بداية سلاسل التوريد هي شبكة ضخمة تتكامل وتتصل ببعضها البعض من أفراد وشركات وموارد وتقنيات ومعلومات تبدأ باستلام المواد الخام من المورد إلى الشركة المُنتجة او المصنعة في مكان ما حول العالم وتنتهي بتسليم الخدمة أو المنتج النهائي إلى المستهلك النهائي. برزت أهمية سلاسل الامداد والتوريد supply chain بعد أن ايقنت الشركات بمختلف مجالاتها أنّ الميزة التنافسية هي المنهجية الرئيسية للانطلاق نحو الخارج من خلال التعاون والتبادل مع شركاء يقومون بعمليات التوزيع ومعرفة حاجات الأسواق وتنفيذ مراحل الشحن بأسرع الوسائل وصولاً الى المستهلك النهائي في أي مكان بالعالم.
هذا النشاط الحيوي تعرض لاختناقات حادة عطفاً على الاثار السلبية التي خلفها فايروس كورونا مما تسبب في حدوث ارباك في معظم موانئ العالم فتكدست السلع واصبح هناك صعوبة كبيرة في وقتنا الراهن في التسريع بشحنها هذا التحدي كان نتاجاً طبيعياً ومتوقعاً نتيجة للإغلاق الكبير وتعطل معظم الأنشطة التجارية والصناعية وما ان بدأت الانفراجة الأولى لهذه الازمة بعودة تلك الأنشطة حتى باتت العملية الإنتاجية التي أتت بعد التوقف بمثابة سباق مع الزمن بتشغيل اقصى طاقات ممكنة وهو ما خلف منتجات كثيرة جاهزة للشحن والتسويق عبر البحار حيث ان نسبة التجارة البحرية في حدود 90% من اجمالي التجارة الدولية مما نتج عنه نقص في الحاويات والسفن وارتفاع أسعار تأجيرها وما يرتبط بذلك ممن خدمات لوجستية ونقص العمالة التي ترتبط ارتباطا وثيقا بصناعة النقل البحري .
ان التحدي الذي يواجه العالم اليوم في ازمة سلاسل التوريد يعد واحدة من أكبر الاختناقات في التاريخ في ظل حالة من عدم اليقين إضافة الى استمرار هذه المشكلة وفق ما احدثه مؤخرا المتحور الجديد أوميكرون فحسب موقع العربية فإن مؤشرات “بلومبرغ إيكونوميكس” ُظهر نقصًا كبيراً في مقاييس الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ومنطقة اليورو. كما اظهرت المقاييس تحولًا مفاجئًا من فائض العرض قبل أزمة كوفيد-19 إلى النقص الكبير الحاصل اليوم. وتستند المؤشرات إلى مجموعة من البيانات، من أسعار المصانع إلى نسبة المخزون ومبيعات تجار التجزئة، وتراكم الطلبات لشركات قطاع الخدمات حتى الشركات العملاقة مثل أمازون وأبل – التي اعتادت تطويع سلاسل التوريد حسب رغبتها فهي لا ترى الوضع يتحسن بسرعة. وعليه فقد كشفت أمازون إن أرباحها في الربع الأخير يمكن أن تُمحى بأكملها بسبب ارتفاع التكاليف. فيما قالت شركة أبل أنها خسرت 6 مليارات دولار من المبيعات بسبب عدم قدرتها على تلبية الطلب، وقد تخسر المزيد في الربع القادم.
وفقا لقوى العرض والطلب فإن ما حدث بعد الاغلاق الكبير ان المنتجون عاودوا زيادة الإنتاج بعد إذْ كان منخفضاً نتيجة لنمو الطلب الذي حدث لعدد من الأسباب منها : التعافي التدريجي والدعم الحكومي والتسهيلات النقدية، واستمرار حملات التطعيم الواسعة في مختلف دول العالم بما فيها الدول الصناعية أتت كاستجابة لنمو الطلب للسلع المختلفة وبالتالي حدثت ضغوطات كبيرة على سلاسل التوريد مما يعني ان حجم الطلب اكبر من قدرات سلاسل التوريد على مواجهة هذه الضغوط خاصة وان صناعة السفن والحاويات ورفع مستويات العمالة تأخذ وقتا طويلا.
حاليا تتفاوت فترة الشحن من الشرق الى الغرب من 90 الى 100 يوم وفق بيانات جديدة ويقول مراقبون ان ظهور المتحور الجديد قد القى بظلاله مجددا على هذه الصناعة مما زاد هذه المشكلة تعقيدا، وخاصة المخاوف من ارتفاع اسعار الواردات. في حين تشير المصادر الى ان تكلفة نقل الحاوية الواحدة خلال 2021 تضاعفت من 1500 دولار إلى مستوى يتراوح بين 9000 و19000 دولار.
مجمل القول : يؤكد محللون من بنك «إتش إس بي سي» البريطاني أن «الانتصار في المعركة ضد الفيروس ما زال بعيد المنال»، معتبرين أن الاقتصاد لا يزال «بعيداً عن العودة إلى مساره الطبيعي». وعليه فإن عودة سلاسل التوريد لطبيعتها يحتاج الى وقت ولكن على المدى القصير له آثار سريعة على التجارة الدولية قد تفضي الى ركود اقتصادي مؤقت حالما يتم تقويض انتشار المتحور أوميكرون بما في ذلك آثاره الصحية التي يرى خبراء الأوبئة انه اقل حدة في الاثار الصحية مقارنة بما سبقه من متحورات.
*نقلاً عن صحيفة "مال"
