حلت يوم 9 يناير/كانون الثاني الجاري الذكرى 62 على وضع حجر الأساس لأضخم المشاريع القومية في تاريخ الجمهورية المصرية الحديثة، الذي تمثل ببناء السد العالي بمنطقة أسوان جنوبيّ مصر، بعد الاستفادة من قرض سوفييتي بقيمة 100 مليون دولار عقب رفض البنك الدولي تمويل المشروع.

ومشروع بناء السد كان يمثّل لمصر أهمية قصوى من أجل دفع عجلة التنمية في البلاد، فمن جانب ساهم بنقل قطاع الزراعة من الزراعة الموسمية إلى الزراعة الدائمة، ومنع تهديد الجفاف والفيضان، ومن جانب آخر وفّر الكهرباء والطاقة اللازمة للنهوض بالقطاع الصناعي.

ومثّلت رحلة بناء السد مرحلة حماسية مهمة في تاريخ ووجدان المصريين، فخلال الـ11 عاماً التي كانت شاهدة على بناء السد غنى المطربون المصريون عدة أغاني من أجل شد الهمم وتحفيز المصريين، كان من أبرزها أغنية "قصة السد" التي غنّتها أم كلثوم عام 1959، وأغنية "حكاية شعب" التي غناها عبد الحليم حافظ عام 1960.

أصل الحكاية

جانب من تدشين أعمال البناء في السد العالي بحضور الرئيسين المصري جمال عبد الناصر والروسي نيكيتا خروتشوف. (Others)

في أعقاب ثورة يوليو/تموز 1952، قدّم أدريان دانينوس، مهندس مصري من أصول يونانية، لعبد الناصر فكرة إنشاء سد في منطقة أسوان الواقعة على حدود مصر الجنوبية من أجل حجز مياه النيل منعاً للفيضان وجمعاً للمياه من أجل أعمال الري وتوليد الطاقة اللازمة لنموّ مصر والانتقال بها إلى عصر الصناعة.

رحّب مجلس قيادة الثورة بفكرة مشروع السد، وعلى أثر ذلك بدأت وزارة الأشغال العمومية المصرية حينها بعمل الدراسات اللازمة، وفي أوائل عام 1954 عرضت شركتان ألمانيتان هندسيتان تصميماً للمشروع، وأقرّت لجنة دولية هذا التصميم في ديسمبر/كانون الأول 1954 بعد مراجعته.

وما إن انتهت مخططات المشروع حتى بدأت رحلة حكومة عبد الناصر في البحث عن تمويل لتغطية التكاليف الباهظة لبناء السد العالي. في البداية وافقت أمريكا وبريطانيا برفقة البنك الدولي على تمويل جزء من المشروع، لكنهم انسحبوا بعدما رفضت مصر شروطهم التي وصفتها بـ"الضغوط الاستعمارية".

وردّاً على سحب التمويل الغربي، أعلن الزعيم جمال عبد الناصر في 26 يوليو/تموز 1956 تأميم الشركة العالمية لقناة السويس، وهو ما عرّض مصر للعدوان الثلاثي من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، الذي انتهى بعد تهديد الاتحاد السوفييتي بدخول الحرب إلى جانب مصر.

لتتحول أنظار المصريين صوب الاتحاد السوفييتي الذي قبِل في عام 1958 منح مصر قرضاً قيمته 400 مليون روبل (100 مليون دولار حينها) من أجل تنفيذ المرحلة الأولى من بناء السد.

رحلة بناء السد العالي

رحلة بناء السد العالي (Others)

وما إن وقّع على اتفاقية القرض السوفييتي حتى اتفقت مصر مع الحكومة السودانية في العام التالي 1959 على توزيع مياه خزان السد بين مصر والسودان.

وفي 9 يناير/كانون الثاني 1960 بدأ العمال المصريون بجانب 400 خبير سوفييتي تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع السد، وبدؤوا في منتصف عام 1964 أعمال تحويل مياه النيل إلي قناة التحويل وبدء تخزين المياه ببحيرة ناصر.

وشملت مرحلة البناء الثانية إنشاء جسم السد وإتمام بناء محطة الكهرباء وتركيب التوربينات وتشغيلها، مع إقامة محطات المحولات وخطوط نقل الكهرباء، ليبدأ بعدها تخزين المياه خلف جسم السد منذ عام 1968.

وفي 15 يناير/كانون الثاني 1970 اكتمل صرح المشروع في احتفالية كبيرة حضرها الرئيسان المصري جمال عبد الناصر والروسي نيكيتا خروتشوف.

وفي 15 يناير/كانون الثاني 1971 دُشّن العمل بالسد العالي بعد تنظيم احتفال كبير فى عهد الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات.

مواصفات السد العالي

صُمم السد العالي وبُني ليكون سداً ركامياً على نهر النيل، يبلغ طوله عند القمة 3830 متراً، منها 520 متراً بين ضفتَي النيل ويمتد الباقي علي هيئة جناحين علي جانبَي النهر، فيما يبلغ عرضه عند القاعدة 980 متراً، وعرض القمة 40 متراً، وارتفاعه 111 متراً.

حجم جسم السد 43 مليون متر مكعب من أسمنت وحديد وموادّ أخرى، ويمكن أن يمرّ خلال السدّ تدفُّق مائي يبلغ 11 ألف متر مكعب من الماء في الثانية الواحدة.

ويقع خلف السد بحيرة كبير لحجز المياه تُسمَّى "بحيرة ناصر"، يبلغ طولها 500 كيلومتر، ومتوسط عرضها 11.8 كيلومتر، ومساحة سطحها 5900 كيلومتر مربع، توفّر سعة تخزين للمياه قدرها 164 مليار متر مكعب عند حدودها القصوى.

وتنتج محطة الكهرباء الواقعة على الضفة الشرقية للنيل طاقة كهربائية تصل إلى 10 مليارات كيلووات/ساعة سنوياً.

وقُدّرَت التكلفة الإجمالية لمشروع السد العالي بنحو مليار دولار حينها، شطب ثلثها الاتحاد السوفييتي الذي كان يعتبر مصر من أهمّ حلفائه إبان تلك الفترة التي احتدمت فيها الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن.

TRT عربي