الصرامة في التّحري والرّقابة البعدية لكشف الفاسدين: هيئـــة جديـــــدة لــــردع نهب المـال العام


 قرّر رئيس الجمهورية, السيد عبد المجيد تبون, استحداث هيئة جديدة للتحري في مظاهر الثراء عند الموظفين العموميين من خلال إجراءات قانونية «صارمة» لمحاربة ظاهرة الفساد. ويأتي القرار في سياق الترتيبات التي تم اتخاذها لمكافحة الظاهرة، كما يؤكد وجود إرادة سياسية لوضع حد لمظاهر التلاعب بالمقدرات الوطنية.

أعلن خلال اجتماع مجلس الوزراء برئاسة الرئيس عبد المجيد تبون، الأحد، عن قرار إنشاء هيئات جديدة لمكافحة الفساد، بينها هيئة جديدة للتحري في مظاهر الثراء، عند الموظفين العموميين، بلا استثناء، من خلال إجراءات قانونية صارمة لمحاربة الفساد، عملاً بمبدأ، "من أين لك هذا". كما تقرر، في السياق نفسه، استحداث هيئة سادسة لمكافحة الفساد في الجزائر، بعنوان "السلطة الوطنية العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته"، وأمر الرئيس تبون الحكومة بالتركيز على العمل الوقائي لمحاربة الفساد، بدءاً من تحديد شروط جديدة ودقيقة للإعلان عن الصفقات والمناقصات على الجرائد.
وإضافة إلى الهيئتين الجديدتين اللتين تم الإعلان عن استحداثهما، تتوفر الجزائر على هيئات رقابية لمكافحة الفساد، ويتعلق الأمر بالديوان المركزي لقمع الفساد، الذي أنشأ عام 2006، والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، التي باتت هيئة دستورية منذ نوفمبر 2020، إضافة إلى مجلس المحاسبة الذي يقوم سنويا بإعداد تقرير عن الوضعية المالية لعرضه على البرلمان، والمفتشية العامة المالية التي أنجز المحققون التابعون لها عشرات التقارير بشأن التجاوزات المسجلة في صرف المال العام.
واستنادا إلى مسؤول في مصلحة الضرائب، فإن التحريات المعمقة من قبل الجهات المختصة ومقارنة المعلومات المصرح بها من قبل المعني لدى مختلف مصالح الدولة على غرار التصريح بالممتلكات يمكن أن يكشف عن عمليات فساد بالمقارنة مع مظاهر الثراء، الخارجي أو تحويلات مالية غير مبررة، حيث يتهم المسؤول بالإثراء غير المشروع وفق قانون مكافحة الفساد ومكافحته رقم 06 ـ 01، بعد ثبوت زيادة غير مبرّرة في ذمته المالية، مقارنة بمداخيله المشروعة، ويشترط أن تكون الزيادة معتبرة ولافتة للنظر، كأن يتم تسجيل تغيير نمط حياته في ظرف وجيز أو ارتفاع رصيده البنكي أو اقتنائه عقارات وغير ذلك من مظاهر الثراء.
ويُقارَن بين مداخل المسؤول المشروعة ووضعه الحالي، وفي حال العجز عن تبرير الزيادة يكون محل متابعة جزائية وفقا للمادة 4 من نفس القانون والتي تلزم الموظف العمومي بالتصريح بممتلكاته باكتتاب تصريح بالممتلكات خلال الشهر الذي يعقب تاريخ تنصيبه في وظيفته أو بداية عهدته الانتخابية ويجدد هذا التصريح فور كل زيادة معتبرة في الذمة المالية للموظف العمومي بنفس الكيفية التي تم بها التصريح الأول، كما يجب التصريح بالممتلكات عند نهاية العهدة الانتخابية أو عند انتهاء الخدمة.
ويؤكد الدستور في مادته 24 (الفقرة 4) على "….. يجب على كل شخص يعين في وظيفة عليا في الدولة، أو ينتخب أو يعين في البرلمان، أو في هيئة وطنية، أو ينتخب في مجلس محلي، التصريح بممتلكاته في بداية وظيفته أو عهدته و في نهايتها……..".
ويؤكد محققون في المفتشية العامة للمالية، أن عملية تكوين الثروة، تتم منذ البداية بعيدا عن أعين الرقابة، حيث يعمد المعني إلى إخفاء الثورة بطرق مختلفة والتحايل على القانون لتفادي الوقوع في المحظور بعد التصريح بالممتلكات التي يقوم بها كشرط أساسي قبل تولي المنصب، مشيرين إلى أن الكثير من القضايا لم تشملها التحقيقات المتعلقة بمتابعة تنامي ثرواتهم.
وتبقى عملية التصريح بالممتلكات ومتابعة مصالح الضرائب للمسؤولين مهمة صعبة، حتى بعد مغادرتهم مناصبهم، بسبب صعوبات في التدقيق في ممتلكاتهم بحكم أن عددا كبيرا منهم يرفضون التصريح بها، كما لا توجد متابعة، فالإدارة العمومية، لا تقدم هذه التصريحات للمصالح الجبائية، وبالتالي لا يمكن مراقبة ومعرفة مقدار الثروة التي تشكلت خلال فترة العمل. فيما يرجع محققون في مصالح الضرائب النقص المسجل في الرقابة إلى الطريقة المعتمدة من قبل هيئات التحقيق وهي طرق تقليدية غير آلية تتطلب الكثير من الجهد والوثائق عكس الفحص الالكتروني بسبب نقص الوسائل لدى مصالح الضرائب وغياب الرقمنة، وهو ما يجعل بعض المسؤولين يفلتون من إحصاء ثرواتهم.
ويعتمد المسؤولون أساليب مختلفة للإفلات من الرقابة وجمع ثروات بطرق مخالفة، منها تضخيم الفواتير وكذلك منح صفقات مقابل الحصول على عمولة أو نسبة معينة من الصفقة سواء في شكل عملة أجنبية أو عقارات وخدمات متنوعة، وفي بعض الحالات يهرّب المسؤول الأموال المنهوبة إلى حسابات بنكية في الخارج أو يودعها في حسابات الأقارب والأصدقاء في الدول المعروفة بالملاذات الضريبية، والتي تقبل الأموال ولا تسأل عن مصدرها، كما أنها تحافظ على سرية الحسابات ناهيك عن شراء عقارات وأسهم عبر أسماء مستعارة.
وكشف مجلس المحاسبة في تقريره السنوي الأخير، تجاوزات في موازنة 2019 والتي تزامنت مع سقوط النظام السابق، وحسب التقرير، فقد تم تسجيل قفزات في تقييم تكاليف المشاريع الحكومية بنسبة لامست 900 بالمائة، حيث أنفقت الحكومة قرابة 9 آلاف مليار دينار، منها 2600 مليار دينار لمشاريع مسجلة في موازنة 2019 التي تقدمت بها آخر حكومة في العهد السابق.
وتجري متابعة 45 مسؤولا تداولوا على المناصب في قضايا الكسب غير المشروع، ومن بينهم مسؤولون صرحوا بممتلكاتهم لدى توليهم مناصبهم، لكن الثروات المسجلة بحوزتهم اليوم والمقدرة بمئات الملايير من عقارات منقولة وغير منقولة مجهولة المصدر وحسابات بنكية بأرقام مهولة، وهو ما دفع الخزينة العمومية إلى تقديم شكوى قضائية ضدهم، وعملت الخزينة العمومية على جرد ثروات هؤلاء المسؤولين لمتابعتهم قضائيا واسترجاعها للصالح العام بعد أن ضُبطت بحوزتهم ممتلكات غير مبررة المصدر.
ع سمير

تاريخ الخبر: 2022-01-04 10:30:11
المصدر: جريدة النصر - الجزائر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 59%
الأهمية: 50%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية