يعد عنوان العمل الأدبي والروائي، مدخلا وعتبة نصية ينسجها المبدع في استقبال متلقيه. وعديد من الأعمال الإبداعية كان سر نجاحها ورواجها أو قدر كبير من هذا النجاح يعود لعنوان هذا العمل، خاصة إذ ما كان عنوانا غامضا، ويحمل قدر كبير من التشويق والإثارة والتساؤلات ولا يطرح عليها إجابات حتى داخل العمل الإبداعي نفسه.

تنطبق وبقدر كبير هذه القاعدة علي أحدث روايات الكاتب يحيى صفوت "ما أخفاه الرماد"، والصادرة عن دار العين للنشر والتوزيع، وحققت المرتبة الأولى ضمن قائمة الأعلى مبيعا، خلال مشاركة دار العين بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، والتي انتهت الأسبوع الماضي.    

ولعل أول ما يتبادر لذهن متلقي العمل الروائي "ما أخفاه الرماد"، للكاتب يحيى صفوت، هو ماهية هذا الذي أخفاه الرماد، ومن هو الذي أخفاه، ولماذا أخفاه، وعن من أخفاه؟ وغيرها من الاسئلة التي يطرحها العنوان المشوق الغامض، ضمن سلسلة روايات "صفوت"، التي تنتمي لأدب الغموض والإثارة والتشويق. وصدر لصفوت في هذه النوعية من الروايات، رواية "بر الضيف" بأجزائها: "بر الضيف.. القسم"٬ وتبعها بالجزء الثاني تحت عنوان "بر الضيف.. العودة"٬ "بر الضيف.. الميراث"، بالإضافة إلي روايته "جنينة المحروق"، وكلها صادرة عن دار العين للنشر والتوزيع.

يعتمد يحيي صفوت في روايته "ما أخفاه الرماد"، على التكنيك الدائري في السرد، أي أن متلقي العمل الروائي عندما يصل لنهاية الحكي يجد نفسه يبدأ من نقطة البداية مرة أخرى، فيعيد القراءة من جديد، ليكتشف الحبكة السردية والفخ الذي نصبه الراوي لقراءة عن شخصية بطل الرواية "مراد".

تنطلق الرواية من حادث ترويع طفل صغير بكلب متوحش داخل أحد المعاهد بمدينة مطروح، هذا الحدث الذي سيتوقف عليه مصير بطل الرواية "مراد"، ويتأسس عليه مساره في الحياة حتى نهايتها، حتى ولو حاول أن يفلت من الصفقة التي أبرمها، وبمقتضاها لمع نجمه في سماء الرياضة ودنيا الأعمال والاقتصاد.

من السمات المميزة لروايات الإثارة النفسية أنها تؤكد على الحالات العقلية لشخصياتها: تصوراتهم وأفكارهم وتشوهاتهم وصراعهم العام لفهم الواقع. ركز الكاتب يحيي صفوت في روايته ما أخفاه الرماد، على القصة وتطور الشخصية والاختيار والصراع الأخلاقي الذي وقع "مراد" بين براثنه. ونجح في رسم نفسية بطله "مراد" ومشاعره التي تباينت بين الخوف والقلق والتوتر النفسي وأثر هذا في حياته العملية وفي اختياراته خلال رحلته في الحياة، وما قاده إلي هذه الخيارات خلال حياته.

وكان للتركيز القوي على شخصية "مراد" وتاريخها الاجتماعي والشخصي، من خلال علاقاته بالمحيطين به، سواء والده أو والدته التي فقدها مبكرا، وكيف كان لمديرة المعهد الذي درس فيه الدكتورة "تهاني"، دورا في تعويضه عن حنان ووالدته وعطفها. أيضا الدور الكبير لصديقيه "طه" و"حسن" في خلق دفاعات نفسية داخل مراد للإنعتاق من الصفقة الملعونة التي أبرمها. وكيف كانا سببا في تخفيف حالة الذنب التي عاناها "مراد" إثر العهد والسر الذي أقسم علي أن يحفظه.

بني الراوي شخصية "مراد"، متكئا على دراسات فرويد في علم النفس، خاصة عن علاقة الابن بوالدته وكيف يميل إليها، علي النقيض من الأب الذي يرى فيه منافسا له في المكانة لدي الأم، أو ما يسمى بــ "عقدة الأب" Father Complex، وهو مصطلح يشير إلى مجموعة من الأفكار لدى الشخص -طفلا أو بالغا- المرتبطة بتجربة الأب وصورته.

ومن المشكلات النفسية التي تنتج عن عقدة الأب كما صورها "فرويد"، البحث عن شخصية حامية تعويضية لملء فراغ الأبوين سواء الأب أو الأم، وهو ما لجأ إليه "مراد" في الصفقة التي أبرمها، وإن كان هذا الفراغ الذي حاول أن يجد من يسده، سواء بصديقيه حسن وطه لملء غياب الأب، أو الدكتورة تهاني لمنحه الحنان والرعاية وكل ما فقده بغياب الأم بالموت. إلا أن "مراد" كانت خياراته فيما بعد علي طريقة أبطال الملاحم الإغريقية التي غالبا ما تنتهي بالمأساوية.

تبقي الإشارة إلي أن رواية "ما أخفاه الرماد"، للكاتب يحيي صفوت، رواية مشوقة تعتمد علي الإثارة النفسية، نجح المؤلف في رسم ملامح بطلها والصراعات الداخلية التي يعانيها، بالإضافة إلي صراعاته مع العالم الخارج عن ذاته، بحبكة مشوقة وتكنيك سردي سلس، ولغة بسيطة سهلة الوصول لكل شرائح القراء، خالية من الترهل ذات مشهدية عالية، تنقل متلقيها لأجواء أحداث الرواية، فينفعل بها ومع أبطالها، ليبقي معه السؤال، إلي أي مدي قد يصل الإنسان ويقدم من تنازلات مقابل الحصول على ما يرغبه ويريده.