البرهان والغضب الشعبي


 

البرهان والغضب الشعبي

خالد فضل

يبدو السيد البرهان ؛ يقرأ : قائد إنقلاب 25أكتوبر 2021م , في أسوأ أوضاع مرّ بها من قبل قائدين إنقلابيين على الأقل , فإذا اعتبرنا أنّ إنقلاب الفريق عبود في 17نوفمبر1958م كان عبارة عن تسليم وتسلم بينه وبين رئيس الوزراء المدني يومها عبدالله خليل بك ؛ وقد كان يشغل المنصب على قائمة حزب الأمة , نجد أنّ إنقلابيّ العقيد النميري والعميد البشير في 1969 و 1989م على التوالي , قد قوبلا بنوع من التحفظ لدى السياسيين , وما يشبه الرضا والقبول والتأييد من جمع مقدّر من عامة المواطنين بمن فيهم الفئات الشابة وقتذاك .

الفريق الإنقلابي البرهان, واجه الغضب الشعبي المتصاعد  حتى قّبيل قيادته للإنقلاب , فقد تبدّلت الصورة التي حاول رسمها عن نفسه وهو ينزل إلى ساحة الإعتصام أمام بوابات القيادة العامة للجيش , في ظهيرة ذلك اليوم , ثم اصطحب معه السيد إبراهيم الشيخ الرئيس السابق لحزب المؤتمر السوداني ( وزير الصناعة ) عند إنقلاب البرهان الأخير , وبالفعل فإنّ الفريق عوض بن عوف القائد الأول الذي إذاع بيان اللجنة الأمنية وفيه أعلن إقتلاع رأس النظام والتحفظ عليه في مكان آمن , لم يشف ذلك البيان غليل الثوار , فأسقطوا ابن عوف بعد مرور ساعات على بيانه ؛ وسيحفظ التاريخ للفريق عوض حقّه في استجابته الواعية للرفض الشعبي له , واستقالته بعد 24ساعة على توليه القيادة , لقد حقن الدماء فعلا بتصرفه الحكيم ذاك , وأيّا كانت الملابسات والضغوطات التي قابلها بيد أنّ للرجل مأثرة يجب التنويه بها , خاصة ونحن الآن أمام موقف مشابه يواجهه الفريق البرهان الذي يحظى بقدر وافر من الرفض الشعبي , وهو رفض تصاعد منذ مجزرة فض الإعتصام , تلك الجريمة التي عمّقت من جذور الشكوك وعدم الثقة في العسكريين , فالشباب النضر والشابات الباهيات الذين واللاتي كانوا ضحايا تلك المجزرة يتحدرون من أسر سودانية من صلب الشعب , لم يك لهؤلاء الضحايا من ذنب سوى طموحهم الخلاق ووعيهم الثاقب وتطلعهم للمساهمة في بناء وطنهم بما يليق بكرامتهم وحقهم في الحياة , لقد تمت عملية إبادة منظمة لمئات الشهداء , أزهقت أرواحهم على مرأى ومسمع من مكتب قائد الجيش , وفي ذلك الفجر الحزين عوضا عن إقامة صلاة عيد الفطر تحت مظلة علم السودان الكبير , أقيمت سرادق العزاء في مختلف أرجاء السودان الذي ( ما ضاق الوطن بس كبرت الزنزانة ) كما في حداء النبيل الجميل أزهري محمد علي ,  عوضا عن تقديم الحلويات والشربات والفرح بالعيد , قدّم الفريق الكباشي تبريراته المرتجفة و ( حدث ما حدث) !! الثقة فُقدت يومها , ولكن في سبيل الوطن والشعب , ووفاء لأرواح الشهداء وذكرى المفقودين ودماء المصابين , قبلت قوى الثورة بالتفاوض , وأبرمت الوثيقة الدستورية وتشكلت لجنة التحقيق في المجزرة , وبدا د. عبدالله حمدوك ؛ الذي انتدبته قوى الثورة لرئاسة مجلس الوزراء بدأ يحدث الشعب عن نموذج جديد للحكم الإنتقالي بثنائية مدنية /عسكرية , وهو أمر لم يجد القبول التام من جانب قوى الثورة الحية , فالمطلب واضح وصريح ( مدنياوو قرار الشعب ) ولكن قال الناس عسى ولعل , ثمّ إنّ فترة رئاسة مجلس السيادة تداولية , لنصبر ونرى !! وعند حلول الأوان المحتوم لتداول رئاسة المجلس السيادي الإنتقالي ( حدث ما حدث ) .

الآن أمام الفريق البرهان فرصة أخيرة , أن يستقيل من موقع رئاسة المجلس السيادي الإنتقالي ومن رئاسة القوات المسلحة , نعم يستقيل ؛ حقنا للدماء واستجابة للرفض الشعبي الواسع للإنقلاب الذي نفذه رسميا في 25أكتوبر , الآن باتت الصورة الأوضح أنّ البرهان بات غير مرغوب فيه شعبيا , وما تسمى بالحاضنة المصنوعة لن تنفعه , هذه الحاضنة ( شعب كل حكومة ) فإذا ذهب البرهان اليوم وجاء بعده من يخالفه تماما لوجد ذات الحاضنة البائسة في مقدمة المهللين له اللاعنين للبرهان !! قطعا السيد البرهان على المستوى الشخصي يعلم ذلك تماما , ويعلم أكثر أنّ جيلا جديدا من النساء والرجال السودانيين متميزين في ولائهم الشديد لمطلبهم العادل والموضوعي , في مدنية الحكم , وانصراف القوات المسلحة لتأدية واجباتها ومهامها على أكمل وجه , وهو أمر عبرت عنه وتعبر يوميا أمواج الثوار والثائرات الذين يخرجون إلى الشوارع , ليس في الخرطوم وحدها بل في مدن وولايات السودان المختلفة , الآن الفرصة أمام البرهان ليذيع بيانه الختامي , يقول : إنّه وزملائه العسكريين كانوا يودون خدمة شعبهم والوفاء لشرف جنديتهم بإخلاص , ولكن شؤون الحكم غير , وواجبات القوات المسلحة ليس من بينها رئاسة الحكم وادارته , الآن فهمت مطالب الشعب وعرفت رغبته , وأقدر تطلعاته , أقدم استقالتي وزملائي العسكريين وأدعو لتفاوض حول التسليم والتسلم , انتهى , ساعتها يمكن عرض ضمانات وووو … إلخ  بير ذلك  لا سبيل آخر إلاّ المضي في نسخة  فض الإعتصام وممارسة المجازر والمذابح ضد الشعب الذي يزعم البرهان حمايته !!.

خالد فضل

تاريخ الخبر: 2021-12-26 18:33:05
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 47%
الأهمية: 70%

آخر الأخبار حول العالم

انهيار صفقة الاستحواذ على «التلغراف» و«سبيكتاتور» - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-01 03:23:38
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 62%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية