أكد الأمير تركي الفيصل، في محاضرته التي حملت عنوان: «تحديات الهوية والمواطنة»، مساء أمس في نادي الأحساء الأدبي، وأدارها رئيس النادي الدكتور ظافر الشهري، أنه وفي ظل احتدام الصراعات السياسية والعسكرية، الدينية والإثنية، في كثير من المجتمعات والدول في عالم واحد متداخل ومتواصل، تهيمن عليه ثقافة المتغلب، يحتل مفهوم الهوية والمواطنة حيزاً واسعاً من الاهتمام، ويثير كثيراً من التساؤلات والمخاوف والهواجس حول المستقبل، ليس في منطقتنا وحسب بل في أرجاء المعمورة.

تعريف المصطلحات

وأضاف: وأنا هنا لن أدخل بتعريفات لمصطلحات ومفاهيم الهوية والمواطنة، عاطفياً وفكرياً وسياسياً ودينياً، فالأدبيات حولهما لا حدود لها، وفي ازدياد بسبب ما يجري في العالم، من تحولات شاملة تفرض قراءات جديدة ومختلفة للمفهومين، ومع ذلك فالهوية هي إحساس فطري بالانتماء إلى جماعة بذاتها، لها لغتها ودينها وثقافتها، وحضارتها وتاريخها وجغرافيتها وذاكرتها المشتركة.

190 دولة

وأبان الفيصل، أن المواطنة، مفهوم حديث، وهي انتساب نظامي إلى دولة بحدود جغرافية، معترف بها ودستور وحكومة، وبحقوق وواجبات مادية ومعنوية، والهوية والمواطنة تتقاربان وتتداخلان، وقد تتماهيان بشكل كامل إذا ما كانت الدولة تجسد وجود جماعة ذات هوية واحدة، وفي عالم اليوم الذي تشكله أكثر من 190 دولة، المواطنة هي المعيار الذي تقوم عليه هذه الدول، على الرغم من أن الكثير منها لا تجسد هوية واحدة، وبعضها قد يكون نجح، وبعضها قد يكون فشل في صوغ هوية واحدة تلغي الهويات الأخرى، أو الهويات الفرعية فيها، ومع ذلك فالقاعدة هي وجود الدولة بكل عناصرها، لتحقيق الأمن والكرامة والعدالة والمستقبل لشعبها، والمواطنة عماد علاقتها بمواطنيها، ولم يكن سؤال علاقة الهوية بالمواطنة بالأهمية نفسها، لو أن العالم لم يشهد منذ عدة عقود تطورات مذهلة وسريعة، لم تكن مسبوقة في التاريخ البشري تمثلت في زيادة الاندماج والتداخل، والتفاعل الكبير بين عناصر الاقتصاد والتقنية والاتصال والثقافة، سمح بالحديث عن عصر جديد أصبح العالم فيه قرية، لا حواجز قومية أو خصوصية وطنية فيها، ولا حدود جغرافية لها، والاقتصاد كوني والثقافة عالمية، والهوية وطنية والقضايا دولية، والوعي عالمي والمواطن كوني، وما شهدناه خلال السنتين الماضيتين من تفشي وباء كوفيد 19 عبر الحدود، خير دليل على وحدة عالمنا.

المواطنة انتصرت

أكد الأمير تركي الفيصل، أنه أثارت هذه التطورات والاتجاه نحو العولمة، مخاوف الكثيرين في العالم الذين رأوا فيها - بالرغم من بعض الإيجابيات التي تحملها- غولا يهدد الهويات الوطنية، ويضعف دور الدولة القومية أو الوطنية ويحول مجالها إلى سوق ومواطنيها إلى مستهلكين، ولم نكن وحدنا في الخليج أو العالم العربي والإسلامي، من لامسته هذه الهواجس حول مهددات وتحديات مسألة الهوية التي تحملها العولمة، ففي الولايات المتحدة الأمريكية الأكثر اندماجاً في العولمة والمحرك لها، أثارت مخاوف الكثيرين من صفوة نخبتها، فهذا عالم السياسة صاحب كتاب «صدام الحضارات» المفكر الشهير "صامويل هنتجتون، قسم حضارات العالم على أساس ديني متنبئاً بحتمية الصدام بين أتباع هذا الحضارات، يؤلف في آخر أيام حياته كتاباً جاء تحت عنوان«من نحن؟» ?Who Are We وبعنوان فرعي: «التحديات للهوية الوطنية الأمريكية»، وإذا كان تخوف هنتجتون هو من تغير التركيبة السكانية في الولايات المتحدة، التي هي في الأصل مجتمع مهاجرين، وازدياد عدد السود وذوي الأصول الأسبانية، والمهاجرين من أتباع الهويات الأخرى، وما يمثله ذلك من تهديد لهيمنة العرق الأبيض الأنجلو ساكسوني، فقد كان خوفه في مكانه، فقد انتخب باراك أوباما –الأسود- رئيساً للولايات المتحدة، وهنا فإن المواطنة انتصرت وليست الهوية، وهذا تطور كبير في مجتمع كانت الهوية العرقية محدداً لهوية رئيسه. وأنا سعيد أن هنتنجتون شهد هذا الحدث قبل وفاته بوقت قصير، ليشهد نهاية رؤيته الفوقية حول الهوية وحول صدام الحضارات.

ترك العصبيات الضيقة

قال: إننا نعرف من نحن: نحن مسلمون وعرب، ننتمي إلى أمة عريقة لها لغتها ودينها وثقافتها، وحضارتها وتاريخها وجغرافيتها وذاكرتها المشتركة، ونحن في الوقت نفسه مواطنون سعوديون وإماراتيون، وقطريون وبحرينيون، وعمانيون ويمنيون، ومصريون وعراقيون و....إلخ، أي مواطنون في دول هويتها هذه الهوية الكبرى الممتدة في جذور التاريخ، ونحن أيضاً من سكان هذا الكوكب نعيشه ونتعايش معه، إن هذه المعادلة تفرض علينا النظر إلى أنفسنا بثقة، وأن لا خوف على هويتنا من العولمة ومتطلباتها إذا ما عملنا على إيجاد توازن رشيد بين كوننا عربا ومسلمين هوية، ومواطنين في دول عربية مختلفة تتكامل هويتها الوطنية وتتماهى مع الهوية الكبرى، وفي الوقت نفسه كوننا فاعلين ومشاركين في عالم يتكامل ويندمج ويتداخل، ولتحقيق هذا التوازن ينبغي على مستوى الهوية الكبرى، تعزيز عناصرها بالانفتاح والتسامح وترك العصبيات الضيقة، والاعتزاز بالذات والحفاظ على مكانة لغتنا العربية، وهي وعاء هذه الهوية في جامعاتنا ومدارسنا ومراكزنا العلمية، وفي إعلامنا ومنازلنا. وعلى مستوى الهوية الوطنية ينبغي تعزيز الولاء للأوطان والإيمان بها، وإيجاد المؤسسات الوطنية وإصلاح القائمة لتستوعب طموحات وتطلعات كافة فئات الشعب، وإشراكها في صوغ مستقبلها، وإيجاد علاقة صحية بين الدولة ونخبها الحاكمة والمجتمع، ووضع السياسات الاقتصادية والتعليمية، والتربوية والاجتماعية والثقافية، التي ترقى بالمجتمع وتؤهله، ليكون قادراً على المنافسة في هذه المجالات كافة، وتؤهله للتفاعل الكامل مع التطورات العالمية وتوظيفها لمصلحته، دون خوف أو تمايز.

الهوية: هي إحساس فطري بالانتماء إلى جماعة بذاتها، لها لغتها ودينه وثقافتها وحضارتها، وتاريخها وجغرافيتها وذاكرتها المشتركة.

المواطنة: مفهوم حديث، وهي انتساب نظامي إلى دولة بحدود جغرافية معترف بها، ودستور وحكومة وبحقوق وواجبات مادية ومعنوية.

- الهوية والمواطنة تتقاربان وتتداخلان، وقد تتماهيان بشكل كامل، إذا ما كانت الدولة تجسد وجود جماعة ذات هوية واحدة.