في إطار المساعي الأوروبية لخفض التصعيد بين الغرب وموسكو، التقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، نظيره الروسي فلاديمير بوتين، مساء الاثنين 7 فبراير/شباط الجاري في موسكو، وذلك قبل زيارة أجراها لاحقاً إلى كييف التقى فيها نظيره الأوكراني فولودومير زيلينسكي.

ولكن اللقاء الذي دام لساعات، لم يكن كافياً حسبما أكده سياسيون ومحللون لحلحلة الأزمة، إذ إنه في الوقت الذي كانت تسعى فيه فرنسا للحصول على ضمانات بشأن تهدئة التوترات مع أوكرانيا، لم تحصل في الأخير إلا على بعض "الإجراءات الملموسة لتجنب التصعيد"، كما جاء في المؤتمر الصحفي الذي عقب اللقاء الثنائي بين الرئيسين.

ولم تكن شكليات الزيارة، وخصوصاً فيما يتعلق بالطاولة الطويلة التي باعدت بين الرئيسين ولاقت انتقاداً إعلامياً وسخرية واسعة، إلى جانب تضارب التصريحات بين الطرفين فيما يتعلق بمحور اللقاء، إلا ترسيخاً لاعتقاد الكثيرين في عمق الخلاف حول الأزمة الأوكرانية، وأن الزيارة لم تكن موفقة.

هل نجح ماكرون في الوساطة؟

على غرار توسط الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي عام 2008، بين روسيا وجورجيا لنزع فتيل الأزمة بينهما آنذاك، يبدو أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كان يعتقد أنه بدوره سينجح في لعب دور الوساطة هذه المرة أيضا لحلحلة الأزمة الأوكرانية، وخفض التصعيد بين موسكو والعواصم الغربية، باعتبار بلاده عضواً في حلف شمال الأطلسي (ناتو) ورئيسة دورية للاتحاد الأوروبي، الذي يقود حراكاً ديبلوماسياً محموماً لنزع فتيل الأزمة وتجاوز تهميش التمثيل الديبلوماسي للأوروبيين.

ولكن موقف موسكو من الزيارة، كان نوعاً ما محسوماً كما أشار إليه مسؤولون رسميون ومحللون مختصون، على الرغم من التصريحات المغازلة التي أدلى بها ماكرون قبل الزيارة والتي أكد فيها أنه "يجب أن تُحل الأزمة مع احترام روسيا، وفهم الصدمات المعاصرة لهذا الشعب العظيم والأمة العظيمة".

وصرح، في السياق ذاته، المتحدث الرسمي باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، قبل موعد لقاء الرئيسين، بأن "ما سيطرحه ماكرون خلال زيارته متوقع، وأن ماكرون سيسعى غالباً إلى الحصول على تعهدات من بوتين بتقليل التوترات، وبالتالي فإن الموقف معقد جداً لدرجة لا تسمح بانتظار تقدم حاسم في اجتماع واحد".

واعتبر بذلك المحلل السياسي الروسي، فلاديمير باستوخوف، وعلى ضوء ما دار في اللقاء وما صرح به الجانبان، أن "فلاديمير بوتين حريص على إطالة عمر الأزمة، كما أن هدف الكرملين ليس الحرب وإنما التوتر الناتج عن التهديد بالحرب" .

وإن كان لا يُعلم إلى حدود اللحظة حيثيات وتفاصيل المبادرة التي ناقشها ماكرون خلال لقائه ببوتين، فإن الولايات المتحدة قد أبدت قلقها من أن يكون الرئيس الفرنسي على استعداد مبالغ لتقديم تنازلات إلى روسيا للظهور بمظهر "صانع الصفقات" من أجل أوروبا أكثر استقلالية عن الولايات المتحدة.

وفي الوقت الذي اعتبر فيه قادة أوروبيون، أن الزيارة تحمل بوادر انفراج للأزمة، نفى محللون ومراقبون ذلك، خاصة بعد التضارب في التصريحات بين الجانبين وعدم إبداء أي موقف حاسم من مسار الأزمة.

فبعد أن أكد مسؤول فرنسي أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن موسكو لن تجري مناورات عسكرية جديدة بالقرب من أوكرانيا في الوقت الراهن. كما أن بوتين وافق كذلك على سحب القوات المشاركة في تدريبات عسكرية في بيلاروسيا قرب الحدود مع أوكرانيا فور انتهاء المناورات يوم 20 فبراير/شباط الجاري. نفى الكرملين هذه التصريحات بشدة وووصفها بـ"غير صحيحة".

أما الرئيس الروسي فقد صرح في المؤتمر الصحفي المشترك الذي جمعه مع نظيره الفرنسي بأنّ "بعضاً من هذه الأفكار، هذه المقترحات (ويقصد مقترحات ماكرون) يمكن أن تشكّل أساساً لإحراز تقدم مشترك"، معتبراً في المقابل أنّه من السابق لأوانه الخوض علناً في هذه المقترحات.

مما يحيل بالتالي، إلى أن الزيارة لم تُبد موقفاً واضحاً وحاسماً حول مستقبل الصراع، بقدر ما كشفت عمق الأزمة وعززت القلق الأمريكي من عدم التجانس في المواقف حيال التحركات الروسية.

انتقادات فرنسية.. زيارة متأخرة وغير حاسمة

لاقت الزيارة انتقاداً لاذعاً من طيف واسع من الإعلاميين، والسياسيين الفرنسيين وخاصة في المعسكر اليميني، الذين اعتبروها خطوة متأخرة وغير كافية.

وفي هذا السياق صرحت المستشارة السياسية لفاليري بيكريس، نادين موراني، لوسائل إعلامية محلية قائلة: "أعتقد أن روسيا تستحق اهتماماً أكثر بكثير مما أبديناه خلال فترة الخمس سنوات الماضية".

ومن جانبه، بدا عضو مجلس الشيوخ الفرنسي، برونو روتايو Bruno Retailleau ممتعضاً من ظروف الزيارة وما تمخضت عنه في النهاية قائلاً في تصريح إعلامي : "ألقي باللوم على الدبلوماسية الفرنسية في عدم استمرارها في إجراء حوار متطلب مع روسيا"

وأضاف: "أنا قلق من تباهي ماكرون.. أعتقد أنه كان عليه الذهاب إلى روسيا، لكنه عاد خالي الوفاض مع عرض مسرحي غير عادي أداه بوتين، في غرفة باردة مثل سيبيريا وطاولة طويلة جداً لإضافة مسافة جسدية".

وشارك الموقف ذاته النائب بمجلس الشيوخ، إيريك سيوتي قائلا: "نحن بحاجة إلى كسر هذه العزلة، يجب أن نوقف هذا الشكل الجديد من الحرب الباردة" واعتبر أن زيارة ماكرون إلى روسيا وظهوره في دائرة الضوء الدولية، لم تكن إلا في إطار ترويجه نفسه خلال الحملة الانتخابية، على حد تعبيره.

وعلى الجانب الآخر، اعتبر وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي، برونو لومير أن "الخيار الوحيد الذي أمام فرنسا هو ما فعله رئيس الجمهورية"، وهو الخيار الذي دافع عنه في موسكو إنه "خفض التصعيد".

كما أفاد وزير الدولة للشؤون الأوروبية، كليمنت بون: "نحن نعلم الآن بعد هذه المناقشة أن هناك طريقة ممكنة لتجنب الصراع وبناء تهدئة.. سيستغرق الأمر وقتاً، إنها بداية العملية، لا يزال يوجد كثير من المخاطر لكن الأمل في الحوار موجود".

TRT عربي