عادت مجدداً حملات استهداف سمعة ودور مؤسسة الأزهر في مصر، ولكن هذه المرة على شكل انتقاد لاذع لشخص الإمام أحمد الطيب شيخ الأزهر، إذ استحضر إعلاميون مقطعاً لحديث سابق للشيخ واجتزؤوا من كلامه ليشيروا بأنّه يحرّض الرجال على ضرب زوجاتهم في إطار التأديب وكسر كبرياء المرأة.

ويقول مراقبون إنّ الحملات التي تهدف إلى "إهانة" شيخ الأزهر وتشويه صورته تأتي في إطار محاولات تهميش دور المؤسسة الإسلامية العريقة، وذلك إثر صدامات متتالية تكرّرت بين الأزهر الشريف والقيادة المصرية خلال الأعوام الماضية.

حملة ضد شيخ الأزهر

أثار الإعلامي المصري عمرو أديب في برنامجه "الحكاية" على قناة "MBC مصر" جدلاً واسعاً مطلع الشهر الجاري، بعد عرضه مقطعاً قديماً ومجتزأ لشيخ الأزهر يعود إلى عام 2019، زاعماً أنّ الأخير دعا فيه إلى العنف ضد المرأة، وذلك في إشارة إلى قول الطيب "نستطيع القول بأنّ الضرب رمز لجرح كبرياء ونشوز المرأة (..) هناك نوع من النساء، حتى لو كان قليلاً، يمكن استعمال معه هذا العلاج (الضرب)".

غير أنّ الإعلامي الشهير لم يعرض حديث الشيخ الطيب كاملاً، والذي كان قد تابع حديثه قائلاً إنّ ذلك لا يبرّر العنف الأسري، وإنّ "أولاً الضرب ليس الاختيار الأول، ثانياً هو ليس فرضاً ولا واجباً ولا سنّة".

كما أنّ الشيخ شدّد في حديث تليفزيوني آخر في العام ذاته على أنّ الإسلام لم يقل إنّ "للرجل الحق في ضرب زوجته لأيّ سبب من الأسباب"، وأردف بأنّ الضرب فيه إهانة لبني آدم، ولا ينبغي لأحد أن يمارسه قط سواء بحق المرأة أو غير ذلك، وأنّه يتمنّى أن يعيش حتى يرى "تشريعات تحرّم الضرب مطلقاً، وتعامل الضارب معاملة المجرم".

غير أنّ حديث الإمام الطيب لم يرق للإعلامي أديب ولضيفيه الدكتورة مايا مرسي رئيسة المجلس القومي للمرأة، وإسلام البحيري الذي قدّمه الإعلامي المصري كـ"باحث إسلامي كبير"، حيث قالت مرسي إنّ "حق السيدات اللاتي يتعرضن للعنف الأسري في رقبة شيخ الأزهر"، فيما هاجم البحيري شيخ الأزهر قائلاً إنّ "كلامه خطأ وضد الدستور".

وتسبّب هجوم أديب وضيفيه على شخص الشيخ الطيب في حالة جدل واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، واضطر الأزهر إلى الرد والتوضيح وإظهار الصورة كاملة وذلك على لسان أحمد الصاوي رئيس تحرير جريدة "صوت الأزهر"، الذي فنّد التهم الموجّهة إلى شيخ الأزهر في مقال تحت عنوان "وقفة هادئة مع د. مايا مرسي عن الإمام الطيب الذي تعرفه".

"افتعال معركة ضرب المرأة"

يرى الكاتب الصحفي المصري سليم عزوز أنّ المعركة ضد شيخ الأزهر "مفتعلة برمتها"، وغايتها هي "الحط من كرامة الشيخ أحمد الطيب"، في حين لفت الكاتب إلى أنّ "مؤسسة الأزهر محاصرة إعلامياً ولا يُسمح لشيخها بالدفاع عن نفسه في القنوات الفضائية".

وأردف عزوز في مقال صحفي أنّ الأمر أشبه بـ"التاجر المفلس الذي يفتش في دفاتره القديمة"، في إشارة إلى أنّ رأي الشيخ الطيب قديم ويعود لعام 2019 ولا مبرّر لاستحضاره واجتزائه الآن.

ونوّه إلى أنّ رأي شيخ الأزهر لم يُقدّم كاملاً "إنما تمّ اقتطاع بعض الكلمات من سياقها"، وأنّ الشيخ تحدث عن "التسلسل في التعامل مع الزوجة في حال نشوزها، بدءاً من الموعظة، فالهجر في المضاجع، فالضرب غير المبرح".

صراع الأزهر مع القيادة السياسية

يشير متابعون إلى أنّ الحملة الحالية التي تستهدف شخص شيخ الأزهر هي حلقة من صراع طويل تهدف فيه الإدارة السياسية في مصر إلى إحكام سيطرتها على المؤسسة الدينية الأبرز والأعرق في العالم الإسلامي، وأنّ ذلك ظهر جليّاً في عدّة محافل.

وتطرّق الباحث في القانون إسلام هلال إلى نقاط الخلاف الكبرى بين شخص الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وشيخ الأزهر، والتي جعلت من الأزهر وشيخه هدفاً لإعلاميين وقادة رأي من حين لآخر.

وأوضح هلال في حديث لـTRT عربي أنّ أبرز تلك النقاط، إطلاق الشيخ الطيب "مركز الأزهر العالمي للإفتاء" الذي يؤدي دور دار الإفتاء، و"برنامج الأروقة الأزهرية"، ساعياً إلى نشر علوم الأزهر بين فئات المجتمع، إضافة إلى معارضته للرئيس المصري في قضية الطلاق الشفوي، وهو ما أزعج الرئيس السيسي كثيراً، وعبّر عن ذلك علناً أمام وسائل الإعلام قائلاً: "تعبتني يا فضيلة الإمام".

ويعود الكاتب الصحفي سليم عزوز ليقول إنّ "التعريض بشيخ الأزهر في برنامج تلفزيوني دون تمكينه من الدفاع عن نفسه، ودون أن يكون في مواجهة من يهاجمه ومن يمثّل الموقف الآخر" هو أمر مدهش، مشيراً إلى أنّ "تخصيص حلقة للهجوم على الإمام الأكبر لا يمكن أن تكون اجتهاداً من مذيع أو من معدّي برنامج تلفزيوني"، إنما رغبة سياسية في تشويه سمعة ودور الأزهر وشيخه. فيما انتقد عزوز أنّ يجري "التطاول على مقام شيخ الأزهر، فلا يحرّك المجلس الأعلى للإعلام ساكناً".

TRT عربي