شبه الإغلاق يهدّدها بعدما تراجع الطلب على الكتاب: كورونا تخنق المكتبات و فايسبوك ينعشها

عمّقت جائحة كورونا أزمة الكتاب في الجزائر و ضاعفت إجراءات الحجر والإغلاق عزلة المكتبات، فهذه الفضاءات الثرية بمحتوياتها، تفتقر اليوم للزبائن، و تواجه شبح الإفلاس، بسبب سطوة التكنولوجيا و هجران القراء للورق، و هو واقع ليس وليد الجائحة تحديدا، بل يعود إلى حوالي خمس سنوات تقريبا، إذ يخوض ملاك المكتبات حربا من أجل البقاء، فمنهم من اهتدى إلى التسويق الإلكتروني، و انفتح على تجارة موازية تشمل العطور و  الهدايا، و حتى ألعاب الأطفال، ومنهم من توجه نحو المراكز التجارية في محاولة لكسر العزلة و تقريب الكتاب من القارئ.
أزمة عالمية تعصف بالمكتبات و قطاع النشر عموما
 الملاحظ أن واقع المكتبات لا يقتصر على الحالة الجزائرية فحسب، بل ينسحب على مختلف دول العالم، ففي أمريكا أشارت تقارير إعلامية إلى أن 35 مكتبة أغلقت أبوابها نهائيا تحت تأثير الجائحة، كما أن 20 بالمئة من المكتبات المستقلة  في جميع أنحاء البلاد مهددة بالغلق،
و تشمل الأزمة قطاع النشر كذلك،

في فرنسا قدرت الخسائر بنسبة 40 بالمئة، كما أعلنت  دور نشر شهيرة عن  تعليق نشاطها، على غرار  دار « آشيت» و « إيديتيس»، و أغلقت مكتبة  شيكسبير» الشهيرة أبوابها، وتحولت نحو النشر الإلكتروني. وفي إيطاليا أفادت وسائل إعلام محلية، بأن نحو 90 بالمئة من المكتبات عرفت تدهورا اقتصاديا، بعد تفشي الفيروس ، و العديد منها مهددة بخطر الغلق نهائيا، بعدما لجأت إلى تسريح العمال كإجراء أولي.
 وفي الجزائر قال الصادق بوربيع، مدير عام منشورات «آلفا للوثائق»، و نائب رئيس النقابة الوطنية لناشري الكتب و عضو مجلس إدارة اتحاد الناشرين العرب، بأن مبيعات الكتب تراجعت بحوالي 80 بالمئة هذا العام، خصوصا بعد إلغاء كافة التظاهرات الثقافية الوطنية و معارض الكتاب محليا و دوليا، ناهيك عن تخفيض ميزانية الجامعات الموجهة لاقتناء الكتب، وهو ما وضع الكثير من الناشرين في موقف حرج، و اضطر بعضهم إلى الانسحاب مؤقتا و التوقف عن النشر، فيما لا تزال مؤسسات أخرى صامدة تصارع، على غرار «دار ألفا « التي صدر عنها هذه السنة 130 عنوانا أكاديميا، و حسب الناشر، فإن عودة الحركية الثقافية باتت ضرورية، لحماية قطاع النشر ونشاط المكتبات.
تراجع حاد في المبيعات قبل و بعد الجائحة
 في قسنطينة تحديدا، زرنا عددا من المكتبات لنقف على راهنها، و تأثير الجائحة عليها، أول ما شد انتباهنا القاسم المشترك بينها، و هو مساحتها الضيقة التي لا تزيد عموما عن 50 إلى 65 مترا، ناهيك عن ديكورها الموحد، فهي فضاءات بسيطة مقسمة إلى رفوف بيضاء تضم كتبا متنوعة  تقسم عادة، حسب التخصصات، و تزاحمها  اليوم أكسسوارات و قطع ديكور و عطور وهدايا و أدوات مدرسية، بات بيعها ضروريا ، حسب مكتبيين تحدثنا إليهم، وذلك لتوفير دخل إضافي يغطي مصاريف كثيرة، لم تعد مبيعات الكتب وحدها قادرة على تحملها.
 محطتنا الأولى كانت مكتبة « ميديا بلوس» الشهيرة المتواجدة بشارع عبان رمضان، جمعنا بمالكها ياسين حناشي، حديث بطعم المرارة، فواقع الكتاب، كما قال، مزر، خصوصا في ظل تراجع المقروئية و تأثيرات الجائحة، محدثنا أعرب عن أسفه الشديد لحال المكتبات، فالوضع مربك، كما عبر، خصوصا في ظل التراجع الكبير للطلب على الكتاب، و هو أمر أرجعه إلى عوامل عديدة، منها ضعف القدرة الشرائية و تزايد النشر الإلكتروني و مشكل القرصنة، ناهيك عن نقص الكتاب المستورد و عدم توفر العناوين الأكثر طلبا من قبل القراء، دون أن يلغي تأثير إلغاء معرض الكتاب الدولي.
حسب حناشي، فإن قدرة المكتبات على الصمود وحدها لم تعد كافية، خصوصا بعد الضربة القوية التي تلقتها بفعل فيروس كورونا، و ما ترتب عنه من حجر صحي تسبب في انحصار كل  البدائل التي كانت متوفرة كاللقاءات الأدبية على غرار المقهى الثقافي « ميديا بلوس»، و جلسات « شاي و صفحات ليلية» الرمضانية و فعالية «الصيف في الجيب» للترويج لكتاب الجيب، طيلة فصل الصيف.
 الوضع الراهن يضع المكتبات في موقف محرج يستوجب تدخلا رسميا، لدعم القطاع، من خلال تبني مقترحات، أبرزها استحداث صندوق  دعم خاص، وتسهيل منح القروض للناشرين و تأجيل تسديد الديون والأعباء الضريبة.
الشباب لا يقرأون
غادرنا «ميديا بلوس»، نحو مكتبة « نوميديا» بشارع بلوزداد، أين لمسنا حركية أكثر، مقارنة بالفضاء السابق، و الواضح أن توفر الكتاب باللغة العربية و تنوع المحتوى الأكاديمي و المدرسي على الرفوف، صنع الفرق، وهو ما تأكدنا منه لاحقا خلال حديثنا مع مسيرها فيصل، الذي قال، بأن مكتبته تنشط في مجال التجزئة منذ سنة 2011، لكنها تعرف سنويا تراجعا في الإقبال على اقتناء الكتب فالشباب، حسبه، لا يقرأون إلا قليلا، و الذين يشترون الكتاب هم في الغالب كهول و حتى كبار السن، بعضهم أوفياء جدا للرفوف، يزورونها بمعدل أسبوعي.
لعل السبب في تراجع المقروئية، كما قال، هو ارتفاع سعر الكتب حيث يصل بعضها إلى مليون سنتيم ، ناهيك عن هجرة الشباب نحو الوسائط الإلكترونية، فالطالب الجامعي مثلا، يفضل، حسبه، تحميل كتاب إلكتروني مجاني، على تحمل تكلفته التي قد لا تتوفر لديه أصلا، مع ذلك تبقى الكتب المدرسية و الأكاديمية أكثر المنشورات طلبا، تأتي بعدها الرواية، وبالأخص الروايات الشبابية التي باتت موضة رائجة بين المراهقين، فالقراءة في أوساط الشباب و المراهقين تمر بمواسم، كما عبر، فيكفي، حسبه، أن يروج لعنوان معين على فايسبوك، حتى يحظى بالاهتمام و يزيد الطلب عليه، و لعل أكثر رواية تصنع الحدث هذه الأيام هي  « أنتيخريستوس» لما لها من بعد خيالي.
فايسبوك جرعة أوكسجين و خدمة التوصيل ضرورة فرضت نفسها
خلال تواجدنا في المكتبة، لاحظنا بأن الفضاء، رغم ضيقه، مقسم بين الكتاب و اللوازم المدرسية، بما في ذلك المحافظ و الأكسسوارات و حتى مكاتب الأطفال، سألنا فيصل، عن ذلك، فقال، بأن هذا النشاط ضروري لاستمرار المكتبة، لأنه يغطي العجز في مداخيل الكتاب و يسمح بضمان هامش ربح يساعد على توفير نفقات التسيير، حتى وإن كان ذلك، على حساب سعة المكتبة التي عادة ما تنظم لقاءات بين القراء والكتاب، في إطار جلسات بيع بالتوقيع، يبرز خلالها، كما عبر، مشكل ضيق المساحة بشكل محرج أحيانا، خصوصا إذا كان الكاتب شهيرا وعشاقه كثر، وقد ذكر محدثنا، بأنه سبق له أن استضاف كتاب من طينة واسيني الأعرج و جهاد الترباني.
خلافا لباقي المكتبات التي تأثرت كثيرا خلال الإغلاق الأخير، قال فيصل، بأن مكتبته حققت انتشارا أكبر، بفضل نشاطها على فايسبوك طيلة الفترة الماضية، لأن الترويج الإلكتروني أكسبها قراء و زبائن أكثر، خصوصا مع توفير خدمتي التواصل المباشر و التوصيل داخل وخارج الولاية، وهي ضرورة فرضت نفسها خلال الجائحة، كما قال.
2020 أسوأ محطة عاشها الكتاب
من بين المكتبات التي زرناها  خلال جولتنا، مكتبة « بلوزداد»، التي كانت سابقا جزءا من المؤسسة الوطنية للكتاب، قبل أن تتم خصخصتها و إعادة استغلالها سنة 2011، كما أوضح لنا عبد الحميد ربيعي، أحد ملاكها.
الشاب أشار إلى أن «بلوزداد» الشهيرة، و رغم كونها المقصد الأول للطلبة و أصحاب التخصصات الأكاديمية، إلا أنها تعيش أسوأ كوابيسها منذ مطلع السنة الماضية، أي منذ بداية جائحة كورونا، فالمبيعات تراجعت كثيرا، بنسبة تتعدى 60 بالمئة، بسبب الحجر و نقص العناوين،  خصوصا مع توقف معرض الكتاب الدولي و استمرار مشاكل الاستيراد القديمة، التي تحد من العرض، مقابل الطلب وتعيق دخول بعض العناوين الشهيرة والمطلوبة إلى بلادنا.
 محدثنا قال بأن الشريان النابض للمكتبة اليوم، هو الروايات التي يصنع فايسبوك و انستغرام جماهيريتها، مضيفا بأن فايسبوك تحديدا كان بمثابة جرعة أوكسجين أنعشت المكتبة طيلة فترة الحجر، فالترويج الإلكتروني بات، كما عبر، توجها حتميا للاستمرار، لأن بيع الكتب لم يعد نشاطا تجاريا ذو مردودية و لا يمكن لمن لا يحب هذه المهنة أن يستمر في ممارستها، في ظل الظروف الحالية، بدليل أن البعض أغلقوا، كما قال، بينما غير آخرون نشاطاتهم و فضلوا بيع الطعام أو الأحذية على بيع الكتاب، علما أن أشهرا تمر لا يباع خلالها أكثر من 10 كتب أو أقل.
المراكز التجارية لكسر العزلة
معركة البقاء التي يخوضها أصحاب المكتبات، دفعت بهم إلى مغادرة الشوارع الكبرى في المدن، نحو المراكز التجارية، ففي المركز التجاري رتاج مول بالمدينة الجديدة علي منجلي مثلا، افتتحت قبل ثلاث سنوات  « مكتبة لاروز» و كانت فضاء للكتاب و للنقاش الثقافي ، إذ أريد من خلال هذه الخطوة كسر عزلة المكتبات و تقريب العناوين أكثر من  القراء و الزبائن الذين يتواجدون بكثرة في هذه المراكز.
في حين اختار  الكاتب و الناشر كمال قرور، أن يفتتح مكتبته الخاصة بمركز «بارك مول» بسطيف، و قال مؤخرا ، بأن الواقع الذي يعيشه عالم الكتاب، بات يتطلب التأقلم و التماشي مع معطيات المجتمع، ولا ضير، حسبه، من أن يبحث الكتاب عن القارئ ويلاحقه، إن تطلب الأمر ذلك، فالتوجه نحو المراكز التجارية يعني التوجه نحو جمهور أوسع، وكذلك الأمر بالنسبة للتسويق الإلكتروني و خدمة التوصيل، لأن طبع و نشر وبيع الكتاب في زمننا هذا، يعتبر مغامرة يتوجب على من يختار خوضها، أن يتسلح بكل ما يتطلبه الحفاظ على نفسه و كتبه طويلا و عدم الاستسلام للصعوبات و العراقيل مهما كان نوعها.   
  هدى طابي

تاريخ الخبر: 2021-01-18 12:25:39
المصدر: جريدة النصر - الجزائر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 58%
الأهمية: 55%

آخر الأخبار حول العالم

المغرب – فرنسا: فتاح تدعو إلى أشكال تعاون جديدة تستشرف المستقبل

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-27 00:25:37
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 57%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية