ماكرون... وملء فراغ ميركل في قيادة أوروبا


خلف رحيل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بعد 16 عاماً على رأس السلطة الحاكمة في ألمانيا، فجوة كبيرة على الصعيد السياسي الأوروبي وعلى مستوى الاتحاد الأوروبي.

كثيراً ما انهالت الإشادات على ميركل باعتبارها قائدة الاستقرار خلال الأوقات العصيبة. وبالفعل، نجح النهج التعددي والقائم على الوصول إلى حلول وسطى وتسويات، الذي اتبعته ميركل في قيادة دفة الاتحاد الأوروبي ليجتاز بسلام الكثير من الأزمات، بما في ذلك أزمة ديون دول منطقة اليورو، والعلاقات بالولايات المتحدة التي لحق بها الضعف في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب وأزمة جائحة «كورونا» التي ضربت العالم.

العالم تطلع غالباً نحو الولايات المتحدة كي تضطلع بدور شرطي العالم، فيما الاتحاد الأوروبي في المرتبة الثانية من سلسلة القيادة. إلا أن السياسات الخارجية التي انتهجتها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن فشلت حتى الآن في الفوز بإعجاب الحلفاء الأوروبيين.

الواضح أن واشنطن بدلت بؤرة اهتمامها وقلصتها، ويرجع ذلك لأسباب عدة يتعلق الجزء الأكبر منها بقضايا محلية. وبالمثل، تبدو المملكة المتحدة منشغلة بالقدر نفسه بمشكلاتها السياسية. وعليه، فإن هذه هي اللحظة التي بإمكان الاتحاد الأوروبي أن يمارس خلالها نفوذه الكبير على صعيد الشؤون الدولية، مثل مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة مع إيران، وتهدئة التوترات بين روسيا وأوكرانيا.

وفي عام 2022 ستزداد أهمية القيادة القوية للاتحاد الأوروبي أكثر من أي وقت مضى، وذلك كي يطرح نفسه كقوة موازنة للصين التي تعمد على نحو متزايد إلى تأكيد قوتها، وكذلك روسيا التي تزداد تحركاتها العدوانية بمرور الوقت. مع ذلك، من غير المحتمل أن تتحقق هذه القيادة على أرض الواقع، في ضوء التنافسات والخلافات الداخلية التي يعانيها الاتحاد الأوروبي. واللافت، على وجه الخصوص هنا، أن المواقف السياسية المثيرة للخلاف التي تتخذها فرنسا تخلق فجوة بينها وبين الأعضاء الآخرين في الاتحاد. كما أن فقدان المفوضية الأوروبية ثقتها في بولندا والمجر يهدد تماسك الاتحاد، وبالتالي فاعليته. أضف إلى ذلك تلاشي الثقة على نحو متزايد بين لندن وباريس بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهو ما سبب تشتيتاً كبيراً لانتباه الاتحاد.

وهكذا يتضح أن الكثير يقع على عاتق أولاف شولتز وتحالفه غير المسبوق، من الديمقراطيين الاجتماعيين والخضر والليبراليين. والمؤكد أن الدعوات، الصادرة من داخل تحالفه، لاتخاذ مواقف أكثر صرامة في مواجهة أوروبا الشرقية وروسيا والصين ستلقى ترحيباً من جانب الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.

مع هذا، يتساءل كثيرون حول ما إذا كانت القيادة الألمانية الجديدة مستعدة بالفعل للاضطلاع بدور نشط في معالجة القضايا العالمية المعقدة، من ليبيا مروراً بهونغ كونغ وصولاً إلى غرب البلقان. بيد أنه في ظل غياب ثقل أوروبي آخر على استعداد لتوجيه الدفة، يجب على ألمانيا أن تعمل على تحقيق التوازن في وجهات نظر أعضاء الاتحاد الأوروبي لتجنب تعميق الانقسامات داخله، وتصعيد الصراعات، وإلحاق الضرر بنفوذ الكتلة بشكل لا يمكن إصلاحه، الأمر الذي يبدو اليوم بمثابة تهديد حقيقي ـ وهذه بالتأكيد ليست بمهمة هينة.

