قرر المدرّس السعودي فيصل ترك العمل بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتحفظه على تهميشها خلال السنوات الأخيرة، بينما تشهد المملكة انفتاحاً غير مسبوق يتزامن مع حملة إصلاحات يقودها ولي العهد السعودي.

ولسنوات حظيت الهيئة التي كانت بمثابة شرطة دينية بنفوذ وهيبة كبيرة في الشارع السعودي إذ كان عناصرها يراقبون من كثب تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية في المملكة، قبل تجريدهم عملياً من صلاحياتهم في 2016.

وقلَّصت الحكومة السعودية في أبريل/نيسان 2016 صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلم يعد بمقدور أعضاء الهيئة القبض على الأفراد أو مطاردتهم أو طلب هويتهم الشخصية أو التحفظ عليهم، وإنما اقتصر دورهم بموجب القانون الجديد على إبلاغ الشرطة بالاشتباه بأحد الأشخاص فقط.

وقال فيصل وهو اسم مستعار (37 عاماً) الذي استقال قبل أشهر من الهيئة لوكالة الصحافة الفرنسية: "جرى انتزاع كل صلاحيتنا ولم يعد لنا دور واضح على الإطلاق".

وتابع الرجل الملتحي في لقاء بشرق الرياض "أصبح كلّ ما كنت أعمل لمنعه مباحاً تماماً، فقررت الاستقالة".

ومنذ تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد في 2017 تشهد المملكة إصلاحات اجتماعية شملت السماح للنساء بقيادة السيارات والسماح بالحفلات الغنائية والسماح بالاختلاط بين الرجال والنساء.

وأضاف فيصل الذي كان يرتدي عباءة داكنة ساخراً: "في الماضي كانت توجد هيئة واحدة معروفة في السعودية وهي هيئة الأمر بالمعروف... اليوم أهم هيئة هي هيئة الترفيه"، في إشارة إلى هيئة الترفية التي استحدثتها السعودية في مايو/أيار 2016 والمنوط بها إدارة وتنظيم فاعليات ترفيهية متنوعة تشهد إقبالاً كبيراً من كلا الجنسين.

وقال تركي، وهو اسم مستعار لعضو سابق في الهيئة،: إن "وجود الهيئة بات شكلياً تماماً".

وتابع الرجل الأربعيني الذي عمل بالهيئة لأكثر من عشر سنوات: "لم يعد مسموحاً لنا بالتدخل وتغيير أي سلوكيات كنّا نعتبرها غير لائقة"، مشيراً إلى أن الكثيرين مستمرون بالعمل "من أجل الراتب فقط".

وكانت للهيئة في السابق صلاحيات كبيرة، من بينها التأكد من تطبيق الناس لقواعد الآداب العامة ومنع الاختلاط، الأمر الذي كان يشمل حقّ طلب وثائقهم الشخصية ومطاردتهم وتوقيفهم.

وكانت سيارات الهيئة تطوف في الشوارع ويتأكد أفرادها من التزام النساء ارتداء العباءة السوداء، ويلاحقون روّاد المقاهي والمراكز التجارية ويجبرون المحلات على الإغلاق وقت الصلاة.

عمل في المكاتب

ومع تقليص دورها في الشارع باتت الهيئة أخيراً تطلق حملات للتوعية بالأخلاق ومواجهة الوباء والتحذير من مثيري الفتن، من على الشاشات الرقمية واللوحات الإعلانية في الشوارع ومنصات التواصل الاجتماعي.

ويقضي عدد كبير من عناصر الهيئة حالياً غالبية وقتهم في مكاتبهم من دون الاحتكاك بالناس بالشوارع، ما يثير إحباط عدد منهم، على ما أفاد مصدران مطلعان على أنشطة الهيئة.

وقال مسؤول سعودي طلب عدم ذكر اسمه "الهيئة باتت معزولة "، مشيراً إلى "تقليص كبير لعدد عناصرها خصوصاً من غير المؤهلين للدعوة".

ولا يعرف على التحديد عدد عناصرها حالياً، لكنّ يقدّر وفق أحد المصدرين بنحو خمسة آلاف في المملكة حيث أكثر من نصف عدد السكان دون سن 35 عاماً، وفق بيانات صادرة عام 2020.

وباتت الشابة السعودية لمى التي تعرضت سابقاً لمضايقات من رجال الهيئة بسبب ملابسها الملونة قادرة على الخروج بلا غطاء للرأس بل والتدخين في الشارع.

وقالت الشابة البالغة 26 عاماً بينما كانت تدخن برفقة زميلتها في وسط الرياض أثناء استراحة من العمل: "لم نكن نفكر في التدخين بالشارع من الأساس قبل سنوات". وأضافت ضاحكة: "كانوا سيضربوننا بالخيزرانة"، في إشارة إلى العصي الرفيعة التي كان يستخدمها مطاوعو الهيئة لنهر الناس.

وقال أحمد بن قاسم الغامدي وهو مسؤول كبير سابق بالهيئة أطيح به من منصبه في 2015 بسبب آرائه التقدمية: "أعظم أخطاء الهيئة أنها كانت تتّبع الأخطاء الفردية للناس"، وهو ما قال إنه "تسبّب بأثر عكسي وسلبي" على صورتها.

"تغيير جذري"

وأقر رئيس هيئة الأمر بالمعروف عبد الرحمن السند في مقابلة في أكتوبر/تشرين الأول الفائت مع محطة "الإخبارية" التلفزيونية الحكومية بارتكاب الهيئة سابقاً "مخالفات".

وأرجع السند، وهو أستاذ جامعي، ذلك إلى أنّ أعضاء الهيئة كانوا يمارسون "مسائل أمنية من دون أي مرجعية أو خلفية أو تأهيل مسبق".

وأكّد أنّ شريعة المسلمين لا تنص على أن "النهي عن المنكر يعني بالضرورة إزالة المنكر"، وهو ما يعد تغييراً كبيراً بفكر الهيئة في الماضي.

وتعتزم الهيئة التي طالما تعرضت لانتقادات "توظيف نساء" بصفوفها في القريب العاجل، حسب السند.

وأقر الكاتب السعودي سعود الكاتب بحدوث "تغيير كبير وجذري" في عمل الهيئة التي قال إن "دورها لا بدّ أن يكون محدوداً ولا يتجاوز دور الهيئات الرقابية الرسمية".

ولم يتبين ما إذا كان تقليص صلاحيات الهيئة ترافق مع تخفيض في موازنتها السنوية أم لا.

ورفض مجلس الشورى بغالبية كبيرة في 2018 اقتراحاً بدمج الهيئة في وزارة الشؤون الإسلامية، مشيراً إلى ضرورة استمرارها لمكافحة المخدرات.

واستبعد الأستاذ في معهد العلوم السياسية في باريس ستيفان لاكروا أن تتجه السعودية إلى حلّ الهيئة.

وقال: "تظل الهيئة علامة على هوية سعودية مميزة يرتبط بها العديد من السعوديين المحافظين. الأمر الأكثر ترجيحاً هو استمرار إعادة توظيف دورها".

AFP