لطالما ارتبطت صورة العميل السري الأمريكي بشخصيات كجيمس بوند وإيثان هانت في سلسلة "المهمة المستحيلة". هي صورة ساهمت هوليوود في رسمها بدقة، عبر جودة تلك الأعمال التي أصبحت عالقة في المخيال العالمي، كما ساهم في ذلك الجهل العامّ بعالم الاستخبارات، إذ غالباً ما تكون أنشطته في الظل وتحت غطاء السرية التامة.

هذا ما خلق الهوة سحيقة بين الواقع والخيال، إذ تنزاح صور البطولات والتكنولوجيا الخارقة التي اعتادت بثّها الشاشات الكبيرة، لتحلّ محلها البيروقراطية الرتيبة والبنية التحتية الرديئة والأرشيفات التي تقرضها الفئران داخل وكالات الـ"CIA"، حسب ما يورده مقال لمجلة "The Atlantic" مقتبس عن كتاب "جواسيس وأكاذيب وخوارزميات: تاريخ ومستقبل الاستخبارات الأمريكية" للباحثة إيمي زيغارت.

أشبه بـ"مكتب بريد رديء"

لطالما صورت أفلام الجاسوسية مكاتب الاستخبارات الغربية، والأمريكية على وجه الخصوص، مقارَّ لأكثر التكنولوجيات تطوراً، والأكثر سرية وأماناً، إذ لا دخول لها إلا بمسح لشبكية الأعين والبصمات.

فيما تختلف الحقيقة عن ذلك، تقول إيمي زيغارت في مقالها إن "الدخول إلى وكالة الاستخبارات الأمريكية الأكثر شهرة يُشعِرك كأنك في مكتب بريد رديء الخدمة"، إذ "توجد شبابيك بزجاج مضاد للرصاص، وآلات صودا، وهاتف أرضي أسود قديم الطراز مثبَّت على الحائط الخلفي".

أما من ناحية الأمن، فلا تشديدات كبيرة حسب الكاتبة، "فبمجرد موافقة الأمن (على الدخول)، يمكن للزائر السير في طريق متعرج بين بنايات الوكالة أو ركوب الحافلة المكوكية إلى مبنى المقر القديم". وحتى في ذلك المقر "لا يحتوي أمن الردهة على ماسحات ضوئية لشبكية العين أو أجهزة بصمات، بل فقط عدد قليل من البوابات الدوارة وحارس أمن ودود يأخذ الهواتف المحمولة ويوزّع عمليات التحقق من المطالبات الورقية".

هذا إضافة إلى تكوُّم عشرات أكياس التسوق المحشوَّة بمئات الأوراق السرية في ردهات تلك المباني، استعداداً لإحراقها، فـ"لعدم إمكانية التخلص من المستندات السرية، بدلاً من علب القمامة، تنتشر أكياس التسوق المخططة حول المبنى لإحراقها"، تقول زيغارت، معتبرة أن هذا الدليل الوحيد على كون مقرات وكالات الاستخبارات "ليست المؤسسات الحكومية النموذجية التي تصوّرها السينما".

في المقابل يجهل السواد الأعظم هذه الحقائق، إذ يورد المقال استطلاعات تفيد بأن "غالبية الأمريكيين لا يعرفون مَن مدير المخابرات المركزية، ولا مقدار المعلومات الواردة في تقرير استخباراتي نموذجي".

بين الواقع والخيال

وتضيف ذات الاستطلاعات أن المعرفة الوحيدة لأغلب الأمريكيين عن عالم الاستخبارات تأتي من الأفلام والمسلسلات التي تتناول الموضوع، فيما تبقى العلاقة بين الواقع والصورة السينمائية ملتبسة.

فمن ناحيةٍ تدفع وكالة الاستخبارات الأمريكية هوليوود إلى تحسين صورة نشاط الوكالة، وتحتجّ إذا ما تضمنت تلك الصورة أخطاءً أو خروقات، لكن الباحثة الأمريكية تكشف أكثر من هذا، إذ ساهمت أفلام هوليوود في تطبيع الأمريكيين مع خروقات حقوق الإنسان التي ترتكبها استخباراتهم.

كما يشكّل التضخيم الإعلامي لعمل وكالة الاستخبارات الأمريكية بيئة مواتية لنشاط نظريات المؤامرة. ينعكس هذا، على سبيل المثال، في "نسبة 36% من الأمريكيين يعتقدون أن من "المحتمل" أو "المحتمل إلى حد ما"، أن CIA هي التي نفّذَت هجمات 11 سبتمبر/أيلول أو سمحت بحدوثها عن علمٍ"، حسب المقال.

وتضيف إيمي زيغارت قائلة: "إذا ما نبشنا سطح أي نظرية مؤامرة فستجد اعتقاداً سائداً بأن وكالات الاستخبارات تلعب فيها دوراً رئيسياً، لكونها تتمتع بتقنية عالية جدّاً، وقوية جدّاً، وسرية للغاية، وبعيدة جدّاً عن ارتكاب الأخطاء. بالتالي فالأحداث السيئة لا تحدث فقط، إنها مقصودة ومخطَّط لها بعناية من وجهة نظر هذه النظريات"، فيما تلعب السينما دوراً أساسيّاً في تكريس هذه الصورة النمطية المخالفة للحقيقة، حسب الكاتبة.

TRT عربي