كازاخستان: "انتفاضة اجتماعية" تخفي تجاذبات قوى إقليمية ودولية؟


إعلان

ظلت، التي انبثقت عن تفتت الاتحاد السوفياتي سابقا في 1991، بعيدة إلى حد ما عن أحداث الساحة الدولية، وبرز اسمها عربيا خاصة عند احتضانها في مدينة أستانا، العاصمة التي تحول اسمها إلى نور سلطان، مفاوضات السلام السورية في يناير/كانون الثاني 2017.

ومنذ الأحد 2 يناير/كانون الثاني، أصبح هذا البلد محط اهتمام الرأي العام الدولي مع اندلاع مظاهرات عنيفة به، خلفت عشرات القتلى وأعدادا كبيرة من الجرحى، قدر مجموعهم في الظرف الحالي بألف مصاب في بلد لا يتساهل عادة مع الاحتجاجات.

وخرج المتظاهرون نهاية الأسبوع الأخير إلى الشوارع في جاناوزين، منطقة مانغيستاو في غرب البلاد، للاحتجاج على ارتفاع أسعار الغاز النفطي المسال المستخدم في السيارات، قبل أن تتوسع رقعة المظاهرات بشكل غير مسبوق، لتصل إلى مدينة أكتاو الإقليمية الكبرى، على ضفاف بحر قزوين.

وعلى الرغم من قمع قوات الأمن وخفض أسعار الغاز، تواصلت الاحتجاجات، فيما استنجد الرئيس قاسم جومارت توكاييف، الذي توعد بالرد "الحازم"، بما يعرف بـ"منظمة الأمن الجماعي" الإقليمية التي تترأسها روسيا، فبادرت موسكو بإرسال دفعة من القوات، من المقرر أن تبقى في هذا البلد شهرا كاملا على الأقل.

كازاخستان...البلد الغني بالثروات الطبيعية

نالت كازخستان استقلالها مع انهيار الاتحاد السوفياتي في 1991، وكان نور سلطان نزارباييف الرئيس السابق للحزب الشيوعي، البالغ من العمر 81 عاما، أول رئيس للجمهورية، وحكم البلاد بقبضة من حديد حتى 2019، ليسلم مقاليد السلطة إلى خلفه قاسم جومارت توكاييف بعد انتخابات مشكوك في نزاهتها.

لكن المراقبين يجمعون على أن الرئيس السابق نزارباييف لايزال يدير دفة الحكم من الخلف. ووظف الثروة النفطية الهائلة لبناء عاصمة جديدة، أستانا، بدل ألماتي، أكبر مدن البلاد، وأطلق عليها لاحقا اسم نور سلطان تكريما له.

وكازاخستان تاسع أكبر دولة في العالم بمساحة تزيد عن 2,7 مليون كيلومتر مربع. وتضم مركز قاعدة "بايكونور" الفضائية التي استأجرتها روسيا، والتي لا تزال أكبر منصة إطلاق في العالم بعد حوالى 60 عاما من انطلاق رائد الفضاء السوفياتي يوري غاغارين منها ليصبح أول رجل في الفضاء.

وتتمتع كازاخستان بأكبر اقتصاد في آسيا الوسطى. وشهدت في الماضي نموا كبيرا، لكنها تضررت عام 2014 جراء هبوط أسعار النفط الذي تعتمد عليه كثيرا. كما تضررت أيضا عام 2008 بسبب الأزمة الاقتصادية في روسيا ما أدى إلى انخفاض قيمة العملة الكازاخستانية "تينغ".

وشكل النفط 21 % من إجمالي الناتج الداخلي للبلاد عام 2020، بحسب البنك الدولي الذي توقع نمو الاقتصاد بنسبة 3,7% هذا العام. وينتج أبرز حقل نفطي في البلاد "تنغيز" ثلث الناتج السنوي لكازاخستان وتسيطر على 50 % منه شركة "شيفرون" الأمريكية. كما تعد أكبر منتج لليورانيوم في العالم. وتتوفر أيضا على كميات كبيرة من المنغنيز والحديد والكروم والفحم.

"انتفاضة ضد الكبت السياسي والظلم الاجتماعي"

يلفت محرر الشؤون الدولية في فرانس24 خالد الغرابلي إلى أن هذه الأحداث التي يتردد أنها انطلقت احتجاجا على أسعار الوقود، أعمق بكثير من  ذلك، وتعكس "شعورا بالظلم" لدى مواطني هذا البلد، "الغني بموارد النفط واليورانيوم. فيما لا تستفيد منه إلا القلة القليلة من الناس وهم الطبقة الحاكمة".

"الوضع مؤلم بالنسبة لمواطن يعيش في بلد مستوى الفقر فيه يصل إلى حوالي 13 بالمئة"، يقول الغرابلي، موضحا أن " هؤلاء المواطنين وجدوا قدرتهم الشرائية تتراجع إلا أن هناك طبقة حاكمة تستفيد لوحدها من ثروات البلاد" في غياب عدالة اجتماعية حقيقية.

ويضاف إلى الفقر القمع السياسي الذي استمر "لفترة طويلة، أي منذ استقلال البلاد في 1991"، حسب الغرابلي، معتبرا أن الرئيس السابق "نزارباييف هو الذي يقود البلاد منذ ثلاثة عقود، فعندما خرج من السلطة رسميا جاء قاسم جومارت توكاييف في 2019، وسط شكوك في نزاهة الانتخابات، وبدا وكأنه أتى تكملة لمشوار زعيم الأمة الذي بقي في خلفية الصورة يحرك الوضع من الخلف... لذلك نسمع الذين خرجوا إلى الشارع، يطالبون برحيل الرجل العجوز" في إشارة للرئيس السابق الذي لايزال يخيم ظله على الحياة السياسية في البلاد.

ويخلص الغرابلي إلى أن "ما نراه هو نوع من الانتفاضة ضد كبت سياسي موجود وظلم اجتماعي، وصعوبات في الحياة الاقتصادية أيضا".

صراع روسي غربي؟

لم تتأخر روسيا في الاستجابة لطلب رئيس كازاخستان توفير الدعم الأمني لقواته، في محاولة لاحتواء الأزمة، في إطار منظمة "الأمن الجماعي" الإقليمية. وأرسلت عددا من أفراد قواتها إلى البلد الجار، علما أن موسكو تتعامل بحساسية كبيرة تجاه الأحداث في الدول الجارة التي كان يجمعها معها لواء المطرقة والمنجل سنوات الاتحاد السوفياتي.

لذلك، لا تخفي موسكو انزعاجها من أي محاولة غربية للتوغل سياسيا في بلد من هذه البلدان. وفي كل مرة تحدث فيها اضطرابات بالمنطقة، يثار الصراع القائم بين روسيا والغرب بها، "وهو صراع موجود فعلا في كازاخستان"، حسب الغرابلي، يستشف "من خلال الاتهامات الروسية للأمريكيين بأنهم وراء هذه الاحتجاجات".

فالخيرات الطبيعية والموقع الاستراتيجي لهذا البلد، يجعلانه محط صراع بين مجموعة من القوى، علما أن "حجم كازاخستان هو خمس مرات حجم فرنسا، وبها مخزون كبير من موارد الطاقة، وتعد الحديقة الخلفية لروسيا"، يشير الغرابلي، وإن كان ذلك لا يمنع نور سلطان من فتح بابها منذ سنوات لشركات أمريكية تستثمر في مجال الطاقة.

وهذا التعاون مع موسكو من جهة والغرب من جهة أخرى، يبدو مقصودا من السلطات الكازاخستانية. ويفسره الغرابلي بأنه محاولة منها لخلق "نوع من التوازن مقابل الهيمنة السوفياتية التي استمرت مع روسيا. وتريد نور سلطان أن تقول للروس من خلاله أن هناك شريكا آخر في مجال الاقتصاد هو الولايات المتحدة. وكانت واشنطن قد وقعت معاهدة عسكرية مع كازاخستان...".

"الخروج من النفوذ الروسي"؟

ولم تدخل كازاخستان في شراكات مع الولايات المتحدة لوحدها بل نوعت تعاونها مع جهات مختلفة، فحتى تركيا المنافسة لروسيا في أكثر من منطقة بالعالم، لها وجود كبير فيها. وهذا، يساعد نور سلطان على الخروج من التبعية الروسية. "وإن كانت هذه الدولة تبدو أنها ضمن الحديقة الخلفية لروسيا، إلا أنها بدأت تخرج من النفوذ الروسي باتجاه الولايات المتحدة، وباتجاه تركيا أيضا التي تعتبرها من العالم التركي"، يوضح الغرابلي.

وسبق لكازاخستان أن اشترت أسلحة من أنقرة: طائرات بدون طيار ومدرعات. "وهناك رغبة لدى سلطاتها بأن يكون لبلادها امتداد مع تركيا، إلا أن هذا كله لن يسمح به الروس، لأنها منطقة أمن استراتيجية بالنسبة لموسكو" يلفت محرر الشؤون الدولية في فرانس24.

كما لا يمكن لروسيا أن "تسمح بانهيار جمهورية كازاخستان، لأنها على حدودها إضافة إلى وجود موقع بايكمور الذي تطلق منه موسكو الصواريخ ثم لكونها موردا اقتصاديا" مهما، يقول أحمد الزبيدي، الأستاذ في جامعة اللغات العالمية في طشقند بأوزبكستان، في تصريح لفرانس24.

وعلى ضوء هذه التجاذبات بين قوى مختلفة بالمنطقة، يؤكد الباحث في العلاقات الدولية باسل الحاج، في حديث لفرانس24 أن كازاخستان نجحت "في تحقيق التوازن في علاقاتها مع اللاعبين الجيواستراتيجيين... فعلى الرغم من تحالفها الوطيد مع موسكو، تبقى علاقاتها مميزة مع الصين وأيضا تستضيف استثمارات غربية أمريكية وأوروبية كبيرة جدا. لكنها لم تذهب بعيدا في تقاربها مع الغرب كما أوكرانيا أو جورجيا" حتى لا تغضب الحليف الروسي.

 

بوعلام غبشي

الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم

ابق على اطلاع دائم بالأخبار الدولية أينما كنت. حمل تطبيق فرانس 24

Download_on_the_App_Store_Badge_AR_RGB_blk_102417
تاريخ الخبر: 2022-01-07 12:14:24
المصدر: فرانس 24 - فرنسا
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 87%
الأهمية: 95%

آخر الأخبار حول العالم

وزير الري يتابع موقف منظومة الشكاوى بالوزارة

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-15 09:21:45
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 57%

ما هو الدافع؟

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-15 09:22:02
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 69%

زلزال بقوة 5.1 درجات يضرب جزر قبالة سواحل نيوزيلندا - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-15 09:24:06
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 58%

صباح الخير يا مصر

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-15 09:22:14
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 58%

الرئيس الروسي يزور الصين يومي 16 و17 ماي

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-15 09:24:49
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 53%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية