تقول رواية متواترة إن شاباً حالماً كان يقف في طوابير الهجرة إلى كندا وأمريكا باليومين والثلاثة بعد تخرجه في كلية التجارة قادماً من أرياف مدينة شربين بالدقهلية، إلا أنه فشل، فسلك طريقا آخر حتى وصل لُينقل عنه مقولته «لا تحدثني عن الحياد إذا تعارض مع مصلحة الوطن». المفارقة أن هذا الشاب لم يكن سوى الإعلامي الكبير وائل الإبراشي الذي رحل عن عالمنا متأثراً بإصابته بفيروس كورونا.

ليس غريباً أن تجد من يهاجمون وائل الإبراشي بعد موته ويبحثون في أصل ديانته على  منصات البحث الإلكتروني، فالرجل الذي خاض معارك في حياته ضد الإرهاب لايزال يؤرقهم حياً وميتاً، سواء في برامجه التلفزيونية أو من خلال آرائه التي تركها لتطاردهم بوصفه ألد أعدائهم.

فهم الإبراشي أنه لن يتبقى له سوى رصيده الإعلامي فرفض منصب وزير الإعلام، وقال حينها: «نعم رفضت منصب وزير الإعلام، لأننى أرفض أى منصب إدارى أو سياسى»، فهو الذي بدأ حياته الصحفية رأى أن عمله بهذا المجال هو الموت بعينه».

يقول: «حلمت بالصحافة، اتصلت بالأستاذ أنيس منصور، وطلبت منه الوساطة كي أدخل مجال الصحافة، ولكنه رفض أيضا لمبدأ يؤمن به، ولكن لم استسلم وعملت في النهاية بهذا المجال بعد أن تعرضت للبهدلة، حتى وصلت لما أنا فيه الآن».

رغم تعدد ألقاب الإبراشي كـ «مشعل للحرائق» فى الرأى العام، إلا أنه كان يفضل وصفه بـ"صاحب الرقم القياسي في القضايا التي رفعت ضده"، لافتاً إلى أن بعضها كان كيديّا، وبعضها من أناس لا يتقبّلون الرأي الآخر، ولا يعجبهم انحيازه للحق فقط. فقد تم اتهامه فقط في عهد الرئيس الأسبق لمصر حسني مبارك في 66 قضية نشر كان آخرها قضية التحريض على عدم تنفيذ قانون الضرائب العقارية ونال فيها البراءة بعد أيام من ثورة يناير.

ولا ينسى الأرشيف الصحفي ما سجل الإبراشي باسمه أكثر من سبق صحفي، مثل قضية لوسي أرتين، غرق عبّارة السلام، مقتل المجند سليمان خاطر، مذبحة بني مزار، سر عداء مبارك للفريق الشاذلي، معاناة مرضى الإيدز في مصر، أسباب اغتيال السادات، وسلسلة الهاربين في لندن، وتحقيقات اللاجئين في الجولان، تفجير كنيسة القديسين، التعذيب في السجون، مبادلة الجاسوس جبرائيل بـ25 سجيناً مصرياً.

يقول أحد أصدقائه إن أهم ما يميز الإبراشي، "أنه كان يصبر كصياد السمك حتى تصله الوثائق والمستندات، لا يغريه السبق ولا يسيل لعابه للفرقعة والإثارة بل يفضل أن يقدم الطبخة الصحفية مسبكة وغير مسلوقة، حتى وإن لم يهضمها كبار المسؤولين، عملت معه فى جريدة صوت الأمة وتركتها حين تركها، وأشهد أنه لم يشطب كلمة واحدة مما أكتب بل كان يتركنى قائلاً «إنت رئيس تحرير صفحتك»، حتى العناوين الجانبية كنت أقوم بصياغتها وهى غالباً مهمة التحرير، ورطته بمقالاتى فى معارك كثيرة وقفنا بسببها أمام القضاء، ولكنه دوماً كان يقابل هذه المطاردات والبلاغات بابتسامته المعهودة المختلطة بلغة الراء المحببة إلى أذنى حين يقول «ضيعتنا يا دكتوغ».

بدأ وائل الإبراشي حياته المهنية بمؤسسة "روزا اليوسف"، وتركها، وانطلق بعدها ليترأس التحرير فى "صوت الأمة"، ثم رأس تحرير "الصباح" لفترة قصيرة فى 2012، ولكنه لم يُكمل فى هذه التجربة نظرًا لانشغاله بالعمل التليفزيونى الذي بدأه بتقديم برنامج "الحقيقة" على شاشة قناة (دريم) الفضائية لعدة سنوات، قبل أن ينتقل إلى برنامج (العاشرة مساءً)، بديلاً عن الإعلامية (منى الشاذلي) التي رحلت عن القناة هى الأخرى، ثم قدم برنامج " التاسعة " عقب نشرة التاسعة الإخبارية على القناة الأولى المصرية التابعة للهيئة الوطنية للإعلام، بعد أن قدم لعام تقريباً برنامج " كل يوم " خلفاً لعمرو أديب على قناة أون.

عانى الإبراشي من تليُّف في الرئة إثر إصابته بفيروس كورونا، أواخر شهر ديسمبر من العام الماضي، مما أدى لدخوله المستشفى أكثر من مرة حتى تعافى من الإصابة بالفيروس، لكنه كان يحتاج لبعض الوقت، وفقًا للمصادر الطبية، حتى تعود الرئة لعملها بصورة طبيعية، لاسيما أنه غاب عن الساحة الإعلامية، منذ إصابته، وعاد إلى بيته لاستكمال العلاج في شهر مارس الماضي، بعد ثلاثة أشهر من العلاج في المستشفى، لكنه ظل يعالج حتى الوفاة.