الحاجة إلى الاسترخاء والحد من الإنهاك البدني والنفسي مطلب ملح، حيث إن الواقع النفسي المرير الذي يغشى المكتئب بحاجة ماسة إلى وصفة طبية طبيعية خلقها المولى عز وجل رحمة بالعباد ألا وهي الضحك، اختلاس دقائق أو ساعات، للخروج من دائرة الحزن التي تلم بالإنسان نتيجة لظروف يتعرض لها سواء كانت مالية أو اجتماعية أو غير ذلك تحتم البحث عن وسائل الترفيه المختلفة، في هذه الحركة الإيجابية التي يلجأ لها الإنسان تحقيقاً للتوازن، فهو يعاني من نقص حاد في الفرح، في حين أن هذا النقص سيؤثر ولاريب على الصحة بشكل عام، بل إن اتجاه الشخص المتأزم لهذا الأسلوب في بحثه عن الترويح عن النفس وهو في خضم معضلة التشابكات النفسية ربما تكون سبباً في إيجاده الحلول المناسبة وهي كذلك، لأن الذهن في حالات الغضب والحزن يكون خاضعاً لتفسيرات تحوم حول المشكلة بتضخيم تبعاتها وتهويل آثارها، ما يسهم في تشويش تفكير الإنسان من جهة، وإقفال المخارج من جهة أخرى، فكان الانتقال من الحزن إلى الضحك ومن التأزم إلى الاسترخاء معبراً للرؤية التحليلية المتزنة، وقراءة منصفة للواقع وفق نظرة تفاؤلية، تثبت بما لا يدع مجالاً للشك بأن كل مشكلة ولها حل، فقط أطلق العنان لمخيلتك، وحرر ذهنك من سطوة اليأس التي تحيل القدرة إلى وهم وتقذف بالحلول بعيداً، فيما تكون في متناول اليد بل ويسهل استدعاؤها، سواء من خلال الضحك أو الابتسامة أو من خلال الانتقال من دائرة المشكلة بممارسة الترفيه في مناحي الحياة المختلفة كالرياضة والقراءة، وغير ذلك من الوسائل التي تتيح بسط الحلول في الذهن وبالتالي يجسدها التفكير السليم على أرض الواقع.

وتتعدد مصادر الضحك وتستقي هذه المصادر وقودها من المفارقات غير المنطقية ليتسع هامش التطويع، طبقاً لهذه المساحة التي تستثمرها خصوبة الخيال، لتتبلور إلى نكتة يتداولها الأفراد، وغالباً ما تنشأ على صفة تعليق على المواقف أو الشخصيات، وهذا النوع من التنفيس بالرغم من أنه يحمل الطابع الهزلي، إلا أنه في بعض الأحيان يتشكل ويسهم في تكوين رؤية محددة إزاء موقف معين كغلاء أسعار بعض السلع، وارتفاع أجور بعض الخدمات، وقولبتها بمشهد كوميدي يعبر عن هذه الحالة، وأذكر في إحدى المسرحيات المصرية مشهداً طريفاً إبان غلاء أجور السباكين، فسأل الممثل أحدهم "أنت بتشتغل إيه" فأجاب سباك فقال "يعني مليونير"، وفي لقطة طريفة أيضاً في محاربة الواسطة أو المحسوبية وهي أيضاً لقطة من مسرحية والمسرح أبو الفنون ولا ريب إذ إن أحدهم نجح بامتياز وكان يستحق البعثة إلى الخارج بموجب النظام وفي كل مرة تقرر اللجنة عدم الموافقة، فقريب له يعرف خال الوزير فجلب ورقة توصية من الوزير، واستطاع الدخول على رئيس الدائرة وبرفقته توصية الوزير وبالطبع وافق فوراً، وقال له "مبروك يا بني تقدر تسافر" فأخذ المعاملة وهو مسرور وقبل أن يغادر طرح سؤالاً على مدير الدائرة وعن سبب رفض اللجنة عدة مرات أم أنها حاجة في نفس يعقوب فرد المدير يعقوب كمان يسافر.

تبقى الحاجة ملحة للضحك والابتسامة بل إنها الأرض الخصبة التي تنبت التسامح والألفة والتصافي وفرصة لتنقية القلب وصفاء الروح، واختزال حدة التوتر والانفعال، ما يسهم في رفع الروح المعنوية، البحث عن الإحساس بمتعة الحياة وجودتها من خلال الأنشطة المتعددة والمصادر المختلفة، ومن ضمنها البحث عن الابتسامة، سيريح النفس من أعباء الحياة المستمرة، وفي السياق ذاته، فبقدر ما يكون للضحك من آثار إيجابية، بقدر ما يحمل آثاراً سلبية، لاسيما إذا كان على صيغة التهكم والسخرية، حينها يكون بلا طعم ولا رائحة، أي منزوع الأدب والدسم معاً، والضحك أمر جميل بل إن الكل يبحث عنه، وأجمل من هذا وذلك حين يكون للضحك معنى وقيمة، وأعني بذلك أن يكون هادفاً، ومثيراً للتحليل والتأمل وهلم جرا، وختاماً فإني أتمنى أن يخصص للضحك والابتسامة يوم في السنة على غرار المناسبات الأخرى ليكون مدخلاً للتسامح والتصالح وسمو النفس.

حمد عبدالرحمن المانع