ريبورتاج: عندما تنعش أزمة فيروس كورونا التجارة الموازية لمكثفات الأكسجين في تونس


إعلان

"أمارس هذه المهنة منذ عام 2019، ، اليوم ومع تفاقم الاحتياج لأجهزة التنفس، ازداد الطلب عليها وبما أن القطاع غير منظم من السلطات غلبت الفوضى". بصوت مختنق يغلب عليه اليأس قال سامي -اسم مستعار- وهو صاحب شركة لتأجير أجهزة التنفس رفض الكشف عن هويته، في تصريح لفرانس24.

وفي حديثه عن الفوضى يشير سامي إلى البيع العشوائي والأسعار المرتفعة للحصول على مكثفات الأكسجين في ظل ارتفاع الطلب عليها من قبل المصابين بفيروس كورونا، وقد اجتاحت السوق آلات مصنوعة في الصين وتركيا دخلت البلاد من خلال التجارة الموازية عبر الجزائر وليبيا العديد منها لا يطابق المواصفات الطبية الوطنية وفق إشارة أيمن -اسم مستعار- صاحب شركة لبيع المعدات الطبية بالجملة.

وتشهد تونس أشد موجة من الوباء منذ آذار/مارس 2020 وتضم المستشفيات حاليا نحو خمسة آلاف مريض من بينهم 680 في أقسام الإنعاش.

وسجلت البلاد معدلا يوميا يناهز 145 وفاة خلال الأسبوع الفائت ووصل العدد الإجمالي للمصابين بالفيروس إلى 546233 حالة بينما توفي أكثر من 16500 وفقا لوزارة الصحة.

وشكت مستشفيات حكومية من نفاد مادة الأكسجين خلال الأيام الأخيرة. وقرر رئيس الحكومة هشام مشيشي تسخير كل المنشآت الصحية بما فيها الخاصة في تسع ولايات (من أصل 24) لإيواء عدد من المرضى الراقدين في المستشفيات الحكومية والتي تعرف نقصا حادا في مادة الأكسجين.

وأكدت رئاسة الحكومة في بيان الأحد أنه "لم يسجل أي انقطاع لمادة الأكسجين بالنسبة لكافة المؤسسات الصحية على كامل البلاد".

وأوضح وزير الصحة فوزي المهدي في مؤتمر صحفي الأحد أن أزمة الأكسجين تسبب بها ارتفاع كبير لعدد المرضى مضيفا "مررنا من استهلاك 25 ألف لتر من الأكسجين قبل الجائحة إلى 230 ألف لتر حاليا".

ونفى المهدي انهيار المنظومة الصحية في بلاده قائلا "لم نسجل خسائر بشرية ناتجة عن النقص (في الأكسجين) وتمكنا من السيطرة على الوضع وهذا انتصار على الوباء في الوقت الحالي".

وقد تلقت تونس العديد من المساعدات الطبية من دول عربية وأوروبية لمواجهة أسوأ أزمة وبائية تشمل آلات أكسجين ولقاحات ومستشفيات ميدانية.

وأضاف سامي قائلا "نحن كشركة مختصة لدينا تقنيين يذهبون إلى المريض في بيته، حيث يقومون بتركيب الآلة وتعديلها حسب حاجة المريض، نوفر متابعة عن بعد لطبيبه الخاص، ونبقى على ذمته طيلة الأربع وعشرين ساعة، يمكن للمريض أن يحتاجنا أو يتصل بنا في أي لحظة من اليوم..".

وتابع "أما اليوم فإن الموفرين العشوائيين لهذه الآلات يبيعون الآلات بدون تقديم المتابعة، على المقتني أن يتصرف لوحده".

للأسف من لا يملك المال في هذا البلد لا يمكنه العيش..."

وأكمل سامي حديثه "هذا على المستوى التقني ناهيك عن الأسعار، نحن كشركة طبية مختصة نؤجر آلة مكثف الأكسجين 5 لتر على سبيل المثال بـ140 دينارا للأسبوع كأقصى تقدير مع كامل الخدمات المرافقة، لكن هناك شركات استغلت الوضع اليوم لتأجير الآلات بأسعار مرتفعة وصلت حتى 700 دينار في الأسبوع وطبعا أقرباء المرضى وفي ظل عدم توفر الآلات بسبب ارتفاع الطلب يضطرون لقبول هذه الأسعار لإنقاذ أرواح ذويهم".

الأمر الذي أكده حسان المقدم وهو مواطن تونسي أفاد فرانس24 بتجربته إثر إصابة والده بفيروس وكورونا وأوضح قائلا "في فبراير الماضي استأجرنا له آلة بـ180 دينارا في الأسبوع لكن مع الموجة الأخيرة طارت الأسعار لتصل حتى 700 دينار".

وثيقة تثبت أن والد حسان المقدم تمكن من استئجار مكثف أكسجين بـ180 دينارا لمدة أسبوع في شهر فبراير قبل أن تصل الأسعار اليوم إلى 700 دينار © صبرا المنصر - فرانس24

نادرة أيضا سيدة يصارع زوجها وباء كوفيد-19 ويعاني هبوطا في مستويات الأكسجين عندما أدلت بشهادتها لفرانس24 قائلة "بحثت كثيرا عن مكثف أكسجين، لحسن الحظ عثرت أخيرا على آلة بـ10 لتر للإيجار، أدفع 200 دينار لعشرة أيام، مع صك ضمان بـ1000 دينار، للأسف من لا يملك المال في هذا البلد لا يمكنه العيش...".

وتابعت "بحثت كثيرا لأجد هذا السعر، سعر شراء مكثف الأكسجين بـ10 لتر وصل بـين 6 و7 آلاف دينار، و3200 لـ5 لتر وسعر الكراء وصل لـ 1400 من أجل أسبوعين فقط...".

وتجدر الإشارة إلى أن الأجر الأدنى المضمون في تونس لا يتجاوز 429 دينارا، فيما لا يغطي الصندوق الوطني للتأمين الصحي سوى سقف 200 دينار شهريا لمكثف الأكسجين.

وأوضح سامي "نحن شركات معترف بنا من قبل الدولة ومتعاقدون مع الصندوق الوطني للتأمين الصحي، هناك بعض الشركات مثلنا تخلت عن مرضاها الذين يعانون الأمراض المزمنة والذي يحتاجون لأجهزة التنفس لصالح مرضى كوفيد-19 لأن فيه أرباحا أكثر".

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي تكثفت نداءات البحث عن أجهزة الأكسجين وأحدثت مجموعات للتعاون.

نداءات استغاثة بحثا عن مكثفات أكسجين في تونس

أيمن -اسم مستعار- صاحب شركة لبيع المعدات الطبية بالجملة قال في تصريح لفرانس24 رافضا الكشف عن هويته "ما يحصل اليوم أساء إلى سمعتنا كمزودين، أصبح هناك خلط بيننا وبين المزودين عبر التجارة الموازية".

وأوضح أيمن "قبل الجائحة، أي قبل نحو 3 سنوات، كنا نبيع مكثف الأكسجين 5 ل بـ1900 للشركات الطبية المختصة، وكنا نجلبها عبر الشحن البحري، لكن اليوم مع ارتفاع الطلب العالمي، وارتفاع الأسعار على المستوى العالمي، وبالإضافة إلى الصفة الاستعجالية للحاجة أصبحنا نجلب المعدات عبر الشحن الجوي ما تسبب في ارتفاع التكاليف لتصل الأسعار منذ آذار الماضي إلى 2500، بينما وصلت أسعار المعدات المهربة إلى 3500 وأكثر بكثير من ذلك منذ أبريل الماضي" داعيا السلطات للتدخل وتنظيم القطاع من المهربين والمزودين غير القانونيين.

رئيس جمعية صفاقس الخيرية، ثابت شرف الدين أكد لفرانس24 الارتفاع الكبير بأسعار مكثفات الأكسجين مؤخرا، حيث اشترت جمعيته مؤخرا عدة أجهزة في إطار عملها الخيري ومدتنا بفواتير تثبت ارتفاع هذه الأسعار بين شهري أبريل ويوليو 2021. 

وأشار أيمن "نحن بهذه الأسعار نوفر الضمان على مدى ثلاث سنوات ونتكفل بتصليحها إذا تعطلت إضافة إلى أننا لا نجلب إلا المعدات التي توافق المواصفات الطبية في تونس".

"إنهم تجار حرب استغلوا الوضع الوبائي للأرباح المالية"

أما المعدات التي أغرقت السوق اليوم في ظل الأزمة الصحية فهي وفق أيمن "دخلت الأراضي التونسية عبر التجارة الموازية، قادمة من الصين وتركيا مهربة عبر الجزائر لا توافق المواصفات الطبية الوطنية، ويمكن التعرف عليها بسهولة لأنها تحمل ملصقات مكتوبة باللغة العربية، لأن الجزائر تفرض الكتابة بالعربية على المواد المستوردة، الأمر غير الموجود في تونس" وبائعوها وفق أيمن "لا يقدمون طبعا أي متابعة تقنية أو تصليح أو ضمان لمقتنييها، وهذا هو الخطير...".

وتجدر الإشارة إلى أن الحدود البرية الجزائرية مغلقة منذ أكثر من عام بسبب انتشار فيروس كورونا. وفي تصريح لفرانس24 أكد برهان اليحياوي مراسل إذاعة موزاييك إف إم الخاصة من القصرين، وسط غرب، والحدودية مع الجزائر "أن التهريب لم يتوقف عبر الجارة رغم إغلاق الحدود لأن التهريب يقع عبر مسالك مخصصة للتهريب".

مكثف أكسجين يرجح أنه من السوق الموازية تم إدخاله إلى البلاد عبر الجزائر © صبرا المنصر - فرانس24

وبما أن شركة أيمن تقدم خدمة التصليح كان لديه آلة يقول إنها مهربة عبر الجزائر صاحبها أتى بها إليه بعد أن تعطلت عند أول استعمال اقتناها بنحو 6 آلاف دينار من تاجر مواز.

وفي تصريح لفرانس24 تحدث محمد الورغي عن تجربة جمعيته، المروج سيتي، والمروج هي إحدى ضواحي تونس العاصمة، لشراء مكثفات أكسجين وقال "قمنا بحملة لجمع المال لشراء مكثفات أكسجين لمساعدة مرضى كوفيد-19 في مدينتنا... ونجحت الحملة وتبرع السكان بنحو 16 ألف دينار عندما أردنا شراء الآلات وجدنا الأسعار مرتفعة جدا تتراوح بين 4800 دينار و5900 دينار".

وتابع الورغي "هذا إضافة إلى أن هؤلاء المزودين يريدون الدفع النقدي، ويرفضون حتى التحويل المصرفي وإن كان آنيا... قال لي أحدهم: إما أن تدفع لي حالا أو أبيع لغيرك، وطبعا نحن كجمعية نفضل التحويل البنكي من أجل الشفافية المالية".

وأضاف الورغي "إنهم تجار حرب، استغلوا الوضع الوبائي للأرباح المالية، أغلبهم من التجارة الموازية، آلات صينية، يجلبونها عبر الجزائر وليبيا، نحن نقوم بالعمل الإنساني، وهذا أمر لا يعنيهم بتاتا، لا يهمهم سوى الربح المالي".

"في كل أزمة أو حرب أو كارثة هناك مستفيدون"

أستاذ علم الاجتماع طارق بالحاج محمد قيم الظاهرة وأوضح لفرانس24 قائلا "الارتفاع الجنوني لأجهزة الأكسجين كشف أزمة مركبة في تونس: أزمة تزود وتزويد وأزمة قيم وأزمة حوكمة وسوء إدارة للأزمة عند صناع القرار".

وقال "إن الطلب المتزايد على مادة الأكسجين ومصادرها نظرا لارتفاع عدد المصابين سواء للاستهلاك الفردي المنزلي أو للاستهلاك الطبي في المستشفيات والمصحات الخاصة جعل منه "بضاعة" نادرة تخضع لمبدأ العرض والطلب،... ومعلوم أنه في قانون السوق كلما ازدادت الندرة في سلعة معينة إلا وارتفع الطلب عليها وارتفع سعرها".

وتابع بالحاج محمد "كما أن هذا الارتفاع ناتج عن أزمة قيم وأخلاق، ففي كل أزمة أو حرب أو كارثة هناك مستفيدون ممن يغيب عنهم الوازع الإنساني وتصبح حياة وآلام الناس تجارة مربحة لهم حيث يضربون بعرض الحائط كل القيم من أجل المضاربة وجمع أكبر قدر ممكن الأرباح حتى على حساب حياة الناس وجيوبهم وأوجاعهم".

وأضاف قائلا "حين يغيب الوازع الوطني والإنساني والقيمي تطفو على السطح شريحة وطبقة أثرياء الحرب الذين يستغلون الأزمات لمراكمة وتكديس الثروات عبر الاحتكار واستغلال حاجة الناس ليقوموا بعمليات مضاربة بالسلع المطلوبة حيث يتحكمون في مسالك الخزن والتوزيع والبيع بالشكل والسعر الذي يفرضونه هم حتى وإن كان ذلك على حساب وصحة وحياة الناس".

ووفق بالحاج محمد فإن الظاهرة "نوع من الجريمة المنظمة والاستغلال الفاحش لحاجة الناس لسلعة معينة. تبدو الصورة البسيطة وكأننا نتحدث عن رجال عصابات حسب الصورة النمطية الراسخة في الأذهان لكن حقيقة الأمر في تونس أن من يقوم بذلك هم شركات ومصحات وفي حالات أخرى رجال أعمال وسياسيين".

 

صبرا المنصر- موفدة فرانس24 إلى تونس

الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم

ابق على اطلاع دائم بالأخبار الدولية أينما كنت. حمل تطبيق فرانس 24

Download_on_the_App_Store_Badge_AR_RGB_blk_102417
تاريخ الخبر: 2021-07-21 14:13:36
المصدر: فرانس 24 - فرنسا
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 85%
الأهمية: 95%

آخر الأخبار حول العالم

أخنوش: الحكومة تقوم بإصلاح تدريجي ولن يتم إلغاء صندوق المقاصة

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-26 03:24:51
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 52%

60 مزارعا يتنافسون في مهرجان المانجو السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-04-26 03:24:02
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 54%

افتتاح المعرض التشكيلي "الرحلة 2" في تناغم الفن بجدة السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-04-26 03:24:03
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 52%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية