مواطن سبعيني ورث تربية الإبل عن أجداده وعشقها، وتعلم فنون وأصول تربيتها وأسرارها منذ طفولته، راعيا لها يسوسها في الوديان والخبوت، فكانت له المدرسة، التي تعلم منها الصبر وتحمل المسؤولية إلى أن أصبح أكبر مرب ومالك للإبل الساحلية العتودية بمحافظة الدرب شمال جازان، على الرغم من الطفرة الحضارية التي تشهدها المنطقة إلا أنه ظل متمسكا بأصالته، ومحافطاً على إرث أجداده رغم المغريات ومتحديا المعوقات.

«الوطن» قامت بجولة ميدانية وزارته في موقع عزبته خبوت عتود، والتقت به للحديث عن تفاصيل وخصائص الإبل وحكاياته لقصص عجيبة، حدثت لهم في الماضي وما زالت في ذاكرته استقبلنا بزيه الشعبي الأصيل السميج والمصنف، وممسكا عصاه التي يهش بها على إبله وشاهدنا التفاهم والانسجام بينه وبين الفحل سمحان، والذي جاء إليه بعدما ناداه باسمه وكأنه أحد أبنائه.

20 جدا

وأوضح أكبر مربي ومالك الإبل بعتود قصادي علي عتودي ل «الوطن» بدايتي كنت راعي إبل أهلي حيث رعيت الإبل وعمري 12 عاماً، وأنا معها وورثت حبها وعشقها من جد عن جد، ومن المواقف العالقة في ذاكرتي أيام الرعي وأنا صغير حيث كنت أنام على ظهر الناقة في الليل في أماكن خالية، ولم نكن نعرف الكهرباء في ذلك الزمان وتأتي الذئاب وتاكل من تحت ذيل الناقة الفضلات، وإني ما زلت أخاف من الذئاب تأكلني وأنا صغير، وكل ما تذكرت ذلك الموقف يدب الرعب في قلبي إلى هذه اللحظة، وأشار إلى أن هواية تربية الإبل لم تكن صدفة، بل هو متوارث عبر أجدادي ومن بعدهم والدي خاصة إبلي هذه ورثتها عن 20 جدا وسلالات أصايل ساحلية عتودية، ومن أمهات العوجا ومنذ أكثر من 100 عام ولم يدخل عليها ولم تخالطها لا جمل أو ناقة هجينة، وقبائل عتود معروفون أهل إبل أصيلة وعايشين عليها وعلى حليبها من أيام زمان، ويقدر عدد الرعية بأكثر من 800 ناقة للمجموعة، وأمتلك أنا أكثر من 150 ناقة كأكبر مالك إبل في عتود.

عادات ومواريث

وبين بأن أهل عتود لا يزالون متمسكين بعاداتهم ومواريثهم، التي غرسها أجدادهم فيهم، وتجدهم يتنافسون على تربية الإبل الأصيلة وإكثارها ويهتمون بعلومها، وأفاد «جعلت من مزرعتي وجهة لمحبي الإبل، ولاستقبال الزوار والمتنزهين والضيوف، حيث يكثر تواجدهم حولنا فمن مر بنا، نقدم له الحليب وبدون مقابل، نبتغي الأجر من الله ونعرفهم بكرم الضيافة التي هي من عاداتنا وتقاليدنا، فحكومتنا منذ قديم الزمان وإلى يومنا الحالي وهي تهتم بهذا الموروث الأصيل، وتشجع المربين والملاك وتقيم لهم سباقات ومهرجانات وجوائز للحفاظ على هذا الموروث الشعبي».

ثلاثة أنواع

وأشار إلى أنه توجد ثلاثة أنواع من الإبل في المنطقة، منها الساحلية، آركية التي تاكل شجرة الأراك، العادية التي تاكل السمر والسلام، بينما في عتود توجد الساحلية «العتودية» منها ثلاثة ألوان الحمرا والصفرا والمغرة، المشهورة بغزارة اللبن، وبعضها تجد فيها صفات من فئة المزايين الأصيلة، مؤكداً بأنه دفع له في ناقة مبلغ 40 ألف ريال من أحد ملاك الإبل بقرية عتود، ولم يبعها من كثر حبه لها وغلاة إبله عنده كبير جدا مع العلم أنه كان لا يملك الا مائة ريال في جيبه آنذاك، حيث يقول بأن إبله مثل أولاده يعزها وتعزه.

حمراء النعم

مؤكداً بأن إبلهم الساحلية هي حمراء النعم لحمها طيب، وحليبها غزير ورزحها «بولها» أيضا مفيد، وأما الحليب فله فوائد عديدة وكثيرة، فهو يعزز الجسم بالطاقة والنشاط وعلاج للسكر والضغط، وكثير من الأمراض ويساعد على تنظيف البطن، وأشار إلى أن الناقة لا تدر الحليب إلا حينما يكون مولودها بالقرب منها للرضاعة، عندها تعطف الناقة ويتم الحلب من الجهة الأخرى وبدون المولود لا يمكن الحصول على الحليب، مهما حاولت فهذه من خصائص الإبل.

قصة عجيبة

وذكر أنها حدثت قصة غريبة وحقيقية قائلا «أرسل أبي أربعة جمال يريد بيعها في مكة أيام الحج ويوم عرفة وقت النحر هرب أحدها وصبرت عاما كاملا إلا وهي موجودة عندنا في عتود، وهذه دلالة على أن الإبل تتمتع بقدرات عجيبة في التعرف على الطريق في عتمة الليل وفي أعماق الصحراء، حيث تتمكن من المسير إلى الوجهة التي تنوي الذهاب إليها، دون أن تتوه أو تكلّ أو ملل وأيضا هذا من وفائها وحنينها إلى مكان ولادتها ومن رباها».

معوقات كثيرة

وبين بأن المعوقات التي تواجه مربي الإبل، كثيرة وتكمن في ارتفاع أسعار الأعلاف والشعير، وتكاليف الرعاة وتوفير مؤنتهم وتوفير وايتات للماء، إضافة إلى ظهور بعض الأمراض والأعراض، التي لم تكن منتشرة من قبل، وطالب بضرورة إنشاء مستشفى بالمنطقة، إنقاذاً للحالات المرضية التي تصيب الإبل من فترة لأخرى وتسبب نفوقها وبتوفير أدوية ومختبرات مخصصة للعينات، فمثلا بعض الإبر ذات تكاليف عالية يصل سعرها إلى 100 ريال، وأرهقت كاهل المربين والبعض من الأدوية غير متوفرة.