شهدت بداية القرن التاسع عشر انطلاق أولى الحروب البربرية التي خاضتها الولايات المتحدة والسويد ومملكة صقلية ضد مملكة طرابلس الليبية المدعومة من تونس والجزائر اللتين كانتا تدينان بالولاء للإمبراطورية العثمانية، بالإضافة إلى مملكة المغرب التي كانت مستقلة حينها.

فقد كانت السويد في حالة حرب مع ولاية طرابلس منذ عام 1800، وهو ما دفع الولايات المتحدة المستقلة حديثاً للانضمام إليها من أجل أثبات نفسها كقوة دولية مستقلة. وبينما امتدت الحرب البربرية الأولى من 10 مايو/أيار 1801 إلى 10 يونيو/حزيران 1805، استمرت الحرب البربرية الثانية لمدة ثلاثة أيام فقط، وانتهت في 19 يونيو/حزيران 1815.

فإلى جانب انتهاء الحروب بهزائم نكراء للبحرية الأمريكية التي أجبرت حكومة الولايات المتحدة لتوقيع اتفاقية مذلة تدفع بموجبها تعويضاً لطرابلس وحلفائها عن كل جندي قتل وتدفع أيضاً الجزية مضاعفة عن السابق، ظلت معارك طرابلس راسخة في أذهان البحارة الأمريكان لدرجة دخولها ضمن أناشيد البحرية الأمريكية، والتي جاء في مطلع إحداها: "من قاعات مونتيزوما إلى شواطئ طرابلس نحن نحارب معارك بلادنا في الجو والأرض والبحر".

خلفية تاريخية

منذ القرن السابع عشر، نشط بحارة الشمال الأفريقي في مهاجمة السفن الأوروبية داخل مياه البحر الأبيض المتوسط على طول الساحل الشمالي لإفريقيا، واحتجزوا أسرى أوروبيين من أجل الحصول على فدية أو بيعهم عبيداً.

وخلال الحرب الثورية الأمريكية، بدأ البحارة المسلمين بمهاجمة السفن الأمريكية التي لم تعد تحظى بحماية البحرية البريطانية، لأن الولايات المتحدة كانت حلّت بحريتها القارية ولم يكن لديها قوة عسكرية بحرية قادرة على التصدي لمثل هذه الهجمات في المياه البعيدة عنها، وافقت الحكومة الأمريكية على دفع الجزية للبحارة البرابرة شريطة ألا يتعرضوا للسفن التجارية الأمريكية داخل المتوسط.

وبحلول عام 1797، دفعت الولايات المتحدة 1.25 مليون دولار (خمس الميزانية حينها) كجزية، وفرضت الجزية ثقلاً مالياً كبيراً على كاهل الحكومة الأمريكية، وهو ما أثار استياء العديد من السياسيين الأمريكيين من هذه المدفوعات وطالبوا إنفاقها لبناء قوة بحرية من شأنها حماية السفن الأمريكية من هجمات البرابرة.

الحرب البربرية الأولى (1801-1805)

عقب امتناع الولايات المتحدة الأمريكية عن إرسال الجزية المتفق عليها إلى ولايتي طرابلس والجزائر، استدعى والي طرابلس حينها يوسف باشا القرمانلي السفير الأمريكي وطرده بعد أن أحرق العلم الأمريكي المرفوع على مبنى السفارة الأمريكية، وهو ما استغله الرئيس الأمريكي وقتها توماس جيفرسون لإرسال الأسطول الأمريكي والمدمرة البحرية فيلادلفيا.

وقد كانت الحرب البربرية الأولى التي ابتدأت في 10 مايو/أيار 1801، والمعروفة أيضاً باسم حرب طرابلس أو حرب الساحل البربري، بمثابة أولى الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة خارج حدودها ضد مملكتي طرابلس والجزائر اللاتي كانتا كيانين شبه مستقليْن تنتميان اسمياً إلى الدولة العثمانية.

وخلال الحرب، سيطر الطرابلسيون على سفينة فيلادلفيا، فخر البحرية الأمريكية وأكبر سفنها، عندما كانت تحاصر ميناء طرابلس، وأسروا أكثر من 301 بحار من الذين كانوا على متنها. الأمر الذي دفع الأمريكان للاستسلام هم وحلفائهم من مملكة صقلية.

الحرب البربرية الثانية (1815)

وحينما عجزت الولايات المتحدة عن استعادة سفينتها فيلادلفيا، أرسلت البحرية الأمريكية جواسيسها ليحرقوها خوفاً من أن يستخدمها الطرابلسيون في مهاجمة السفن الأمريكية بالمتوسط.

وعندما أدركت حكومة الولايات المتحدة صعوبة الفوز في الحرب البحرية البعيدة عن الديار، عمد الأمريكان إلى إثارة الفتنة بين والي طرابلس وشقيقه أحمد باشا القرمنلي والي مصر الذي جرت رشوته بالمال من أجل أن يتحالف معهم ضد أخيه بعد أن وعدوه بمنحه ولاية طرابلس.

وفي يوم 16 يونيو/حزيران 1815 اندلعت الحرب البربرية الثانية، والمعروفة أيضاً باسم حرب الجزائر أو الحرب الجزائرية، وذلك بعدما هاجم الأمريكيون بجيش ضخم مدينة درنة شرقي ليبيا، لكن سرعان ما انتصر الطرابلسيون مجدداً خلال 3 أيام فقط، وذلك بعدما وصلت القوات التونسية والجزائرية والمغربية لنصرة الطرابلسيين.

وانتهت المعركة بهزيمة نكراء أخرى للولايات المتحدة، فقتل في يوم واحد قرابة 1800 واُسر أكثر من 700 جندي، واضطرت الحكومة الأمريكية إلى توقيع اتفاقية هدنة مذلة مع دول شمال أفريقيا، وافقت بموجبها على دفع تعويضات سخية إلى دول شمال أفريقيا، وقبلت أيضاً دفع الجزية مضاعفة عن السابق والإعتذار إلى الدول الاسلامية الثلاثة، إلى جانب طرابلس.

TRT عربي