الدار/ افتتاحية
ما كتبه صحيفة “لوموند” الفرنسية عن الثورة الاجتماعية التي يقودها الملك محمد السادس في المغرب ليس قراءة إعلامية عابرة أو روتينية يمكن أن تتكرر. هذه الصحيفة التي ليست معروفة البتة بمحاباتها للمغرب، بل كانت دائما مصدر إزعاج وتشويش على المملكة، لن تتحدث عن مشروع تعميم الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية بكل المديح الذي كالته لها، إلا إذا كانت إدارة تحريرها قد فهمت حجم التغيير الكبير والعميق الذي سيحدثه هذا المشروع في المغرب. وفي هذا المنبر سبق أن أشرنا دون مبالغة إلى أن هذا الورش الذي أطلقت الحكومة الحالية عمليات تنزيله على أرض الواقع يعتبر واحدا من أهم الأوراش الإصلاحية التي عرفها المغرب منذ استقلاله.
لقد ذكر رئيس الحكومة عزيز أخنوش في اللقاء الخاص الأخير الذي خص به القناتين الأولى والثانية بعض الأمثلة على التأثير الإيجابي البالغ الذي سيحدثه تعميم التغطية الصحية والحماية الاجتماعية في مجال محاربة الهشاشة والخصاص في المجال الصحي وفي تقديم العلاجات لعموم المواطنين. أن تصبح حصة تصفية الدم التي تتطلب في الوقت الحالي ما بين 700 و800 درهم، بثمن رمزي لا يتعدى 17 درهما فهذه هي الثورة الصحية الحقيقية التي ينتظرها المغاربة منذ زمن. وأن يتمكن المواطن البسيط من إجراء العملية الجراحية مجانا فإن ذلك واحد من أهم الهدايا التي يمكن أن تقدمها حكومة لشعبها.
هذا الحجم المؤثر من التغيير الذي سيحدثه هذا الورش هو الذي يدفع الأعداء والأصدقاء معا إلى الاعتراف بأهمية الثورة الاجتماعية الهادئة التي يقودها الملك محمد السادس في المغرب على جميع الأصعدة. لكن أهم ما ينبغي الانتباه إليه في هذا الاعتراف هو ذلك الوعي السياسي العالي الذي يتعامل به الملك محمد السادس مع الوقائع والسياق الذي يمر به العالم. مباشرة بعد أن كشفت جائحة فيروس كورونا المستجد حجم الهشاشة الاجتماعية التي تنخر المجتمع تم اتخاذ القرار بصفة قطعية للشروع في تنزيل هذا المشروع وتخصيص ما يلزم من ميزانيات وتشريعات وموارد بشرية في أفق إلحاق أزيد من 11 مليون مغربي في نهاية 2022 بقائمة المستفيدين من التغطية الصحية.
ولا يمكن لمن لا يعرف بنية المجتمع المغربي وطبيعة الانشغالات الاجتماعية للمغاربة أن يدرك الأثر البليغ الذي سيخلفه هذا الورش على كافة المغاربة، ثم انعكاساته السوسيواقتصادية التي سيتم جنيها في المستقبل. أن يرتاح المواطن المغربي من ناحية الخدمات الصحية ويطمئن على صحته وعلى حاجياته الطبية ودوائه وسريره في المستشفى لا يزال إلى اليوم يعتبر حلما بالنسبة للغالبية من المواطنين. ولعلّ العنوان المناسب لهذه الثورة الاجتماعية الهادئة هو الاستجابة لأحلام المغاربة في الإحساس بنوع من الطمأنينة والأمان الاجتماعي سواء صحيا أو ماديا من خلال الورش الثاني المتعلق بتعميم الحماية الاجتماعية وما يرافقها من تعويضات للمحتاجين والعاطلين والأطفال وغيرهم من الفئات.
نحن اليوم شهود على مرحلة جديدة يدخلها المغرب تضعه على السكة الصحيحة التي يتوازى فيها بعدان من أبعاد التنمية: البعد الأول يتمظهر من خلال معدلات النمو المتزايدة وخصوصا بتطوير قطاع الصناعة وتوسيع حجم الاستثمارات المستقطبة إليه، بما يعنيه ذلك من خلق للمزيد من فرص الشغل والثروات والموارد من العملات الصعبة، التي تؤدي كلها في النهاية إلى تعظيم الناتج الوطني. والبعد الثاني الموازي هو بناء الدولة الاجتماعية التي لا تكتفي بجباية الضرائب وحماية الحدود وفرض القوانين بل تحاول أن توفر لمواطنيها الحد الأدنى من الكرامة والحقوق الأساسية والخدمات الاجتماعية الضرورية من تعليم وصحة وشغل وبنيات تحتية ضرورية. وعندما تمدح “لوموند” ما يعيشه المغرب بهذه الثورة الاجتماعية، يحق لنا أن نقول أن الحق هو ما قالته الخصوم.
