خواطر عن “المركزية الأفريقية”


في عام 2020، عندما قُتل جورج فلويد، وهو رجل أسود البشرة في الولايات المتحدة الأمريكية بسبب عنف الشرطة اجتاحت العديد من المظاهرات الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، كان العنصر الرئيسي في تلك المظاهرات إما مواطنو تلك الدول من ذوات البشرة السوداء والسمراء، أو اليساريون. وطالب البعض منهم إسقاط تماثيل لتجار عبيد مشهورون في أوروبا، وتمادى بعضهم بمطالبات لهدم أهرامات مصر بدعوى أن من بناها هم عبيد سود البشرة.

وبغض النظر عن هزلية تلك المطالب، فقد طالب بها جماهير يحركها الفكر اليساري وغضب ذوي الأصول الأفريقية في تلك الدول، لكن لو افترضنا أن من قاموا بتلك التظاهرات امتلكوا القدرة السياسية لتنفيذ بعض تلك الأفكار أو كلها، فهل سيقومون بها حقًا؟!

انتابني هذا السؤال وأنا أقرأ عن خبر قيام مؤتمر one Africa: returning to the source في مدينة أسوان يومي 25 و26 فبراير من هذا العام. هذا المؤتمر من تنظيم مؤسسة IKG Cultural وهي مؤسسة ثقافية تتبنى نظرية المركزية الأفريقية أو ما تسمى بالإنجليزية Afrocentrism وهي نموذج فكري –كالعديد من النماذج- نشأت في إطار مُنْصِف، لكنها انحرفت فيما بعد.

وقد بدأت المركزية الأفريقية، في عشرينات وثلاثينات القرن العشرين، من خلال نموذج فكري يسعى إلى تسليط الضوء على الهوية والمساهمات الخاصة للثقافات الأفريقية في تاريخ العالم، قائلين أن المجتمع العلمي الغربي استهان بالحضارات الأفريقية ويشارك -بوعي أو بدون وعي- في مؤامرة لإخفاء المساهمات الأفريقية في التاريخ. وبالطبع تلك الفكرة هي فكرة مُنْصفة وحقيقية بشكل ما، فالحضارات الأفريقية قبل وصول الغرب إلى أفريقيا، تمتعت بتحضر تجاهلته اوروبا لأنه لا يماثل معاييرها.

لكن تلك الفكرة انحرفت فيما بعد لتتخذ بُعْدًا “لصوصيًا”، فقد أدعى الكثير من مفكري المركزية الأفريقية أن الحضارة المصرية القديمة هي حضارة أفريقية زنجية سوداء، وأن المصريون المعاصرون –بلا أي استثناءات- هم أبناء الغزاة العرب والرومان واليونان. وأن الأمازيغ سكان المناطق من الواحات إلى دولة المغرب هم رومان ويونان استعمروا تلك الأراضي.

ويسوق مؤيدو تلك الفكرة أكذوبة مفادها أن هؤلاء الغزاة سواء من في مصر أو بلاد شمال أفريقيا من ليبيا حتى المغرب قاموا بإفراغ تلك المناطق من سكانها الأصليين “سود البشرة” ليحلوا محلهم. لعل من أبرز هؤلاء الذين ساقوا تلك الأكاذيب من مفكري المركزية الأفريقية، الباحث السنغالي “أنتا ديوب” sheikh anta diop الذي وضع مؤلفًا تم ترجمته للغة العربية بعنوان “الاصول الزنجية للحضارة المصرية”، وهو ليس مفكرًا عاديًا بل كان له دورًا مؤثرًا في السنغال حيث بشكل كبير ومؤثر في تأسيس العديد من الكُتل السياسية في السنغـال، أهمها (الجبهة الوطنية، والتجمع الوطني الديمقراطي). وأيضًا سلاوناج أشبي solange Ashby عالمة الآثار التي تدعي أن المصريين الحاليين أحفاد العرب الغزاة. وهي تركز في أبحاثها الأثرية على ما يقال تاريخيًا أنهم نوبيين، بالرغم من تخصصها في الديانة المصرية القديمة واللغة المصرية القديمة.

لكن ما الذي يمثله ويقدمه هذا المؤتمر؟ يقول أنثوني براودر Anthony T. Browder مؤسس منظمة IKG cultural أنه زار مصر 45 مرة، وألقى العديد من المحاضرات في الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك واليابان ودول جنوب وغرب أفريقيا للتعريف بالحضارات الأفريقية والدور الأفريقي في الحضارة. أي أن ذلك المؤتمر ربما هو مجرد حلقة في سلسلة كاملة، أو ربما هو نقلة مختلفة من مجرد محاضرات إلى مؤتمر كامل!!

ربما يرى بعض القراء أن كل هذا محض هزل، لكن هذا الهزل استطاع تحريك منظمة الفنون والثقافة العالمية (اليونسكو) لإقامة مؤتمر حول الأصل العرقي للمصريين القدماء في السبعينات، ولازالت الأبحاث التي تؤكد نسبة أغلب المصريين المعاصرين للمصريين القدماء مستمرة، لعل أبرزها الدراسة التي قامت بها ناشيونال جيوجرافيك والتي اتضح منها أن نسبة المصريين ذوي الأصول الأجنبية (غير المصرية) والتي منها الأصول العربية والتركية واليونانية والإيطالية، لا تتعدى 14%. وبرغم من دحض أفكار المركزية الأفريقية عن الحضارة المصرية القديمة في مؤتمر اليونسكو وفي غيرها من الأبحاث، إلا أن تلك الأفكار لذلك تتردد وها هي سيقام لها مؤتمرًا في أسوان هذا الشهر.

نعود لنسأل السؤال بشكل مختلف؛ هل ستؤثر مثل تلك الحركات على مصرنا العزيزة؟!! العلم واضح وضوح الشمس في ذلك وأن المصريين الحاليين هم أحفاد المصريون القدماء، لكن هناك أمور أخرى واضحة أيضًا، مثل تحسن أوضاع الملونين في الولايات المتحدة لكن بالرغم من ذلك لازال الملونين وتحديدًا ذوي البشرة السوداء يضغطون على المجتمع الأمريكي لدرجة أن هناك من عدد من الشخصيات العامة من البيض ادعوا أن لهم أصول ملونة لكسب بعض التعاطف وبعض المكاسب التي يحصل عليها الملونين في البلد. فهل سيستغل اتباع المركزية الأفريقية حجة العنصرية لدفع الحكومة الأمريكية للضغط على مصر في وقت من الأوقات؟! هل ستستغل الحكومة الأمريكية المركزية الأفريقية، كورقة ضغط ضد دولتنا المصرية العظيمة؟!

أتمنى أن تكون تلك الأفكار مجرد مبالغات.

تاريخ الخبر: 2022-02-05 09:21:04
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 57%
الأهمية: 66%

آخر الأخبار حول العالم

المفاوضات لإقرار هدنة في قطاع غزة "تشهد تقدما ملحوظا"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 15:26:05
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 63%

المفاوضات لإقرار هدنة في قطاع غزة "تشهد تقدما ملحوظا"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 15:26:01
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 57%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية