في العام 2021، احتلت شركة "أبل" المرتبة الأولى عالميا باعتبارها الشركة الأكثر ابتكارا من بين 50 شركة وفق التقرير الذي نشرته شركة "بوستن" الاستشارية (BCG)، وهو تقرير كغيره، يأتي ليؤكد التفوق الذي حققته شركة "أبل" منذ أعوام.

أما على مستوى الشرق الأوسط وأفريقيا، فقد صنفت (BCG) في تقرير آخر الشركات الأكثر ابتكارا، وجاءت شركات عربية في المراتب الأولى، هي: أرامكو السعودية، وطيران الإمارات، وسابك.

وفي الوقت الذي نشعر فيه بالفخر والاعتزاز لما حققته هذه الشركات المميزة، نتحسر على حال معظم شركاتنا العربية ونحن ندرك أن "الابتكار" ليس متأصلا في عقيدتها الإدارية.

غالبا ما نرى شركة (أو شركات) رائدة، هي التي تقود قطاعاتها بينما البقية يدورون في فلكها، يترقبون جديدها، ويسارعون في تقليدها من صنع المنتجات أو تقديم الخدمات مرورا بتبني الممارسات الإدارية والأنظمة التقنية الجديدة إلى تقديم العروض وبث الدعايات!

ستيفن كوفي المفكر الإداري قال ذات مرة: "إذا لم يكن لديك مزارع، فلن يكون لديك حديقة"، موضحا ببساطة أن العمل لن ينجز إذا لم يتولى مسؤوليته شخص أو فريق محدد، ولعلي استحضر هذه المقولة كلما رصدت وضع الشركات العربية التي تخلو هياكلها التنظيمية من إدارات معنية بالابتكار أو الأبحاث والتطوير.

فالابتكار هو وظيفة (اختصاص) بحد ذاته كما الوظائف الأخرى - الموارد البشرية، والمالية، والتسويق وغيرها - يؤدى ضمن مهام ومسؤوليات تقوم بها "وحدة تنظيمية"، تتولى الأبحاث والتطوير لتوليد الأفكار الخلاقة، وتحويلها إلى منتجات أو خدمات جديدة، تمنح الشركة القدرة على مواصلة النمو ومواكبة التغييرات في السوق.

ويتجلى الابتكار كذلك عندما يتحالف "النظري" مع "العملي"، فتتعاون الجامعات والمؤسسات العلمية مع الشركات لتطوير المنتجات والخدمات، فتخرج الأبحاث المحفوظة في ظلمات الأدراج والأرفف لتجد طريقها إلى التطبيق والحياة، إما في صورة حلول أو أفكار تيسر عمل الإنسان أو تحسن من جودة حياته.

ولنا أن نتخيل ماذا سيحدث لو أن شركاتنا العربية في مختلف القطاعات أسست إدارات للأبحاث والتطوير، كم من العقول الوطنية سوف تستوعب؟ وماذا سيكون أثر ذلك على البلد، أثر ينعكس على استحداث الوظائف الجديدة وتخفيض معدل البطالة من جهة، وأثر ينعكس على تحقيق التفوق العلمي من جهة أخرى؟

في الحقيقة، العالم العربي لا يفتقر إلى العقول المبدعة، بل يفيض وما أدل من ذلك إلا هجرة النوابغ، المشكلة تكمن في بعض شركاتنا التي لم توفر أبسط مقومات البيئة الجاذبة للإبداع لأنها ترى أن التقليد أسهل وأقل تكلفة من الابتكار، وأن الاستيراد أسرع من الانتاج والتصدير.

أرامكو، طيران الإمارات، سابك.. قصص نجاح عربية نحكيها لأجيالنا في صنع المستحيل، وعلى الرغم أن كل قصة نسجت بخيوط مختلفة، وبأيدٍ متفاوتة، وفي ظروف مغايرة، إلا أن كلها اتسمت بشيء واحد.. لديها المنظومة التي تروي "حدائقها"، فتزهر فكرا وإبداعا!

بندر الضبعان