقد بزغ على سطح المجتمع الدولي كل من الولايات المتحدة والأمم المتحدة عقب انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية .. حيث تم تأسيس الأمم المتحدة عام 1945 وانبثقت منها عدة منظمات دولية أخرى كاليونسكو 1945 ومنظمة الصحة العالمية 1948 وأصبحت الولايات المتحدة هي القائد الجديد للعالم.

انهيار الدولار

وبسبب وضع الولايات المتحدة، اتخذ الدولار الأمريكي وضعًا استثنائيًا كالولايات المتحدة نفسها، وهو الأمر الذي أشار له ستيفن روتش، كبير الاقتصاديين السابق في مؤسسة “مورجان ستانلي”، في تقرير آخر لموقع روسيا اليوم، لافتًا إلى عبارة “الإمتياز غير المبرر” له، خرج بها وزير المالية الفرنسي في نهاية الستينيات، والرئيس فاليري جيسكار ديستان في نهاية السبعينيات، وتعني أن وضع الدولار كعملة احتياطية عالمية سمح للولايات المتحدة بطباعة مبالغ لا حدود لها تقريباً من الدولارات، ولديها عجز كبير في الدفع، وفي الوقت نفسه لا يزال اقتصادها مستقرًا ومتينًا، ما يوفر لسكانها مستوى معيشة أعلى بكثير من معظم البلدان المتقدمة.

ورصد ستيفن روتش، كبير الاقتصاديين السابق بإحدى أكبر المؤسسات المصرفية بالولايات المتحدة، أن هذا الوضع ساد لمدة 60 عاماً، وتذمر العالم أثناء ذلك حول هذا الأمر، لكنه لم يفعل شيئا، لكن الأزمة الآن، وفق الخبير، بدأت تغير هذا الوضع.

وتنبأ روتش بانهيار قريب للدولار، ملمحًا إلى أن وضعه الحالي يختلف عن السابق، لأن ضعفه يستند إلى ميزان المدفوعات والسعر الحقيقي.

وأشار إلى أن النظرة التقليدية لسوق الصرف الأجنبي خلال الأزمات تشير إلى أن الدولار لا يمكن أن يسير إلا في اتجاه صعود واحد، موضحًا أن جميع العملات تضعف تقريبًا مقابل الدولار أثناء ما يصفها بالبيئة الاقتصادية الصعبة، مع استثناءات نادرة مثل الين الياباني، وأحيانا الفرنك السويسري.

ووجد الخبير الاقتصادي إمكانية لحدوث انهيار للدولار الأمريكي في نهاية العام الحالي أو في بداية العام المقبل، لافتاً إلى أن الدولار قد ينخفض بنسبة 35% مقابل سلة من العملات، أقل من الحد الأدنى المحدد في عام 2021.

ووصف “روتش” مثل هذا الحدث بأنه غير عادي، لأن الدولار في الماضي كان دائمًا ما ينخفض على خلفية الوضع المستقر في الاقتصاد العالمي، في حين أن مثل هذا الإنهيار الآن، في ظل الأزمة وفترة ما بعد الأزمة، يُمكن أن تترتب عليه عواقب غير متوقعة.

وأكد أنه في البداية يجب الإنتباه إلى معدل المدخرات بالنسبة للأسر والشركات والدولة، ورأى أنه الآن عند مستوى قياسي منخفض في الولايات المتحدة، حيث بلغ في الربع الأول 1.4٪. وكان بالمقارنة تجاوز في المتوسط 7 ٪ خلال الفترة بين عامي 1960-2005. موضحًا أن هذا الأمر يعني عدم وجود احتياطيات داخلية لضمان الاستثمار في الدولة، فيما يتم تعويض هذا الوضع بدقة عن طريق استخدام الدولار كعملة احتياطي و بواسطته يتم جذب الأموال الأجنبية.

كما سجّل الخبير أن الحساب الجاري، وهو المؤشر الأكثر دقة لحركة الأموال والسلع والخدمات، بما في ذلك الاستثمارات، كان في المنطقة السلبية منذ عام 1982، ويميل هذا العجز إلى النمو .. مؤكدًا على أن شدة المشاعر السياسية المحلية والاإقسام في المجتمع الأمريكي، لم يسبق لهما مثيل منذ الستينيات، والفشل في احتواء وباء الفيروس التاجي، كل هذا يقوض الثقة في الإستقرار الإجتماعي والاقتصادي للولايات المتحدة، وبالتالي في الدولار.