وتعد الطريقة التي تتعامل بها الإدارة الألمانية الجديدة مع القضايا الداخلية الملحة، التي لا تشكل تهديداً لنزاهتها فحسب، وإنما أيضاً لمستقبلها، تحدياً كبيراً. وبينما تبنت ميركل نهجاً تصالحياً إزاء انتهاكات سيادة القانون في بولندا والمجر، ليس واضحا ما إذا كان شولتز سيسير على نهجها.

المؤكد أن رحيل ميركل سيترك فراغاً ستسارع فرنسا للدخول فيه. والاحتمال الأكبر أن يتخذ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نهجاً أكثر تشدداً تجاه وارسو وبودابست بشأن مجموعة من القضايا، بما في ذلك تقويض المحاكم والمنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام، بجانب الادعاء بحدوث مخالفات مالية على صلة بالمساعدات المالية من الاتحاد الأوروبي، وتقويض المبادئ الديمقراطية، وتحريض الأحزاب الشعبوية، وإخضاع القوانين الأوروبية للقوانين الوطنية. لذلك، من المحتمل أن تدعم فرنسا (وغيرها) التحقيق الذي تجريه المفوضية الأوروبية في الوقت الراهن بخصوص هذين البلدين، المدعوم على نحو كامل من قبل البرلمان الأوروبي. ومن المتوقع أن يحجب الاتحاد الأوروبي التمويل ويفرض عقوبات مالية بموجب المادة 7 التي تسمح بفرض عقوبات لدى وقوع انتهاك لسيادة القانون. إلا أن إجراءً قاسيا ًكهذا من شأنه تمزيق نسيج الاتحاد الأوروبي ومفاقمة حدة الحساسيات بين شرقي أوروبا وغربيها، بل ربما يؤدي إلى شروع بولندا في إجراءات الخروج من الاتحاد.

مما سبق يتضح أن عام 2022 سيكون حاسما في مسيرة الاتحاد الأوروبي، في ظل غياب ميركل عن دفة القيادة، وفي الوقت الذي يفكر فيه رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان ورئيس الوزراء البولندي ماتيوز موراويكي باستخدام قوارب النجاة.

وبالتأكيد، يعتمد الكثير على نتيجة الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقرر إجراؤها في أبريل (نيسان) المقبل. ورغم أن التوقعات تشير إلى فوز ماكرون، لكن الفراغ الناجم من خسارته، إن حصلت، سيترك دفة قيادة الاتحاد خالية مؤقتاً، ما يمنح المجر وبولندا في الوقت ذاته مهلة لالتقاط الأنفاس.

مع ذلك، لن يكون لنتائج الانتخابات الرئاسية الفرنسية تأثير يذكر على العلاقات الفرنسية - البريطانية، التي وصلت أدنى مستوياتها على الإطلاق. والمؤكد أن القضايا التي لا تزال محل خلاف بين البلدين، بما في ذلك القيود المفروضة على السفر استجابة لمعدلات الإصابة بفيروس «كوفيد - 19»، ونقاط عبور المهاجرين عبر القناة الإنجليزية، واتفاق أوكوس الذي شهد إلغاء عقد لصالح فرنسا لبناء غواصات لحساب أستراليا... كلها أمور ستكون مصدر إزعاج في العلاقة بين البلدين. ومع ذلك، فإن هذه القضايا تدل إلى مشكلات أعمق في العلاقات الفرنسية - البريطانية، تضرب بجذورها في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ويحتمل أن تستمر طوال العام المقبل.

من ناحية أخرى، تشعر باريس بالخيانة بسبب رفض لندن تنفيذ الأجزاء الرئيسية من اتفاق الخروج من الاتحاد، خصوصا فيما يتعلق بآيرلندا الشمالية. أما لندن فتعتقد أن فرنسا عازمة على معاقبتها بسبب انسحابها من المشروع الأوروبي. المؤكد أن الثقة ضاعت بين البلدين وستستغرق سنوات عديدة للتعافي. وحتى يتحقق ذلك، ستستمر العلاقات في التوتر، ما سيزيد تعقيد الأمور بين بروكسل ولندن.


تاريخ الخبر: 2021-12-24 03:34:23
المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 84%
الأهمية: 90%

آخر الأخبار حول العالم

بانجول.. افتتاح سفارة المملكة المغربية في غامبيا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 00:26:34
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 63%

بانجول.. افتتاح سفارة المملكة المغربية في غامبيا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 00:26:27
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 58%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية