مساندة الانقلاب تفقد الحركات السودانية حواضنها


تزعزع نفوذ الحركات المسلحة السودانية، في مناطق حواضنها، عقب وقوفها مع انقلاب 25 اكتوبر الماضي، وتخليها عن شعاراتها الثورية، وهو ما بدا واضحاً في النقد الموجه لها بكثافة.

التغيير– الخرطوم: علاء الدين موسى

أحدثت ثورة ديسمبر السودانية، تغييراً في الثقافة السياسية بترجيح كفة الاحتجاج السلمي في مناطق نفوذ للحركات التي حملت السلاح في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وباتت لجان المقاومة في تلك المناطق تسيطر على مجريات الأحداث بتنظيم المظاهرات الرافضة لسياسات السلطة الانقلابية ومعاونيها من الحركات، وبرزت أصوات رافضة لاتفاق جوبا للسلام باعتبار أنه لا يمثل تطلعات أهل تلك المناطق.

رفض الانقلاب والاتفاق

وخرج مواطنون بالفاشر حاضرة شمال دارفور الأسبوع الماضي، في مظاهرات سلمية رفضاً لزيارة قائد الانقلاب عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو “حميدتي”، الذين وصلوا المدينة رفقة بعض أعضاء المجلس الانقلابي، وذلك بعد دعوات أطلقها ناشطون ونازحون للتظاهر ضد الزيارة.

ولم تكن الفاشر وحدها التي خرجت في مظاهرات مناهضة لانقلاب 25 أكتوبر الذي نفذه البرهان، بل خرجت أغلب الولايات التي اتخذت منها تلك الحركات منطلقاً لكفاحها المسلح ضد الظلم والتهميش.

وكان كثيرون توقعوا أن يضع سلام جوبا الموقع بين الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة في أكتوبر 2020م، بعاصمة جنوب السودان، حداً لمعاناة المواطنين وينهي سنوات الاقتتال، لكن ذلك لم يحدث رغم مرور أكثر من عام، إذ اتسعت دائرة العنف، وانحسر الأمن بشكل كبير.

واعتبر مراقبون أن اتفاق جوبا زاد من تعقيدات الوضع في دارفور، النيل الأزرق، وجنوب كردفان، حيث وجد الاتفاق رفضاً واسعاً من أصحاب المصلحة الحقيقيين الذين تم إبعادهم، وطالبوا الحكومة بضرورة مراجعة الاتفاق حتى لا ينفجر الوضع بتلك المناطق ويؤدي لانفراط الأمن أكثر.

وتشهد دارفور اضطراباً أمنياً كبيرا، ودفعت السلطات الانقلابية بقوات مشتركة من الجيش والشرطة والدعم السريع والمخابرات العامة والحركات المسلحة إلى الإقليم للسيطرة على الأوضاع، لكنها لم تفلح وإنما باتت جزءاً من الصراع الذي يدور الآن.

مطالب جهوية

واعتبر رئيس هيئة محامي دارفور الصادق السندكالي، أن الثورة السودانية كشفت عن تحول في الثقافة السودانية.

وقال لـ«التغيير»: «لقد كانت السياسة في السابق عبارة عن مهنة لنخب من خلالها يصلون للوظائف المرموقة بالدولة كما برزت المطالب الجهوية تحت مظلة الحركات المسلحة».

وأضاف: «ولكنها في نهاية المطاف انتهت إلى وظائف السلطة في الدولة وتركت شعاراتها التي قاتلت من أجلها».

وأكد السندكالي أن جيل الثورة الحالي تجاوز الجهوية والقبلية وهذا الجيل يمثل جميع مناطق السودان بسحناتهم المتعددة، جمعت بينهم قيم الثورة ومطالبها «حرية، سلام وعدالة»، وهذا الجيل تنقصه فقط الخبرات لإدارة الدولة.

وقال: «من الواضح أنه لم يعد بالإمكان إدارة الدولة بذات النهج السابق والمفاهيم السابقة وهذا يتطلب من كافة القوى السياسية والحركات المسلحة مراجعة مواقفها».

ولفت إلى أن ما ضحى من أجله الشباب ليس من أجل مغانم سلطوية بل من أجل التأسيس لدولة ديمقراطية تسود فيها الديمقراطية والحريات، وهذا يتطلب من القوى السياسية الرجوع لقواعدها وتنظيمها وإجازة برامجها بما يتوافق مع المفاهيم الجديدة ولم يعد مجديا التقوقع.

وقال السندكالي: «من المؤسف حقاً لا تزال الأحزاب منكفئة على نفسها وحصرت ذاتها في صراعات الحرية والتغيير والسلطة بتصنيف ضد أو مع».

ونوه إلى أن الوضع الحالي تجاوز تلك المرحلة والبلاد مقبلة على نذر حرب أهلية والفوضى الشاملة.

وطالب التنظيمات أن تعلن عن برامجها وعن نفسها وتنظيم عضويتها، ذلك أن الركون لمربع ما قبل 25 اكتوبر لا يكسبها ما تريد، وقال: «لجان المقاومة باتت هي المعبّرة عن الشارع لذلك يجب العمل على دعمها والتنسيق معها وبناء تحالفات بأسس جديدة تضمن من خلال المساهمة بالمساندة الجماهيرية والطرح الفكري».

إسقاط الانقلاب

من جانبه، قال الناطق الرسمي باسم المنسقية العامة للنازحين واللاجئين آدم رجال، إن الجميع دفع فاتورة التغيير ولكن قوى الحرية والتغيير سرقت ثورة الشعب السوداني- حسب تعبيره.

وأضاف لـ«التغيير»: «على الرغم من الاخفاقات إلا أن القائد البرهان ونائبه حميدتي نفذا انقلاب 25 أكتوبر على الحكومة المدنية بقيادة حمدوك.. وبدأنا من جديد العمل لإسقاط الانقلاب المشؤوم الذي استولى على السلطة بطريقة غير شرعية».

وطالب الشعب السوداني بالتوحد من أجل إسقاط الانقلاب العسكري لبناء دولة المواطنة المتساوية.

وتبرأ رجال من أن يكون النازحون جزءاً من اتفاق سلام جوبا، وقال: «أصدرنا أكثر من بيان بأن الاتفاق لا يمثل النازحين، ولا يوجد شخص يؤيد سلام جوبا داخل المعسكرات».

واتهم جهات بتمثيل النازحين بالوكالة، وقال إنه ليس لهم شرعية لدخول المعسكرات للتبشير بالسلام.

ووصف سلام جوبا بـ«أس الأزمة في البلاد بتقسيمه السودان إلى مسارات وخلق مشاكل في دارفور، لأنه تم على طريقة المحاصصات».

حركات قبلية

واتفق المحلل السياسي والمختص شؤون دارفور د. محمد تورشين مع السندكالي فيما ذهب إليه، وقال لـ«التغيير»: «إن استمرار مشروع الحركات في تلك المناطق أثبت بما يدع مجالاً للشك أن هذه الحركات حركات قبلية تتحدث عن مشاكل إثنيات معينة».

وأضاف: «حتى هذه الإثنيات تقلص دورها وأصبحت تتحدث عن مجموعات صغيرة باسم الإثنيات بل تتحدث عن مصالح أفراد أو أُسر».

خطاب السلطة

فيما عزا الصادق السندكالي الانفلات الأمني في دارفور إلى افتقار الحركات المسلحة المنضوية للسلام إلى البرامج والرؤى الاستراتيجية، كما أن خطابها محصور في السلطة «وهذا ما ظهر في تصريحات عضو مجلس السيادة د. الهادي إدريس الذي أرسل رسائل مبطنة مؤخراً فحواها الرجوع إلى الحرب في حال عدم الالتزام بإتفاق جوبا، والواقع الحالي تجاوز اتفاق جوبا»، وأشار إلى أن غالبية الحركات فقدت تعاطف ومساندة الراي العام الدارفوري خاصة جبريل ومناوي وهما من أبرز مساندي الانقلاب.

لجان المقاومة

فيما ذهب عضو لجان مقاومة غرب دارفور حسب الله آدم، إلى أن لجان المقاومة التي تنشط في الحراك ليست لها علاقة بالحركات الموقعة على اتفاق سلام جوبا.

وقال إن هنالك شخصيات داخل لجان المقاومة من تنظيمات محددة منضوية تحت أحزاب قوى الحرية والتغيير، وجزء من المهنيين ومنظمات المجتمع المدني.

وأكد حسب الله أن مجتمع النازحين في المعسكرات موقفه واضح تجاه الحركات الموقعة على سلام جوبا وهو الرفض لكل شيء تقوم به، باعتبار أن قياداتها لهم أجندة خاصة ولا يعيرون الاهتمام بقضايا النازح الدرافوري.

دعم التحول

وبحسب المحلل محمد تورشين، فإن المواطنين في دافور وجنوب كردفان والنيل الأزرق يدعمون التحول الديمقراطي وبناء دولة المواطنة من غير تمييز، وقال إن الكفاح المدني يمثل أملاً ورغبة جادة للخروج من المأزق الذي تعيشه البلاد.

وأشار إلى أن مشاركة مناطق الصراع المسلح في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان تمثل رغبة الفئات الصادقة من أبناء تلك المناطق الساعية بشكل جاد وشكل حقيقي لإحداث التغيير الجذري المرتبط بإقامة دولة الحرية والسلام والعدالة.

ولفت إلى أن هذه التطلعات قائمة على تجربة حقيقة من قبل تلك الجماعات التي جزء منها ناصر الحركات في فترة من الفترات برفعها لشعارات تعالج جزء من المشكل السوداني.

وقال تورشين: «إن المتأثرين من أبناء دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان بالحرب مدركون تماماً أن القوى السياسية المدنية هي بعيدة كل البعد عن طرح قضاياهم وتمثليهم بشكل عادل لأنها أحزاب صفوية بعيدة كل البعد عن إنسان الهامش».

وأكد أن الأصوات الرافضة لسلام جوبا تتحدث منذ القدم، «وكل اتفاقيات السلام سواء في العهد البائد أو الحالي لم تحقق شيئاً ولن تحقق».

وقال إن المجموعات المتأثرة بالحرب أصبحت تشكل نموذجاً مدنياً، وهذا النموذج تطوير لمنظمات المجتمع المدني والكفاح المدني، حقّق مكاسب للتغيير حتى من مكاسب الحركات المسلحة التي أسهمت بشكل مباشر في تشريد هؤلاء ونشأوا في بؤس وضنك والآن تصعب عودتهم إلى مناطقهم لإحداث الاستقرار في ظل هذه الأوضاع.

وتابع: «بالتالي في تقديري هذه المسألة تجعل من استمرار الكفاح المدني فاعلية ووجود الحركات المسلحة في المستقبل القريب ستكون محدودة جداً».

وناشد تورشين، الشباب في السودان بالعمل على تكوين أجسام سياسية حديثة تؤمن بالشعارات المتمثلة في الحرية والسلام والعدالة لأن تطبيق تلك الشعارات سيكون مخرجاً للأزمة السودانية.

تاريخ الخبر: 2022-02-12 00:21:46
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 51%
الأهمية: 56%

آخر الأخبار حول العالم

الركراكي يحظى باستقبال خاص في مقر نادي إشبيلية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 15:25:43
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 54%

الركراكي يحظى باستقبال خاص في مقر نادي إشبيلية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 15:25:52
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 50%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية