أعلنت شركة "إنتل" العالمية للإلكترونيات اعتذارها للشعب الصيني على "ما تضمنه بيانها من إهانة له" حسب ما نشرت على حساباتها الرسمية بوسائل التواصل الاجتماعي. اعتذار، يقول مراقبون، إنه يأتي إذعاناً لحملة تنمر إعلامية واسعة وتهديدات تعرضت لها الشركة، انتقاماً لطلبها من مورديها الصينيين تفادي المنتجات المصنعة بمقاطعة شينجيانغ التي تمارس فيها سلطات بكين اضطهاداً ضد الأغلبية المسلمة من سكانها.

فيما ليست هي المرة الأولى التي تعاقب فيها الصين منتقدي انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها في حق أقليَّة الأويغور، بما فيها الاحتجاز والتعذيب والعمل القسري. حيث وبنفس النهج الذي يتحد فيه التشهير الإعلامي الممنهج والتهديد مع العقوبات الاقتصادية، تقمع الصين كل من يرفض التورط في المأساة القائمة بمقاطعتها الغربية.

ما دفع "إنتل" إلى الاعتذار؟

تعود أطوار القصة إلى الخطاب السنوي الذي بعثته شركة "إنتل" إلى مورديها الصينيين، حيث حثتهم فيه على تجنب أن تكون منتوجاتهم الموجهة إلى مصانع الشركة قادمة عن "أي اتجار بالبشر أو عمل قسري، استعباد أو إخضاع بالديون". وأضافت

أنها "كانت مطالبة بضمان أن سلسلة التوريد الخاصة بها لا تستخدم أي عمالة أو سلع أو خدمات" من شينجيانغ وفقاً للقيود التي تفرضها "حكومات متعددة". مؤكدة أن كل مورد ملزم بتنبيه الشركة في حال شكوك اختلالات من هذا النوع.

رداً على ذلك، قررت السلطات الصينية إطلاق حملة عدائية ضد الشركة. حيث هاجم عدة نشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي، وهم من المتعاطفين مع الحزب الشيوعي الحاكم، الشركة واتهموها بإهانة وابتزاز الأمة الصينية. فيما شنت وسائل إعلام الحزب حملة إعلامية تنتقد فيها عملاق تصنيع الرقائق الإلكترونية العالمي.

ووصفت جريدة "غلوبال تايمز"، التي يديرها أعضاء في الحزب الحاكم ببكين، بيان "إنتل" بـ"السخيف". وأن الشركة "تعض اليد التي أطعمتها"، كون "26% من إجمالي إيراداتها سنة 2020 قادم من الصين". وحثت الصحيفة السلطات الصينية إلى اتخاذ تدابير اقتصادية ضد "إنتل"، قائلة: إن "ما نحتاج إلى القيام به هو جعل الشركات المسيئة إلى الصين تدفع الثمن باهظاً، وأن تفوق خسائرها مكاسبها".

وفي السياق ذاته، أعلن المغني الصيني الشهير، كاري وونغ، أنه لن يستمر في عمله كسفير لماركة "إنتل" احتجاجاً على ما جاء به بيانها. وتناقل عدد من مستعملي وسائل التواصل الاجتماعي الصينية دعوات مقاطعة لمنتجات الشركة.

رضوخاً لهذا الضغط والابتزاز الاقتصادي، أعلنت "إنتل" اعتذارها لـ"الشعب الصيني عن أي إهانة تضمنها خطاب الموردين". وقالت الشركة في منشور روجته على وسائل التواصل الاجتماعي: "نعتذر عن أي مشكلة تسببنا فيها لعملائنا الصينيين المحترمين وشركائنا والجمهور" . موضحة أن "الفقرة الخاصة بشينجيانغ في الرسالة، مخصصة فقط للتعبير عن النية الأصلية للامتثال والشرعية، وليست موقفاً رسمياً للشركة".

هذا وتواردت تقارير دولية عدة حول الانتهاكات الحقوقية التي ترتكبها السلطات الصينية ضد شعب الأويغور بإقليم شينجيانغ غرب البلاد. بما في ذلك الاحتجاز والتعذيب، وإجبارهم على العمل في ظروف لا إنسانية.

كيف تنتقم بكين من الشركات المنتقدة لها؟

ليست هي أول مرة تهاجم فيها الصين الشركات المنضبطة للعقوبات الدولية بخصوص منطقة شينجيانغ. قبلها عانت شركات ألبسة عالمية من تحركات انتقامية صينية، نظير قرارها مقاطعة القطن المنتج بالإقليم المذكور، لارتباط إنتاجه بمعتقلات الاحتجاز والعمل القسري التي تضع فيها السلطات الصينية مواطني قومية الأويغور المسلمين.

وهددت السلطات الصينية كلاً من شركات "نايكي" الأمريكية و"إتش آند إم" السويدية بالمقاطعة. وسحبت المتاجر الإلكترونية الكبرى في الصين، مثل "علي بابا" و"JD"، منتجات الشركة السويدية من صفحات عرضها. وانتقدت قناة CCTV الصينية الحكومية العلامات التجارية الأجنبية، حيث وصفتها بأنها تحقق أرباحاً كبيرة في الصين، ولكنها في الوقت ذاته تهاجم البلاد بالأكاذيب.

هي إذن الاستراتيجية ذاتها المتبعة ضد مصنع الإلكترونيات العالمي، يوضح معالمها مقال سابق لجريدة "الجارديان البريطانية" قائلاً بأن "الصين تسعى على نطاق أوسع لردع أي انتقاد بشأن شينجيانغ، حيث تنكر أي انتهاكات للحقوق هناك". مشبهاً ذلك بالعقوبات التي شنتها سنة 2010 ضد صادرات السمك النرويجية إثر فوز المعارض الصيني ليو شياوبو بجائزة نوبل للسلام.

فيما لا تحسب هذه العقوبات "معاملة" بالمثل، إذ تستهدف نظيرتها الغربية مسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان بالصين، فيما تستهدف الصين فاعلين اقتصاديين مستقلين.

هذا، وفي مستجد آخر للقضية، وقع الرئيس الأمريكي، جو بايدن، قانوناً يحظر استيراد مجموعة منتجات مصنوعة، كلياً أو جزئياً، في مقاطعة شينجيانغ الصينية إلى الولايات المتحدة بهدف مكافحة العمل القسري لأقلية الأويغور المسلمة هناك. هذا "إلا إذا تمكنت الشركات من أن تثبت لرجال الجمارك أن السلع لم تصنع عن طريق العمل القسري" يقول نص القانون. فيما أوضح البيت الأبيض أن النص الموقع "يفرض كذلك عقوبات على الأجانب المسؤولين عن العمل القسري في المنطقة".

TRT عربي