دخلت المنتخبات الإفريقية المتأهلة لنهائيات كأس أمم إفريقيا مرحلة التحضير النهائي، ذلك قبل توجهها نحو الكاميرون المستضيفة للدورة التي ستفتتح فعالياتها الأحد 9 يناير/كانون الثاني الجاري.

غير أن هذا الإجراء كان ليمر بشكل طبيعي لولا الضجة التي أحدثها رفض مهاجم نادي برشلونة الإسباني، المغربي عبد الصمد الزلزولي، الالتحاق بمعسكر منتخبه الوطني بعد أن استدعاه المدرب وحيد خليلوزيتش للتشكيلة الأساسية المنافسة على الكأس القارية.

فيما تعيد قصة الزلزولي إلى فتح جراح عديدة في أوساط الجماهير الكروية المغاربية، إذ ليس ما قام به اللاعب المغربي إلا إعادة لما سبقه إليه تونسيون وجزائريون كذلك. الأمر الذي يدفع لاستعراض بعض من أبرز تلك الأسماء.

الزلزولي خارج المنتخب

منذ أن أظهر أداءه الجيد داخل تشكيلة النادي الكاتالوني، كأحد خيارات مدربه الجديد تشافي هيرنانديز، استثار عبد الصمد الزلزولي انتباه الجماهير المغربية التي منَّت نفسها أن تشهده وهو يلبس ألوان أسود الأطلس مجدداً بعد أن لعب سابقاً لصالح المنتخب المغربي للشباب.

ولطالما كانت السعادة المشوبة بالترقب ومدرب المنتخب المغربي، البوسني وحيد خليلوزيتش، يستدعي الزلزولي للالتحاق بمعسكر تدريب المنتخب المغربي لنهائيات كأس إفريقيا القادمة. إذ تواردت تقارير عن تردده في الانضمام لتشكيلته الوطنية، مع وجود ضغط من الرابطة الإسبانية لكرة القدم كي يلتحق بمنتخبها في القادم من مباريات دون تقديم دعوة رسمية له.

غير أن الرد أتى حاسماً من الزلزولي بعد ذلك بأن يرفض الانضمام للمنتخب المغربي في هذه الأثناء. رفض شرح تفاصيله رئيس الجامعة الملكية لكرة القدم المغربية، فوزي لقجع، الذي قال: "لقد تحدثت مع اللاعب أمس، وهو أبلغني برغبته بالانتظار حتى مارس/آذار لكي يتخذ قراره النهائي بشأن البلد الذي سيمثله. وقد أجبته بأنني لا أعرف ما إذا كنا سنستطيع الانتظار حتى هذا التوقيت أم لا".

وأردف لقجع: "لقد تحدثت ثلاث مرات مع خوان لابورتا رئيس برشلونة وتشافي مدرب الفريق حول موقف الزلزولي من المشاركة في كأس إفريقيا في الكاميرون… لكن قرار عدم المشاركة في البطولة ليس قرار النادي بل اللاَّعب". وختم لقجع حديثه قائلاً: "قلنا للزلزولي اشتغل واجتهد للنجاح في مسيرتك، هذه بلادك واستمر في تألقك لتكون دائماً في المستوى".

الحدادي وفقير ولموشي.. خيبات ثلاث

وليس الزلزولي الأول في إقدامه على رفض منتخبه الوطني بين أبناء المهاجرين المغاربيين الذين سطع نجمهم في عالم الكرة، فقبله وبالتزامن معه الكثيرون، لكن غالباً ما تنتهي مسيرتهم خارج تشكيلات بلدان المهجر التي فضلوها.

هذا ما حدث لمنير الحدادي، اللاعب المغربي الذي فضل اللعب لصالح إسبانيا. وكان له ذلك سنة 2014 إذ استُدعي للمشاركة في مباراة المنتخب الإسباني ضد مقدونيا برسم تصفيات كأس أوروبا 2016، التي لم يشارك إلا في ربعها الأخير، وبعد ذلك غاب نهائياً عن تشكيلة "لاروخا".

الأمر الذي أحدث ألماً للاعب بعد رؤيته حلمه يضيع، هو الذي فضل إسبانيا من أجل حظوظها للمشاركة في مونديال روسيا 2018، غاب عنه وتأهل المنتخب المغربي الذي كان ليصبح فيه لاعباً أساسياً. مع ذلك ظل الحدادي متمسكاً بأمل اللعب للمغرب، مستفيداً من التعديلات التي أحدثتها "الفيفا" لقانون التجنيس، للعودة إلى الأسود الذي يشارك معهم في كأس إفريقيا القادم.

فيما لم تجري الأمور بنفس الشكل لدى نبيل فقير، اللاعب الفرنسي من أصول جزائرية، والذي فضَّل اللعب مع الزرق بدلاً من محاربي الصحراء. إذ لم تكن مسيرة فقير مع المنتخب الفرنسي كبيرة، ومع أنه كان من المتوجين ضمن تشكيلته بكأس العالم 2018، فإن مركزه بقي في أغلب أطوار المسابقة على دكة احتياط المدرب ديديه ديشان.

نفس المسار مر به اللاعب التونسي صبري لموشي، الذي ظهرت موهبة كروية فذَّة خلال بداية تسعينات القرن الماضي، واستدعته الرابطة التونسية للبس ألوان قميص منتخبها. رفض لموشي الدعوة التونسية، وكانت سابقة في تاريخ الكرة التونسية واختار اللعب مع فرنسا التي لم يستدعى إلى منتخبها سوى 12 مرة طوال مسيرته، إذ عاصر جيل النجوم الذي فاز بمونديال 1998 ولم يكن له موطئ قدم بينهم.

ضحايا الضغط وتضخيم الصحافة

حسب زكرياء حبشي، الصحفي الرياضي الجزائري، فإن هؤلاء اللاعبين "غالباً ما يسقطون ضحية الضغط والتضخيم الإعلامي"، موضحاً في حديثه لـTRT عربي أنه "مع كل ظهور لنجم كرة قدم عربي في المهجر تلاحقه الصحافة بأوصاف من قبيل أنهم خليفة زين الدين زيدان، بيد أن زيدان كان ظاهرة من الصعب أن تتكرر، لا من حيث قدرات اللاعب ولا من حيث احتدام المنافسة على المراكز داخل المنتخبات الأوروبية".

يضيف حبشي قائلاً: "بحكم الأداء الذي قدمه إلى الآن مع برشلونة، أستبعد أن يكون للزلزولي موطئ قدم داخل المنتخب الإسباني نظراً للمنافسة الكبيرة على المركز الذي يلعب به بين أسماء إسبانية أكثر خبرة منه".

في ذات السياق، بالنسبة إلى رياض بن عمر، الصحفي الرياضي التونسي، "فإن أسباب هذه المسألة تتعدد، على رأسها الإغراءات المادية والرياضية التي تقدم للاعبين المغاربيين بالمهجر لتمثيل البلدان المضيفة، إذ تنعكس مشاركاتهم تلك بشكل مباشر على مسيرة اللاعب الاحترافية، ويرتفع الطلب عليه وتزيد قيمته السوقية في الميركاتو الكروي" يقول رياض موضحاً لـ TRT عربي.

"هذه الإغراءات تمثل ضغطاً كبيراً على هؤلاء اللاعبين"، يضيف الصحفي التونسي، ضارباً المثال بقصة الزلزولي إذ دخل الاتحاد الإسباني على الخط وأبلغ إدارة برشلونة بضرورة تقديم ضمانات لعب أكثر (للزلزولي) بالفترة المقبلة، وإغراءه بشأن مستقبله الاحترافي مع النادي الكتالوني ومكانته في التشكيل الأساسي من أجل دفعه لتغيير موقفه.

فيما هناك سبب ثان يعينه المتحدث، وهو الذي يتمثل في أن "الاتحادات الكروية المغاربية لا زالت لاتجيد عملية التفاوض مع اللاعبين وليست لها أعين ترصد المواهب بالفئات السنية الصغرى الذين يكون استقطابهم أسهل، وتضاف إلى ذلك رزنامة الاتحاد الافريقي الفوضوية التي تؤثر سلباً على مسارات اللاعبين مع أنديتهم، وتدفع إلى تفضيل عديد منهم التركيز على تطوير وثبات مسيرتهم مع أنديتهم عن المشاركة مع منتخبات بلدانهم".

TRT عربي