مرت أيام على كلام نصرالله المرفوض جملة وتفصيلا. الهجوم الذي تعرض له من الشارع اللبناني أولا ومن الساسة والمراقبين المحليين والعرب كافٍ وقيل فيه كل شيء. حتى الحكومة تبرأت من كلام زعيم حزب الله عبر رئيسها، كما وصل الاستنكار والرفض إلى حليفه الأول ـ رئيس الجمهورية ـ الذي رأى نفسه مضطراً لرد ورفض تلك التصريحات حتى لو كان ردّه أقل من المستوى المطلوب حتى لا نقل شبه خجول. أما ما لم يُقَل كفاية منذ تلك "التصريحات العبثية" هو الإجابة على التساؤل الأبرز: لماذا قال نصرالله ما قاله؟
هي مجموعة فرضيات قد تصح لدى جمعها لتتكامل أو لتكون إحداها على حساب أخرى. وهنا فلنعد إلى أصل الحكاية ونتساءل لماذا لم يوفّر نصرالله في خطاباته يوماً دول الخليج والسعودية تحديداً، قبل أن يصوّب ويطلق سهامه باتجاه الجاليات اللبنانية في الخليج محاولا إصابتها بمقتل.
لطالما عمد نصرالله إلى مهاجمة الخليج في إطار استراتيجية أراد منها أن تأتيَ تبعاتها على الجاليات اللبنانية هناك، فيُقاصَصُ اللبنانيون وتُسحب منهم الإقامات أو يُطردون من بلدانٍ عاشوا فيها لسنوات بأمان وكرامة. فاعتقد أنه بذلك سيقلبُ هؤلاء اللبنانيين على الدول التي قد يُطردون منها ليعودوا إلى السجن اللبناني الذي يحكمه حزب الله ويدخلوا بأرجلهم كرهائن هو خاطفهم. لكنّ هذا لم يحدث! فما كل ما يتمناه نصرالله يدركه! رغم أنه نجح بأن يعيّشنا قلقاً شبه يومي من تبعات ما يفعله في لبنان وفي المنطقة. أمّا الضربة الكبيرة فجاءت في بيان سعودي رسمي قطع الطريق على مزايدات نصرالله أو محاولاته اختطاف الجاليات اللبنانية، فشدد وزير الخارجية فيصل بن فرحان على نقطة قطعت الشك باليقين لتَرِدَ مجددا في بيان للسفير السعودي يتم التأكيد فيه على أن "المملكة حريصة دائماً على المواطنين اللبنانيين المقيمين في السعودية الذين تعتبرهم جزءا من النسيج واللحمة التي تجمع بين الشعب السعودي وأشقائه العرب المقيمين في المملكة". وهذه الكلمات كانت كافية لضرب استراتيجية نصرالله البديلة بعد أن انتقل إلى "الخطة ب" باستهداف اللبنانيين في الخارج مباشرة ومحاولة استدراج السعودية والخليج إلى ردّ فعلٍ تجاههم. لكنّ هذا لم يحصل! ما حصل أنّ حجم الهجوم الذي تعرض له من تلك الجاليات كانت أقسى من أي استنكارات سابقة تُقال في الصالونات السياسية أو في الشارع غير المسموع.
يعلم نصرالله تمام العلم أنّ كلامه كان لينعكس سلباً عليه شخصيا ويستتبع ردود فعل كثيرة ومستهزئة، ورغم ذلك قاله بدون أن يأبه. فهدفه أكبر وأبعد من هذا الكلام غير الدقيق وهدفه المبطّن منه القول "اطردوا اللبنانيين".. فيما هذا لم ولن يحصل!
وبعد أن جاءت البيانات السعودية واضحة بأن اللبنانيين في الخليج لن يتأثروا بممارسات حزب الله العدوانية على الأشقاء العرب، رأى نصرالله نفسه يهاجم الخليج من خلال بوابة اللبنانيين هناك، ليثبت أنه ليس عدوا للشعب اللبناني في الداخل فقط بل عدو لكل اللبنانيين أينما حلّوا. أمّا عداؤه للجاليات في الخليج تحديدا فشأن آخر. فهو يعلم أنّ ولاءهم عربيُ، وعوائلهم في لبنان كما أصدقاؤهم لا يرمون حجرا في بئر يشربون منها، وكلما زاد تقارب لبنان مع أشقائه العرب كان لنصر الله ومن ورائه إيران خسائر في تطويع الشعوب. أضف إلى هذا نجاحات اللبنانيين في الخليج وحسن عيشهم والاحترام الذي يحصلون عليه والمستقبل المزهر الذي شقّوه، وقد تحول حلما لكل لبناني في الداخل وحتى لدى بيئة حزب الله نفسها. فكم من لبناني من الجنوب أو البقاع يحلم بالعمل اليوم في الخليج ويقارن نفسه بمن هم هناك، ويتساءل ولو بصمت لماذا أوصلنا حزب الله إلى هذه النقطة؟ هم أيضاً يحلمون ببناء مستقبل لهم ولأولادهم بعيدا عن الذمية والحاجة لنصرالله وحزبه الذي انتزع منهم بممارساته وأجندته غير اللبنانية قدرتهم على الحلم حتى. وهذا ينقلنا إلى النقطة التالية للإجابة على سببية قول نصرالله ما قاله.
فهي تصريحات أراد منها باطلاً، وكانت موجهة لجمهوره حيث إنّ قاعدته نفسها باتت تحلم بالخروج والعمل في المنطقة العربية، فما كان منه إلا أن عمل على الترويج لكلام لا يتخطى الترفيه السياسي وهو يعلم تماماً أن ما وصلت إليه هذه الدول من تقدم وحقوق لا تقارن بتلك التي انتزعها منّا حزب الله في لبنان وقضى عليها.
