البابا تواضروس الثاني: "تلذذ بالرب"


قال قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية، وبطريرك الكرازة المرقسية: 
نشكر الله الذي أفرح قلوبنا باعادة الفتح التدريجي لكل كنائسنا وأديرتنا بعد إغلاقها لأكثر من أربعة شهور بسبب انتشار وباء كورونا (كوفيد-19)، والذي داهم المجتمع الدولي فجأة منذ أوائل مارس الماضي في سابقة جديدة على الدول والحكومات والشعوب، وبصورة واسعة أدت إلى توقف الأعمال والمدارس والجامعات والمطارات ودور العبادة، وصارت الإجراءات الصحية الفردية والجماعية هي الحاكمة طوال الفترة الماضية، خاصة وقد تعدت الإصابات على مستوى العالم أكثر من 18 مليون شخص معوفيات قاربت على المليون وفاة، مع سعي قوي في الأبحاث العلمية لاكتشاف دواء أو أدوية، أو إيجاد لقاح يكبح جماح هذه الجائحة القاتلة.وكان من بين الإرشادات الأكثر انتشار وتحذيرًا: " ابق في البيت" أو "stay at home"، وتصدرت هذه العبارة شاشات التلفزيون وشاشات الموبايل، بل وأيضًا نشرات الأخبار العربية والمحلية والعالمية.. وصار البقاء في البيت أحد أهم الوسائل لإيقاف انتشار الوباء، وكأنه حجز أو عزل منزلي فيه التباعد البدني أو الاجتماعي الزامي واجباري وعلي غير المعتاد لمعظم الناس.
وبسبب ذلك تغيرت طبيعة الخدمة الكنسية، وصار الاعتماد الأساسي على الخدمات الرقمية On- line، من خلال برامج عديدة، وصارت الأسرة الواحدة بكل أفرادها متواجدة معًا ولوقت طويل، ولأيام وأسابيع ممتدة. وتنافست الكنائس في تقديم خدمات تعليمية وتربوية واجتماعية متنوعة، سواء للكبار أو الصغار الذين حرموا من متعة الخروج والفسحة والتنزة والزيارات، وحتي المشي العادي لاستنشاق الهواء والرياضة والصداقة والصحبة.. صار الجميع في "خلوة" اجبارية، ولوقت غير معلوم مداه.. ولكن نشكر الله على الانفراج التدريجي والخروج من هذه الأزمة الكبيرة.. "أريد أن أتحدث عن قضاء الوقت الممتع مع الله، وهو ما نسميه بـ"الخلوة"، لأن حياتنا في هذا العالم أصبحت معقدة ومزدحمة، والمتطلبات الملحة في عصرنا تسرق منا الزمن، أو بصورة أخري: ان حياتنا تنساب من بين أيدينا ولا نستمتع الا بالقليل من السلام والفرح والهدوء وسط صخب الحياة وضجيجها، وربما أراد الله وسمح بانتشار الوباء حتى نأخذ فرصة لالتقاط الأنفاس والالتفات لحياتنا ووجودنا بدلا من الساقية التي ندور فيها ليلًا نهارًا بلا توقف".
وأضاف قداسة البابا تواضروس في مقاله الصادر اليوم الجمعة، بمجلة الكرازة "مجلة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية"، أن قضاء وقت ممتع مع الله والتفكير في كلمته هو دائما نعمة يحتاجها كل منا بانتظام، وهذه جوهرة لا تقدر بثمن، والكثير يرغبها ولكن القليل يمتلكها.
وتابع: "الخلوة الروحية الضرورية ليست مجرد مكان مادي محبب إلينا، وليست مجرد محطة لإعادة الشحن الروحي لحياتنا، وليست مجرد عيادة علاجية تداوي جراح الأيام، وليست مجرد الانفراد وعدم التحدث مع أحد، وليست مجرد تفريغ العقل من الهموم والأعباء، وليست مجرد حراسة أوقاتنا من الدخلاء، وليست مجرد عزلة أو وحدة من الأصوات الخارجية".
وأكمل: "الخلوة هي وقت التواصل مع الله.المسيح نفسه كان كثيرا مايري ذاهبًا إلى مكان للخلوة وسط خضم الخدمة: "وَفِي الصُّبْحِ بَاكِرًا جِدًّا قَامَ وَخَرَجَ وَمَضَى إِلَى مَوْضِعٍ خَلاَءٍ، وَكَانَ يُصَلِّي هُنَاكَ" (مر 1: 35)".
"الخلوة هي حالة الحضور في محبة الله والشعور العميق بذلك، حيث تتجدد الحياة، ويفحص الإنسان وجوده الداخلي وكيانه الحقيقي، وما أصابه من جراء متطلبات الحياة الأرضية وأبعده عن الحياة السماوية. وفي حضور الله هناك معية مطلقة وانسجام وحرية الدخول إلى حضن الله المتسع".
وقال أحدهم ذات مرة: "إنني بعد فترة خلوة عدت منزلي مكسور الخاطر لأنني رأيت الفرق بين أفكاري وأفكار الله ". وفي مواجهة كلمة الله يكتشف الإنسان نفسه كما في مراة. وقت الخلوة الهادئ والنقي، وكأنها فترة تقييم لنفس الإنسان الخاطئ أمام اله النعمة والرحمة والمغفرة.
والخلوة سواء كانت قصيرة، أي كل يوم بضع دقائق، أو طويلة كل فترة لعدة أيام، صارت لازمة جدًا حيث نحقق عدة فوائد لحياتنا: 
أولًا: الخلوة تفتح أذهاننا وحياتنا للاحتياج لله.
ثانيا: الخلوة تفتح قلوبنا لنعمة الله، لان حالة السكون المقدس تجعل قلوبنا مستعدة لاستقبال نعمة الله التي تساعدنا في معرفة أخطائنا وسهواتنا وسقطاتنا، وتدفعنا للاعتراف والتوبة وطلب المغفرة والتخلي عما سبق لبدء حياة جديدة برؤية جديدة.
ثالثًا: الخلوة تجعلنا قادرين على رؤية معني الحياة وأحداثها والقصد ورائها.. وهذا الفهم يزيد سعادتنا ورضانا.
رابعًا: الخلوة تساعدنا على توضيح أفكارنا ومشاعرنا لنعيش حياتنا بصورة مستقرة فيها اجابة لاسئلة كثيرة تدور في رؤوسنا.
خامسًا: الخلوة اذ تقودنا إلى فحص النفس، فإنها تساعدنا على تقييم أفعالنا على مواقف حياتنا، خاصة أن الإنسان الحديث يعيش مرض " الانشغال المزمن".
والخلاصة أن الخلوة هي حركة تجديد داخلي وصولا إلى الانضباط الروحي، والالتزام بالفضيلة في السلوك، وتأكيد الحب والنمو فيه، وذلك من خلال نظام روحي فيه المشورة الروحية من أب الاعتراف، والتدريب الروحي باستخدام الوسائط الروحية وعلي قمتها سر التوبة والاعتراف وسر التناول المقدس.
واختتم قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية مقاله، من فضلك اهتم بذلك جيدا، فحدد زمانًا ومكانًا لخلوتك كل فترة مناسبة، واهتم بالهدوء في أماكن الطبيعة الجميلة، لانك متعطش إلى الله، وتريد أن تجمع شتات عقلك لتضعها أمام قلب الله في صراحة ورجاء في وعود الله لك.
حاول ان تكتب مشاعرك وتأملاتك دون أدنى انشغال بالأجهزة الحديثة خاصة الموبايل.تذوق حضور الله وزيارة النعمة في قلبك، ولا تتحجج بعدم توفر الوقت لأن هذه ضربة شيطانية.
اسمع الوصية: "وَتَلَذَّذْ بِالرَّبِّ فَيُعْطِيَكَ سُؤْلَ قَلْبِكَ. سَلِّمْ لِلرَّبِّ طَرِيقَكَ وَاتَّكِلْ عَلَيْهِ وَهُوَ يُجْرِي" (مزمور 37: 4 و5).
تاريخ الخبر: 2020-08-21 13:21:35
المصدر: البوابة نيوز - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 51%
الأهمية: 66%

آخر الأخبار حول العالم

60 مزارعا يتنافسون في مهرجان المانجو السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-04-26 03:24:02
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 54%

افتتاح المعرض التشكيلي "الرحلة 2" في تناغم الفن بجدة السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-04-26 03:24:03
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 52%

أخنوش: الحكومة تقوم بإصلاح تدريجي ولن يتم إلغاء صندوق المقاصة

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-26 03:24:51
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 52%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية