الهيكلة وإعادة الهيكلة .. المقتضيات والمعايير


عندما تنشأ الوزارات والهيئات والشركات تكون في بدايتها قائمة على رؤية بسيطة تتناسب مع ظروف البدايات التي قد تكون محدودة الإمكانات المادية والبشرية، وتتناسب هيكلة المنشأة مع احتياجات الوطن في حينه، لكن مع الوقت، وتوسع الطلب على الخدمات المقدمة من المنشأة تأتي الحاجة إلى إعادة الهيكلة بما يتناسب مع المستجدات، والمملكة كغيرها من الدول مرت منذ تأسيسها بهيكلة أجهزتها الإدارية من خلال الدمج، أو الفصل، أو الاستحداث، أو رفع المستوى من إدارة، أو هيئة إلى وزارة، أو الإلغاء، فعلى سبيل المثال لا الحصر وزارة التعليم بدأت بدائرة التعليم، ثم تحولت إلى وزارة تشرف على التعليم العام، والعالي، ثم فصل التعليم العالي بوزارة مستقلة، ثم تم الدمج مرة أخرى، كما أن التجارة، والصناعة كانتا في جهاز واحد، لتنفصلا فيما بعد، ثم دمجتا، ولتنفصلا الآن، وكذلك الزراعة، والمياه، والكهرباء، والإسكان، والشؤون البلدية مرت بالظروف نفسها.

الهيكلة لا تقتصر على المنشأة بكاملها، بل الأقسام، والبرامج داخل المنشأة تمر بالظروف نفسها، حيث تلغى أقسام، أو تدمج، والأمر ينطبق على البرامج التنموية، وبما تقتضيه الحاجة، والظروف الاقتصادية، والوضع التنموي الذي يمر به الوطن. الجامعات ينطبق عليها ما ينطبق على الجهات الأخرى، فعلى سبيل المثال جامعات كانت أفرعا من جامعات ثم استقلت، والأمر ينطبق على الأقسام، والوحدات، فجامعة الملك سعود قسم الآثار، ومركز اللغات، والترجمة كانا ضمن كلية الآداب لكن مع ازدياد الحاجة إلى متخصصي اللغات الأخرى وجدت كلية اللغات، والترجمة، ونشأت كلية الآثار، والسياحة، وفي كلية العلوم كانت الفيزياء، والفلك في قسم واحد لينفصلا في مرحلة من المراحل، ثم ليعودا ويندمجا مرة أخرى.

الهيكلة في أي قطاع يفترض اعتمادها في الأساس على معلومات، وحقائق مستمدة من الميدان تبين إيجابيات، وسلبيات ما هو قائم، وكيف سيتحقق المستهدف بعد الهيكلة، وما الآثار الناجمة عن الهيكلة، خاصة إذا استغرقت الهيكلة فترة طويلة، كما أن من تسند إليهم إجراءات، وتخطيط عملية الهيكلة، والانتقال من الوضع القديم إلى الوضع الجديد يفترض تمتعهم بالكفاءة، والموضوعية، والبصيرة التي تمكنهم من إدراك المخاطر، مع ضمان عدم توقف البرامج، والأنشطة القائمة أثناء فترة الهيكلة، حتى لا تتأثر المنشأة، والقائمون عليها، والمستفيدون من الخدمات التي تقدمها.

قبل ما يقارب العقدين طرحت فكرة إيجاد الجامعة التربوية، بحيث تنضوي كليات التربية كافة، وكليات المعلمين الموجودة في ذلك الوقت تحت مظلة الجامعة المقترحة، وشكلت الهيئة العليا للإصلاح الإداري لجانا، لدراسة الفكرة، وقد كنت ممن استطلعت في الموضوع، فعارضت الفكرة من الأساس، معللا ذلك بأن بقاء كليات التربية تحت مظلة الجامعات يجعلها تلتزم بالمعايير كافة التي تأخذ بها الكليات كافة في اختيار المعيدين، وابتعاثهم، وتعيين أعضاء هيئة التدريس، وترقياتهم، وكذلك معايير قبول الطلاب، ونجاحهم، وإجراءات تأهيلهم، وكذلك الجانب المعنوي شديد الأهمية، وهو الشعور بالانتماء إلى جامعة شاملة تفرض التنافس الإيجابي بين الجميع. وانتهى الأمر بأخذ الهيئة بخيار بقاء كليات التربية تحت مظلة الجامعات.

منذ ثلاثة أعوام نسمع عن الرغبة في هيكلة كليات التربية في المملكة، ومن حيث المبدأ هذا شيء جميل إذا تم وفق قواعد عملية الهيكلة التي سبقت الإشارة إليها، لكن ما حدث هذا العام فيما يخص كلية التربية في جامعة الملك سعود الأمر مختلف، حيث اتخذ مجلس الجامعة قرارا يقضي بإرجاء تقديم، أو النظر في البرامج الجديدة، والخدمات الممكن تقديمها لجهات خارج الجامعة، حيث نص قرار مجلس الجامعة في جلسته العاشرة بتاريخ 1442/10/13 على (التريث حتى انتهاء وزارة التعليم من إعادة هيكلة كليات التربية ... إلخ)، وذلك عند مناقشة المجلس مذكرة عمادة الدراسات العليا بخصوص الدبلوم العالي للقياس والتقويم المقدم من قسم علم النفس، ومع طلب بعض الجهات من القسم تقديم بعض الخدمات إلا أن القسم مقيد بهذا القرار.

كليات التربية منتشرة في مناطق المملكة ومحافظاتها، وقدمت خدماتها في إيجاد معلمي التعليم العام، وستبقى الحاجة قائمة إليها، فمعلم التعليم العام هو أساس التنمية، وأساس صناعة الكفاءات في المجالات كافة، وهذا لا يعني عدم وجود ضعف في بعض المخرجات، أو أن الكليات بهذا العدد تمثل ضرورة، أو أن عدد الخريجين يتناسب مع حاجة سوق العمل، فالأحكام على هذه الأمور تتطلب معلومات موثوقة، ولذا أرى ألا تتعطل الخدمات، وتتأثر البرامج انتظارا للانتهاء من عملية الهيكلة كما نص عليه قرار الجامعة المشار إليه آنفا. أما وقد صدر قرار وزير التعليم بتاريخ 1443/5/8 بتشكيل لجنة لدراسة مشاريع هيكلة الجامعات فلا معنى لاستمرار تعطيل أنشطة، وخدمات كلية التربية للجهات الراغبة فيها، وكذلك إيقاف بعض الخدمات الإدارية لبعض أعضاء هيئة التدريس.

*نقلاً عن صحيفة "الاقتصادية"

تاريخ الخبر: 2021-12-24 12:18:07
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 84%
الأهمية: 89%

آخر الأخبار حول العالم

السكوري: المغرب قطع أشواطا هامة في مسار بناء الدولة الاجتماعية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 00:25:53
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 55%

الحسم في بيرنابيو.. التعادل يحسم ذهاب ريال مدريد وبايرن ميونخ

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 00:26:04
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 55%

السكوري: المغرب قطع أشواطا هامة في مسار بناء الدولة الاجتماعية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 00:26:02
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 54%

الحسم في بيرنابيو.. التعادل يحسم ذهاب ريال مدريد وبايرن ميونخ

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 00:26:09
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 54%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية