إعداد - عبدالعزيز عبدالحليم
الاحتفال برأس السنة جائز شرعاً
ما حكم الاحتفال ب
وكيف نرد على من يدّعى أن ذلك حرام؟ لأن فيه مشاركة لغير فى أعيادهم وشعائرهم؟ أو بدعوى أن يوم الميلاد لم يأت إلا مرة واحدة، فهو يختلف عن نظيره كل عام؟ أو بدعوى أن مولد المسيح عليه السلام لم يكن فى رأس السنة الشمسية؟
يجيب د. شوقى علام ، فيقول:
إن الاحتفال برأس السنة الميلادية المؤرخ بيوم ميلاد عيسى ابن مريم على نبينا وعليه السلام، بما يتضمنه من مظاهر الاحتفال والتهنئة به: جائز شرعًا، ولا حرمة فيه؛ لاشتماله على مقاصد اجتماعية ودينية ووطنية معتدً بها شرعًا وعرفًا؛ من تذكر نعم الله تعالى فى تداول الأزمنة وتجدد الأعوام، وقد أقرت الشريعة الناس على أعيادهم لحاجتهم إلى الترويح عن نفوسهم، ونص العلماء على مشروعية استغلال هذه المواسم فى فعل الخير وصلة الرحم والمنافع الاقتصادية والمشاركة المجتمعية، وأن صورة المشابهة لا تضر إذا تعلق بها صالح العباد، ما لم يلزم من ذلك الإقرار على عقائد مخالفة للإسلام، فضلًا عن موافقة ذلك للمولد المعجز لسيدنا المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، الذى خلّده القرآن الكريم وأمر بالتذكير به على جهة العموم بوصفه من أيام الله، وعلى جهة الخصوص بوصفه يوم سلام على البشرية، والنبى صلى الله عليه وآله وسلم أَوْلَى الناس بسيدنا المسيح صاحب هذا المولد المبارك، مع ما فى ذلك من تعظيم المشترك بين أهل ، فضلًا عن عقد المواطنة الذى تتساوى فيه الحقوق والواجبات، وكلما ازدادت الروابط الإنسانية تأكدت الحقوق الشرعية؛ فالمسلمون مأمورون أن يتعايشوا بحسن الخلق وطيب المعشر وسلامة القصد مع إخوانهم فى الدين والوطن والقرابة والجوار والإنسانية ليُشعِروا مَن حولهم بالسلام والأمان، وأن يشاركوا مواطنيهم فى أفراحهم ويهنئوهم فى احتفالاتهم، ما دام أن ذلك لا يُلزِمهم بطقوسٍ دينيةٍ أو ممارسات عبادية تخالف عقائد الإسلام.. وقد جاء عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم إقرارُ الناس على أعيادهم، وبيان حاجتهم إليها؛ حيث جرت أعراف كل قوم على أن لهم أعيادًا يفرحون فيها ويروحون بها عن نفوسهم؛ فروى البخارى ومسلم وغيرهما من حديث أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها: أن أبا بكر رضى الله عنه دخل عليها، والنبى صلى الله عليه وآله وسلم عندها، يومَ فطر أو أضحى، وعندها قينتان تغنيان بما تقاذفت الأنصارُ يومَ بُعَاث، فقال أبو بكر رضى الله عنه: مزمار الشيطان؟ مرتين، فقال النبى صلى الله عليه وآله وسلم: «دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَإِنَّ عِيدَنَا هَذَا اليَوْمُ». وفى لفظ فى «الصحيحين»: «دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ؛ فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ»، وفى لفظ لأبى عوانة فى «مستخرجه على صحيح مسلم» بلفظ: «دَعْهُمَا؛ فَإِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهَذَا عِيدٌ».
ولما طالب فرعون سيدنا موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام بموعد يرضيانه، حدد «يومَ الزينة» مكانًا وزمانًا، وكان يومَ عيدٍ للمصريين -كما رواه أبو صالح عن ابن عباس رضى الله عنهما، والسدى عن أشياخه، وبه قال مجاهد، وقتادة، وابن زيد- ولم ير فى ذلك موافقة لهم على ما لا يوافق الدين من عقائدهم، وذلك من تأييد الله تعالى له عليه السلام؛ ليتحدى فرعون والسحرة على الملأ؛ فيكون ذلك أسرى فى البلاد لخبره، وأجرى فى الناس لأثره؛ قال تعالى: «قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى».
وصية النبىُّ بأقباط مصر
هل أوصى النبىُّ صلى الله عليه وآله وسلم بقبط مصر؟
- أوصى النبىُّ صلى الله عليه وآله وسلم بأهل الكتاب على جهة العموم فى كل زمان ومكان، وأوصى بطوائف منهم يأتون بعده على جهة الخصوص؛ كوصيته الثابتة بأقباط مصر؛ فروى ابن عبدالحكم فى «فتوح مصر والمغرب»، والدارقطنى فى «المؤتلف والمختلف» -ومن طريقه النميرى فى «الإعلام بفضل الصلاة على النبى صلى الله عليه وآله وسلم والسلام»، وابن عساكر فى «تاريخ دمشق»- وابن زولاق فى «فضائل مصر وأخبارها» من حديث عمر بن الخطاب رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ اللهَ سَيَفْتَحُ عَلَيْكُمْ بَعْدِى مِصْرَ، فَاسْتَوْصُوا بِقِبْطِهَا خَيْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مِنْهُمْ صِهْرًا وَذِمَّةً».
وأخرج الطبرانى فى «المعجم الكبير» عن أم المؤمنين أم سلَمة رضى الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوصى عند وفاته، فقال: «اللهَ اللهَ فِى قِبْطِ مِصْرَ، فَإِنَّكُمْ سَتَظْهَرُونَ عَلَيْهِمْ، وَيَكُونُونَ لَكُمْ عُدَّةً وَأَعْوَانًا فِى سَبِيلِ اللهِ». قال الحافظ الهيثمى فى «مجمع الزوائد».
وأخرج ابن عبدالحكم فى «فتوح مصر والمغرب» عن مسلم بن يسار، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «اسْتَوْصُوا بِالْقِبْطِ خَيْرًا، فَإِنَّكُمْ سَتَجِدُونَهُمْ نِعْمَ الْأَعْوَانُ عَلَى قِتَالِ عَدُوِّكُمْ». وهذا حديثٌ مرسَلٌ حسن؛ أرسله ثقةٌ من القرون المفضلة.
وأخرج أيضاً ابن عبدالحكم أيضًا فى «فتوح مصر» عن موسى بن أيوب الغافقيِّ، عن رجل من الزَّبد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرض، فأغمى عليه ثم أفاق، فقال: «اسْتَوْصُوا بِالْأُدْمِ الْجُعْدِ» ثم أغمى عليه الثانية ثم أفاق، فقال مثل ذلك، قال: ثم أغمى عليه الثالثة فقال مثل ذلك، فقال القوم: لو سألنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الأدم الجعد! فأفاق، فسألوه فقال: «قِبْطُ مِصْرَ؛ فَإِنَّهُمْ أَخْوَالٌ وَأَصْهَارٌ، وَهُمْ أَعْوَانُكُمْ عَلَى عَدُوِّكُمْ، وَأَعْوَانُكُمْ عَلَى دِينِكُمْ». وهذا حديث جيِّد الإسناد.
وأخرج ابن هشام فى «السيرة»، والزبير بن بكار فى «المنتخب من كتاب أزواج النبى صلى الله عليه وآله وسلم»- ومن طريق ابن هشام رواه ابنُ عبدالحكم فى «فتوح مصر والمغرب»- من طريق عبدالله بن وهب، عن ابن لهيعة، عن عمر مولى غُفْرة رضى الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «اللهَ اللهَ فِى أَهْلِ الذِّمَّةِ، أَهْلِ الْمَدَرَةِ السَّوْدَاءِ، السُّحْمِ الْجِعَادِ؛ فَإِنَّ لَهُمْ نَسَبًا وَصِهْرًا». وهذا حديث حسن.
وروى ابن سعد فى «الطبقات الكبرى» عن موسى بن جبير، عن شيوخ من أهل المدينة: أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه كتب إلى واليه على مصر عمرو بن العاص رضى الله عنه: «واعلم يا عمرو أن الله يراك ويرى عملك فإنه قال تبارك وتعالى فى كتابه: «وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا» (الفرقان: 74) يريد: أن يقتدى به، وأن معك أهل ذمة وعهد، وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهم، وأوصى بالقبط فقال: «استَوْصوا بالقِبْطِ خيرًا؛ فإنَّ لهم ذِمَّةً ورَحِمًا»، ورَحِمُهم: أن أمَّ إسماعيل عليه السلام منهم، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَن ظَلَمَ مُعاهَدًا أو كلَّفه فوق طاقته فأنا خصمُه يومَ القيامة»، احذَرْ يا عمرو أن يكون رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم لك خصمًا؛ فإنه مَن خاصَمَه خَصَمَه».