ضغوط على شركات تحتكر براءات إنتاج اللقاحات


مع استمرار التعثّر الذي تعاني منه حملات التلقيح ضد «كوفيد - 19» في الغالبية الساحقة من البلدان الغنيّة والبطء الشديد الذي تسير به هذه الحملات في البلدان النامية والفقيرة، عاد الجدل حول الإلغاء المؤقت لبراءات الاختراع في صناعة المواد الصحية والأدوية إلى واجهة المشهد الوبائي الذي يتفاقم على جبهات عدة، في الوقت الذي ترتفع الاحتجاجات ضد احتكار حفنة ضئيلة من الدول حقوق صناعة اللقاحات وتوزيعها.

وفي بيان مشترك صدر أمس الاثنين دعت عشرات المنظمات غير الحكومية التي تنشط في الميدان الصحي والمساعدات الإنسانية إلى الإفراج عن براءات الاختراع لإنتاج اللقاحات ضد «كورونا» حتى انتهاء الجائحة، مؤكدة أن ذلك من شأنه زيادة الإنتاج من 12 مليون جرعة يومياً إلى 60 مليون جرعة، وإنقاذ عشرات الآلاف من الأرواح. لكن الشركات المنتجة للأدوية ما زالت تصرّ على أن السبيل الوحيد لمواصلة تطوير الأدوية واللقاحات الفاعلة هو الحفاظ على نظام البراءات الذي تعتبر أنه يضمن المنافسة بين الشركات واستمرار البحوث العلمية على أعلى مستوياتها.

وكانت سلطات إقليمية أوروبية من إيطاليا وإسبانيا وألمانيا وبلجيكا قد طلبت مؤخراً من «لجنة الأقاليم» التابعة للاتحاد الأوروبي مراجعة نظام البراءات بهدف تعليق العمل به جزئياً وبشكل مؤقت، أو لوضع صيغة للتعويض على الشركات التي تقرّر التخلّي عن البراءات الإلزامية لصناعة اللقاحات بشكل استثنائي حتى نهاية الجائحة. لكن شركات الأدوية الكبرى التي تتمتع بنفوذ مالي واقتصادي كبير في الدول الغنية، تعارض هذا التوجه وتؤكد أن الشركات المنتجة للأدوية معنيّة أكثر من غيرها بتوزيع أكبر كمية ممكنة من الجرعات في أسرع وقت ممكن، وتقول إن عدد المصانع الذي تتوفّر لديها القدرات التقنية لإنتاج اللقاحات لا يتعدّى 12 في العالم، وأن بعض هذه الشركات قد وقّع اتفاقات مع البلدان التي تملك هذه القدرات مثل الهند وجنوب أفريقيا. وقال ناطق باسم الشركات الأوروبية لصناعة الأدوية إن « 30 في المائة من جرعات لقاح أسترازينيكا ستنتجه شركة «سيروم» الهندية بهدف توزيعه على البلدان الفقيرة، وإن الاتحاد الأوروبي يجري حالياً مراجعة لهذه الشركة تمهيداً للسماح بتصدير بعض إنتاجها إلى أوروبا». وأكد الناطق أنه حتى لو تخلّت الشركات الكبرى عن البراءات، لن تكون هناك مصانع قادرة على إنتاج هذه اللقاحات.

- تنافس معيب

وتقول منظمة «أطباء بلا حدود» إن البلدان الغنية تواصل احتكار معظم اللقاحات وتتنافس بشكل معيب مع بعضها البعض لشراء كميات تفيض عن احتياجاتها، وإن هذه الدول توزّع جرعة لقاح كل عشر ثوان، بينما في البلدان الفقيرة لن يحصل على اللقاح هذه السنة أكثر من 10 في المائة من سكانها. كما كانت منظمة «يونيسيف» التي تعنى بشؤون الطفولة قد نبّهت أن استراتيجية «كوفاكس» التي تشرف عليها منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع الائتلاف الدولي للابتكار والاستعداد لمواجهة الأوبئة وتحالف اللقاحات العالمي، ليست كافية لإيصال اللقاحات إلى الفقراء، وأن ذلك سيؤخر جهود القضاء على الجائحة، وربما يساهم في توطّنها في مناطق كثيرة، كما سيؤدي إلى مشاكل صحية واجتماعية واقتصادية أسوأ بكثير من تداعيات «كوفيد - 19».

ومن جهتها قالت منظمة «أوكسفام» إن المختبرات وشركات الأدوية الكبرى حصلت على مساعدات مالية ضخمة من الحكومات لتطوير لقاحات ضد كوفيد تجاوزت 10 مليارات دولار، وتساءلت «أليس من المنطقي أن تتقاسم الشركات حقوق الملكية الفكرية مع الحكومات، أو أن تتخلّى عن هذه الحقوق بصورة مؤقتة؟». وحذّرت «أوكسفام» من تفرّد شركات الأدوية الكبرى بالقرارات حول تطوير اللقاحات وإنتاجها وتوزيعها، ومن عدم قدرة الحكومات على التأثير في تحديد أسعار هذه اللقاحات التي بدأت تشهد ارتفاعاً مطرداً في الفترة الأخيرة.

وتردّ شركات الأدوية على الاتهامات والانتقادات الموجهة إليها بالقول إن براءات الاختراع أساسية لضمان تطوير أدوية جديدة في المستقبل، وتذكّر بأن حقوق الملكية الفكرية هي التي تدفع الشركات إلى المجازفة في سباق البحوث لتطوير الأدوية الذي يدوم في المتوسط عشر سنوات ولا تقلّ تكاليف تطوير دواء واحد عن 3 مليارات دولار، علما بأنه بعد إجراء التجارب والتحاليل على 10 آلاف مركّب بالكاد يصل واحد منها إلى مرحلة تطويره كدواء. لكن لويجي مارتينا عضو البرلمان الأوروبي الذي يقود حملة إلغاء نظام البراءات خلال الجائحة يقول إن حجة شركات الأدوية بأن البراءات هي الضمانة الوحيدة للاستثمار في البحوث لتطوير أدوية جديدة ليست سوى ذريعة وهي غير صحيحة، ويذكّر بأن ثمة مجالات عديدة لم تعد شركات الأدوية مهتمة بإجراء البحوث فيها، مثل المضادات الحيوية والأمراض التي تصيب نسبة متدنية من السكان، حيث لا بد من حوافز استثنائية لمواصلة البحث والتجارب لتطوير علاجات فاعلة لها.

- نظام البراءات

وتجدر الإشارة إلى أن الهند وجنوب أفريقيا تقدمتا باقتراح أمام منظمة التجارة العالمية في الخريف الماضي يهدف إلى عدم إخضاع المواد الطبية واللقاحات ضد «كوفيد - 19» لنظام البراءات، لكن الاتحاد الأوروبي يعارض هذا الاقتراح ويرفض نقله إلى مرحلة النقاش العام التي تمهّد لاتخاذ القرار وفقاً لقواعد العمل المرعية في المنظم. وفيما أبدت المديرة الجديدة للمنظمة نغوزي أوكونجو تأييدها لمواصلة النقاش حول هذا الاقتراح الذي تبنّته أكثر من 90 دولة، تقدّمت رئيسة مجلس النواب الأميركي الديمقراطية نانسي بيلوزي بمشروع قانون يطلب من إدارة الرئيس بايدن دعم الاقتراح في منظمة التجارة العالمية والتدخّل لإقناع شركات الأدوية بالتجاوب معه.

لكن الشركات الأميركية الثلاث التي تنتج لقاحات ضد «كوفيد - 19»، فايزر وموديرنا وجونسون آند جونسون، أعربت عن رفضها القاطع لهذا الاقتراح الذي تعارضه أيضا الأقلية الجمهورية في الكونغريس. ويرى مراقبون أنه من الصعب جداً إجبار الشركات على التخلي عن براءات اللقاحات، وأن المعركة قد تنتهي باتفاق حول خفض أسعار اللقاحات، وربما بالسماح للبلدان التي تتخلّف الشركات عن تسليمها كميات اللقاحات الموعودة، بإنتاجها محلياً، وتقديم مساعدات للدول النامية من أجل تطوير قدراتها على إنتاج اللقاحات.

يذكر أن المرة الوحيدة التي لم تطبّق فيها براءات الاختراع في مجال الأدوية كانت عندما قرر الرئيس البرازيلي الأسبق «لولا» إنتاج المضادات الفيروسية لعلاج مرض الإيدز التي تنتجها شركات أميركية، ما أدى إلى مواجهة مع الإدارة الأميركية ومعركة قانونية مع الشركات ما زالت حتى الآن أمام المحاكم.


تاريخ الخبر: 2021-04-06 09:26:13
المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 80%
الأهمية: 97%

آخر الأخبار حول العالم

المغرب – فرنسا: فتاح تدعو إلى أشكال تعاون جديدة تستشرف المستقبل

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-27 00:25:37
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 57%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية