ماحكم قول «مدد ياحسين»؟.. الإفتاء تُجيب 


تلقت دار الإفتاء سؤال يقول فيه صاحبه :ما حكم قول: مدد يا فلان؛ كقول: مدد يا رسول الله، أو مدد يا حسين? وهل هناك إثم على مَن يقول ذلك؟ 

واجابت أمانة الفتوي بدار الإفتاء بأن طلب المدد من الأنبياء والأولياء والصالحين أحياء ومنتقلين من الأمور المشروعة التي جرى عليها عمل المسلمين، وذلك محمول على كونهم سببًا -كالاستعانة بالطبيب على الشفاء من مرض- لا على جهة التأثير والخلق؛

موضحه أن الأصل حمل أقوال المسلمين وأفعالهم على السلامة؛ حيث إن هناك فارقًا بين اعتقاد كون الشيء سببًا وبين اعتقاده خالقًا ومؤثرًا بنفسه؛ فإنه لا مؤثر في الكون على الحقيقة إلا الله سبحانه وتعالى، والأسباب لا تثمر المسبَّبات بنفسها وإنما بخلق الله لها.


مؤكدة إذا زار إنسان مشهد الحسين رضي الله عنه مثلًا واعتقد أنه بمكان طاهر بين يدي ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استولى عليه الخشوع والخضوع وامتلأ قلبه إخلاصًا فيدعو الله مخلصًا موقنًا بالإجابة؛ خصوصًا إذا اعتقد أن روح الحسين رضي الله عنه مثلاً تسأل الله إجابة دعاء زائره؛ أليس ذلك سببًا في إجابة الدعاء وقضاء حوائج الزائرين المخلصين! والله هو المؤثِّر، ولا نرى مسلمًا ولو عامِّيًّا يتوهم –فضلاً عن أن يعتقد- أن لله شريكًا من خلقه؛ فمهما اعتقد الزائر من علو درجة المَزُور فلا يعتقد فيه إلا أنه عبد مقرَّب لله يسأل الله كما يسأله الزائر، وأن المَزُورَ أطهرُ منه روحًا وأصفى نفسًا بما أعطاه الله من الكمال الإنساني، وإن كان العوام لا يستطيعون التعبير عما تُكِنُّه صدورُهم من حسن العقيدة وكمال الإيمان] اهـ. أنه لا إثم على من يقول ذلك، فقد ورد من الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة ما يدل على جواز طلب العون والمدد من المخلوقين على جهة السببية والاكتساب، وهذا ما عليه الصحابة والتابعين سلفًا وخلفًا، وما عليه علماء الأزهر الشريف ومشايخه بصفاء فهمه ووسطيته واعتدال منهجه عبر القرون.

مشيرة الي أن الأصل في الأفعال التي تصدر من المسلم أن تُحمَل على الأوجه التي لا تتعارض مع أصل التوحيد؛ فإن إسلامه قرينة قوية توجب حملَ أفعاله المحتملة على ما يوافق عقيدته، ولا يجوز حملها على خلاف ذلك، وتلك قاعدة عامة يجب تطبيقُها في كل الأفعال الصادرة من المسلمين.

وقد دَلَّت الأدلة الشرعية من الكتاب والسُنَّة النبوية وإجماع علماء الأمة على أن كثيرًا من الأفعال التي نسبَتْها الشريعة إلى الله تعالى يصح إسنادُها إلى المخلوقين على جهة التسبب والاكتساب، ومن هذه الأفعال (الإمداد)؛ وهو منح المدد وإعطاؤه.


كما أن هناك فارقًا بين اعتقاد كون الشيء سببًا وبين اعتقاده خالقًا ومؤثرًا بنفسه؛ فإن أهل السنة يعتقدون أنه لا مؤثر في الكون على الحقيقة إلا الله سبحانه، وأن الأسباب لا تثمر المسبَّباب بنفسها وإنما بخلق الله لها، وقد دلت الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة على جواز طلب العون والمدد من المخلوقين على جهة السببية والاكتساب، أما الطلب على جهة الخالقية والتأثير فهو عبادة لا يجوز صرفها إلا لله تبارك وتعالى.
فالاستمداد (وهو طلب المدد) قد يكون عبادة للمُستَمَدِّ منه كما في قوله تعالى: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّى مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ المَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: 9]، وقد لا يكون عبادةً للمُستَمَدِّ منه؛ كما في "صحيح" البخاري من حديث سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه: «أَنَّ رِعْلًا، وَذَكْوَانَ، وَعُصَيَّةَ، وَبَنِي لَحْيَانَ، اسْتَمَدُّوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَلَى عَدُوٍّ، فَأَمَدَّهُمْ بِسَبْعِينَ مِنَ الأَنْصَارِ..»، وقد بوَّب له الإمامُ البخاري في "صحيحه" بقوله: (باب العون بالمدد).


وكما ورد الإمداد مسندًا إلى الله تعالى، فقد ورد مسنَدًا للمخلوقين؛ كما في القراءةِ المتواترةِ الصحيحة للإمام نافع المدني: ﴿وَإِخْوَانُهُمْ يُمِدُّونَهُمْ﴾ [الأعراف: 202]؛ قال الحافظ بدر الدين العيني في "عمدة القاري" (14/ 309، ط. دار إحياء التراث العربي): [أي: هذا باب في بيان عون الجيش بالمدد، وهو في اللغة: ما يُمَدُّ به الشيء، أي: يُزاد ويكثر، ومنه أَمَدَّ الجيشَ بمددٍ؛ إذا أرسل إليه زيادة، ويُجمَع على أمداد. وقال ابن الأثير: هم الأعوان والأنصار الذين كانوا يمدون المسلمين في الجهاد] اهـ.


وقال الإمام ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (5/ 225، ط. مكتبة الرشد): [وقال الإمام المهلِّب: فيه أنَّ السنة مضت من النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أن يُمِدَّ ثغوره بمدد مِن عنده، وجرى بذلك العمل مِن الأئمة بعده] اهـ.


وورد عن الصحابة والسلف الاستمداد بالمخلوقين؛ فقد روى الإمام أحمد في "المسند" وابن حبان في "صحيحه" عن عياض الأشعري قال: شهدت اليرموك وعليها خمسة أمراء: أبو عبيدة بن الجراح، ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وخالد بن الوليد، وعياض بن غنم رضي الله عنهم، قال عمر رضوان الله عليه: إذا كان قتالٌ فعليكم أبو عبيدة، فكتبنا إليه: أن قد جاش إلينا الموت، واستمددناه، فكتب إلينا: إنه قد جاءني كتابكم تستمدوني، وإني أدلكم على ما هو أعز نصرًا وأحصن جندًا؛ الله فاستنصروه؛ فإن محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم قد نُصِرَ بأقل مِن عددكم، فإذا أتاكم كتابي، فقاتلوهم ولا تراجعوني، قال: فقاتلناهم فهزمناهم وقتلناهم أربع فراسخ.


واستغاثة المسلم أو طلبه المددَ من الأنبياء والأولياء والصالحين هو محمول على السببيةِ لا على التأثير والخلق؛ حملًا لأقوال المسلمين وأفعالهم على السلامة على ما هو الأصل.


لافته الي انه يتبين وجه الحق والصواب هنا بالكلام في مقامين:
المقام الأول: أن الموت في نفسه ليس فناءً محضًا أو عدَمًا لا حياة فيه؛ كما يقول الماديون والملاحدة، بل هو انتقال من حياة إلى حياة، وقد أثبت الشرع أن للموتى إدراكًا، وأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن سماعهم أشد من سماع الأحياء في نحو قوله صلى الله عليه وآله وسلم في حق موتى الكفار: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ» متفق عليه، ودعوى الخصوصية لا دليل عليها، بل وترُدُّها رواية البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: «مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ». وإذا كان الموت لا يحول بين الكفار وبين الإدراك -مع ما هم فيه من سوء العاقبة- فلأن يسمع موتى المؤمنين مِن باب أَوْلى وأحرى؛ وذلك لأن إدراك الروح خارج الجسد أوسع وأقوى من إدراكها وهي داخل الجسد الذي هو عائقٌ لها.
المقام الثاني: أن الله تعالى جعل لأرواح الأنبياء والأولياء والمؤمنين في حياة البرزخ مِن سعة التصرف ونفع الأحياء بإذنه تعالى بل وعبادتهم لله تعالى تشريفًا واستجابة دعائهم ما ليس للأحياء.


والقول بجواز الاستغاثة بالأنبياء والصالحين بعد وفاتهم هو الذي عليه علماء الأزهر ومشايخه بصفاء فهمه ووسطيته واعتدال منهجه عبر القرون، ولم تكد هذه البدعة -بدعة التكفير بالاستغاثة بالأنبياء والصالحين والاستمداد منهم- تَدبُّ في جسد الأمة حتى انبرى بياطرةَ العلمِ وأساطين الفهم من علماء الأزهر الشريف بالردِّ الوافي والبيان الكافي والدواء الشافي، وبينوا أنها بدعة ضلالة تخالف المنقول والمعقول وما استقر عند علماء المسلمين وعامتهم، وأنها عين منهج الخوارج الذين هم شرار الخلق عند الله، والذين كان أُسُّ ضلالتهم: أنهم عمدوا إلى آيات نزلت في المشركين فجعلوها في المسلمين.


- فهذا شيخ الأزهر البرهان إبراهيم الباجوري الشافعي [ت1277هـ] يقول في آخر حاشيته على شرح الغزي على "متن أبي شجاع" في الفقه الشافعي (2/ 509، ط. مطبعة بولاق 1285هـ): [وقد حصلت في هذه الكتابة بركة؛ بسبب أني كتبتُ بعضَ عباراتٍ في الحرم المكي تجاه الكعبة المشرفة، زادها الله تشريفًا وتكريمًا ومهابة وتعظيمًا، وكذلك كتبتُ بعضَ عباراتٍ في الحرم المدني بجنب منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليه، ورزقنا العَوْدَ إليه، وأقول عنده ولديه: مَدَدَكَ يا رسولَ الله صلى الله عليك وسلم... وأقول أيضًا: مَدَدَكُمْ يا أهلَ البيت رضي الله عنكم]
وأما المعقول: فقد قرره علماء التوحيد والكلام أبدع تقرير وأحكمه، وهم المرجع في معرفة قواعد الإلهيات والنبوات، وتقرير ما يجوز وما يجب وما يستحيل في حق الله تعالى وفي حق رسله صلوات الله عليهم وسلامه؛ يقول الإمام العلامة المحقق التفتازاني في "شرح المقاصد" (2/ 79): [لما كان إدراك الجزئيات مشروطًا عند الفلاسفة بحصول الصورة في الآلات فعند مفارقة النفس وبطلان الآلات لا تبقى مدركة للجزئيات ضرورة انتفاء المشروط بانتفاء الشرط، وعندنا لما لم تكن الآلات شرطًا في إدراك الجزئيات؛ إمَّا لأنه ليس بحصول الصورة لا في النفس ولا في الحس، وإما لأنه لا يمتنع ارتسام صورة الجزئي في النفس، بل الظاهر من قواعد الإسلام أنه يكون للنفس بعد المفارقة إدراكات متجددة جزئية واطلاع على بعض جزئيات أحوال الأحياء سيما الذين كان بينهم وبين الميت تعارف في الدنيا؛ ولهذا ينتفع بزيارة القبور والاستعانة بنفوس الأخيار من الأموات في استنزال الخيرات واستدفاع المُلِمّات؛ فإن للنفس بعد المفارقة تعلقًا ما بالبدن وبالتربة التي دُفِنت فيها، فإذا زار الحيُّ تلك التربة وتوجهت تلقاء نفس الميت حصل بين النفسين ملاقاة وإفاضات] اهـ.

واختتمت امانة الفتوي فتواها أن طلب  المدد من الأنبياء والأولياء والصالحين أحياء ومنتقلين من الأمور المشروعة التي جرى عليها عمل المسلمين، وذلك محمول على السببية والاكتساب لا على الخلق والتأثير

 

اقرأ أيضا:

«الإفتاء» تعلن عن تخصيص مركز للإرشاد الزواجي لحل المشاكل الأسرية 

تاريخ الخبر: 2022-02-08 15:17:27
المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 48%
الأهمية: 67%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية