صدر حديثا عن دار النسيم للنشر والتوزيع كتاب نصوص"في غرام المشي والظلال" للشاعرة الشابة رغدة مصطفى.

تقول الشاعرة رغدة مصطفى للدستور

هى نصوص نثرية ذات طابع شعري.

الكتاب مقسم لسبعة أجزاء، التقسيم وفق تقارب النصوص فكريا وشعوريا، لا يوجد عنوان لكل نص، الأجزاء التى تحوي النصوص هي المعنونة.
هذا النظام هو ما اتبعته في ديواني السابق، لا عناوين للنصوص ولكن للحالة التي جمعت نصوص بعينها فكريا وشعوريا، إجمالي عدد نصوص هذا الكتاب 29 نص.

الجزء الأول "المشي" تشتبك النصوص فيه بفعل المشي ذاته أو السعي وما يجلبه من مواقف، معاني وعطايا.

الجزء الثاني "الظلال" ظلال لا تلقيها الشمس ولكن الذاكرة على الأشياء والأغنيات، البشر والأمكنة.

الجزء الثالث "الأصوات" ليست الأصوات البشرية، أصوات دواخلنا الحدس والهواجس.

الجزء الرابع "الحجب" كل ما يحول بيننا وبين أنفسنا وفهم ذواتنا، والحواجز بيننا والآخر.

الجزء الخامس "الرفيق" النصوص هنا أشبه برسائل وحوارات بينك وصديقك.

الجزء السادس "الغرام" غرام العاشقين والغرام بالحياة ذاتها.

الجزء السابع "السينما" مديح في السينما التى بإمكانها أن تُجسد بالصوت والحركة والألوان كل ما سبق.

من أجواء الكتاب 

"أسير في جزيرة نائية وحيدة بلغة مجهولة، لديّ شعور بالأسى الناعم مؤنس في ليالي الغربة.

 أصبحت مجبرة على تحرير كل معرفة ممكنة من اللغة، بكثير من القسوة ابتداءً، كثير من الخفة واللهو لاحقًا.

 إلي لغتي الأم، والتي يجهلها الجميع هنا، صارت كنزي السري. أتمتع بتلاوتها بصوتِ خافتِ كطبطبة حانية على الروح، جهرًا ليُطربني وقع حروفها على الأذن. الوحشة أعادت للكلمات بكارتها، ألمسها كأول مرة.

أردد "أهوى" وأطير كريشة تتساقط بخفة. أسكر من تلاحق المعنيين أهوى "المحبة"، أهوى "السقوط".

عطشان أناديها بلكنة صعيدية أصيلة "عشطان". كانوا أرهف حسّا وأصدق لمّا قدموا "الشين" حرف العطش. أصرخ بها وحلقي يجف.

ببطء ألفظ "قاسية" يثيرني وقعها. على مهل أتشربها وأسمح لمخالبي تنمو، صدرى يعلو ويهبط ممتلئة بجبروت عجيب.

"علامات" تأخذني للتيه، "اليقين" موت، حجر وأُسقط على قلبي، حرمني التنفس وجلب الصمت.

"نبع" أرددها وأستمع لفوران الماء، رفرفة الطير، أشتم رائحة الطمي، تُزهر الألوان وأمتلئ بالحياة.

مؤخرًا قررت تنزيه لغتي في الشوارع، مع زحمة البشر، أمارس شغفي القديم، مراقبة الأطفال لحظات تذوق طعام لأول مرة، تلعثم فمهم بالحروف، تشتت أذانهم بالأصوات، أدندن بها وأبصر صدى اللغة على العالم أجعل منه طفلًا صغيرًا أمامها.

أحببت التلاعب بها، أن أنطق بمعانِِ تعاكس ملامح وجهي. أخبر النادل أن قهوته سيئة المذاق، وأنا أدفع الحساب مبتسمة. أقاطع حديث الفتاة الذي لا يتوقف عن حبيبها ومشاكلها العاطفية معترفةً لها بأنه وغد وتستحقه تمامًا.

يوم سحبت الشال الحريري عن رقبتك، اقشعر جلدك نفرت إحدى الشعيرات أسفل الرقبة، تأملتها طويلا وقلت أريد أن أنزعها بأسناني، ابتسمت منتظرًا ترجمة ما قلته، لم تحصل على رد فقط ضحكة عابثة، أجبتها أنت بضحكة بلهاء وأكملنا الطريق.

توقف كل هذا اللهو حين دهستُ قدمك خطأً، فأصدرت آهة أعرفها، ابتسمت لي وعرفت. سرى تيار هواء بارد في جسدي شعرت أني عارية، عارية تماما. ملأني الرعب، ظللت مبتسما بحنان بالغ، أذهب الخوف. وأدركت أنّي ما تعريت إلا لروحي، ما اغتربت إلا لألقاني.