منذ تأسيس الجمهورية التركية الحديثة عام 1923، سعت الحكومات التركية المتعاقبة للنهوض بتركيا في شتَّى المجالات التعليمية والاقتصادية والزراعية والتكنولوجية وغيرها، لهذا أنشأت عديداً من المراكز البحثية داخل وخارج الجامعات لإنتاج الأبحاث والدراسات العلمية التي تخدم رؤية النهضة العلمية والصناعية.

من هذا المنطلق أسست تركيا في منتصف ستينيات القرن الماضي مجلس البحث العلمي والتكنولوجي في تركيا "توبيتاك" (TÜBİTAK)، لتسخير الأبحاث العملية والتكنولوجية ودعمها مالياً للنهوض بالعلوم والصناعات والتكنولوجيا، فضلاً عن الصناعات الدفاعية الوطنية.

واليوم يعمل أكثر من 2500 باحث في 15 معهداً بحثياً مختلفاً ملحقة بتوبيتاك، حيث تُجرى أبحاث تعاقدية بالإضافة إلى أبحاث مستهدفة على مستوى الدولة في شتى المجالات تقريباً.

أصل الحكاية

تأسس مجلس البحث العلمي والتكنولوجي في تركيا (TÜBİTAK) على يد الرئيس جمال جورسيل عام 1963 كوكالة رائدة لإدارة وتمويل وإجراء البحوث بما يتماشى مع الأهداف والأولويات الوطنية، وكان الهدف الرئيسي وراء تأسيسه النهوض بالعلوم والتكنولوجيا وإجراء البحوث ودعم الباحثين الأتراك.

وتوبيتاك إحدى المؤسسات ذات الصلة التابعة لوزارة الصناعة والتكنولوجيا، لكنها تعمل كمؤسسة مستقلة يديرها مجلس علمي يُختار أعضاؤه من علماء بارزين من الجامعات والمؤسسات الصناعية والبحثية داخل تركيا، تعمل كوكالة استشارية للحكومة التركية في قضايا العلوم والبحوث، وهي أعلى هيئة لصنع السياسات في مجال العلوم والتكنولوجيا في تركيا بما يتماشى مع تحسين مستويات الحياة في المجتمع والتنمية المستدامة لتركيا.

ولا يدعم توبيتاك الابتكارات والبحوث الأكاديمية والصناعية التي تخدم تركيا وتساهم في تطوير أنشطة البحث العلمي وحسب، بل يطوّر بما يتماشى مع الأولويات الوطنية، السياسات العلمية والتكنولوجية، ويدير معاهد البحث والتطوير، ويشجّع الابتكارات في المجالات التكنولوجية والدفاعية.

علاوة على ذلك، يمول توبيتاك المشاريع البحثية التي تُجرى في الجامعات والمؤسسات العامة والخاصة الأخرى، ويُجري البحوث في المجالات الاستراتيجية، وتطوّر برامج الدعم للقطاعين العامّ والخاصّ، بالإضافة إلى تنظيم الأنشطة العلمية داخل المجتمع ودعم طلبة الدراسات العليا من خلال المنح الدراسية، ونشر المقالات العلمية وترجمة الكتب العلمية الشهيرة.

اقرأ أيضاً: الهجرة العكسية للعقول.. هكذا نجحت تركيا في اجتذاب علمائها من الخارج

توبيتاك والبحث العلمي

يُعنى توبيتاك بتطوير وتنسيق البحث العلمي بما يتماشى مع الأهداف والأولويات الوطنية، التي وضعتها الأكاديمية التركية للعلوم (TÜBA)، كما يمثّل المجلس تركيا في جهود البحث الدولية من خلال عضويته في مؤسسة العلوم الأوروبية وبرامج إطار الاتحاد الأوروبي للبحث والتطوير التكنولوجي.

ومن أهداف توبيتاك كذلك دعم الطلاب، أتراكاً كانوا أو أجانب، في مسيرتهم التعليمية وتطوير مشاريعهم الشخصية، إذ يقدّم في هذا الإطار منحاً دراسية إلى جانب منح دعم مالية للمشاريع البحثية بلا استثناء، كما يقدّم الدعم المالي لطلاب درجة الماجستير والدكتوراه، فضلاً عن إتاحة الفرص للمشاركة في المؤتمرات والندوات المحلية والدولية، بجانب المعارض العلمية التي يشارك بتنظيمها، وأبرزها " تكنوفست".

إلى جانب سياسة التشجيع والدعم المالي للأبحاث والمشاريع، ينشر توبيتاك 4 مجلات علمية شهيرة: "Meraklı Tik" و"Bilim ve Teknik" و"Bilim Genç" و"Bilim Çocuk"، لنشر العلم وزيادة الوعي بين الأتراك، بالإضافة إلى ذلك نشر "Tübitak Popular Science Books" أكثر من 1000 كتاب علمي مشهور.

وللنهوض بالبحث العلمي داخل الجامعات والمراكز البحثية في تركيا، عمل توبيتاك على عدة مشاريع لإعادة استقطاب العقول من الخارج، بالأخصّ العقول التركية التي ذهبت للدراسة والتدريب ولم تعُد. وفي هذا الإطار نفّذ توبيتاك "برنامج 2232 باحثاً دولياً رائداً" الذي بدأ في نهاية عام 2018، ويوفّر منحاً دراسيةً ومنحاً ماديةً للباحث، بالتزامن مع تقديم ميزانية بحثية للمؤسسات التي سينفّذون المشاريع البحثية فيها عند انتقالهم إلى تركيا، ويتكفل كل عالم في إطار المشروع بتدريب ما لا يقل عن 5 طلاب دكتوراه.

توبيتاك ودوره في تطوير الصناعات الدفاعية

من أجل النهوض بقطاع الصناعات الدفاعية الوطنية، أُسّس في عام 1972 معهد أبحاث الصناعات الدفاعية التابع لمجلس توبيتاك (TÜBİTAK SAGE)، ومنذ البداية هدف المركز إلى تطوير القوة الدفاعية لتركيا وتوفير الاكتفاء الذاتي لها في إنتاج قوتها الدفاعية بإمكانات محلية.

وفي إطار "حركة التكنولوجيا الوطنية" التي أطلقتها الحكومة التركية، نجح "SAGE" في تزويد قوات الأمن والجيش بمجموعة من الصواريخ والذخيرة عالية التقنية المطورة محلياً، وتَمكَّن خلال السنوات الماضية من تطوير مجموعة واسعة من منتجات الصناعات الدفاعية التي تساهم في زيادة أداء قوات الأمن والقوات المسلحة التركية، وأبرزها الصواريخ الموجهة بالليزر وصواريخ "SOM" الخاصة بالمسيّرات، وصواريخ جو-جو "Göktuğ" و"Bozdoğan".

كذلك يستعد توبيتاك الذي تَمكَّن من صناعة قمر الفضاء التركي "رصد" بهدف مواكبة التكنولوجيا الفضائية وتقوية الحجم المعلوماتي لتركيا، للمشاركة في مشروع المقاتلة الحربية الوطنية من الجيل الشبحي الخامس "MMU"، فضلاً عن الاهتمام الكبير الذي يوليه للمشاركة بتطوير أنظمة الدفاع الجوي التركية.

اقرأ أيضاً: مدمرة وذكية.. تَعرَّف أبرز الصواريخ الجديدة التي سيمتلكها الجيش التركي قريباً

TRT عربي