صعود الصين

ويستنتج الخبير الاقتصادي أن انخفاض الدولار قد يكون مصحوبًا بتعزيز مواز لعملات الشركاء التجاريين الرئيسيين للولايات المتحدة، وخاصة الإتحاد الأوروبي والصين، التي كانت محل هجوم دائم من ترامب.

الصين .. التي احتفلت مؤخرًا بعيد تأسيسها السبعين، استطاعت –وفقًا لموقع ذا ديبلومات the diplomat – أن تخرج من دائرة الفقر، 800 مليون شخص من جيل واحد ، وهو ما انعكس على وضعها الخارجي، حيث يرى الأمين العام للناتو “ينس ستولتنبرغ” أن الصين دولة تنامي نفوذها يغير توازن القوى في العالم. ملمحًا إلى أن حلف شمال الأطلسي لا يعتبر الصين عدوًا، إلا أنه يجب عليه الإستعداد للرد على تحدياتها.

كما وصف وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، الصين، في حوار مع مجلة Bild am Sonntag نقلته روسيا اليوم بأنها قوة عظمى مستقبلية، وحث على عدم حصر الحوار مع بكين فقط في القضايا الاقتصادية والتجارية، موضحًا أنها أكبر شريك تجاري لألمانيا.

وفيما يتعلق بالتهم الموجهة للصين، بخصوص إخفاء مصدر وأصل فيروس كورونا المستجد، أفاد ماس أن “العديد من دول العالم، ارتكبت أخطاء خلال مكافحة الفيروس في الأسابيع الأولى” ، وتابع: “بالطبع نحتاج إلى شفافية كاملة من أجل كشف أصل الفيروس .. أنا متأكد من أن ذلك يصب، في النهاية في مصلحة الصين”، مؤكدًا أن تأجيل قمة الإتحاد الأوروبي والصين، المقرر عقدها في سبتمبر، يرتبط حصريا بالوباء.

ويبدو أن الصين في اتجاهها لتبوء مناصب جديدة على المستوى العالمي وتقوده نحو رؤية جديدة، فهي، على المستوى الإستراتيجي تستمر في الدعوة إلى عالم متعدد الأقطاب حيث لا يتمتع أحد بإستثناء علوية .. إن دول البريكس BRICS، ومجموعة العشرين، ومجموعة الـ 77، ومنظمة شنغهاي للتعاون (SCO) ، وترتيبات التجارة الإقليمية تزود البلاد بمنصات لمتابعة هذه الأجندة .. يقوض انتعاش الصين هياكل السلطة التقليدية المتأصلة في مؤسسات الحوكمة العالمية الرائدة مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، تضغط بكين على الإصلاحات لإعطاء مساحة أكبر للقوى الناشئة مثلها كي يكون لها رأي أكبر في هذه الركائز المالية الطويلة الأمد.

وتطرق “ذا ديبلومات” إلى أن الصين لا تنوي زعزعة النظام، لافتًا إلى أنها تدعم التعددية في إطار النظام الحالي، حيث أصبحت الصين أكبر مساهم في قوات حفظ السلام من بين الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ثاني أكبر ممول للأمم المتحدة ، ولفت الموقع إلى أن الصين مشاركة نشطة في آلية تسوية المنازعات التابعة لمنظمة التجارة العالمية، وعلى الرغم من المشكلات، فمن المعروف أنها تمتثل حتى للأحكام غير المرغوب فيها ، ومع ذلك فإن الدور البارز للدولة في الاقتصاد الصيني والممارسات التجارية السيئة لا بد أن يحافظ على الاإتكاكات مع الشركاء التجاريين الرئيسيين.

التعليقات

تاريخ الخبر: 2020-06-22 19:21:25
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 57%
الأهمية: 53%

آخر الأخبار حول العالم

روسيا تعلن قتل 1005 عسكري اوكراني هذا اليوم

المصدر: الحرية تي في - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-26 21:20:31
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 58%

جنيف.. زنيبر يؤكد على الأهمية المركزية لإصلاح مجلس حقوق الإنسان

المصدر: الحرية تي في - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-26 21:20:39
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 70%

معجزة غزة .. الجامعات الأمريكية تشتعل. .والاحتجاج يمتد لكندا و أستراليا

المصدر: الحرية تي في - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-26 21:20:37
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 68%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية