الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله والفن


كان الإمام المجدد –رحمه الله تعالى- بما آتاه الله الكريم الوهاب –سبحانه- من نور قلب، وسعة اطلاع، ورسوخ علم، وقّافا عند كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، توّاقا إلى الانعتاق من كلّ حابس أو حبيس، ميّالا إلى الاجتهاد والتجديد.

“نموت إن بتنا ننظر إلى الدين بأعين الموتى، ونفكر بعقولهم، وهم رحمهم الله لفتوا نظرنا إلى أن الفتوى تتغير باعتبار الزمان والمكان والأحوال. والمسار التاريخي ليس قطعة خبز نقطعها بالسكين الحادة، هذا مضى وهذا مستأنف. تُلتَمس للضعيف رخصة، ويُلتمس للضرورات مخرج.” .

فخاض في كثير من القضايا التي أحجم عن الحديث عنها غيره، وأبدى رأيه فيها بما ينمّ عن دراية كبيرة بأصولها وفروعها وملابسات أحكامها، وعن فهم دقيق وفقه عميق يمسك بلجام القلم وزمام الفم أن يزيغ عن الجادّة ويزيح عن المنهاج النبوي.

ومن بين القضايا التي خاض الإمام في لجّتها، قضية الفنّ. فإذا كان بعض المنتمين إلى حقل الدعوة الإسلامية يرى أن الفنّ كلّه لهو وعبث ومضيعة للوقت وانغماس في مستنقع الشياطين، فإن الإمام يراه- على هيئته الأولى قبل أن تلوثه الحضارة الدوابية- فسحة في الدين.

“روى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وقف لها لتتفرج على الحبشة وهم يلعبون في المسجد ويزْفنون (أي يرقصون)، كان خدها على خده. وكان يشجّع الأحباش يقول: “دونَكم يا بني أرفدة!”. وفي حديث رواه عنها الإمام أحمد أنه صلى الله عليه وسلم قال عند ذلك: “لِتعلمَ يهود أن في ديننا فُسحة”.

هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا قال. مؤمنة هي أم المؤمنين ونموذج الصالحات كانت تحب اللهو في فجر شبابها فصبر لها الزوج الحنون والرسول الرؤوف الرحيم حتى شبعت وملّت من الفرجة.”  

وإذا كان بعضهم يرى الفنّ ورما خبيثا يجب التخلص منه، فالإمام –رحمه الله- يرى أن لا مناص من التفصيل بين الفنّ في أصله وجوهره وبين من حرّفوا وانحرفوا بالفنّ عن غاياته النبيلة ومقاصده السامية ومالوا به إلى مزابل العفن. وعوض أن نستأصل شأفة الفنّ، نجتثّ فقط ما علق به من خبث، ونعطي فنّا إسلاميا راقيا بديلا عن الفنّ الدوابي.

“فن مسرحي هذا وفكاهة ودُعابة ومقالب! (يقصد لعب الأحباش في المسجد النبوي، ومقالب سويبط ونعيمان –رضي الله عنهما) ولئن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاوم الثقافة اليهودية التلمودية بإظهار فسحة الدين، فإن عصرنا هذا عصر الهوائيات المقعرة والأدب الخليع والعُري وموسيقى الرُّوك التي تنقُر إيقاعاتها الشيطانية في الأوتار العميقة للغريزة الحيوانية، أحوج إلى فن إسلامي بديل عن الفن الدوابي.”

والإمام –رحمه الله- لم يكن يهيم بفكره في الأحلام والأوهام والأماني المعسولة، بل كان يعالج القضايا كلّها مراعيا حال الأمة الإسلامية وتخلفها عن ركب التقدم العلمي الإلكتروني والتكنولوجي، وخضوعها للاستعمار والاستحمار الإعلامي الخسيس، مستحضرا واقع الحياة وهوسها:

“نضع المسألة في إطارها الحاضر والمستقبلي، ونعتبر أن الفراغ والإفراغ بإسكات مزامير الشيطان في العالم أمر مستحيل، ونعتبر أن الحكومة الإسلامية من مقام المسؤولية غدا لا يمكنها أن تغلق المؤسسات الإعلامية الفنونية كما لا يمكنها بين عشية وضحاها أن تغلق الأبناك الربوية وتمتنع عن التعامل مع الأوساط العالمية الرأسمالية وكلها ربا في ربا. والربا أعظم المصائب وأشنع المحرمات، لا خلاف في فظاعته للنص القرآني كما هو الخلاف قائم واسع في الأوتار والغناء.””فن مسرحي هذا وفكاهة ودُعابة ومقالب! (يقصد لعب الأحباش في المسجد النبوي، ومقالب سويبط ونعيمان –رضي الله عنهما) ولئن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاوم الثقافة اليهودية التلمودية بإظهار فسحة الدين، فإن عصرنا هذا عصر الهوائيات المقعرة والأدب الخليع والعُري وموسيقى الرُّوك التي تنقُر إيقاعاتها الشيطانية في الأوتار العميقة للغريزة الحيوانية، أحوج إلى فن إسلامي بديل عن الفن الدوابي.”

“لا بد غداةَ وقوف الدولة الإسلامية على ملإٍ من المنتظرين والمتربِّصين أن يُتَّخَذَ قرارٌ في شأن هذا البلاء المصبوب صَبّا من فجاج الأرض والسماء، المندسِّ دَسّاً في أجهزة الترانزستُور بكل بيت وفي كل يد، المخزونِ في المسجِّلات اليابانية، المتبرج بالألوان الزاهية على شاشات التلفزيون العالمي الذي تتبارى شبكاته المتنافسة في صناعة إغواءِ السامع والناظر.

المنعُ والتحريم والعقابُ لا معنى لها ولا جدوَى. وكيف تقبض على الهواء الساري والماء السائل! فراغٌ هائل في حياة الأسرة تملأه جلسة الأطفال والكبار والنساء والرجال إلى مُعلِّم الخَنا التلفزيون، يشرحُ أبواب اللهو والدوابِّيَّة على متون تطبعها الأستوديوهات اليهودية والوثنية. وليس لنا من مندوحة عن الدخول في المباراة العالمية لجلْب انتباه السامع والناظر بوسائل الإعلام الحديثة وفنونه وتقنياته، من مسرح ونشيد ونحو ذلك. وإنَّ قطعَ الصلة بين أشكال الإعلام التي يتيحها التقدم العلمي التكنولوجي وبين مضمونها الجاهليّ الدوابي قطعاً مفاجئا لا يتيسر إن أردنا الاحتفاظ بسمع السامع وبصر المتفرج، وهما كل زيد وعمرو من المسلمين وذراريهم. والإذاعة الإسلامية والتلفزيون الإسلامي اللَذيْن يُتْلَى منهما القرآن والوعظ بالجِد اللازم قد يستمع إليهما المتقون ساعةً، لكنَّ عامَّةَ الناس تدير الزِّرَّ سريعا إلى محطة مَرَحٍ ولهو تؤنس نفوسا تغذت «تربيتها الفنية» بذلك الغِذاء حتى أصْبحَ جزءاً من ماهيتها.

أعني أن قطعَ الأوتار والمزامير، وفكَّ الجوقات الموسيقية لن يكون إلا عملية تدريجية قد تطول.”

ورغم بشاعة الفنّ الدوابي الذي يصف الإمام –رحمه الله- خباياه وخفاياه وما لا تدركه القلوب المريضة الأسيرة من سمّ زعاف مغموس فيه بعناية فائقة ودقّة متناهية:

“الفن، وقوامه الأوتار والغناء والأدب والتمثيل وما إلى ذلك، هو الهواء الذي تستنشقه الحياة الصاخبة المدوية الهادرة الهوَسية الشيطانية. في أشرطة موسيقى الروك يدسون وسوسات شيطانية من كلمات البذاءة والفحش والزنى واللواط. تمر هذه الوسوسات في الشريط المرئي والمسموع في جزء صغير من الثانية لا تلْقفُها حاستا البصر والسمع، لكنها تستقر في قاع الدماغ تلعب فيه كما يلعب الإيقاع الحيواني بالجسد.”

“إن اللهو واللعب والمتاعَ سمات كل مجتمع جاهليٍّ، وما فتح على جاهلية من أسباب ذلك ما فُتح على الحضارة الماديَّة المستكبرة في الأرض في زماننا. الكُرَةُ الأرضية كلها مسرَحٌ واحد لعرض مشاهد الرقص والغناء والعُري وكل لوازم الفاحشة ومؤيداتِها ومُغرياتِها ودعاياتها و«فنونها» و«ثورتها الجنسية». وحول الأرض طَوْقٌ متواصل من الأقمار الصناعية تبُث بالصوت الجاهر والصورة واللون ما تُفرِزُه دور إنتاج الفاحشة في أمريكا وسائر عواصم الفساد.”

فإنّ هذا لا يعطينا مسوّغا لإبادة الفنّ وإبارته واجتثاثه من أصوله، بل لا يمكننا شرعا أن نحرّم ما لم يحرمه الله ولا نهى عنه رسوله. علينا أن نعطي البديل الذي يباري الشيطنة الموسوِسة الطاغية المستبدة بسمع الإنسان وبصره ودماغه ويديه ورجليه ودمه وعروقه، تحركه حركة جنونية، وتخلُب لبه وتأسِر نفسه:

“البديل الإسلامي في ميدان الفنون لابد منه. ودَرْءُ المفسدة الأكبر بالمفسدة الأصغر قاعدة أصولية متينة. والإطار غير ما عرفه فقهاؤنا الأقدمون. “

ويؤكّد الإمام –رحمه الله تعالى- على ضرورة السعي لتعلم تكنولوجيا العصر من أجل منافسة الغالب بسيفها ومراغمته، حتى نستطيع خلق البديل الفنّي الإسلامي. فيقول بأسى كبير وعدم رضى عن أُمّة كانت رائدة في العلوم، أضحت أَمَة مستباحة للعموم، تُعطاها جرعة المخدر التكنولوجي بقدر معلوم ولأجل معلوم:

“ليس باستطاعة المسلمين أن ينافسوا العالم في صناعة الآلة الإلكترونية والعلوم عنهم نافرة، والصناعة عندهم معدومة داثرة، والتكنولوجيا مضبوطة من خارج مستوردة بمقدار، مُقننة موسوقة في الصناديق بجنب أكياس القمح المستورد. عجزت الأدمغة الغائبة والأخرى المهاجرة المشتتة عن توطين العلوم والتكنولوجيا في بلاد المسلمين.”

ويتساءل الإمام –رحمه الله تعالى- فكيف:

“كيف نرد القافلة عن سير الجمال الوَئيدِ مشيُها إلى مسار إسلامي شامل يكون الإعلام فيه والأدب والفن حُداءً إلى العمل الصالح، وتكون فيه للمسلمين كلمة مسموعة ونموذج حضاري مبثوث الصورة جذاب القسمات، وتكون فيه المسرحية والأغنية -بعد تطهيرها من رجس الشيطان- نداء من جو السماء إلى أهل الأرض ليوحدوا الله، ويكرموا الإنسان، ويتجافَوا عن دار الغرور، متمتعين بزينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق، تاركين زينة الشيطان وتبذير الشياطين ودعارة الأدب الخليع.”

ولا يتركنا -رحمه الله تعالى- تائهين حائرين بين مطرقة الواقع الأليم ضربها، وبين سندان الفرج المأمول الباردة همتنا إليه، فيسعفنا بأرضية العمل، ويشير لنا إلى منابع الاستلهام إن كنا فعلا نريد أن نصنع بديلا فنيا رايته الاسلام:

“في الأدب الإسلامي قديمه وحديثه، وفي مواهب الشباب الإسلامي الصاعد، وفي الطاقة الجمالية الإسلامية وتطلعاتها للنعيم المقيم في الجنة، وفرحها بنعم الله على الناس وفضله في الدنيا، وفي جدية آلام الأمة، وفي طلائع البشائر لتحقيق آمالها، مواضيع لتنويع أدب إسلامي إيجابي تطرد منه روح الأسى على ما فات، ودمعة الحزن على الواقع، وترنيمة الارتخاء في الشكوى والاعتذار.

في القرآن الكريم وقصصه، وفي السنة النبوية والسيرة العطرة وحياة السلف الصالح كنوز ثرية نستخرج منها نماذج تحتذى، ونستأنس بثقتها بالله وبطولتها وجهادها لتتجدد لنا ثقة وجهاد وبطولة.

في قرآننا وسيرتنا وتاريخنا، وفي الطموح المتجدد لجند الله، وفي العاطفة الكامنة في صدور عباد الله وإماء الله المشربة بحب الله وحب رسول الله وحب دين الله، ما يحيي الهمم ويبُلّ النفوس الجافة، وينير الظلام أمام العقول الحائرة، لَوْ صُرِفَتْ جداول الأدب الإسلامي، واستُقرئت منابعه، ووجهت روافده لتشكل تيارا من النور يغمر أجواءنا ويُشع في قلوبنا وينبري لصد التيار الجاهلي المظلم الآيس من الإنسان، العنيف على الإنسان، الساخر من الإنسان، المُخَلّع للإنسان، المشَيِّئ للمرأة والرجل يتجر في جسمها وجمالها، وفي رجولته”

بل إن الإمام –رحمه الله تعالى- ليدعونا إلى استعمال الفنّ كنسمة لطيفة تلطّف أجواء الوعظ، وتدخل عليه من أساليب الاستمالة ما يشدّ الناس ويحبّب إليهم المشروع الإسلامي:

“إن الوعظ وأساليبه وآدابه هو الجدُّ الجادّ، لا بد أن يكون روح الخطاب الإسلامي. فإذا كان وعظا جافا تكراريا مَلَّ هو وأمل الناس وأضجر النفوس. أما إذا تقمصت الروح الإيمانية لباس الأدب وسلكت طرائقه من شعر، وحكمة، وضرب مثل، ودعاية بريئة، وقول جميل، وكلمة سائرة، وتمثيلية ذكية، فإن الموعظة المتلطفة تستطيع أن تبلغ للناس قضية المضطهدين في الأرض، وأن تحبب إلى الناس الحياة الإسلامية، وأن تقبح وتنتقد لهم الجاهلية وفحشاءها ومنكرها، وأن توقظ في نفوس المسلمين روح الجهاد والقوة، وأن تجدد فيهم عزم حمل الرسالة وبناء المجتمع الأخوي النموذجي البَرِّ بالإنسان، الرحيم بالخلق، الغيور على الحق.”

وفي الأخير لا ينسى الإمام المجدد –رحمه الله تعالى- أن يبين مذهبه هو في مسألة الغناء -وهو أحد أشهر الفنون- بعدما حاجّ عنها بأسلوب جذاب وحجج داحضة يمكن للقارئ الكريم الرجوع إليها في كتبه ومؤلفاته. لا ينسى أن يبين مذهبه وما يرجو أن يكون عليه طالبو الإحسان:

“وأريد هنا أن أذكر مذهبي في هذا السماع الوعظي –يقصد سماع الصوفية-. فأنا أزهدُ الناس فيه، واعتبره مضيعة صرفة للوقت على معرفتي بما يعطيه من انفعال وقتِيٍّ يلتذ بخشوعه بعضُهم، ومع احترامي واعتذاري وعذري لرجال حملهم الوَجْد على أجنحة الحال حتى اضطربَت أجسامهم في إيقاع وتمايُلٍ وذكر هائج باللسان. وسمى الملاحظون هذا الاضطرابَ الحاليَّ الغالب اللذيذَ رقصا صوفيا. وقد ذكر الذهبيُّ أن سلطان العلماء كان يحضر السماعَ ويرقُص. وقرأنا في مذكرات الأستاذ البنا أنه كان يحضر «الحضرة»، ويسميها المغاربةُ «عمارة».

ذلك متاعٌ للعاطلين عن حلية الجهاد وشُغْلَتِه. وأبردُ من كل بارد، وأفدحُ من كل بِطالة، صنع قوم ما هبَّ عليهم من الوَجد والذوق نَسْمَةٌ، فتشبهوا بأصحاب الحال، وقاموا واصطفوا وتواجدوا وتفعَّلوا وتكلَّفُوا وتراقصوا. إن كانت غلبةُ الحال والوجدِ تعذِر الصادقين، فالمتصنعون محافظون على آثار بديعة في متاحف الزور.

مذهبي الترخيص للعامة، من باب ارتكاب أخف الضررين في جو المنافسة العالمية على حُداء الزنا، في نشيد الإذاعة والتلفزيون وما يواكب النشيد من تمثيليات خيالية أو تاريخية بشرط إدخال ذلك في الإسلام وتصفيته قدر المستطاع. مذهبي لنفسي ولجند الله أن نعذرَ أهلَ الوَجد والحال الصادقين، وأن نُعلِّم، فيمن نعلم من الجاهلين، أهل الرقص المتواجد، وفي أنفسنا ننقل تراب خنادق التحصن، وعتاد التصنيع والقوة، وأعباء الجهاد والمسؤولية، ولا حرج عندئذ أن نمد الصوت كما مدّه الصوتُ الملهم الشريف.

على أن نتدرج بالرَّكب الإسلامي جميعه إلى السماع الإحساني، وهو الاستماع والانصات إلى كتاب الله عز وجل يُتلى، ويُرتل، ويُجوَّد، ويتغنَّى به المؤمنون، من الاستغناء به عن غيره، ومن الغنة وتحسين الصوت. ونتجنب هذه الأصواتَ المسجلة المحترفة المتعرِّجة المُخَنَّثَةَ، بعضها لا كُلَّها.”

ونختم مع الإمام –رحمه الله تعالى- الذي بعدما حثّنا على صنع البديل الإسلامي في ميدان الفنون نواجه به السّيل الإعلامي القذر المأفون، ها هو ذا يدعونا بحرقة أكبر إلى البديل الإحساني. بديل إسلامي للعامة يعوّضهم عن جرعة المخدّر الفنّي الذي غزا بيوتهم وعقولهم وقلوبهم، وبديل إحساني – له و لمن يحذو حذوه- مادّته وروحه القرآن تزيّنه الأصوات الشجية تتلوه بإتقان. والتجويد فنّ إسلامي محض لا يختلف على رقيّه وسموّه اثنان. اللهم إلا ما كان من أخذ وردّ في مسألة المقامات والألحان:

“وتعمل التربية عملها. أستغفر الله، بل يقذف الله نور الإيمان في قلوب عباده. ويترعرع الإيمان في قلب المؤمنة التي كانت تحب اللهو وتحرص عليه، فيطرد حب الله حب اللهو، وتنْعَتِقُ الروح من حبائل الهوى، ويصبح سماع الأنبياء والصديقين أشرف ما تتحلى به الأذن ويَستشرف إليه القلب. سماع الأنبياء القرآن، يتغنى به المؤمنون والمؤمنات، فتسمو به المشاعر، وتتصعد العواطف.

ما رأي المؤمنات والمؤمنين في سماع يأذن له الله رب العزة ويستمع إليه؟ روى الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما أذِنَ الله لشيء ما أذِنَ لنبِيٍّ أن يتغنى بالقرآن”. أذِنَ أذَنا بمعنى استَمَع. وعند البخاري: “ليس منا من لم يتغن بالقرآن”. وروى أبو داود والنسائي عن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “زينوا القرآن بأصواتكم”.

القرآن كلام الله خير ما تغنى به المؤمنون والمؤمنات واستغنوا به. أستغفر الله، فإن مقارنة كلام الله بغيره ولو بالتفضيل زلة قلم.

إن للروح تطلعا إلى الجمال المطلق وهو الله تعالى. تحن الروح إلى أصلها في قربه. أما الفِطَر السليمة فأشواقها إلى ربها ترفعها ولو بعد فتَراتِ حب اللهو إلى مقامات الإحسان، فيصبح كلام الله بَلْسَمَ حياتها وربيعَ قلبها. وأما الفِطَرُ المطبوع على قلوبها فيتكسر ذلك التطلع الفطري فيها إلى الجمال على صخور قسوة القلب. لا يكاد يرتفع قليلا حتى تقتنصه الغرائز، وتجتذبه الشهوات، وتأسره النزوات، فإذا هو في قبضة الفن الماجن.

تطلّع سماوي أفقه القرآن، وغذاؤه القرآن، وسماعه القرآن، وطربه القرآن. ذاك هو البديل الإحساني لمضمون الفنون الأرضية الغارقة في حَمْأة التراب المغرقة فيها. ولئن كان لعامة المسلمين ممن تغلب عليهم حاجات الجسم وضرورات العيش مندوحة في التسلي بأناشيد وأهازيج، فإن الأنشودة الخالدة المقدسة عند المؤمنات والمؤمنين هي تلك التي يناجون بها ربهم سبع عشرة مرة في اليوم والليلة فرضا، وما شاء الله بعد ذلك نفلا: الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ملك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين.” . 

 وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه وحزبه.

 

 



[1] عبد السلام ياسين، تنوير المومنات، ص 199 ج 1 الطبعة الأولى 1996 مطبوعات دار الأفق
[2] عبد السلام ياسين، تنوير المومنات، ص 194 ج 1 الطبعة الأولى 1996 مطبوعات دار الأفق
[3] عبد السلام ياسين، تنوير المومنات، ص 196ج 1 الطبعة الأولى 1996 مطبوعات دار الأفق
[4] عبد السلام ياسين، تنوير المومنات، ص 198 ج 1 الطبعة الأولى 1996 مطبوعات دار الأفق
[5] عبد السلام ياسين، الاحسان، ص 352 ج 2 الطبعة الأولى 1998 مطبوعات دار الأفق
[6] عبد السلام ياسين، تنوير المومنات، ص 199ج 1 الطبعة الأولى 1996 مطبوعات دار الأفق
[7] عبد السلام ياسين، الاحسان، ص 351 ج 2 الطبعة الأولى 1998 مطبوعات دار الأفق
[8] عبد السلام ياسين، تنوير المومنات، ص 199 ج 1 الطبعة الأولى 1996 مطبوعات دار الأفق
[9] عبد السلام ياسين، تنوير المومنات، ص 138 ج 1 الطبعة الأولى 1996 مطبوعات دار الأفق
[10] عبد السلام ياسين، تنوير المومنات، ص 138 ج 1 الطبعة الأولى 1996 مطبوعات دار الأفق
[11] عبد السلام ياسين، تنوير المومنات، ص 139 ج 1 الطبعة الأولى 1996 مطبوعات دار الأفق
[12] عبد السلام ياسين، تنوير المومنات، ص 140ج 1 الطبعة الأولى 1996 مطبوعات دار الأفق
[13] عبد السلام ياسين، الاحسان، ص 355 ج 2 الطبعة الأولى 1998 مطبوعات دار الأفق
[14] عبد السلام ياسين، تنوير المومنات، ص 199-200-201 ج 1 الطبعة الأولى 1996 مطبوعات دار الأفق


[1] عبد السلام ياسين، تنوير المومنات، مطبوعات دار الأفق، سنة 1996، ج 1، ط 1، ص 199
[2] نفسه، ج 1، ص 194.
[3] نفسه، ج 1، ص 196.
[4] نفسه، ج 1، ص 198.
[5] عبد السلام ياسين، الاحسان، مطبوعات دار الأفق، سنة 1998، ط 1، ج 2، ص 352.
[6] عبد السلام ياسين، تنوير المومنات، ج 1، ص 199.
[7] عبد السلام ياسين، الاحسان، ج 2، ص 351.
[8] عبد السلام ياسين، تنوير المومنات، ج 1، ص 199.
[9] نفسه، ج 1، ص 138.
[10] نفسه، ج 1، ص 138.
[11] نفسه، ج 1، ص 139.
[12] نفسه، ج 1، ص 140.
[13] عبد السلام ياسين، الاحسان، ج 2، ص 355.
[14] عبد السلام ياسين، تنوير المومنات، ج 1، ص 199-200-201.
تاريخ الخبر: 2021-12-15 02:20:37
المصدر: الجماعة.نت - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 48%
الأهمية: 60%

آخر الأخبار حول العالم

الجيش الجزائر يقتل ثلاث شبان شرق “مخيم الداخلة” بتندوف

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-26 21:25:16
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 63%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية